السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله جعل طلب العلم من اجل القربات وتعبدنا به طول الحياة الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التكريم اما بعد فهذا هو الدرس الخامس في شرح الكتاب الاول من التعليم المستمر في سنته الاولى وهو كتاب تذكرة السامع والمتكلم للعلامة محمد ابن ابراهيم ابن جماعة الكناني رحمه الله وقد انتهى من القول الى الادب الثامن من اداب العالم في نفسه. نعم. احسن الله اليك. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا لشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى الثامن معاملة الناس بمكارم الاخلاق من طلاقة الوجه وافشاء السلام واطعام الطعام وكظم الغيظ وكف الاذى عن الناس واحتماله منهم والايثار الاستئثار والانصاف وترك الاستنصاف وشكر التفضل وايجاد الراحة والسعي في قضاء الحاجات وبذل الجاهد الشفاعات والتلطف بالفقراء والتحبب الى الجيران والاقرباء والرفق بالطلبة واعانتهم وبرهم كما يأتي ان شاء الله تعالى. واذا رأى من لا يقيم صلاته او طهارته او شيئا من الواجبات عليه ارشده بتلطف كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الاعرابي الذي بال في المسجد ومع معاوية بن الحكم لما تكلم في الصلاة ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا ادبا اخر من اداب العالم في نفسي وهو جريان معاملته للناس على الاخذ بمكارم الاخلاق. والاخلاق هي انواع المعاشرة والمعاملة التي تكون بين العبد وغيره. والخلق يطلق على معنى اعم كما سلف وهو الدين كما قال الله سبحانه وتعالى وانك لعلى خلق عظيم اي على دين عظيم. كما قال مجاهد وغيره. الا ان الاخلاق اذا بالمكارم فانما يراد بها احوال المعاشرة التي تكون بين العبد وغيره. والانسان مأمور بان يكون اخذا بمكارم الاخلاق. واحق الناس بالاخذ بها هم المشتغلون بعلوم الشريعة واولاهم منهم هم العلماء. ولهذا ذكر المصنف رحمه الله تعالى هذا الادب من اداب العالم في نفسه. ثم ذكر رحمه الله تعالى انواعا من مكارم الاخلاق كطلاقة الوجه اي بشاشته وافشاء السلام واطعام الطعام وكظم الغيظ والغيظ هو الحنق الذي يجده الانسان في داخله وكظمه عدم ابداءه. فاذا لم يبدي انسان ما يجده من حنق في جوفه كان كاظما بغيظه. ثم ذكر منها كف الاذى عن الناس واحتمال منهم والايثار وترك الاستئثار. اي تقديم حظوظ الخلق على حظ نفسه. فمن قدم الخلق على حظ نفسه كان مؤثرا لغيره تاركا الاستئثار بتلك الحظوظ. ثم ذكر ايضا الانصاف ترك الاستنصاف اي انصاف الخلق من نفسه وعدم طلب نصفت الخلق له. ثم منها شكر التفضل اي شكر من ابدى له معروفا واسداه اليه متفضلا فيشكره على ما تفضل به عليه ثم ذكر منها ايجاد الراحة اي ايصال الخلق الى ما يكون فيه سعة وراحة لهم ثم ذكر منها السعي في قضاء الحاجات وبذل الجاه في الشفاعات والتلطف بالفقراء والتحبب الى الجيران والرفق بالطلبة واعانتهم وبرهم كما سيأتي ان شاء الله تعالى. وانما اخر المصنف رحمه الله تعالى ما من مكارم الاخلاق بالطلبة لان اولى الناس بان يسدي لهم العالم الخلق الكريم هم من يحف به من الطلبة الملتمسين للعلم. وهذا الباب العظيم وهو مكارم الاخلاق باب جليل افرد اهل العلم رحمه الله رحمهم الله تعالى فيه تأليف ككتاب مكارم الاخلاق للطبراني وكتاب مكارم الاخلاق للخوائط وقبلهما صنف اهل العلم رحمهم الله تعالى فيه ممزوجا بغيره لكنه جعلوه لكنهم جعلوه اصلا كالادب لابي بكر ابن ابي شيبة والادب المفرد لابي عبد الله البخاري والاداب بيهقي واولى الناس برعاية مكارم الاخلاق تعلما وعملا هم المشتغلون بطلب علم الشريعة ومما دخل عليه الخلل في ملتمس العلم في الازمنة الاخيرة تقصيرهم في هذا الامر العظيم من امور الدين. فان من اعظم مآخذ الدين اعتبار مكارم الاخلاق. فينبغي ان يجتهد طالب العلم في معرفة احكامها والعمل بها. ولا ينبغي ان ينظر اليها الانسان نظر استنقاص ونقص وانها انما هي لاحاد الناس وعموم الخلق بل اولى الناس احكامها والعمل بها هم طلبة العلم. ومما يدخل به الداخل عليهم في عدم تمكنهم من العلوم قلة الادب فان من فقد مكارم الاخلاق حرم العلم كما تقدم قول ابن اسباط رحمه الله تعالى بالادب العلم فاذا لم يكن الانسان متأدبا لم يسهل عليه فهم العلم وبينا وجه هذا فيما سلف في صدر الكتاب وكانوا يأمرون بتعلم الادب قبل تعلم العلم. فلا بد من رعاية هذا. وكان بعض من مضى من اهل العلم يعتني باقراء كتاب في ادب الطلب والعلم في اول استفتاح المتعلم درسه. اخذا للطالب بحمله على ومن مكارم الاخلاق التي ينبغي ان يكون عليها وهي الاخلاق المتعلقة بعبودية طلب العلم. ولهذا فان من اعظم مفاتح العلم ان يتأدب الانسان بآدابه ويحرص على تلقيها. فمن اول ما ينبغي ان تعتني باخذه عن شيوخك اخذك للادب عامة ولادب الطلب خاصة. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى من الاحوال التي تنبغي رعايتها ان اذا رأى العالم والا يقيم صلاته او طهارته او شيئا من الواجبات عليه ارشده بتلطف ورفق كما اكان ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم فان النبي صلى الله عليه وسلم كان رفيقا رحيما كما في حديث ما لك بن وهذا لفظ البخاري ولفظ مسلم كان رقيقا رحيما. فالرقة والرفق والرحمة مما ينبغي ان ملتمس العلم متعلما او عالما. وجرت رعاية اهل العلم رحمهم الله تعالى لهذا الاصل حتى صار مقررا ان العلم مبني على الرحمة. فان المعلم لا ينبغي ان يجلس للناس الا رحمة بهم في ارشادهم ودلالتهم وبيان ما يجب عليهم من امور الدين. وكذلك ينبغي ان يكون المتعلم اخذا بالرحمة في في نفسه وحق معلمه وحق قرنه. ثم ذكر من شواهد السنة ما يدل على هديه صلى الله عليه وسلم في ذلك كما فعل صلوات الله وصلوات الله وسلامه عليه مع الاعرابي الذي بال في المسجد فزجره اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكفهم عنه وامرهم بتركه ثم ارشده بلطف ووقع هذا ايضا مع معاوية ابن الحكم لما تكلم في الصلاة وكلا الحديثين في الصحيح والاول منهما متفق عليه والثاني من افراد مسلم. وهذا الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى انما هو الاصل الغالب ليس الاصل الذي لا يخرج عنه. وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى في كتاب علم باب الغضب في الموعظة والتعليم. فكان من هديه صلى الله عليه وسلم ان يغضب اذا علم او وعظ الا ان مأخذ ذلك هو في تتمة تبويب البخاري فان البخاري رحمه الله تعالى قال باب الغضب في الموت والتعليم اذا رأى ما يكره. فاذا رأى المعلم او الواعظ ما يكره مما يخالف امر الله وتعالى وكان اللائق لنزعه من نفوس الخلق مبادرتهم بالغضب فعلى ذلك كما اتفق له صلى الله عليه وسلم في حديث ذات انواط لما غضب على اصحابه حين قالوا ما قالوا وهو مخرج عند ابي داوود وغيره بسند وكان هذا هو هدي السلف رحمهم الله تعالى فانهم كانوا يعاملون الخلق ولا سيما ملتمسي العلم من الطلبة الرحمة الا انهم اذا رأوا ان الغظب محل اصلاح الغلط الواقع بادروا به وشواهد ذلك ففي احوالهم رحمهم الله تعالى كثيرة ولا ينبغي ان ينقطع المتعلم عن طلب العلم اذا بادره معلمه بالغضب رجاء اصلاحه فان الذي ينقطع لاجل ذلك لا يعرف منفعة نفسه. وقد كان بعض اصحاب الاعمش عنده فزجره فقال له رجل لو قال لي مثل ما قال لك لما جئته فسمعه الاعمى فقال اتريد ان يكون احمق مثلك؟ فلا ينبغي ان يمتنع طالب العلم من تأديب معلمه اذا ادبه فان المعلم على الحقيقة كالوالد كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمان فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه كالوالد وهو في الصحيح وكذلك المعلمون هم للطلبة من جنس الوالد بل هم اشرف من ذلك لان ان الوالد انما هو اب للنطفة والبدن. واما المعلم فهو اب للروح والنفس. وابوة الروح وهي نبوة الدينية المعنوية اشرف واعظم من الابوة الطينية البدنية. نعم. احسن الله اليكم. قال التاسع ان يطهر وظاهره من الاخلاق الردية ويعمره بالاخلاق الردية. فمن الاخلاق الردية الغل والحسد والبغي والغضب لغير الله تعالى والغش والكبر والرياء والعجب والسمعة والبخل والخبث والبطر والطمع والفخر والخيلاء والتنافس في الدنيا والمباهاة بها والمداهنة والتزين للناس وحب المدح بما لم يفعل. والعمى عن عيوب النفس والاشتغال عنها بعيوب الخلق والحمية والعصبية لغير الله. والرغبة والرهبة لغيره. والغيبة والنميمة والبهتان والكذب والفحش في القول افتقار الناس ولو كانوا دونه. فالحذر الحذر من هذه الصفات الخبيثة والاخلاق الرذيلة. فانها باب كل شر بل هي الشر كله وقد بني بعض اصحاب النفوس الخبيثة من فقهاء الزمان بكثير من هذه الصفات الا من عصم الله تعالى ولا سيما الحسد والعجب والرياء واحتقار الناس وادوية هذه البلية مستوفا في كتب الرقائق. فمن اراد تطهير نفسه منها فعليه بتلك الكتب ومن انفعها كتاب الرعاية للمحاسبين رحمه الله تعالى. ومن ادوية الحسد الفكر بانه اعتراض على الله تكبير حكمته المقتضية تخصيص المحسود بالنعمة. كما قال الشاعر العربي فان تغضبوا من قسمة الله بيننا. فالله ان لم اذ لم يرضكم كان ابصرا مع ما فيه من الغم وتعب القلب وتعذيبه بما لا ضار فيه على المحسود ومن ادوية العجب تذكروا ان علمه وفهمه وجودة وجودة ذهنه ومصاحته وغير ذلك من النعم فضل من الله عليه وامانه عنده ليرعاها حق رعايتها وان معطيه اياها قادر على سلبها منه في طرفة عين كما سلب كما سلب ما ما سلب ما علمه في طرفة عين وما ذلك على الله افأمنوا مكر الله ومن ادوية الرياء الفكر بان الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه بما لم يقضه الله له ولا على بما لم يقدره الله تعالى عليه. فلم يحبط عمله ويضر دينه ويشغل نفسه بمراعاة من لا يملك له وفي الحقيقة نفعا ولا ضرا مع ان الله تعالى يطلعهم على نيته وقبح سريرته كما صح في الحديث من سمع سمع الله به ومن رأى الله به ومن ادوية احتقار الناس تدبر قوله تعالى لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم الاية ان وقوله انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا اليه تعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم. وقوله فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى وربما كان المحتقر اطهر عند الله قلبا. وازكى عملا واخلص نية كما قيل ان الله اخفى ثلاثة في ثلاثة في عباده ورضاه في طاعته وغضبه في معاصيه. ومن الاخلاق المرضية دوام التوبة والاخلاص واليقين والتقوى وهو الصبر والرضا والقناعة والزهد والتوكل والتفويض وسلامة الباطن وحسن الظن. والتجاوز وحسن الخلق ورؤية الاحسان وشكر النعمة والشفقة على خلق الله والحياء من الله ومن الناس. ومحبة الله تعالى هي الخصلة لمحاسن الصفات كلها وانما تتحقق بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم. قل ان كنتم تحبون الله اتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادبا اخر من اداب العالم في نفسه وهو ان يطهر باطنه وظاهره من الاخلاق الردية. ويعمره بالاخلاق الراضية هذا الادب من اعظم الاداب واكدها فان كمال النفس مرهون بشيئين اثنين. احدهما تخليتها من الرذائل وثانيهما تحليتها بالفضائل. فان الانسان مفتقر لبلوغ الكمال الى الاخذ بهذين الامرين. فيقبل على نفسه فيخليه فيها مطهرا لها من كل رذيلة. ثم يحليها مجتهدا في اصلاحها بكل فضيلة. واذا كان العبد دائرا مع رعاية هذا الامر مطهرا لنفسه من الرباء مكملا لها بالفضائل حصل له خير الدنيا والاخرة ومقصود المصنف رحمه الله تعالى الاكد هو العناية بالتطهير من الرذائل. ولذلك استرسل فيما يتعلق بسياقه بما يناسب المحل. قال سهل بن عبدالله التستري رحمه الله حرام على قلب ان يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله. فانما انتهى كلامه فانما يحصل انفساح القلب بالنور اذا طهر من الرذائل. ذلك ان الفضائل كمالات لا يناسبها محل ملوث بالنجاة وانما تصلح للمحل اذا طهر. كما ان الانسان لا يشرب في اناء فيه قذارة حتى يطهره من تلك القذارة ثم يشرب فيه ما شاء من مستطابات المشروبات وكذلك امر قلبك. فان فضائل لا تستوي فيه حتى تطهره من كل رديدة. ولقد اعتنى السلف رحمهم الله تعالى بهذا الامر اية شديدة بل صنفوا كتبا مفردة باسم مساوئ الاخلاق ككتاب مساوئ الاخلاق رحمه الله تعالى فانه عقد فيه ابوابا ترجم بها لما جاءت بدمه من الاخلاق الرديئة التي ينبغي اجتنابها وتركها. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى طرفا من هذه الاخلاق الرديئة كالغل والحسد والبغي والغضب لغير الله والغش والكبر والرياء والعجب والسمعة والبخل الى قال واحتقار الناس ولو كانوا دونه. ثم قال فالحذر الحذر من هذه الصفات الخبيثة. والاخلاق الرذيلة انها باب كل شر بل هي اشر كله. وصدق رحمه الله تعالى فان فان هذه الاخلاق متى استقرت في نفس الانسان ولو بقدر قلامة ظفر فانها تحدث فيه اثرا سيئا. ومن بهذه الاخلاق ان الانسان يحتاج معها الى دوام المجاهدات. فان المرء لا ينقطع من هذه الاخلاق بملاحظة نفسه ساعة من الزمن بل لابد ان يرقب نفسه كل لحظة لئلا يهجم عليها شيء من هذه الاخلاق الرديئة فيستقر فيها. فكما يطهر الانسان بدنه وثوبه متعاهدا لهما بذلك فانه ينبغي ان قلبه بالتطهير بين الفينة والفينة. ولاجل هذا عظم قدر المحاسبة في الشرع وعند السلف. لان حقيقة المحاسبة اعادة العبد نظره في حال قلبه. وقد قال الله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله وهذه الاية اصل في وجوب المحاسبة كما ذكره ابن القيم والقرطبي في تفسيره عندها فيجب على الانسان ان يتعاهد نفسه بالمحاسبة بملاحظة النظر الى قلبه بين الفينة والفينة لئلا فيها شيء من هذه الاخلاق الرديئة ثم يستقر فيها فيكون فيكون سببا لعطبه وهلاكه في الدنيا والاخرى ثم ذكر رحمه الله تعالى ان هذه الاخلاق مما بلي به بعض اصحاب النفوس الخبيثة من فقهاء الزمان بكثير منها الا من عصمه الله سبحانه وتعالى. وهذا لا يختص بزمانه بل كل زمان من الازمان تسري هذه الاخلاق الى مثل هؤلاء لكن مما ينبغي رعايته ان طلب اصلاح اهل الشريعة لا ينبغي التعبير فيه بالعبارات الواسعة التي متى سمعها احد ظنها انها نقيصة لاهل الشريعة. فقول المصلين رحمه الله تعالى وقد بلي بعض اصحاب النفوس الخبيثة من فقهاء الزمان. فنسب هذه الاخلاق الى فقهاء. وهي على التحقيق وهم على التحقيق ليسوا بفقهاء لكن صورتهم الظاهرة انما هي صورة الفقهاء فلاجل ذلك نسبها ونسبهم الى الفقه فلا ينبغي في الكلام العام او فيما ليس في هذا المقام ان ينسب الانسان ولو ناصحا مثل هذه الاخلاق الى حملة الشريعة لئلا يسيء الناس الظن بهم. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتنب قتل المنافقين لئلا يسيء الناس الظن به وباصحابه رضوان الله عنهم. وكذلك ينبغي ان يلاحظ صاحب العلم ان بيان مثل هذا له مقامات مختصة به فليس الكلام فيما يتعلق بالفساد الواصل الى حملة الشريعة صالحا للحديث في كل مكان وانما يبادر به اهله لانه اذا اشيع عند غيرهم ربما نشأ منه اساءة الظن بهم. ولم يزل اهل العلم رحمهم الله تعالى على هذا فلا تجدوا منهم احدا مصنفا فيما يتعلق بهذه الاخلاق واصفا لها بانها اخلاق العلماء الا في هذا القرن المظلم الذي دخل في العلم من ليس من اهله حتى صنف احدهم كتابا سماه تحاسد العلماء وهذا من الجراءة على العلم واهله. وهذا الامر وان كان واقعا قدرا في اخلاق اهل العلم لكن لا ينبغي تجميعه وتصديره وتشهيره واشاعته بين الناس لما فيه من الغظ على اصحاب الشريعة واساءة الظن بهم ضعف المدارك عن درك هذه المقاصد الشرعية اوصل الناس الى ان كل احد يجمع ما شاء وينشر ما شاء فانتشرت مثل هذه المقالات ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان ادوية هذه البلية من الاخلاق الرذيلة مستوفاة في كتاب الرقائق فمن اراد نفسه منها فعليه بتلك الكتب. ونعت رحمه الله تعالى احدها وهو كتاب الرعاية للمحاسب رحمه الله تعالى. وكتاب كتاب حسن في الجملة. لكن فيه مآخذ ولا ينبغي اعماله اصلا يتلقى منه الانسان اصلاح نفسه بما فيه من الدغل والدخل. لكن ينبغي التعويل على الكتب التي صنفها ائمة الهدى من علماء اهل السنة مما ترجم باسم كتاب الزهد ككتاب الزهد لابي عبد الله احمد ابن حنبل وكتاب الزهد لابي داوود السجن وكتاب الزهد لوقيع بن الجراح وكتاب الزهد لهناد بن السري وكتاب الزهد الكبير لابي بكر البيهقي فهذه الكتب ونظائرها مما صنف باسم الزهد ينبغي الا ينقطع الانسان عن القراءة فيه. وكان من معمول به الجاري في حلق العلم في قطرنا قبل مدة التزام القراءة في كتاب الزهد للامام احمد ابن حنبل او كتاب الجواب الكافي المسمى بالداء الدواء لابن القيم وكان هذا الكتاب الثاني اكثر شيوعا وانتشارا فكان يقرأ في حلق التعليم وربما اعيد مرارا في حلقة الدرس عند العلماء الماضيين. وينبغي ان يقرأ طالب العلم هذه الكتب مرات ومرات ولا سيما كتاب بالكافي لابن القيم رحمه الله تعالى. ثم شرع المصنف رحمه الله تعالى ينعت ادوية لبعض هذه الاخلاق الرذيلة. وهذا المبحث من عيون ما في هذا الكتاب. فان طلب اصلاح النفس بدفع العين عنها انما يمكن بمعرفة الادوية التي يتعاطاها الانسان فتدفع العلة عنه. كما ان البدن اذا اعتل بمرض التمس المريض دواء يدفع علة بدنه فكذلك القلوب اذا اعلت بامراضها شهوة او شبهة ينبغي ان يتطلب المريض لقلبه دواء يدفع به عنه العلة. وهذه الدوافع هي الادوية التي ذكر المصنف رحمه الله تعالى طرفا منها فذكر من ادوية الحسد بان يفكر الانسان بان حسده لغيره راض على الله في حكمته المقتضية تخصيصا المحسود بالنعمة. مع ما فيه من الغم وتعب القلب وتعذيبه بما لا ضرر فيه على المحسود فالحاسد معترض على قدر الله سبحانه وتعالى. ثمان قلبه يلحقه تعب وضيق وغم وهم لمن قدح فيه من الحسد. فاذا اعتبر الانسان هذا وتفكر فيه وراء ما فعله من الحسد انما هو اعتراض على الله سبحانه وتعالى في قدره وهو مورث للغم والهم له دون ضرر بالمحسود فينبغي ان يقطعه ذلك عن استمرائه والجريان معه. ثم ذكر من ادوية العجب ان يتذكر الانسان ان ما وهبه الله سبحانه وتعالى اياه من علم او فهم او حفظ او فصاحة فانه محض نعمة الله سبحانه وتعالى عليك. وان الذي اعطاك ذلك قادر على سلب منك فمن انت لولا فضل الله سبحانه وتعالى الذي اجراه علي. وقد قال الله تعالى وما بكم من نعمة فمن الله ومن جملة ما عليك من نعمة الله سبحانه وتعالى ان هيأ لك مكنة في العلم بقوة الحفظ وجودة الفهم الفهم فينبغي ان تعرف قدر هذه النعمة التي اوصلها الله سبحانه وتعالى اليك. واكثر الناس لا يشهدون من النعم الا محسوسا مشهودا. واما الامور القائمة بالنفوس دون حس فان كثيرا من الناس يغيب عنه شهود هذه النعمة. واعتبر هذا في نفسك فان الله سبحانه وتعالى انعم عليك اذ اجلسك في مقام طلب عبودية عظيمة هي عبودية العلم. ولو شاء الله سبحانه وتعالى لما اسدى اليك هذه النعمة وكنت كالهمج الرعاع الذين يضيعون اوقاتهم فيما لا ينفع ويقطعون اعمارهم فيما يضر فينبغي ان يعرف الانسان ان من نعمة الله سبحانه وتعالى عليه ايصاله الخير له بحمله على طلب العلم وتحبيبه له وتحريظه في نفسه على ابتغائه والتماسه فهذه فهذه نعمة عظيمة ينبغي ان تعرفها نشكر الله سبحانه وتعالى عليها فانك اذا عرفت هذه النعمة وشكرت الله سبحانه وتعالى عليها زادك الله سبحانه وتعالى الا منها قال العلامة عبدالرحمن بن حسن ال الشيخ رحمه الله تعالى ان النعم اذا شكرت قرت واذا كفرت فرت انتهى كلامه ومن اسباب فرارها عدم شهودها ولا معرفتها. ثم ذكر ان الله وتعالى يقدر ان يسلبها في طرفة عين كما وقع لاحد علماء بني اسرائيل كما في اخبارهم وهو بالعام ابن باعورا اذ اعجب بنفسه وتكبر بعلمه فعاقبه الله عز وجل بسلبه كما هو معروف في اخبار بني اسرائيل في كتب بالتفسير والتاريخ. ثم ذكر من ادوية الرياء ان يفكر الانسان بان الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه ولا على الا بما قدره الله سبحانه وتعالى عليه. فهم لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا. واذا كان اشرف الخلق صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فما بالك بغيره. فاذا لاحظت هذا في الناس وانهم لا يزيدون شيئا ولا ينقصونك شيئا حملك ذلك على عدم ملاحظتهم بالرياء. ثمان الله سبحانه وتعالى من كمال حكمته يعاقب المرائي بضد قصده. فان المرائي يظهر عمله ليشكره الناس عليه الله سبحانه وتعالى بان يطلع بان يطلع الخلق على سوء نيته وقبح سريرته كما جاء في حديث جند رضي الله عنه في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من سمع سمع الله به ومن راء راء الله به التسميع والرياء يشتركان في كونهما اظهارا للعمل. ويفترقان في الاداة فان اظهار العمل ليسمع الناس به. فيحمدوه عليه. والرياء اظهار عملي ليراه الناس فيحمدوه عليه. ثم ذكر دواء لعلة اخرى وهو دواء واحتقاظ الناس وذلك بتدبر قول الله تعالى لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم وقوله انا خلقناكم من ذكر وانثى الاية وقوله فلا تزكوا واعلم بمن اتقى فتدبر هذه الايات والاطلاع على معانيها وان الانسان ربما وقع في احتقار غيره فاذا نظر الى ان معرفة الازكى علمها عند الله سبحانه وتعالى رجع الى نفسه بالاحتقار وقد سئل عبدالله بن المبارك رحمه الله تعالى عن التواضع فقال اذا خرجت من بيتك فلا ترى احدا الا قلت هو خير مني فذلك التواضع. فان الانسان اذا عود نفسه على اعظام الخلق وعدم اورثه ذلك معرفة قدر نفسه فتواضع. ثم ذكر انه ربما كان المحتقر اطهر عند الله قلبا وازكى عمل واخلص نية كما قيل ان الله اخفى ثلاثة في ثلاثة وليه في عباده. فرب انسان له مقام في الولاية والقرب من الله سبحانه وتعالى اذا رآه الناس في ظاهره لم يرفعوا اليه رأسا وهو عند الله سبحانه وتعالى كما في حديث ابي هريرة رضي الله عنه المخرج في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال رب اشعث مدفوع لو اقسم على الله لابره. ثم ذكر رحمه الله تعالى ان تطهير القلب من هذه الدغائل والاخلاق الرذيلة يقابله عمارته بالاخلاق المرظية. وذكر رحمه الله تعالى طرفا من الاخلاق المرظية فقال ومن الاخلاق المرضية دوام التوبة والاخلاص اليقين والتقوى الى ان قال والحياء من الله ومن الناس. وذكر رحمه الله تعالى في ضمن هذه الاخلاق المرضية التوكل والتفويض والفرق بينهما ان التفويض استسلام. والتوكل استسلام واعتماد على الله التوكل تفويض واعتماد فهو زائد عن التفويض بزيادة الاعتماد على الله سبحانه وتعالى. ولهذا جاء الامر بالتوكل ولم يأتي الامر بالتفويض. وانما جاء على وجه الخبر لان اعظم مرتبة فامر به. ثم ختم المصنف رحمه الله تعالى ببيان الخصلة الجامعة للاخلاق المرظية وهي محبة الله سبحانه وتعالى فان من احب الله عز وجل جرى مع امره متحققا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. وكان الحسن البصري يسمي هذه الاية اية المحنة لان الله الله عز وجل امتحن الخلق في صدق محبتهم له بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم. ومن احب الله متبعا للنبي صلى الله عليه وسلم كان قائما على نفسه بتطهيرها من الرذائل وتزيينها بالفضائل. وهذه النبذة من القول فيما يتعلق بهذا المحال المحل تحتاج الى مد لحاجة الناس الى هذا الاصل العظيم وفقدانه في النفوس ولا سيما في طلبة العلم. فعناية المشتغلين بالعلم باعمال القلوب وعلل النفوس الاخلاق قليلة لان اكثر الخلق واقفون مع صورة العلم لا حقيقته وصورة العلم بان يقال ان كمحدث او فقيه او مفسر وليس من الخلق احد يشتغل بالعلم همه ان يكون متأدبا مع الله وخلقه الا قليل من العارفين بالله وبامره سبحانه وتعالى. وتجد ان طالب العلم ينفق من وقته في طلب هذه العلوم التي ذكرنا بان الاشارة تكون بها اليه. واما ما يتعلق باصلاح نفسه وحملها على الفضائل وتطهيرها من الرذائل فهذا قليل في الناس وكم حرم امرئ العلم بما جرى على نفسه من هذه الرذائل وتمادى معها حتى اوصلته الى الشر. ولما كان المشتغلون بالعلم هم القائمون بنصرة الدين كان تسلط الشيطان عليهم اعظم فلا يزال الشيطان يكيد لهم الوسوسة لهم بهذه الاخلاق الرديئة طلب تمكينها في نفوسهم حتى يصدهم عن العلم. واذا لم يلاحظ طالب العلم هذا اضر به العلم. كما قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتاب الصيد الخاطر قال رأيت رأيت ان التشاغل بالعلم والميل اليه يقوي النفس قوة يقوي القلب قوة تميل به الى نوع قساوة. انتهى كلامه. وصدق رحمه الله تعالى فان الوقوف مع المسائل دون العناية بالمآلات واعتبار المقاصد وملاحظة ما ينبغي ان يكون عليه حال العبد من عبودية الله سبحانه وتعالى يوقف الانسان في قسوة من قلبه وموت له ولذلك كم من انسان تلطخ بهذه القاذورات وهو مشتغل بطلب العلم فتردى في ردهات سيئة من الحال في دنياه وما وراءه من امر الاخرة وهذا لمن عرف الناس في زمنه شهد هذا في احوالهم. فينبغي ان يحرص الانسان على تطهير نفسه من ذلك واعلموا ان من دقائق فهم هذا ان للعلوم اخلاقا تكسبها اصحابها. فاذا سرت اليهم هذه الاخلاق في غفلة منهم اورثتهم شرا. فان من امعن النظر في العلوم وجد ان من تشاغل بالفقه اكسبه جمودا ومن تشاغل من تشاغل بالفقه فقط اكسبه جمودا ومن تشاغل بالحديث فقط اكسبه كودنة اي ثقلا في فهمه ومن تشاغل بقراءاته فقط اكسبته كبرياء. ومن تشاغل بالعربية فقط اكسبته فسقا ومن تشاغل بالعقليات فقط اكسبته عجبا بنفسه واحتقارا للخلق. وانما سرت هذه الاخلاق مع هذه العلوم لقطعها عما ينبغي شهوده من ملاحظة القلب. فطالب الحديث مثلا يكون همه حفظ اسناد ومعرفة جرح وتعديل براوي واطلاع على علة حديث. وقل ان يكون همه نداء بالنبي صلى الله عليه وسلم المتكلم بهذا الحديث. ولما كان السلف رحمهم الله تعالى يرعون هذا قالوا اذا رويت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فاعمل به ولو مرة واحدة. ونحن نروي حديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعمل بها ولو مرة واحدة. بل نشتغل بطلب معرفة صحته وضعفه وعلته وجرح رواته وتعديلهم فتتمادى بنا هذه المطالب حتى تصدنا عن المطلب الاعظم فيورتنا ذلك قسوة في قلوبنا من الاحوال التي ذكرتها لكم في احوال العلوم. وطالب العلم اذا جعل بينه وبين هذا المقصد في اعجاب كثير اورثه شرا كثيرا في الدنيا والاخرة. فالعلم المقرب الى الله سبحانه وتعالى انما هو العلم الذي ينفعك وليس العلم الذي يرفعك عند الخلق. فان العلم الذي يرفعك عند الخلق ربما رفعك قمة ثم به في نار جهنم واما العلم الذي ينفعك والذي يقربك الى الله سبحانه وتعالى فهو رعايتك للعبودية التي بينك وبين الله سبحانه وتعالى وهذا اخر التقليد على هذا الكتاب وبالله التوفيق