السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات وتعبدنا به طول الحياة الى ممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التقديم. اما بعد فهذا الدرس الرابع عشر في شرح الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الاولى ثلاثين بعد اربعمائة والالف واحدى وثلاثين بعد الاربعمائة والالف. وهو كتاب تذكرة السامع والمتكلم للعلامة محمد بن ابراهيم بن جماعة رحمه الله. ويتلوه الكتاب الثاني وهو بلوغ القاصد جل المقاصد للعلامة عبدالرحمن بن عبدالله البعري رحمه الله. ويتلوه الكتاب الثالث وهو فتح الرحيم الملك العلام للعلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله وقد انتهى بنا البيان في الكتاب الاول الى قول المصنف رحمه الله تعالى بالفصل الثالث في اداب العالم مع طلبته التاسع اذا سلك الطالب في التحصيل فوق ما يقتضيه حاله. نعم. احسن الله اليك. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد اللهم اغفر لنا او لشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى التاسع اذا سلك الطالب في التحصيل فوق ما يقتضيه حاله او تحمله طاقته وخاف الشيخ ضجره اوصاه بالرفق بنفسه وذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم ان المنبت لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقى ونحو ذلك مما يحمله على الاناة والاقتصاد في الاجتهاد وكذلك اذا ظهر له منه نوع سآمة او ضجر او مبادئ ذلك امره بالراحة وتخفيف الاشتغال. ولا يشير على بتعلم ما لا يحتمله فهمه او سنه ولا بكتاب يقصر ذهنه عن فهمه فان استشار الشيخ من لا يعرف حاله وفي الفهم والحفظ في قراءة فن او كتابة لم يشر عليه بشيء حتى يجرب ذهنه ويعلم حاله فان لم يحتمل الحال واشار عليه بكتاب سهل من الفن المطلوب. فان رأى ذهنه قابلا وفهمه جيدا. نقله الى كتاب يليق بذهنه والا تركه وذلك لان نقل الطالب الى ما يدل نقله اليه على جودة ذهنه يزيد انبساطه والى ما يدل على يقلل نشاطه ولا يمكن الطالب من الاشتغال في فنين او اكثر اذا لم يضبطهما بل يقدم الاهم الاهم كما سنذكر ان شاء الله تعالى واذا علم او غلب على ظنه انه لا يفلح في ذنب اشار عليه بتركه قالوا يا غيره مما يرجى فيه فلاحه. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادبا اخر من ادب العالم مع طلبته وفي حلقته وهو الادب التاسع من جملة الاداب المعدودة في هذا الفصل. فارشد المتعلم الى ان فارشد المعلم الى ان يلاحظ حال متعلمه فاذا سلك الطالب في التحصيل فوق ما يقتضيه حاله او تحمله طاقته وخاف الشيخ ضجره اوصاه بالرفق بنفسه. ذلك ان قدر الخلق متفاوتة وليس كل واحد منهم يكون له من القدرة القدرة التامة الكاملة التي يستهون بها العلوم عليه فينبغي ان يراعي المعلم قدر المتعلمين واذا رأى منهم احدا حمل نفسه على شيء فوق قدرته وطاقته وخاف الشيخ ضجره وانزعاجه فانه يوصيه بالرفق بنفسه ويذكره حديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في التأني والتلطف في تحصيل المطلوبات. ومنها هذا الحديث الذي ذكره المصنف ان المنبت لا انقطع ولا ظهرا ابقى. وهذا الحديث رواه البيهقي وغيره واسناده ضعيف والصواب فيه الارسال كما ذكره البخاري وغيره. ومعنى المنبت اي المنقطع في سفره. بسبب اجهاد نفسه ودابته. فانه لما حمل على نفسه ودابته بما هو فوق قدرتهما انقطعت في سفره فلم يستفد من ذلك قطع الارض والتقدم في مراحل السفر ولا ابقى دابته محفوظة قوية بل انهكها واهلكها بما اجهدها به من طول السفر. والاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى كثيرة ومنها ما في صحيح البخاري من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال القصد القصد تبلغ وعند مسلم من حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاشج عبد القيس ان فيك يحبهما الله الحلم والاناة. وهذه الاحاديث ترشد الى لزوم الرفق والتأني في لتحصيل المطلوبات فان ذكر هذه الاخبار يحمل النفوس على لزوم الاناة والاقتصاد في الاجتهاد. والقول القصد والملازمة مع المداومة اولى من المبالغة والاكثار مع الانقطاع. وهذه قاعدة الشرع في اداة فان الشرع يحمد العبادة المتصلة ولو قلت ويعيب انقطاع العبادة ولو كثرت وفي الصحيحين ان احب العمل الى النبي صلى الله عليه وسلم ادومه وان قل. وهذا هو الحال الذي ينبغي ان يلزمها وهذا هو الحال التي وهذا هي الحال وهذه هي الحال التي ينبغي ان يلزمها المتعلم في اخذه فيكون متأنيا مقتصدا في اجتهاده متمثلا ما اوصى به ابن النحاس فيما ذكره عنه السيوطي في بغيت اذ قال اليوم شيء وغدا مثله من نخب العلم التي تلتقط يزداد بها المرء حكمة وان السير اجتماع النقط ثم قال رحمه الله وكذلك اذا ظهر له اي للمعلم من المتعلم نوع او ضجر اي ملل او مبادئ ذلك يعني علاماته المتقدمة عليه امره بالراحة تخفيف وتخفيف الاشتغال بالعلم. لان النفوس تمل والقلوب تتعب فهي تفتقر الى امام ولم تزل وصية السلف رحمهم الله تعالى بالاجمام واراحة القلوب في تحصيل المطلوبات مأثورة عنهم واحدا بعد واحد. كما قال علي رضي الله عنه روحوا القلوب فانها تتعب كما تتعب الابدان. وجاء الشرع بتقرير هذا الاصل في احكامه. وفيما افترضه الله عز وجل على عباده من اركانه كالصلاة والصيام والزكاة والحج. فان الشرع راعى فيها هذا المقصد. وهو اجمام النفوس واراحتها وتخفيف اشتغالها بمطلوباتها. ثم ذكر رحمه الله تعالى مما يندرج في هذا الادب الا يشير المعلم على المتعلم بتعلم ما لا يحتمله فهمه او سنه ولا بكتاب يقصر ذهنه عن فهمه لان ان مقصود المعلم من تعليمه هو دلالة الناس على الخير. ومما يبطئهم عن الخير ويقعدهم عن تحميلهم ما لا يحتملون اما لقصور فهمهم او لصغر اسنانهم. فاذا لم يتفطن المعلم الى هذا اضر بالخلق فربما علمهم ما لا تحتمله عقولهم او لا تقبله اعمارهم فيكون ذلك سبب مرضهم وشقائهم. وكذلك الكتب التي لم ترتفع اليها افهامهم تكل منها اذهانهم وتستثقل العلم فتنقطع عنه بخلاف ما يصلح لهم فان اذهانهم تنشط في طلبه وتقوى افهامهم في تحصيله ثم قال فان استشار الشيخ فان استشار الشيخ من لا يعرف حاله في الفهم والحفظ في قراءة في قراءة فن او كتاب لم يشر عليه بشيء حتى يجرب ذهنه ويعلم حاله فالمجهول الذي لم يطلع على حاله لا تنعت له الطريق. وانما تنعت الطريق لمن عرف قصده منها فاذا جاء متعلم ما الى معلمه سائلا اياه ان يقرأ عليه كتابا او فنا لم يكن من ادب العلم ان يباشره بالموافقة والمطاوعة له فيما يطلب. بل لا بد ان يقف على حقيقة عقله ومقدار علمه حتى يرشده الى ما فيه نفعه. وكان هذا هو الحامل لمن سبق من المعلمين. فان من سبق من المعلمين انما كانوا يجلسون للتعليم لينفعوا الناس. فكانوا يلاحظون ما يصلح للمتعلمين. واما جمهور اليوم فانهم يلاحظون ما ينفعهم هم دون ما ينفع الناس. ولذلك فانهم ربما اقرأوا مبتدأ لم يقرأ الاربعين النووية اقرأوه مسند احمد او صحيح البخاري وهذا امر لا نقوله جزافا بل نعرف من افعلوا ذلك بخبر تلاميذه والاخذين عنه فان من الناس من يأتي خلوا من العلم ويستريح الشيخ ان يقرأ عليه كتابا مطولا لينتفع هو فيأمره بان يقرأ عليه في صحيح البخاري او مسند الامام احمد مما لم تبلغه وذلك هذا المتعلم فيضر بالم تعلم وما دار العلم هو في وجود النفع والانتفاع. ثم قال المصنف رحمه الله تعالى فان لم يحتمل الحال يعني حال السؤال التأخير اشار عليه بكتاب سهل من الفن المطلوب اي ابتدأه بالارشاد الى كتاب وجيز واضح تدركه عموم الافهام. فاذا رآه بعد ذلك قابل الفهم جيد الذهن نقله الى كتاب يليق بذهنه والا تركه. فاذا استرشده مثلا في قراءة كتاب في العقيدة ولم يحتمل الحال التأخير وليس للشيخ اطلاع على مقدار علم الم تعلم ولا جودة فهمه ارشده الى ما يلزمه مما هو سهل بين كثلاثة الاصول وادلتها فاذا قرأ فيه الطالب وبال له قوة فهمه او ذكر له انه حصل علمه فيما سبق وامتحنه فيه فبان له حسن ادراكه له نقله الى كتاب اعلى منه. ولا يرشده الى كتاب مستصعب. فيه اشكالات وامور معضلات فلا ينبغي ان يرشد مبتدأ مثلا في علم الاعتقاد الى الدرة المضية للسفارين لما اشتملت عليه من بعض المباحث المنتقدة عند اهل العلم رحمهم الله تعالى. ومن سلك هذا مع المتعلمين افادهم في تقوية اذهانهم وتجويد افهامهم وتلقينهم العلم كما ينبغي. وارشد المصنف رحمه الله تعالى الى العلة على ذلك فقال وذلك لان نقل الطالب الى ما يدل نقله اليه على جودة ذهنه يزيد انبساطه يزيد انبساطه والى ما يدل على قصوره يقلل نشاطه. اي اذا ابتدأ المعلم متعلمه بالارشاد الى كتاب ثم بان له قوة فهمه فنقله الى كتاب اعلى انبسط الم تعلم واحب العلم واقبل عليه. واذا عكس ذلك فبان له انه رديء الفهم وليس له قوة في العلم فاراد عكس الامر بنقله الى كتاب دون كتابي الاول فان ذلك يقلل نشاطه. ثم قال المصنف رحمه الله ولا يمكن الطالب من الاشتغال في فنين او اكثر اذا لم يضبطهما بل يقدم الاهم فالاهم كما سنذكر ان شاء الله تعالى لان جادة الامنة هو ان يأخذ المتعلم العلوم شيئا فشيئا ولا يجمع بينها جمعا يثقل عليه والمقصود بذلك من اراد ان يستشرح متونا فانه لا ينبغي له في الحال الاكمل ان يجمع ما بين متنين في فنين مختلفين الا من جاد فهمه وقوي ضبطه والاولى ان يحمل للعلم شيئا فشيئا بحسب ما يصلح له ويتفق مع زمانه. فاذا كان في الزمان ما يدعو الى الجمع بين فنين او اكثر لحال الناس وتغير امورهم فلا بأس بذلك. والمقصود هو مصلحتهم ومنفعتهم المصلحة العظمى اذا لم تدرك تامة فانه يصاب ما يدرك منها مما هو اقل من الجدوى التامة منها وفي ذلك يقول بعض الشناقطة مشيرا الى هذا المعنى يقول وفي ترادف العلوم المنعجات ان توأما استبقا لن يخرجا وفي ترادف العلوم المنعجاء ان توأمان استبقا لن يخرجا وقبل ذلك قال وان ترد تحصيل فن تممه وعن سواه قبل الانتهاء مه. وان تحصيل فن تممه. يعني تممه. وعن سواه قبل الانتهاء ما كلمة زجر يعني وعن سوى هذا الفن انقطع وازجر نفسك عن ذلك ثم قال واذا علم او غلب على ظنه انه لا يفلح في فن اشار عليه بتركه اي اذا علم المعلم او غلب على ظنه بالقرائن والامارات ان الطالب لا يفلح في هذا الفن كعلم الاصول او علم المنطق او علم القراءات فانه يرشده الى تركه. وينقله الى غيره من العلوم التي يؤمن فلاحه فيها فالمعلم يلاحظ قوة المتعلمين وما يصلح لهم ويرشدهم الى ما يستكملون به نفعهم وانتفاعهم. ولهذا كانت جادة العلم هو ان يحصل الم تعلم في كل فن متنا مختصرا لان المتون المختصرة في العادة الجارية مما تشترك اذهان الخلق في فهمه. وما وراء ذلك هو الذي يتفاوت فيه الخلق فتجد من الخلق من يدرك النحو المختصر او الاصول الفقهية المختصرة او القواعد الفقهية المختصرة لكن غور تلك العلوم وغاياتها لا يستطيعه الا القليل منهم فاذا وجد الانسان بعد تحصيله الاول لمهمات العلم في المختصرات ميلا ومحبة وقدرة على علم انه يتوسع فيه كما يشاء. وهذه هي طريقة من سلف فان من سلف كانوا يحصلون قدرا كليا من العلوم ثم بعد ذلك يغلب على احدهم محبة الحديث فينسب اليه تعلما وتعليما ويوجد عند اخر محبة التفسير فينسب اليه تعلما وتعليما. وهذا امر سائغ بل عموم الخلق على هذا. اما ان يوجد فيهم من يكون دراكة عارفا بالفنون المختلفة فهذا قليل وانما يتهيأ لاذكياء الخلق كما ذكر الشوكاني رحمه الله تعالى وهذا اخر البيان على هذا القدر من هذا الكتاب وبالله التوفيق