السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات. وتعبدنا به طول الحياة الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التكريم. اما بعد فهذا الدرس الحادي عشر في شرح الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الاولى سنة احدى سنة ثلاثين بعد الاربعمائة والالف. واحدى وثلاثين بعد الاربعمائة والالف. وهو كتاب تذكرة السامع والمتكلم للعلامة محمد ابن ابراهيم ابن جماعة رحمه الله. ويتلوه القاصد ويتلوه الكتاب الثاني وهو بلوغ القاصد جل المقاصد للعلامة عبدالرحمن بن عبد الله البعلي رحمه الله ويتلوه والكتاب الثالث وهو فتح الرحيم الملك العلام للعلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله. وقد انتهى بنا البيان في كتابه الاول الى قول المصنف رحمه الله تعالى الفصل الثالث في ادب العالم مع طلبته مطلقا وفي حلقته. نعم احسن الله اليك بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى الفصل الثالث في ادب مع طلبته مطلقا وفي حلقته. وهو اربعة عشر نوعا الاول ان يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى ونشر العلم واحياء الشرع ودوام ظهور الحق وخمول الباطل ودوام خير الامة بكثرة علمائها. واغتنام بثوابهم وتحصيل ثواب من ينتهي اليه علمه من بعدهم. وبركة دعائهم له وترحمهم عليه ودخوله في العلم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم وعداده في جملة مبلغ وحي الله تعالى واحكامه فان تعليم العلم من اهم امور الدين واعلى درجات المؤمنين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله وملائكته واهل السماوات والارض حتى النملة في جحرها يصلون على معلم الناس الخير. لعمر ما هذا الا منصب وان ليله لفوز عظيم. نعوذ بالله من قواطعه ومكدراته وموجبات حرمانه وفواته. لا زال المصنف رحمه الله تعالى يبين الاداب المتعلقة بالعالم في نفسه. ومراعاة طالبه ودرسه وهذا اخر الفصول المتعلقة بها. وهو فصل في ادب العالم مع طلبته مطلقا وفي حلقته. وقد عد المصنف رحمه الله تعالى الاداب المتعلقة بهذا الفصل اربعة عشر نوعا. ابتدأها ببيان ما ينبغي ان ليكون عليه المعلم في نية تعليمه. فهذه الجملة من كلام المصنف من عيون الافادات في تحقيق النيات اذ فيها بيان النية التي ينبغي ان تقصد في التعليم. وقد بين رحمه الله تعالى ان اللائق في المعلم في ان يقصد بتعليم المتعلمين وتهذيبهم وجه الله تعالى. فيكون الحامل له هو الاخلاص لله عز عز وجل في تعليم الخلق وتهذيبهم ويروم من ذلك نشر العلم وبثه ونشر العلم وبثه واحياء الشرع ودوام ظهور الحق وخمول الباطل ودوام خير الامة بكثرة علمائها. لان الامة لا تزال بخير ما بقي فيها العلماء فان من اشراط الساعة ان يختلس العلم واختلاسه بفقد العلماء في اعيان الخلق ومن سعى في بتفتير العلماء فانه يكون قد وافق مرادا شرعيا في ابقاء العلم في الامة بتكفير العلماء فيها. ومن جملة التعليم ايضا ان يطلب اغتنام ثوابهم في دلالتهم على الهدى فان العبد اذا دل على هدى او ارشد اليه كان له مثل اجر فاعله كما ثبتت بذلك الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب تحصيل ثواب من ينتهي اليه علمه من بعده فلا تتناهى نيته في طلب هدايتهم الى اعيانهم بل يلتمسوا وراء ذلك ان يصل الهدى الذي يعلمهم اياه الى من ورائهم من الخلائق والقرون ويطلب بركة دعائهم له. وترحمهم عليه. فان دعاء الاخوان مما يرجى اجابته عند الرحمن فاذا كان من قصد المعلم طلب بركة دعاء هؤلاء وفق الله سبحانه وتعالى الخلائق الى الدعاء والترحم عليه بعد حياته وفي حياته. ثم يكون من نيته في التعليم ان ينوي دخوله في سلسلة العلم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم. وهذه السلسلة انما يراد بها بلاغ الشرع. ولذلك قال المصنف وعداده في جملة مبلغ وحي الله تعالى واحكامه. فان سلسلة العلم انما يراد بها نقل من طبقة الى طبقة ولو خلت مما تعارف عليه اهل الحديث من انواع التحمل والاداء فلو وجد من لقن احدا علما من العلوم ولم تكن له منه رواية ولا اجازة ولا غير ذلك فانه يكون قد دخل في جملة سلسلة العلم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الخلق. فان علم هذه الامة موروث يأخذه الخالف عن السالف كما الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات وليس من شرط توريثه ان تكون ثم علامة للتوريث كاجازة او رواية او شهادة بل يكفي وجود العلم منقولا بين طباق الامة. ثم ذكر رحمه الله تعالى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان فضيلة التعليم. وهو حديث ابي الدرداء عند الترمذي بهذا اللفظ فيه ان الله وملائكته واهل السماوات والارض حتى النملة في جحرها يصلون على معلم الناس الخير وهو ضعيف بهذا والمحفوظ استغفارهم له. كما جاء ذلك عند ابي داوود وابن ماجة بسند حسن من حديث ابي الدرداء ومعلم الناس الخير هو الذي يرشدهم ويهديهم اليه. وقد ذكر في القرآن في مواضع عدة فان الله عز وجل قال في وصف ابراهيم عليه الصلاة والسلام ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا قال ابن مسعود فيما علقه البخاري واوصله الفريابي في تفسيره والحاكم في مستدركه بسند بسند صحيح في تفسير هذه الاية قال الامة معلم الخير وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه معلما للخير وروى الغافقي بسند صحيح عن ابن عيينة رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى وجعلني مباركا اينما كنت. قال معلم الخير. فمعلم غير امة وحده لانه يهدي الناس ويرشدهم ويدلهم الى الخير وهو مبارك حيثما لو ارتحل ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان هذا المقام منصب جسيم وان نيله فوز عظيم ذلك انه وراثة عن النبي صلى الله عليه وسلم فان الانبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا كما في حديث ابي الدرداء عند الثلاثة عند الاربعة الا النسائي واسناده حسن. وان وراثة الانبياء انما تكون بمقام التعليم وما تعلق به كالافتاء والقضاء ونحوهما وهما متوقفان على وجود علم سابق. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان هذا المنصب الجليل يفقد بافتين عظيمتين. اولاهما الاسباب الخارجية واشار اليها بقوله قواطعه ومكدراته وثانيهما الاسباب الداخلية واشار اليهما قوله حرمانه وفواته. فالمرء انما يفقد مقام التعليم باحدى هاتين الافتين فاما ان هنا الافة التي اغتالته هي الاسباب الخارجية وجماعها في القواطع والمكدرات. والفرق بينهما ان القواطع هي التي تمضي عليه وتقطعه عن التعليم بالكلية. واما المكدرات فهي التي تنغص عليه تعليمه. فيقوى تارة ويضعف عنه تارة اخرى. واما الافة الثانية وهي الاسباب الداخلية فهي التي تتعلق بالمرء نفسه لا بعمل احد خارج عنه ومردها الى حرمان نعمة التعليم وفوات حظه منها فان الله سبحانه وتعالى جعل هذا المقام مقاما عظيما لكنه يفتقر الى جهاد صادق فانه ليس كل من يروم وان يجلس للناس يستطيع الجلوس وانما يمد الله سبحانه وتعالى من يجتبيه ويختاره للوراثة عن الانبياء في البلاء وربما حل بالمرء علل وافات اورثته حرمانا. كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية والعلم يدخل قلب فكل موفق من غير بواب ولا استئذان ويمنعه المحروم من خذلانه. لا تسقنا اللهم بالحرمان. وكما المرء في مسيرة تعلمه فكذلك يحصل العثار في مسيرة التعليم. وينبغي على العبد ان يعلم ان طريق صعب ومحتاج الى الجهاد في العلم تعلما وتعليما. ولذلك اطنب اهل العلم رحمهم الله تعالى في بيان عظيم منفعة الصبر في طلب العلم وتعليمه. فالمرء محتاج في طلبه للعلم الى صبر عظيم. وهو محتاج بعد ذلك في تبليغه وبيانه ونشره وبثه والافتاء به والقضاء على منواله الى صبر اعظم من الصبر الاول وليس التعليم يصيبها المرء فيجد لذتها فان هذا شيء يجده المرء في اول مبادئ امره لكن ان لم يكن جهاده صادقا فانه ربما ترك التعليم واعتل بعلل من العلل التي يعتل بها الخلق اذا كسلوا. فتجد المعلم ينقطع عن تعليم ويقول ان المتعلمين لا نهمة لهم فيه ولا اهتمام منهم بالدرس والتحصيل وتارة اخرى ان التعليم فرض كفاية واذا كان في الامة من يقوم بفرض الكفاية فذلك مغن عن تعليم الخلق وربما يقول ان شغل بامر الدنيا فترك التعليم لاجل ما ورد عليه من امر الكفاية في حق نفسه واولاده ومن يعول ويتعلل بعلل كثيرة ولكن الامر مرده الى الصدق مع الله سبحانه وتعالى. فينبغي ان يعلم المرء ان طريق العلم يوجب دواء الاتصال بذي الافضال سبحانه وتعالى. وان المرء لا يصيب حظا من تعلم ولا تعليم الا باقباله على الله عز وجل كما ان الناس تتفاوت حظوظهم في صلاتهم لله عز وجل. كما ثبت عند ابي داود بسند حسن من حديث عمار ابن ياسر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الرجل لينصرف من الصلاة لم يكتب له الا عشرها وثمنها الحديث حتى ذكر نصفها فكذلك حظهم من صلاة القلب وهي العلم يكون على هذا المنوال ومستقل ومستكثر وكل ذلك في البابين جميعا تعلما وتعليما نسأل الله سبحانه وتعالى بفضله ومنه ان يجعلنا من اهل العلم والتعليم وان يوفقنا للفهم والتفهيم وان يجعله دليلا ومرشدا لنا الى جناته جنات النعيم. نعم. احسن الله اليك الثاني الا يمتنع من تعليم الطالب لعدم خلوص نيته فان حسن النية مرجو له ببركة العلم. قال بعض السلف طلبنا العلم لغير الله فابى ان يكون الا لله. قيل معناه وكان عاقبته انصارا لله ولان اخلاص النية لو شرط في تعليمه المبتدئين فيهما عسره على كثير منهم لادى ذلك الى تفويت العلم كثيرا من الناس لكن الشيخ يحرض المبتدأ على حسن النية بتدريج قولا وفعلا. ويعلمه بعد انسه به انه ببركة حسن النية ينالوا الرتبة العلية من العلم والعمل. وفيض اللطائف وانواع الحكم وتنوير القلب وانشراح الصدر. وتوفيق العزم واصابة الحق وحسن الحال والتسديد في المقال وعلو الدرجات يوم القيامة. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادب ان اخر من اداب العالم مع طلبته وهو الا يمتنع من تعليم الطالب بعدم خلوص فاذا اطلع بقرينة ما ان المتعلم غير خالص النية في طلبه فلا ينبغي له ان يمتنع من تعليمه بامرين اثنين ذكرهما المصنف رحمه الله تعالى اولهما حسن النية مرجو ببركة العلم كما قال المصنف. فان المرء تحسن نيته بعد ببركة ما تعلمه من العلم وهذا معنى قول جماعة من السلف طلبنا العلم لغير الله فابى ان يكون الا لله اي طلبناه وليس لنا نية فيه. ثم حدثت النية ببركة العلم. كما ذكر هذا المعنى جماعة من اهل العلم رحمهم الله تعالى كابي العباس ابن تيمية وتلميذه ابي عبدالله الذهبي في اخرين. وثانيا ان اخلاص النية لو شرط في تعليم المبتدئين لادى ذلك الى تفويت العلم عن كثير من الناس وعلة ذلك عسر الاخلاص على المتعلمين في المبادئ كما قال المصنف مع عسره على كثير منهم وعسر الاخلاص في المبادئ يرجع الى امرين اثنين ذكرهما الحسين ابن منصور في كتاب اداب العلماء والمتعلمين اولهما ضعف نفوسهم. فان المبتدأ في طلب العلم يكون ضعيف النفس كما ان المولود اذا ولد اول امره يكون ضعيف البدن وكذلك المطالب قلبية اذا دخل الانسان فيها اول امره فانه يكون ضعيف النفس لان نفسه لم تتهذب بعد ولم تعرف الغاية من طلب هذا المطلوب. وثانيهما قلة انسهم. بموجبات تصحيح النية قلة انسهم بموجبات تصحيح النية اي لا علم لهم ولا معرفة عندهم ما يتحقق به تصحيح نياتهم فانسهم بها قليل لعدم المعرفة. فلاجل هذين الامرين صار تصحيح النية في المبادئ عسيرا. واذا اخذ الناس بهذا فات العلم كثيرا منهم كما قال المصنف. والمخرج من ذلك ان يلازم المعلم تحريظ المبتدئين على حسن النية بتدريج قولا وفعلا فيرغبه في تصحيح نيته ويعلمه انه ببركة حسن النية ينال الرتبة العلية من العلم والعمل وفيض اللطائف وانواع الحكم وتنوير القلب وانشراح الصدر الى اخر ما ذكر المصنف. فهذه المنالات القلبية لا تنال بقوة ذهن ولا جودة فهم وانما تنال ببركة حسن النية فان المرء اذا حسنت نيته قدر على امور لا بدون حسنها. والعرب تقول النية مطية. فمن استسمن مطيته بلغته مأمنه من كان ذا مطية هزيلة انقطعت به في الطريق. واعون شيء على ايصال العبد الى مطلوباته هو تصحيح نياته. فان المرء اذا صحت نيته وثقت صلته بربه. واستحكم اقباله عليه الله سبحانه وتعالى وسدده. وكم من امرئ عد في اول امره بليدا. لقلة حفظه وضعف فهمه فما هي الا مدة يسيرة مع حسن النية وبركتها حتى قوي حفظه وجاد فهمه فمدار الامر على الاخلاص والنية. فبالاخلاص والنية ينال المرء المراتب العلية نعم احسن الله اليكم. الثالث ان يرغبه في العلم وطلبه في اكثر الاوقات بذكر ما اعد الله تعالى للعلماء من منازل الكرامات وانهم ورثة الانبياء وعلى منابر من نور يغبطهم الانبياء والشهداء ونحو ذلك مما ورد في فضل العلم علماء من الايات والاخبار والاثار والاشعار ويرغبه مع ذلك بتدريج على ما يعين على تحصيله من الاقتصار على الميسور وقد للكفاية من الدنيا والقناعة بذلك عن شغل القلب بالتعلق بها وغلبة الفكر وتفريق الهم بسببها فان انصراف القلب عن تعلق الاطماع بالدنيا والاكثار منها والتأسف على فائتها اجمع لقلبه واروح لسره لنفسه واعلى لمكانته واقل لحساده. واجدر لحفظ العلم وازدياده ولذلك قل من نال من العلم نصيبا وافرا الا من كان في مبادئ تحصيله على ما ذكرت من الفقر والقناعة والاعراض عن طلب الدنيا وعرضها الفاني. وسيأتي في هذا النوع اكثر من هذا في ادب المتعلم ان شاء الله تعالى. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادبا اخر ومن اداب العالم مع طلبته وهو ان يرغبهم في العلم وطلبه في اكثر الاوقات ويحضهم عليه بذكر ما له من الفضائل والمقامات وعظيم منازل الكرامات. وانهم ورثة الانبياء وعلى منابر من نور يغبطهم الانبياء والشهداء. واعظم محرك ينبغي ان يلاحظه طالب العلم. في سوق نفسه اليه عمران اثنان احدهما النظر في فضائل العلم. فان من نظر في فضائل العلم مرة بعد مرة تحركت همته الى طلبه فانه اذا وقف على ما اعد الله سبحانه وتعالى لهم في الدنيا من الذكر الجميل وفي الاخرة من الثواب الجزيل. طمعت نفسه الى ان يكون من جملتهم. وثانيا ان يدمن النظر في سير الماضين من اهل العلم وحملته فان المرء اذا ادمن النظر في سير اولئك القوم. واوقف نفسه على جهادهم في طلب العلم. تحركت نفسه بهم فان المحب للصالحين تحركه سيرهم الى ان يشابههم فيما كانوا يفعلون ويهون عليه هذا الامر ما يجده من غربة بين الخلق فان المرء اذا افتقد اقرانا يشاركه كونه الصنعة التي يحترف فيها تغيرت نفسه وانقبض خاطره. فاذا طالع حال من سبق ممن صناعة العلم قوى ذلك نفسه. وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعالى اذا رأيت غربتك في الطريق فانظر الى السابقين من الانبياء والعلماء والصالحين والشهداء وحسن اولئك رفيقا. انتهى كلامه. فان المرء اذا نظر بعين البصيرة الى ومقاماتهم وما كانوا عليه هانت عليه الغربة التي يجدها في الدنيا. لان المتشبه بالكرام على فلاح كما قال الشاعر فتشبهوا ان لم تكونوا مثلهم ان التشبه بالكرام فلاح. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مما يندرج في هذا الادب ان يرغب المعلم المتعلمين بالاقتصار على وقدر الكفاية من الدنيا والقناعة بذلك لان الدنيا غرارة حلوة خضرة اذا استولت القلب جرفته الى تيارها. والامر كما قال المصنف رحمه الله تعالى معللا قال فان انصراف القلب عن تعلق الاطماع بالدنيا والاكثار منها والتأسف على فائدها اجمع لقلبه اي اجمع لقلبه على طلب مقصوده واروح لسره اي اكثر اراحة لباطنه من شغله بما يقطعه واشرف لنفسه واعلى لمكانته واقل لحساده واجدر لحفظ العلم وازدياده. فان المرء اذا قل حظه من الدنيا وكف نفسه عنها نفسه من طلابها وجمع قلبه على المقصود الاعظم الذي يروم نيله من العلم. ولذلك فان الامر كما قال المصنف ولذلك قل من نال من العلم نصيبا وافرا الا من كان في مبادئ تحصيله على ما ذكرت من الفقر والقناعة راضي عن طلب الدنيا وعرضها الفاني. لان انشغال النفس بذلك في المبادئ يقطعها عن طلب العلم احسن الله اليك. الرابع ان يحب لطالبه ما يحب لنفسه كما جاء في الحديث ويكره ويكره له ما يكره لنفسه قال ابن عباس رضي الله عنه اكرم الناس علي جليس الذي يتخطى رقاب الناس الي لو استطعت الا يقع الذباب عليه وفي رواية ان الذباب ليقع عليه فيؤذيني. وينبغي ان يعتني بمصالح الطالب ويعامله بما يعامل به اعز هذه من الحنو والشفقة عليه والاحسان اليه والصبر على جفاء ربما وقع منه ونقص لا يكاد يخلو الانسان عنه وسوء ادب في بعض الاحيان ويبس قرضه بحسب الامكان ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف. لا بتعنيف وتعسف قاصدا بذلك حسن تربيته وتحسين خلقه. واصلاح شأنه فان عرف ذلك لذكائه بالاشارة. فلا حاجة الى صريح العبارة وان لم يفهم ذلك الا بصريحها اتى به وراعي التدرج في التلطف. ويؤدبه بالاداب السنية ويحرضه على الاخلاق المرضية ويوصيه بالامور العرفية على الاوضاع الشرعية. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا ادبا من اداب العالم مع طلبته وفي حلقته وهو انه ينبغي له ان يحب لطالبه ما يحب لنفسه وان يكره له ما يكرهه لنفسه كما ثبت بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث انس انه قال لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه. وهذا موضوع في لسان الشرع للدلالة على الوجوب. كما ذكر ذلك ابو العباس ابن تيمية في كتاب الايمان وحفيده بالتلمذة ابو الفرج ابن رجب في كتاب فتح الباري. فكل حديث جاء مبدوءا بهذا البناء لا يؤمن احدكم فان المذكور فيه واجب فيجب على العبد ان يحب لاخيه ما يحب لنفسه. وقد جاء عند النسائي التصريح بالمحبوب وتعيينه وهو الخير فعند النسائي حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه من الخير. والخير في الشرع اسم لكل غبن فيه شرعا فكل شيء رغب فيه شرعا فهو خير. الا ان الخير المرغب في شرعا نوعان اثنان احدهما الخير المطلق وهو الذي لا يشتمل على سوء ابدا والثاني الخير المقيد وهو ما يكون خيرا من وجه دون وجه. فمن الاول مثلا اقامة الصلوات ومن الثاني مثلا المال والاولاد فان اقامة الصلاة وطلب العلم من الخير المطلق. واما جمع المال وتحصيله. والظفر بذرية من فهذا من الخير المقيد. فقد تكون خيرا ممدوحا من وجه وقد تكون شرا مذموما من وجه اخر والذي يتنزل عليه الحديث بلا قيد هو الخير المطلق فهو الذي يجب ان يحبه الانسان لاخيه المسلم واما الخير المقيد فاذا علم قطعا او غلب على ظنه ان اخيه ان اخاه اذا تعاطى ذلك الخير اضر به فانه لا يجب عليه ان يحبه له. فلو غلب على انه اذا توسع في دنياه اظعف ذلك دينه لم يجب عليه ان يحب له السعة من واورد المصنف رحمه الله تعالى في تصديق هذا المعنى ما صح عن ابن عباس عند الخطيب في الفقيه والمتفقه وعند الخرائطي في معالي الاخلاق انه قال اكرم الناس علي جليسي الذي رقاب الناس الي لو استطعت الا يقع الذباب عليه لفعلت. وفي رواية ان الذباب ليقع عليه فيؤذيني. وهذا من شدة كرامة جليسه على نفسه لبالغ اعتنائه بمن يجلس اليه. وهذا هو الخلق اللائق في العلم والتعليم فان المعلم لا يجلس لواحد دون اخر. بل يجلس لكل واحد من الحاضرين. وكذلك المتعلم ينبغي ان يكون جلوسه لمعلمه لا لغيره. فالمعلم الذي يتغير خاطره ويضعف اداؤه بالقلة او كثرة فهذا ملاحظ حظ افراد من المتعلمين. وليست عبوديته في التعليم مصبة الى بيان الشريعة دون ملاحظة من حضر او غاب وكذلك المتعلم الذي يحضر فيكون انتباهه بين بين في درسه او لا يقبل الا في حال دون حال او يتشاغل بامور اخرى فهذا ضعيف الاقبال على مجلس الدرس وكلما كمل الاهتمام بين المعلم والمتعلم كمل الانتفاع. وكلما ضعف الاهتمام من احدهما اضر بالاخر فان العلم مبني على اتصال الاحوال وليس على مجرد الصور فان المعلم اذا اقبل بقلبه قاصدا تعليم تقربا الى الله سبحانه وتعالى مستعينا بكل سبب واقبل عليه المتعلمون مع تصحيح النيات بكل ما يستطيعون اعانهم الله سبحانه وتعالى ويسر لهم الحصول على العلم. واذا ضعف هذا الامر في هذا او ذاك اضر بمقابله ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مما يلتحق بما مضى انه ينبغي للمعلم ان يعتني بمصالح الطالب وان يعامله بما يعامل به اعز اولاده من الحنو اي العطف والشفقة عليه والاحسان اليه. ذلك ان المتعلمين هم اولاد الروح كما ان الذرية هم اولاد البدن. فالمرء ينسب اليه اولاد من ذريته اصابهم بنكاح مشروع وكذلك ينسب للمعلم اولاد من تعليمهم يلتحقون به بجامع ما شرف به ارواحهم من التعليم والبيان. ثم ذكر ان مما ينبغي على المعلم ان يعامل المتعلمين بالشفقة لان الانسان لا يخلو من نقص فان المرء مخلوق في ظلمتين احداهما ظلمة الظلم والاخرى ظلمة الجهل. كما قال الله سبحانه وتعالى وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا. فمن خلقها في هاتين الظلمتين فانه ناقص ولا ريب. فيحتاج الى تهذيب وتأديب وارشاد وتعليم يعامل في كل امر بما يليق به واولى ذلك ان يوقفه على ما صدر منه بنصح وتلطف لا بتعنيف وتعسف. قاصدا بذلك حسن تربيته وتحسين خلقه. واصلاح شأنه كما قال المصنف رحمه الله تعالى واذا كانت الاشارة كابية عن العبارة استغنى بالاشارة عن العبارة فان ان المقصود هو التأديب واذا حصل واذا حصل المراد باي طريق كان هذا هو المقصود شرعا ويلازم تأديبه بالاداب السنية ويحرضه على الاخلاق المرظية. ويوصيه بالامور العرفية اي التي تعارف عليها اهل على الاوضاع الشرعية اي المناسبة للشرع. فليس الواجب على المعلم هو ان يلقي المعلومات فقط الى المتعلمين ليتلقفها المتعلمون بل من اعظم مقاصد التعليم هو ان يحليهم بالاداب السنية والا فما منفعة علم بلا ادب بل لا يكون المرء عالما حتى يكون مؤدبا. فان العلم جوهر لطيف لا يجعله الله سبحانه وتعالى الا في من يصلح لحمله. واذا كان احدنا يأنف ان يزوج ابنته او يضع ما له عند سيء ادب فان غيرة الله اعظم في ان يجعل العلم عند سيء ادب. والواجب على المعلمين ان يلاحظوا هذا الامر في تأديب المتعلمين بالاداب السنية وتحريظهم عليها وان يعظموا هذا الامر عليهم فان العلم لا ينال الا آآ بالادب كما قال جماعة من السلف رحمهم الله تعالى وفي ذلك يقول يوسف بن الحسين بالادب تفهم العلم بان انتهى كلام لان ادب المرء عنوان فلاحه وسعادته كما ان سوء ادبه عنوان بواره وخسارته كما ذكره ابن في مدارج السالكين في منزلة الادب وهذا اخر البيان على الكتاب الاول وبالله التوفيق