الحمد لله الذي جعل طلب العلم اجل القربات وتعبدنا به طول الحياة الى الممات. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وسلم ما استمرت مجالس التعليم على اله وصحبه الحائزين مراتب التكريم. اما بعد فهذا هو الدرس الثاني من الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الاولى سنة ثلاثين بعد الاربعمائة والالف. وهو كتاب تذكرة السامع في ادب العالم والمتعلم للعلامة محمد بن ابراهيم بن جماعة الكناني رحمه الله تعالى. وقد انتهى بنا القول الى ذكر الاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل العلم والعلماء. نعم. احسن الله اليك الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى وعنه صلى الله عليه وسلم فقال يوزن يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء. قال بعضهم هذا على ان اعلى مال الشهيد دمه للعالم مداده. وعنه صلى الله عليه وسلم ما عبد الله بشيء افضل من فقه في دين. ولفقيه واحد اشد على الشيطان من الف عابد. وعنه صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله. ينفون عنه الغاليين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. وفي حديث يشفع يوم القيامة ثلاثة الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء روي العلماء يوم القيامة على منابر من نور. ونقل القاضي حسين بن محمد رحمه الله في اول تعليقته انه اوه يا عين النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من احب العلم والعلماء لم تكتب عليه خطيئة ايام حياته قال وروي عنه صلى الله عليه وسلم قال من اكرم عالما فكأنما اكرم سبعين نبيا ومن اكرم متعلما فكأنما سبعين شهيدا. وقال من صلى خلف عالم فكأنما صلى خلف نبي. ومن صلى خلف نبي فقد غفر له ونقل الشر مساحي المالكي في اول كتابه نظم الدرر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عظم العالم فانما يعظم الله تعالى ومن تهاون بالعالم فانما ذلك استخفاف بالله تعالى وبرسوله. سبق ان ذكر المصنف رحمه الله تعالى اربعة احاديث احاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل العلم واهله. ثم اتبعها بجملة من الاحاديث الاخرى. خامسها حديث يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء وهذا الحديث حديث اخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه وهو حديث موضوع والاحاديث متكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مستفيضة في بيان فضائل العلماء ولم يحسن المصنف رحمه الله تعالى فيما اورده فيما يستقبل من الاحاديث. فان الاحاديث التي اوردها فيما يستقبل كل لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. الا ان الا ان اهل العلم رحمهم الله ربما توسعوا في ذكر شيء من الاحاديث التي ثبتت اصولها عن النبي صلى الله عليه وسلم فان فضل العلم ثابت باحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وانما العيب اذا اقتصر المرء على الاحاديث التي لا تصح اما اذا ذكر الصحيح دعه بما هو دونه وربما يتحمل ذلك. الا ان الموضوعات ينبغي بيانها كما ذكروا رحمهم الله ولابن حجر في كتاب الاصابة رأي يخالف ما ذكره في كتبه في مصطلح الحديث يبينه في محله باذن الله تعالى وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى نقلا عن بعض اهل العلم في بيان دلالة هذا الحديث على فضل العلماء فقال قال بعضهم هذا على ان اعلى مال الشهيد دمه وادنى ما للعالم مداده. فصار الادنى عند العالم افضل من الاعلى عند الشهيد. ثم اتبعه بحديث ثان وهو حديث ما عبد الله بشيء افضل من فقه في دين الحديث وهو الحديث السادس من تعداد الاحاديث التي اوردها المصنف. وهذا الحديث ايضا حديث لا يصح والمحفوظ فيه من قول الزهري كما سيأتي ذكر هذا البيهقي في شعب الايمان ثم اتبعه بحديث ثالث. وهو حديث يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله. وهذا الحديث روي من وجوه عديدة لكنه لا يثبت الا مرسلا عن ابراهيم بن عبدالرحمن العذري كما صححه الامام احمد مرسلا وتوهم بعض الناس ان الامام احمد قصد تصحيح الحديث وهذا غلط عليه وانما قصد بيان ان الصحيح في هذا الباب روايته مرسلا عن إبراهيم ابن عبد الرحمن العذر والمرسل ضعيف عند اهل العلم بالحديث ومعنى قوله في هذا الحديث من كل خلف عدوله اي من كل جيل اعدل الناس فيه. ثم ذكر وظيفتهم فقال ينفون عنه تحريف الغاليين اي المنسوبين الى الغلو وهم المتجاوزون لما حده الله سبحانه وتعالى من الحدود الشرعية. ثم قال في وصفهم وانتحال المبطلين. اي ما اهل الباطل الى الشريعة بما يستدلون به منها ثم ذكر وظيفة ثالثة لهم فقال وتأويل الجاهلين اي بيان الجاهلين القاصرين عن مرتبة اهل العلم المدركين لهم ثم اتبعه في حديث هو الحديث الثامن وهو حديث يشفع يوم القيامة ثلاثة الحديث اخرجه ابن ماجة. وغيره وهو من الاحاديث الموضوعة التي ذكرت في سنن ابن ماجة. والاحاديث الواردة في شفاعة العلماء لا تسلم من ضعف. الا ان شفاعتهم تدخل في جملة شفاعة المؤمنين فان المؤمنين يشفعون لاخوانهم واحق المؤمنين بالشفاعة هم من كمل ايمانه ولا ريب ان العلماء هم من اكمل المؤمنين ايمانا اتمهم حال فيستدل بالاحاديث الواردة في شفاعة المؤمنين لاخوانهم على شفاعة العلماء وغيرهم اما الاحاديث المخصوصة في شفاعة العلماء للمؤمنين ففيها ضعف ومن جملتها هذا الحديث ثم اتبعه بحديث تاسع وهو حديث العلماء يوم القيامة على منابر من نور ثم اتبعه بحديث عاشر وهو من احب العلم علماء لم تكتب عليه خطيئة ايام حياته ثم اتبعه بالحديث الحادي عشر وهو حديث من اكرم عالما فكأنما اكرم سبعين نبيا ثم اتبعه الحديث الثاني عشر وهو حديث من صلى خلف عالم فكأنما صلى خلف نبي ثم ختم بالحديث الذي نقله عن الشرمساحي المالكي في كتابه نظم الدرر وهو حديث من عظم العالم فانما يعظم الله الا وكل هذه الاحاديث احاديث موضوعة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم والاكتفاء بالصحيح اولى ولكن العالم لا يعاب الا اذا اخلى كتابه من الصحيح واختصر على ما لا يصح اما ايراد الاحاديث الضعاف والواهيات على وجه اتبع فهذا امر جرى عليه رؤوس علماء اهل السنة رحمهم الله قديما وحديثا. واجمع كتاب اشتمل على الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل العلم هو كتاب مفتاح دار السعادة للعلامة ابن القيم بل هو اجمع كتاب صنفه اهل العلم في بيان فضائل العلم. فينبغي ان يقرأ طالب العلم الجزء الاول منه فانه مشحون هذا نعم. وقال علي رضي الله عنه كفى بالعلم شرفا ان يدعيه من لا يحسنه ويفرح اذا نسب اليه وكفى بالجهل ذما ان يتبرأ منه من هو فيه. فقال بعض السلف خير المذاهب العقل وشر المصائب الجهل فقال ابو مسلم الخولاني العلماء في الارض مثل النجوم في السماء اذا بدت للناس اهتدوا بها واذا خفيت عليهم تحيروا وقال ابو الاسود الدؤلي ليس شيء اعز من العلم الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك. فقال وهب من العلم الشرف وان كان صاحبه دنيا. والعز وان كان مهينا. والقرب وان كان قصيا. والغنى وان كان فقير والمهابة وان كان وضيعا. وعن معاذ رضي الله عنه تعلموا العلم فان تعلمه حسنة. وطلبه عبادة ذكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وبذله قربة وتعليمه من لا يعلمه صدقة. وقال الفضيل بن عياض عالم معلم يدعى كبيرا في ملكوت السماء. وقال سفيان بن عيينة ارفع الناس عند الله منزلة من كان بين الله وبين عباده هم الانبياء والعلماء. وقال ايضا لم يعط احد في الدنيا شيئا افضل من النبوة. وما بعد النبوة شيء افضل من العلم والفقه فقيل عن من هذا؟ قال عن الفقهاء كلهم. فقال سهل من اراد النظر الى مجالس الانبياء فلينظر الى العلماء اعرفوا لهم ذلك. فقال الشافعي ان لم يكن الفقهاء العاملون اولياء الله اولياء لله فليس لله ولي. وعن ابن عمر رضي الله عنه مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة. وعن سفيان الثوري والشافعي رضي الله عنهما ليس بعد الفرائض افضل من طلب العلم وعن الزهري ما عبد الله بمثل الفقه. وعن ابي ذر وابي هريرة رضي الله عنهما قال باب من العلم نتعلمه احب الينا من الف ركعة تطوعا. وباب من العلم نعلمه عمل به او لم احب الينا من مئة ركعة تطوعا. لما فرغ المصنف رحمه الله تعالى من ذكر دلائل القرآن والسنة على فضل علمي وشرف اهله اتبعه بذكر الاثار المروية عن السلف رحمهم الله من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وهذه جادة اهل السنة. فان اهل السنة يتبعون الاية والاحاديث باثار السلف الصالح من الصحابة والتابعين واتباع التابعين لعظم مقامهم وكمال علومهم وقد اورد المصنف رحمه الله تعالى ها هنا ستة عشر اثرا من الاثار المذكورة عن السلف في هذا منها خمسة عن الصحابة اولها قول علي رضي الله عنه كفى بالعلم شرفا وثانيها قول معاذ تعلموا العلم وثالثها قول ابن عمر مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة رابعها وخامسها عن ابي ذر وابي هريرة قال باب من العلم نتعلمه احب الينا من الف ركعة الاثر وهذه الاثار المروية عن الصحابة رويت باسانيد ضعاف لا تثبت عنهم. ومنها ما روي مرفوعا ولا يصح واهل الحديث يسهلون في المروي عن الصحابة والتابعين واتباع التابعين اذا كان لا يستقل باثبات حكم خارج عن دلائل القرآن والسنة. فمثل هذا تسهل فيه ولا يشدد. فاول الاثار المروية مما ذكره المصنف قول علي كفى بالعلم شرفا ان يدعيه من لا يحسنه ويفرح اذا نسب اليه وكفى بالجهل ذما ان يتبرأ منه من هو فيه فذكر دليلا على فضيلة العلم وذم الجهل وهو ان من نسب الى العلم رآه شرفا وفرح به ومن نسب الى الجهل رآه دما واغتم منه. ففطر الناس وعقولهم واطئة على هذا المعنى. ثم اتبعه باثر تان. قال فيه وقال بعض السلف. وآآ هذا المبهم هو ابو الحسن ابن كنجك احد المتأخرين بعد طبقة السلف الصالح. رواه عنه الخطيب في كتاب الزهد والرقائق. وقد وقع تصحيح في هذا الكتاب. فالقول المحفوظ عن ابي الحسن ابن كنجب قوله خير المواهب العقل اي خير ما يوهب الانسان هو العقل وشر المصائب الجهل وقد نظمت هذا المعنى فقلت خير المواهب العقل وما مصيبة اعظم من جهل غمى خير المواهب العقل وما مصيبة اعظم من جهل ظمأ. ثم ذكر اثرا ثالثا عن ابي مسلم خولاني رحمه الله تعالى فيه بيان ان العلماء في الارض منزلة النجوم. ولابي عبدالله ابن القيم وتلميذه ابي الفرج ابن الجوزي ابن رجب كلام حسن في بيان مشابهة العلماء للنجوم من ثلاثة وجوه الوجه الاول ان العلماء زينة للارض كما ان الكواكب والنجوم زينة للسماء والثاني ان العلماء يهتدى بهم كما ان النجوم يهتدى بها والثالث ان العلماء رجوم على الباطل واهله. كما ان النجوم رجوم للشياطين. وهذا من احسن المناسبات في المشابهات. ثم اتبعه باتى رابع وهو قول ابي الاسود الدؤلي ليس شيء اعز من العلم. الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك وهذا الحكم الذي ذكره ابو الاسود الدؤلي رحمه الله تعالى متصرف على معنيين اثنين احدهما حكم تصرف وتدبير حقيقة حكم تصرف وتدبير حقيقة. وهذا حظ الملوك من الناس الثاني حكم اشارة ورأي حكم اشارة ورأي. وهذا حظ العلماء على الحكام. فليس الحكم بمعنى واحد فليس معنى هذه الجملة ان الملوك يتصرفون في الناس ويدبرونه. وان ان العلماء يتصرفون في الملوك ويدبرونه فان هذا المعنى لا يكون ابدا فان حقيقة الملك هي التدبير والتصرف وانما يكون الملك لاهله وهم اهل السلطنة. وكان الامر في اول الاسلام على بين الحكم والعلم لواحد هو امام المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ابي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم بدأ الامر ينقص شيئا فشيئا. وليس معنى هذه جملة في قوله والعلماء حكام على الملوك ان العلماء يتصرفون في الملوك فان العالم لا حيلة بيده لان حقيقة الملك التدبير والتدبير الى اهل السلطة وانما العالم يشير ويرشد وينصح ويبين للملك فان قبل منه سلم وغنم وان ابى وتتابع ذلك منه كان ذلك من اسباب وهن الولاية وضعفها كما ذكره المصنفون في ابواب السياسة والحكم قديما وحديثا. وما عليه بعض الناس اليوم من جعل العلماء حكاما ومطالبتهم بذلك ليس عليه اثارة من علم الكتاب والسنة. فان علم الكتاب والسنة لا يجعل العالم هذه المنزلة اذ هو من تصويره لشيء ليس بيده فان العالم لا يستطيع ان يتصرف بيده في اقامة معروف او ازالة منكر وانما يشير على الحاكم فاذا اشار عليه ونصح برئت ذمته. وهذا هو الذي ينبغي عقله ويتعدد هذا الامر في الناس بحسب اقدارهم فان القدر الذي يكون على العالم المتهيأ للوصول الى ولي الامر ليس كالقدر المتعين على من دونه وليس قدر ما على العالم قد الذي يكون على طالب العلم. وليس القدر الذي يكون على احاد طلبة العلم كالقدر الذي يكون على المتمكنين منه. وليس القدر الذي يكون على افراد الناس كالقدر الذي يكون على احاد المتعلمين. فينبغي رعاية هذا الاصل وفهمه فانه وبسببه وقع زلل كبير في بلاد المسلمين. ثم اتبعه باثر خامس وهو قوله وقال وهب تعبوا من العلم الى اخره. وهب اذا اطلق في كلام اهل العلم هو وهب ذي المنبه. الصنعاني احد اعلام التابعين من اهل اليمن وقد ذكر من فضيلة العلم انه يكسب صاحبه شرفا وعزا وقربا وغنا ومهابة. وهذه الاشياء لا تراد بذاتها فان العلم انما فيراد لوجه الله وانما تقع تبعا. اما اذا كانت هي هم الطالب في طلبه فبئس ما طلب وسيأتي في كلام الانباه الى هذا في فصل المستقبل. ثم اتبعه باثر سادس عن معاذ رضي الله عنه قال تعلموا العلم فان تعلمه حسنة وهذه اللفظة تصحيف للصواب فان تعلمه خشية وقد ذكر رحمه الله تعالى اشياء في وصف التماس العلم كلها ترجع الى معنى الطاعة المفعولة على وجه القربة فانه جعله تارة حسنة تارة عبادة وتارة تسبيحا وتارة جهادا وتارة قربة وتارة بحسب الانواع التي عدت وكل هذه الانواع يجمعها انها مفعولة على وجه طلب الاجر والثواب من الله وتعالى. ثم اتبعه باثر سابع وهو قول الفضيل بن عياض عالم معلم يدعى كبيرا في ملكوت السماوات يعني يدعى معظما عند الله سبحانه وتعالى وملائكته فان ملكوت السماوات يجمع وصف والرب سبحانه وتعالى ووصف اهل السماء وهم الملائكة. ومراد الفضيل بالعالم هنا العالم العامل فانه لا بد من اجتماع العلم الى هذين المعنيين فهو عالم معلم عامل. لان التعليم فرع عن العمل فان ان التعليم من العمل بالعلم ثم اتبعه باثر تامن عن سفيان ابن عيينة قال ارفع الناس عند الله منزلة من كان بين الله وبين عباده وهم الانبياء العلماء ومقصوده بقوله من كان بين الله وبين عباده اي واسطة في البلاغ والبيان هذا هو المعنى المتعين دون غيره. فمن جعل الانبياء والعلماء واسطة على غير هذا المعنى فقد ضل وانما هم واسطة بلاغ وبيان كما بينه ابو العباس ابن تيمية في قاعدته المشهورة في هذا وسبق اقرؤها في احد برامج الدرس الواحد ثم اتبعه باثر تام عن سفيان ابن عيينة ايضا انه قال لم يعطى احد في الدنيا شيء افضل من النبوة وما بعد النبوة شيء افضل من العلم والفقه. ويصدق هذا ما سلف من حديث ابي الدرداء عند الاربعة الا النسائي واسناده حسن ان النبي صلى الله عليه وسلم قال العلماء ورثة الانبياء. فهذا الذي ذكره سفيان شيء جلي مستبين بدلالة الشرع. ولما سئل رحمه الله تعالى فقيل له عن من هذا؟ اي عن من تأثر هذا وتذكره فقال عن الفقهاء كلهم عن الفقهاء كلهم اي هو من العلم المستفيض الظاهر الذي لا يحتاج الى نقل وقد روى ابن ابي شيبة بسند صحيح عن ابن جريج ان عطاء حدده حديثا فقال له ابن جريج عن من؟ فقال مستفيض وهذا الذي نذكره غير مرة من ان الدين العام منقول الينا بالتواتر والشهرة لا تحتاج في بعض افراده الى نقل خاص ومن جملة هذا كون العلماء يقومون مقام الانبياء فان هذا شيء مستفيظ ظاهر ولهذا حكاه ابو محمد سفيان ابن عيينة رحمه الله تعالى عن الفقهاء جميعا. ثم اتبعه باثر عاشر فقال وقال سهل وسهل اذا اطلق وسهل بن عبدالله التستري احد المشهورين بالعلم والفضل والعبادة. وفيه انه قال من اراد النظر الى مجالس فلينظر الى مجالس العلماء فاعرفوا لهم ذلك. اي من اراد ان ينظر الى مجالس الانبياء التي يسمع عنها ولم يبصرها بعينيه فلينظر الى مجالس العلماء ثم اتبعها اتبعه بالاثر الحادي عشر وهو قول الشافعي ان لم يكن الفقهاء العامل الاولياء لله فليس لله ولي. والولاية هنا يراد بها الولاية الخاصة التي تقتضي النصرة والتأييد والعناية واللطف فليس هي ولاية عامة فان ولاية الله لعباده نوعان اثنان كما تقدم احدهما ولايته للمؤمنين كما قال تعالى الله ولي الذين امنوا. والثانية ولاية خاصة. وهي حظ المؤمنين ومنهم العلماء. ثم اتبعه باثر ابن عمر. قال وهو الاثر الثاني عشر قال مجلس فقه خير من عبادة خير من عبادة ستين سنة وهذا الاثر لا يصح عن ابن عمر وقد روي مرفوعا ولا يثبت ايضا فلا يثبت مرفوعا ولا موقوفا وفيه مدح فضيلة الفقه والعلم. وعدل هذه الفضيلة بعبادة ستين سنة يحتاج الى خبر مصدق لذلك ولا يعلم في الاخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم او الصحابة خلاف اه تحديد هذا والمقطوع به ان العلم افضل من العبادة على هذا استبانت الادلة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم. ثم اتبعه بالاثر الثالثة عشر والرابعة عشر عن سفيان الثوري والشافعي رضي الله عنهما انهما قالا ليسا بعد الفرائض افضل من طلب العلم والمقصود الفرائض الامور اللازمة للعبد المتحتمة عليه فليس بعد ما الزمه الله عز وجل وحتمه عليه من عبادة شيء افضل من طلب العلم في النوافل. وتقدم بيان هذا ثم ذكر الاثر الخامس عشر عن الزهري قال ما عبد الله بمثل الفقه. وهذه الكلمة المروية المروية عن الزهري تحتمل معنيين اثنين. احدهما ان المراد بالفقه هنا طلب العلم. فيكون المعنى ما عبد الله بمثل طلب العلم والثاني ان المراد بذلك ايقاع العبادات على الوجه الموافق للشرع ايقاع العبادات على الوجه الموافق للشرع وكأنه يقول ما عبد الله في شيء من العبادات بمثل ان تكون تلك العبادة على ما جاءت به الشريعة. ثم ختم اثرين السادس عشر والسابع عشر عن ابي ذر وابي هريرة قال باب من العلم اتعلمه احب الينا من الف ركعة تطوعا الى اخره هذا اثر لا يثبت رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله مرفوعا وموقوفا ولا يثبت وسلف ان المتقرر ان العلم افضل من العبادة لكن تحديد القدر الذي يقع به الفضل لم يثبت فيه شيء من هذه الاحاديث المذكورة. نعم احسن الله اليك. وقد ظهر بما قلناه ان الاشتغال بالعلم لله افضل من نوافل العبادات البدنية من صلاة وصيام وتسبيح ودعاء ونحو ذلك وذلك لان نفع العلم يعم صاحبه والناس والنوافل البدنية مقصورة على صاحبها. ولان العلم صحح لغيره من العبادات فهي تفتقر اليه وتتوقف عليه ولا يتوقف هو عليها. ولان العلماء ورثوا الانبياء وليس ذلك للمتعبدين ولان طاعة العالم واجبة على غيره فيه. ولان العلم يبقى اثره بعد موت صاحبه غيره من النوافل ينقطع بموت صاحبها ولان في بقاء العلم احياء الشريعة وحفظ معالم الملة. لما فرغ المصنف رحمه الله الله تعالى من سوق الاي والاحاديث والاثار المنقولة عن السلف في فضل العلم وشرف اهله. ختم هذا الباب بتقرير ما عليه جمهور اهل العلم من ان الاشتغال بالعلم وطلبه افضل من سائر نوافل العبادات البدنية من صلاة وصيام وتسبيح ودعاء. فالنفل من العلم افضل من غير من انواع النفل الاخرى كنفل صلاة او صيام او تسبيح او دعاء او ذكر. وعلل المصنف رحمه الله تعالى هذه الفضيلة من ستة اوجه. اولها ان نفع العلم متعدي ونفع غيره من النوافل قاصر على صاحبه وثانيها ان العلم مصحح لما به من صلاة وتسبيح وذكر ودعاء فهي مفتقرة اليه في تصحيحها او معرفة المشروع منها. ولا يتوقف العلم عليها. وثالثها ان العلماء ورثة الانبياء وليس ذلك للمتعبدين. ورابعها ان طاعة العالم واجبة على غيره فيه. اي عليه في العلم كما قال الله عز وجل فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. فامر الله سبحانه وتعالى بسؤالهم وفي الامر بسؤالهم امر بطاعتهم. وكذلك في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ان اسم اولي الامر يشمل العلماء كما اختاره شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله. وخامسها ان العلم يبقى اثره بعد موت صاحبه بخلاف غيره من النوافل فانه ينقطع الموت تنقطع بموت صاحبها غالبا. وقد يوجد في النوافل ما يبقى. لكن العلم من اكد النوافل التي تبقى وفي ذلك كحديث ابي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا مات ايش؟ مات انسان ولا ابن ادم ليش مو ابن ادم تذكرون تنبيهنا عليها ولا ما تذكرونه؟ ما تذكرون التنبيه ترجع صحيح مسلم تعرفون التنبيه لا يريد اللفظ الحديث يرجع صحيح مسلم نبهنا على تنبيه فيه اذا رآه الانسان سيعرف التنبيه الذي ذكرناه. وسادسها ان في بقاء العلم احياء للشريعة وحفظ لها من الضياع. ومن اعان على حفظ الشريعة وقام في احيائها اعظم ممن لم يقم بذلك. وهذا اخر التقريرات على هذا الكتاب وبالله التوفيق