السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات. وتعبدنا به طول الحياة الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التقديم. اما بعد فهذا الدرس الثاني عشر من شرح الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الاولى سنة ثلاثين بعد الاربع مئة والالف واحدى وثلاثين بعد الاربع مئة والالف. وهو كتاب تذكرة السامع والمتكلم للعلامة محمد بن ابراهيم بن جماعة. ويتلوه الكتاب الثاني وهو بلوغ القاصد جل المقاصد العلامة عبدالرحمن بن عبدالله البعلي. ويتلوه الكتاب الثالث وهو فتح الرحيم الملك العلام للعلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى. وقد انتهى بنا البيان في الكتاب الاول الى قول المصنف رحمه الله تعالى في الفصل الثالث من الباب الاول الخامس ان يسمح له بسهولة الالقاء في تعليمه. نعم احسن الله اليك بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المصنف رحمه الله تعالى الخامس ان يسبح ان يسمح له بسهولة الالقاء في تعليمه وحسن التلطف في تفهيمه لا سيما اذا كان اهلا لذلك لحسن ادبه وجودة طلبه ويحرصه على ضبط الفوائد وحفظ الفرائض ولا يدخر عنه من انواع العلوم ما يسأله عنه وهو اهل له. لان ذلك ربما يوحش الصدر وينفر القلب ويورث الوحشة. ولذلك لا يلقي اليه ما لم يتأهل له. لان ذلك يبدد ذهنه فهمه فان سأله الطالب شيئا من ذلك لم يجبه ويعرفه ان ذلك يضره ولا ينفعه. وان منعه منه شفقة عليه ولطف به لا بخلا عليه. ثم يرغبه عند ذلك في الاجتهاد والتحصيل ليتأهل لذلك وغيره وقد روي في تفسير الرباني انه الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره. ذكر رحمه الله تعالى ادبا خامسا من اداب العالم مع طلبته مطلقا وفي حلقته. وهو ان يسمح للمتلقي عنه بسهولة الالقاء في تعليمه. وحسن التلطف في تفهيمه. لان الدين مبني على اليسر كما روى البخاري من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الدين يسر واصل العلوم في الشريعة هو القرآن الكريم مبني على اليسر كما قال الله سبحانه وتعالى ولقد يسرنا القرآن عن الذكر فهل من مدكر؟ فالمناسب لصنعة العلم ان يكون القاؤها على هذا النحو سهلة ميسورة كي يسهل تحصيلها وتتمكن النفوس من تلقيها. واجدر ما تكون السماحة والسهولة مصدرة لمن كان متأهلا ممن حسن ادبه وجاد طلبه وعلم حرصه انه من لوحظت فيه هذه المعاني كان حقيقة بان يجتهد المعلم في تسهيل العبارة له وفي تلطيف على العلم حتى يقر في قلبه. وذكر المصنف رحمه الله تعالى من الملتحق بهذا ان يديم تحريضه على ضبط الفوائد وحفظ الفرائض. لان العلم اذا لم ينبه الى ما يضبط منه ويحفظ ربما ما لم ينتبه المتلقي الى جليل الفائدة. فان الطالب قد لا تكون له الة عظيمة يميز بها ما ينتفع به من العلوم فيحتاج الى تحريض معلمه على ضبط الفوائد وحفظ الفرائض. ولم يزل اهل العلم رحمهم الله تعالى اه يراعون هذا حتى في جمل الضوابط العلمية التي يذكرونها كما قال بعضهم في علم النحو يا طالبا خذ فائدة بعد اذا ما زائدة فهو اراد ان يوصل الفائدة المرجوة وهو ان ما اذا عقبة اذا فانها تكون زائدة فارشده الى ان هذه فائدة عظيمة. فقال له يا طالبا خذ فائدة بعد فاذا ما زائدة ولا يدخر عنه من انواع العلوم ما يسأله عنه وهو اهل له. لان ذلك ربما يحج الصدر وينفر القلب ويورث الوحشة اي النفرة في القلب بين الملقي والمتلقي. فاذا رأى المعلم ان الم تعلم متأهل لانواع من العلوم تصلح له فانه لا ينبغي له ان يحبسها اعن بل يفيض سيح علمه عليه. وان وجده غير متأهل لذلك فانه لا يلقي العلم اليه كما قال المصنف ولذلك لا يلقي اليه ما لم يتأهل له. والعلة في ذلك ما ذكره بقوله لان ذلك يبدد ذهنه ويفرق فهمه والمعلم مؤتمن في تعليمه. كما ان الام مؤتمنة في تغذية ولدها الصغير فهي بانواع المطاعم شيئا فشيئا حتى يقوى على عسيرها وكبيرها وشاقها فكذلك العلم ينبغي ان يلاحظ المعلم ان المتعلمين لا يمكن لهم ان يدركوا كل العلم دفعة واحدة. ولكنه يأخذه شيئا فشيئا ويلقنهم ما يصلح لهم حتى اذا وجد منهم من يرتقي الى ما فوق ذلك رقاه اليه. وان قاله احد لم يتأهل بعد الى هذه المنزلة فانه ينبغي له حفظا لنفسه ان يحفظ عنه هذا العلم فليس العلم كله كلام بل العلم منه سكوت كما بينه الشاطبي رحمه الله تعالى في كتاب الموافقات في صدر مقدماته وكان على ذلك اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما في خبر وعائي ابي هريرة رضي الله عنه ولم يزل العلماء على هذا فان العلم انواع شتى ومسائل متفرقة وافهام الخلق متفاوتة هو الذي يلاحظ هذا فيعطي كل احد ما يصلح له. ويكون تلقينه لجمهور الخلق ما يكون موافق بمداركهم مدركا لعموم اذهانهم لان خلاف ذلك يوقعهم في خلاف مقصود الشريعة فان مقصود الشريعة من العلم تعبيد الخلق لله سبحانه وتعالى. واذا كان في هذا التعليم ما يحول بينهم وبين القيام بالعبودية لما يورثه ذلك من تشوش خواطرهم ونفرة نفوسهم واستصعاب ذلك على افهامهم كان اللائق عبودية لله سبحانه وتعالى هو حبس ذلك عنهم حتى يتأهلوا له. ثم قال رحمه الله تعالى مبينا ما يلحق بهذا قال فان سأله الطالب شيئا من ذلك لم يجبه ويعرفه ان ذلك يضره ولا ينفعه. فاذا ابتغى احد المتعلمين اجابة من شيخه عما حبسه عنه فانه يرشده الى ان هذا لا ينفعه بل ربما ضره وانه منعه اياه شفقة عليه لا بخلا عليه لا بخلا عنه ثم يرغبه عند ذلك بالاجتهاد والتحصيل يتأهل لذلك وغيره. ولما صار من المعلمين والمتعلمين من لا يعرف هذا الاصل صار المعلم يرى انه يجلس على كرسي الدرس فيلقي كل ما يعلم. ويرى المتعلم انه يجلس بين يديه وهو حقيق بان يلقي اليه المعلم كل ما يعلم وهذا من الجهل بما كان. فان الشريعة جاءت بملاحظة مدارك العقول وانتم تحفظون قول علي الذي رواه البخاري وغيره انه قال حدثوا الناس بما يعقلون اتريدون ان يكذب الله ورسوله فانها اذا القيت قوامض العلم ومشكلات الفهم على مدارك الناس لم اكثرهم فان الالف قيد وربما الف الناس حالا او مقالا فرأوه حقا فاذا القي اليهم خلاف شق ذلك عليهم. وربما ابتغوا مخالفته لاجل المخالفة. فان طبائع الناس متنوعة. وقد مر معنا من صغار المسائل حج الصلاة في لغة العرب فان المتقرر عند جمهور الناس ان الصلاة هي الدعاء بينما التحقيق ان الصلاة ليست الدعاء كما رد ذلك ابن القيم في بدائع الفوائد من اربعة وجوه وبينا ان المحققين فذكروا ان الصلاة هي معنى جامع للحنو والعطف. فهذه المسألة الصغيرة من عقول الناس من لا يدركها. فهو يرى ان ذلك خلاف المعروف المعهود في كلام اهل العلم وانه قول جديد وشغب بما شغب لان عقله لا يقبل مثل هذا ولابد ان يلاحظ الانسان انه اذا القى مثل هذه المسائل ينبغي ان يقرنها بمن قال ذلك من المحققين كابي بكر سهيل وابي عبد الله ابن القيم وابي عبد الله ابي محمد ابن هشام رحمهم الله تعالى. فما بالك بمسائل اغمض واصعب في باب العقيدة او التفسير او الحديث او الفقه لان مدارك الناس في العموم الاغلب لم تترقى الى العلم المحقق. فان العلم المحقق قليل في ناس والناس درجوا على اخذ العلم بالكم لا بالكيف. فان احدهم يقرأ كتابا كاملا. لكن اذا حققته في صواب فهم من خطأه وجدت ان صواب فهمه قليل. وهذا من الاقتراظ بالكم. والحرص على مجرد ظم الكتب وحظور الدروس دون عناية بتحقيق المسائل وسبل غورها وفهم مداركها. والعلم انما هو الفهم والادراك. ولهذا قال الحفاظ رحمهم الله تعالى في نعت حقيقة الحفظ عند المحدثين قالوا الحفظ الفهم. ولم يقولوا ان الحفظ هو ظبط الالفاظ وانما جعلوا الحفظ الفهم يعني فهم علل الاحاديث لانها هي المراد الاكبر من جمع الاسانيد وحفظها ومعرفة مراتب الرجال الجرحا وتعديلا ولقاءا وانقطاعا وسماعا ورواية فان هذا هو حقيقة علم الحديث. واما مجرد من يحفظ الاسانيد والاطلاع على العلل ولا مهارة له فيها فانه قليل الفهم والمعرفة عندهم فلا يستحق اسم الحافظ لديهم. ثم ذكر رحمه الله تعالى ما يحقق هذا المعنى بما قد روي في تفسير الرباني الذي امر به في قول الله تعالى كونوا ربانيين فقد ذكر ما ذكره البخاري في في صحيحه قال وقيل الرباني انه الذي الناس بصغار العلم قبل كباره. فهذا المعنى ذكره البخاري معلقا في صحيحه ولم يعزه الى احد ولا رواه ولا خرجه ابن حجر في تغليق التعليق فكأنه من كلام البخاري رحمه الله تعالى وعزاه القرطبي في الى ابن عباس وهو غلط عليه. فان ابن عباس انما ذكر في تفسير هذه الاية ما علقه البخاري قال حكماء فقهاء ولم يقل ابن عباس رضي الله عنه الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره وانما هو كلام اورده البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه وهذا المعنى الذي ذكر في الرباني انه الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره يعني الذي فيما يلقي اليهم من العلم المتمر للعمل فيربيهم بصغار العلم قبل كباره. وهذا القول على الصحيح معدول عنه فالصحيح ان الرباني مشتق من ربان السفينة وهو قائدها والمعنى الذي اي يسوس الناس فيما يصلحهم فهذا هو معنى الرباني اي الذي يسوس الناس فيما يصلحهم علما وعملا دعوة وارشادا واصلاحا. وقد اختار هذا المعنى ابن جرير الطبري في تفسيره. ونصره ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى من وجوه عدة في رسالة مفردة طبعت في مجموع الرسائل الذي طبع باخرة. وهذا هذه المرتبة العظيمة وهي مرتبة رباني مردها كما ذكر المحققون الى سياسة الخلق في اصلاحهم. والشافعي رحمه الله تعالى يقول سياسة اشق من سياسة الدواب ومن جملة السياسة التي يحتاجها الناس سياستهم في العلم ومن جملة سياستهم في العلم ان يبتدأ الانسان في تعليمهم بالمهمات فان الانسان ينبغي له ان يحفظ زهرة عمره فان العمر قد لا يتسع لكل الخلق في التعلم ولكن يتسع لبعضهم دون بعض. ويتسع لجمهورهم في اول عمره. فينبغي ان يعمر اول عمره بما ينفعه من المهمات فيشتغل بتعلم المهمات التي يحتاج اليها في دينه في اعتقاده وطهارته وصلاته معرفته بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته ومهمات تفسير القرآن الكريم. هذا هو العلم الذي ينبغي ان يجمع الانسان نفسه عليه فالعلم لا يطلب لذاته وانما يطلب كي يقرب الى الله سبحانه وتعالى وانما ينفعك منه ما في التقرب بعبوديتك الى الله سبحانه وتعالى. فمن السفاهة بمكان ان يحضر طالب العلم درسا في المصطلح او النحو او الاصول وهو لم يدري وهو لم يدرس ما يلزمه من الاعتقاد والفقه والاحكام ومعرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان المعلمون يعرفون حقيقة هذه الامانة كانوا لا يسمحون بمثل هذا وانما كانوا يدرجون الطلبة كل بلدك فيحملونهم على جادة للعلم يتعلم فيها المتعلم اهم ما ينبغي ان يلزمه في عبادته ثم اذا فرغ منه ترقى الى غيره ثم اذا فرغ منه ترقى الى غيره فكانوا يسألون الطالب ماذا قرأت؟ وماذا درست؟ وماذا حصلت حتى اذا اطلعوا على حقيقة حاله رقوه الى ما ينبغي ان يكون عليه. وان وجدوه لم يتعلم شيئا من قبل. ابتدأوه بما يحسن ان يتعلمه ومنعوه مما لا يحسن به ان يتعلمه. فانتفع الناس من العلم وكان للعلم اثر في العمل معرفة بدين الله عز وجل. ولما ضعف هذا الاصل صار الناس منسوبين الى العلم وهم في الحقيقة على فتجد احدهم ربما ارتقى مرتبة عظيمة في اصول الفقه او في مصطلح الحديث او غيرها من العلوم الالية وهو يجهل ما يلزمه في الاعتقاد في حق الله سبحانه وتعالى او فيما يتعبد به لله سبحانه وتعالى في صلاته او صيامه وكل هذا من الجهل بحقيقة العلم. وينبغي يا طالب العلم ان تعلم ان العلم عبادة تتقرب بها الى الله سبحانه وتعالى. وان احفظوا ان الاصابة والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم شرط في قبول العمل. كما قال حافظ الحكم رحمه الله تعالى في سلم الوصول شرط قبول شرط قبول شرط قبول السعي ان يجتمع فيه اصابة واخلاص مع ومن المتابعة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في العلم ان تحرص على تعلم ما مما تتقرب به الى الله سبحانه وتعالى قبل كل شيء. نعم. احسن الله اليكم. قال السادس تعليمه وتفهيمه ببذل جهده وتقريب المعنى له من غير اكثار لا يحتمله ذهنه او بسطا لا يضبطه حفظه ويوضحه لمتوقفي الذهن العبارة ويحتسب اعادة الشرح له وتكراره. ويبدأ بتصوير المسائل ثم يوضحها وذكر الدلائل ويقتصر على تصوير المسألة وتمثيلها لمن لم يتأهل لفهم مأخذها ودليلها ويذكر الادلة والمأخذ يكتملها ويبين له معاني اسرار حكمها وعليها. وما يتعلق بتلك المسألة من فرع واصل ومن وهم فيها في حكم او تخريج او نقل بعبارة حسنة الاداء بعيدة عن تنقيص احد من العلماء. ويقصد ببيان ذلك الوهم طريق النصيحة وتعريف النقول الصحيحة. ويذكر ما يشابه تلك المسألة ويناسبها وما يفارقها ويقاربها. ويبين مأخذ والفرق بين المسألتين ولا يمتنع من ذكر يقظة يستحيا من ذكرها عادة اذا احتيج اليها ولم يتم التوضيح الا بذكرها فان كانت فان كانت الكناية تفيد معناها وتحصل مقتضاها تحصيلا بينا لم يصرح بذكرها بل يكتفي عنها وكذلك اذا كان في المجلس من لا يليق ذكرها بحضوره لحيائه او لجفائه فيكني عن تلك اللفظة بغيرها ولهذه المعاني واختلاف الحال والله اعلم. ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم التصريح تارة والكناية واخرى ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادبا اخر من اداب العالم في درسه وحلقته وهو وان يحرص على تعليم المتعلمين وتقييمهم. وان يبذل جهده جهده في تقريب المعاني لهم. لان العلم عبادة وكما يجتهد المرء في اتقان صلاته التي يتقرب بها الى ربه سبحانه وتعالى فينبغي له ان يجتهد في احسان تعليمه فان العلم صلاة القلب كما قال المصنف رحمه الله تعالى. فينبغي له ان يجتهد في تخير الالفاظ الموصلة للمعاني المرادة من غير اكثار لا تحتمله الاذهان ولا بسط لا يؤدي الى ضبط ما ينبغي حفظه مما يلقيه اليهم فان العلم لا يمدح بالبسط والاتساع وانما يمدح بالنفع والانتفاع ولهذا عظم قدر المتون المختصرة فوق كثير من الكتب المطولة لما فيها من النفع والانتفاع فان البسط والاتساع لا يتهيأ ان يستفيد منه كل احد وانما يستفيد منه احاد من الخلق ممن عظم فهمه وقوي قبره وجلده على العلم فيستفيد من ذلك. واما عموم الخلق فانما ينتفعون بما يكون واضحا جليا بينا سهلا مناسبا لمداركهم وفهومهم. ومما يدخل في جملة الحرص على التعليم والتفهيم ان يوضح المتعلم العبارة لمتوقف الذهن. فان الناس باعتبار قوة اذهانهم نوعان اثنان. احدهما متوقد الذهن والاخر متوقف الذهن. فمتوقد الذهن هو الذي يقبل ما يلقى اليه ويفهمه سريعا متوقف الدين فهو بطيء الفهم الذي يحتاج الى تحريك ذهنه لاعادة المعنى عليه مرة بعد مرة او تصوير المسألة او ظرب امثلتها حتى يتهيأ له فهمها. فينبغي ان يلاحظ المعلم من كان على هذه الحال من توقف وفي ذهنه فيوضح له العبارة ويحتسب تقربا عند الله سبحانه وتعالى اعادة الشرح له وتكراره فان المقصود من التعليم هو ايصال الخير الى الخلق. فاذا كان هذا الايصال يقتضي اعادة وتكرارا كان ذلك مأمورا به ما فيه من مزيد القربة الى الله سبحانه وتعالى. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ما ينبغي ان يكون عليه المعلم في ابتغائه حسن التعليم فقال ويبدأ بتصوير المسائل اي ببيانها فان مبتدأ العلوم هو تصور المسائل فادراك المفردات التي بنيت عليها العلوم هو المطلب الاعظم في العلم. ولذلك فان اول ما واليك من العلم كما ينبغي هو تصوير المسألة سواء كان في العلوم الاصلية كالفقه والعقيدة والحديث والفقه او في العلوم الالية فان الانسان اذا تصور الشيء سهل عليه بعد ان يعرف دليله ومأخذ هذا الدليل منه والرد على مخالفه. اما اذا لم يتصور المسألة فانه لا ينتفع بما بعد ذلك. واذا اهمل هذا الاصل وهو تصوير المسائل وصرفت قوى المتعلمين الى غيره اضر بهم. ومن ظواهر هذا في حال الناس ولعوهم ما يسمى بالراجح فان الراجح شيء زائد عن تصوير المسائل فهم يضيعون ما ينبغي من معرفة المسائل كما هي ويتعلقون بما وراء ذلك. فيعرفون راجحا لا يحسنون انزاله على المسألة التي علق وبها لانهم لم يتصوروا المسائل. وقد مر معنا كلمة في الواسطية وهي قول مصنفها رحمه الله تعالى وقد جمع سبحانه وتعالى فيما وصف وسمى به نفسه بين الجمع والاثبات. فان هذه الجملة لم يتصورها لم يتصورها اكثر شراح الواسطية فضلا عن متلقيها. ان اقول ذلك تعديا ولا جورا ولكن من رجع الى اكثر شروح الواسطية لم يجدهم ذكروا معنى النفي في الاسماء فان المصنف بين ان النفي يتسلط على الاسماء كما يتسلط على الصفات. فقال وقد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والاثبات فكما يكون في الصفات شيء منفي وشيء مثبت فكذلك في اسماء شيء منفي وشيء مثبت. لكن لما غودرت العناية بتصوير المسائل عجب علم هذا عن الناس فصارت هذه المسألة غريبة مع كونها منصوصة في هذا الكتاب على المعنى الذي وضحناه في شرحها لكن المقصود ان عرف ان اهم ما ينبغي ان تعتني به في تلقيك هو تصوير المسائل. ولذلك قال المصنف ويبدأ بتصوير المسائل ثم وهذا انتقال الى مرتبة ثانية قال ثم يوضحها بالامثلة وذكر الدلائل اي يوضح المسألة المصورة بالامثلة ويذكر الادلة عليها. ثم قال ويقتصر على تصوير المسألة وتمثيلها من لم يتأهل لفهم مأخذها ودليلها وهذا هو حال المبتدئين. فان المناسب للمبتدئين هو تصوير المسائل فحسب وقد ذكرت لكم في مجلس سابق ان اهل العلم جعلوا طالبه على ثلاث مراتب المرتبة الاولى مرتبة المبتدئ وهو الذي يتصور المسألة. والمرتبة الثانية مرتبة المتوسط وهو الذي يتصور المسألة ويعرف دليلها. والمرتبة الثالثة مرتبة المنتهي وهو الذي يتصور المسألة ويعرف دليلها ويمكنه الرد على المخالفين لهذا القول. فاول ما ينبغي ان يعتني به الطالب وان يشتغل بتصوير المسألة بتصور المسألة واولى ما ينبغي ان يعتني به المعلم في حق المبتدئين هو تصوير المسائل ولذلك قال المصنف ويقتصر على تصوير المسألة وتمثيلها لمن لم يتأهل لفهم مأخذها ودليلها. وهذا هو السر في تجريد النفوس على الامر الاعظم لان فهم المعقل والدليل امر ارفع من مجرد التصور فاذا جرد النفوس على المطلب الادنى ادركته. قال ويذكر الادلة والمأخذ لمحتملها لعلها ويذكر الادلة والمآخذ لمحتملها. ويبين له معاني اسرار حكمها وعللها. اي اذا ارتقى طالب العلم الى فهم المسألة وتصورها تصورا صحيحا فحين ذاك يليق بعد ان يذكر له الادلة وان فسر له مأخذ الدلالة منها وان يبين له معاني اسرار حكمها وعللها وما يتعلق بتلك المسألة من فرع واصل ومن وهم اي خطأ فيها في حكم او تخريج او نقل بعبارة حسنة الاداء بعيدة عن تنقيص احد من ان يعتني ببيان ما زاد عن تصوير المسألة من الادلة والمآخذ بذكر ما يتعلق بالمسألة من فرع او اواسط او وهم وقع فيه احد ولكنه ينبغي ان يحرص على التماس عبارة حسنة الاداء في بيان غلط غيره عيدا عن تنقص احد من العلماء لان العلم لا يقوم الا بالادب. ومن ظن انه يدرك العلم بلا ادب انه لا يحصله سواء كان معلما او متعلما. ومن الادب حسن التلطف في العبارات المؤدية الى بيان الاخطاء دون تعرض الى المخطئين من العلماء الصادقين. فان العالم كغيره من البشر عرظة للسهو والخطر والنسيان فاذا زل او غلط في مسألة فان اللائق هو ان يلتمس الانسان عبارة لطيفة في بيان خطأه وهذا اللسان وهو لسان العلم له قوانين واداب مبثوثة في كلام اهل العلم فان اهل العلم ولا سيما من صنف في الفقه اختاروا عبارات كقولهم والاظهر او قولهم والاصح او قول فان قيل او قولهم فان يقال فانهم يفرقون بين هذه العبارات باعتبار ما يكتنفها من وهذا اللسان كلامهم فيه متفرق وللنووي رحمه الله تعالى في مقدمة المجموع نزر حسن من بيان جملة من هذه المعاني وهي محتاجة الى ناهض ينهض بجمعها. لان لسان العلم قد تلوث اليوم بين طائفتين اثنتين احداهما طائفة منسوبة الى العلم لكنه داخلها بعض الدعاوى التي تسمى بتجديد الخطاب الديني ادخلوا في العلم عبارات وجمل اجنبية عنه لا مدخل لها فيه. فاضروا بلسان العلم. والطائفة الثانية اجنبية عن العلم اصلا من المثقفين والمفكرين والصحفيين صاروا يتكلمون في مسائل العلم بلسانهم الصحفي افسدوا لغة العلم لسان العلم الى حفظ وينبغي ان يحرص طالب العلم على ان يكون لسانه هو لسان اهل العلم فانك اذا هجرت لسان اهل العلم فانت ناقص النسبة لهم وان كنت متزيا بزيهم ودارسا فان لم يكن لسانك لسانهم فلا ينبغي ان تكون منهم على الجملة والتفصيل وانما انت في عموم اغمارهم واما من شرف لسانه بمعرفة لسان اهل العلم المشتمل على العفة والصيانة وحسن الادب واختيار فاظي المعبرة عن الحق فهذا هو المنسوب الى العلم حقيقة. ولذلك فان الذي يعرف عفة اهل العلم يشق عليه ان يقول عن قول الجمهور مثلا وهذا قول باطل او يقول عن حديث اختلف اهل العلم في تصحيحه وتضعيفه هذا حديث على وجه الارض فان مثل ذلك لا يليق قوله لانه في جناب علماء وقد يكون لهم من الصلاح والولاية والسبق عند الله سبحانه وتعالى ما ليس لك. كما قال ابن ابي حاتم رحمه الله تعالى لما قرأ عليه كتابه الجرح والتعديل في اخر عمره فبكى بكاء شديدا وقال انا لنتكلم في قوم لعلهم حطوا رواحلهم في الجنة. والمرء اذا تكلم في مسألة من سائر العلم قد تكلم فيها من سبقه فليعلم انه بجناب اولئك لا شيء. وان هؤلاء السابقين قد ادركوا منازل عظيمة من الولاية والصلاح والقرب من الله سبحانه وتعالى. فليست المفاضلة في العلم في الصورة الظاهرة بحفظ المعلومات وسرد المنقولات وبيان الراجح والمرجوحات. ولكن حقيقة العلم هو ما يشتمل عليه القلب من القرب الى الله سبحانه وتعالى والاقبال اليه وكمال التعبد والمحبة له سبحانه وتعالى. وهذا معنى قد يفصح عنه اللسان بالبيان ولكن لا يوجد في تنال فيحتاج الى جهاد وجهاد حتى تصل الى الى مراتب اولئك فكيف يليق بعد ان يكون لسانك مستهجنا في مخاطبتهم بما تذكره ازاء اقوالهم رحمهم الله تعالى. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى انه اذا بين خطأ من اخطاء من سبق فينبغي له ان يقصد ببيان ذلك الخطأ طريق النصيحة وتعريف النقود الصحيحة وان يذكر ما يشابه تلك المسألة ويناسبها وما يفارقها ويقاربها ويبين مأخذ الحكمين والفرق بين المسألتين لان هذا من حسن التعليم. لان من اهم مآخذ العلم في الفقه كما سبق الجمع والفرق كما قيل لعبد الحق السنباطي رحمه الله تعالى احد علماء الشافعية ما الفقه؟ فقال الجمع والفرط الجمع بين المسائل المتشابهة والتفريق بين المسائل المختلفة. فمثلا الممسوحات في الشريعة انواع كالمسح الجورب او الخف او الجبيرة او رأس اليتيم او غيرها من الممسوحات. وهي تشترك في قدر ما من المسائل كاصل الحكم مثلا وهو المسح لكنها تختلف في فروع تتعلق بهذه المسألة فينبغي ان يراعي الانسان هذا في تفقيهه بان يراعي مأخذ الحكمين والفرق بين المسألتين. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى من ادب التعليم ان لا المعلم من ذكر لفظة يستحيا من ذكرها عادة اذا احتيج اليها ولم يتم التوضيح ولم يتم التوضيح الا بذكرها فان كانت الكناية تفيد معناها وتحصل مقتضاها تحصيلا بينا لم يصرح بذكرها بل يكتفي بالكناية عنها. لان مبنية على الادب. والقرآن الكريم مني بالالفاظ التي عدل بها عن ظواهر قريبة عن ظواهر وقريبة الى الفاظ اخرى تأدبا. كما قال سبحانه وتعالى احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم. ثم بين الله سبحانه وتعالى وجه ذلك فقال هن لباس لكم وانتم لباس لهن. والمراد ملابسة الافظاء بالجماع ولكن التأدب في خطاب القرآن حمل على هذا وهذا هو الذي ينبغي في صنعة العلم ان يلزم الانسان التأدب بالكناية وان يترك ما لا يحتاج ما لا يحتاج اليه من الالفاظ التي يستحيا منها. ويتأكد ذلك اذا كان في المجلس الا يليق ذكر ذلك اللفظ بحضوره لحيائه او لجفائه. فان من الناس من ينبغي ان تحبس بعض اللفظ عنه اما ممن يستحي او لكونه جافيا ربما اذا تكلمت بكلمة صريحة جعلها مدخلا كلمات قبيحة فلا بد ان تراعي حال هذا وحال هذا. ثم قال المصنف رحمه الله تعالى ولهذه المعاني واختلاف الحال والله اعلم ورد في النبي صلى الله عليه وسلم التصريح تارة والكناية تارة اخرى اي ان النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما صرح بما يستقبح كما في حديث ماعز وربما كن عنه صلى الله عليه وسلم ملاحظة للحال وهذا هو الذي ينبغي فيلاحظ الانسان هذا في امر تعليمه خاصة وفي امر كلامه عامة وهذا اخر التقرير على هذا الكتاب