السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات. وتعبدنا به طول الحياة الى الممات. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. صلى الله الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه المخصوصين بمراتب التقديم. اما بعد فهذا الدرس الخامس عشر في شرح الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الاولى سنة ثلاثين بعد الاربع مئة والالف واحدى وثلاثين بعد الاربعمائة والالف. وهو كتاب تذكرة السامع والمتكلم للعلامة محمد ابن ابراهيم ابن رحمه الله ويتلوه الكتاب الثاني وهو بلوغ القاصد جل المقاصد العلامة عبدالرحمن بن عبدالله البعلي رحمه الله ويتلوه الكتاب الثالث وهو فتح الرحيم الملك العلام للعلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله. وقد انتهى البيان في كتاب الاول الى قوله رحمه الله تعالى في الفصل الثالث العاشر ان يذكر للطلبة قواعد الفن التي لا تنخرم نعم احسن الله اليك. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى العاشر ان يذكر للطلبة قواعد الفن التي لا تنفرم. اما مطلقا كتقديم المباشرة على السبب في الظمان او غالبا كاليمين على وادعى عليه اذا لم تكن بينة الا في القسامة بينة اذا لم تكن بينة الا في القسامة والمسائل المستثناة من القواعد كقوله العمل بالجديد من العمل بالجديد. سبحان الله بغلط. كقوله العمل بالجديد من كل قولين قديم وجديد الا في اربع عشرة مسألة ويذكرها. وكل يمين على نفي فعل الغير فهي على نفي العلم الا من ادعي عليه ان عبده جنى فيحلف على البت على الاصح. وكل عبادة يخرج منها كله هذي كلها مضمومة على طول كل عبادة وكل عبادة يخرج منها بفعل منافيها وموطنها الا الحج والعمرة كل وضوء وكل وضوء يجب فيه الترتيب الا وضوءا تخلله غسل الجنابة واشباه ذلك. ويبين مأخذ ذلك كله وكذلك كل اصل وما يبنى عليه من كل فن يحتاج اليه من علمي التفسير والحديث. وابواب اصولي والفقه والنحو والتصريف واللغة ونحو ذلك. اما بقراءة كتاب في الفن او بتدريج على الطول. وهذا كله اذا كان الشيخ عارفا بتلك الفنون والا فلا يتعرض لها بل يقتصر على ما يتقنه منها. ومن ذلك نوادل ما يقع ومن المسائل الغريبة والفتاوى العجيبة والمعاني العجيبة ونوادر الفروق والمعاياة ومن ذلك ما لا يسع الفاضل سهله كاسماء المشهورين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من ائمة المسلمين وكبار الزهاد والصالحين كالخلفاء وبقية العشرة والنقباء الاثني عشر والبدريين والمكثرين والعبادلة والفقهاء السبعة والائمة الاربعة فيضبط اسماءهم وكناهم واعمارهم وفياتهم. وما يستفاد من محاسن ادابهم ونوادر احوالهم مع الطور فوائد كثيرة النفع ونفائس غريزة الجمع. وليحذر كل الحذر من منافسة بعضهم لكثرة تحصيله او قيادة فضائله لان ثواب فضائلهم عائد اليه وحسن تربيتهم محسوب عليه وله من جهتهم في الدنيا الدعاء والذكر الجميل وفي الاخرة الثواب الجزيل. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادبا اخر من اداب العالم مع طلبته وفي حلقته مطلقا. ومحصل ما ذكره رحمه الله تعالى انه ينبغي المعلم ان يذكر لطلبة قواعد الفن التي لا تنخرم. لان معرفة قواعد العلوم تعين على ضبطها وتمكن النفوس منها. واما معرفة شوارد المسائل فهذا لا ينتهى به الى مآخذ الفن واواخره وانما ينتهى به الى تلك المسائل فقط. ولاجل هذا اهتم العلماء رحمهم الله تعالى بقواعد العلوم وذكروا ان الاخذ الامكن للعلم يكون باتقانها فوق اتقان المسائل. ومن ذلك ما اشار اليه شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى في مقدمة منظومته في قواعد الفقه اذ قال وبعد فالعلم بحور زاخرة ان يبلغ فيها اخرة لكن في اصوله تسهيلا لنيله فاحرص تجد سبيلا. فاخذ العلم من قواعده مما يعين على ضبطه. وان من اتقان الطلبة للقواعد تعريفهم بها. سواء تلك القواعد التي لا اي لا يتخلف من افراد الكلية فيها شيء. فاذا قيل مثلا كل مبتدأ مرفوع فهذه قاعدة لا تنخدم ابدا او تلك القواعد التي تنخرم بتخلف بعض افرادها. وذلك التخلف هو الذي يسمى بالاستثناء ومنه ما يذكره الفقهاء في قواعدهم من استثناء مسائل منها. وهذا التخلف لا يقدح لا يقدح في كون ما ذكروه قاعدة كما بينه الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات فان تخلف بعض افراد الكلية لا يقدح في كليتها. فاذا خرجت بعض الافراد عن مطلق القاعدة لم يكن ذلك قادحا فيها. بل تبقى قاعدة وان سميت اغلبية. ولذلك وصف المصنف رحمه الله تعالى القواعد بقوله اما مطلقا اي قاعدة مطلقة لا يتخلف منها شيء او غالبا اي قاعدة اغلبية تتخلف منها بعض الافراد وذكر رحمه الله تعالى تمثيلا على ذلك مما لا ينخرم مطلقا قال كتقديم المباشرة على السبب في الضمان اي عند الشافعية. والمراد بالمباشرة عندهم ايجاد علة الاتلاف والاهلاك. والمراد سبب ايجاد ما يحصل به الهلاك. فمن حفر بئرا مثلا فانه اوجد سببا فقد يسقط فيها من يهلك. ومن دفع احدا في تلك البير فهو المباشر للاهلاك فيقدم المباشر على المتسبب الذي حفر البئر. وهذا معنى قولهم كتقديم المباشرة على السبب في الضمان وربما تكون القاعدة اغلبية كاليمين على المدعى عليه اذا لم تكن بينة فان اليمين يحكم بكونها على ادعى عليه اذا لم تكن بينة في غالب المسائل الا في القسامة والقسامة ايمان مكررة في دعوى قتل معصوم وهي تكون على اولياء الدم المدعين ان احدا قتل فلانا منهم فانه هم هم الذين يتقدمون باليمين. كما يذكر لهم ايضا المسائل المستثناة من القواعد. كقوله اي قول فقهاء الشافعية العمل بالجديد اي في مذهبهم من كل قولين من كل قولين قديم وجديد اي عن رحمه الله تعالى فان الشافعي له مذهب قديم كان في العراق ومذهب جديد في مصر. والعمل عند الشافعية بالقول الجديد الا في اربعة عشرة مسألة مقيدة عند الشافعية. في ذكر لهم تلك التي بقي العمل فيها على القول القديم. ومن جملة ذلك ايضا كل يمين على نفي فعل الغير فهي على نفي علم الا على من ادعي عليه ان عبده جنى فيحلف على البت على الاصح. ففي سائر صور هذه المسألة يكون الحلف على نفي العلم واما في هذه المسألة فيكون الحلف على العلم بالنفي من ادعى عليه ان عبده جنى فانه يحلف بانه يعلم ان عبده لم يفعل ذلك بخلاف الاول فانه نفي العلم والثاني من علم النفي ومن ذلك ايضا ان كل عبادة يخرج منها بفعل منافيها ومبطلها الا الحج والعمرة فان فيها اما كفارة واما ان يبطل حجه ويتمه ثم يقضيه من السنة القادمة كما هو ومعروف في محله ومن ذلك ان كل وضوء يجب فيه الترتيب فهو فرض من فروضه الا وضوءا تخلله غسل الجنابة بان يغتسل الانسان للجنابة ثم يتوضأ في اثنائها فحينئذ لا يجب عليه الترتيب في وضوءه لانه منغمر في العبادة الكبرى وهي غسله من الجنابة واشباه هذه المسائل ويبين مآخذ ذلك تقعيدا وتأصيلا ليعرف الاخذ عنه منزع هذه المسألة ومن جملة ما ينبغي ان يذكره للطلبة ان يذكر لهم كل اصل وما يبنى عليه من كل فن يحتاج اليه لان الاخذ بالقواعد والاصول مما يسهل الوصول كما سلف ذكره. ويعتني بالفنون التي يحتاج اليها. ولذلك قال مصنف من كل فن يحتاج اليه. فان العلم لا يراد لذاته وانما يراد لعبادة الله سبحانه وتعالى والعمل به فيكون اولى العلوم بالاشتغال العلوم التي يحتاج اليها. ومن جملة ذلك علم التفسير والحديث وابواب اصول الدين والفقه اي اصول الدين وهي الاعتقاد واصول الفقه والنحو والتصريف واللغة ونحو ذلك. ويكون السبيل الى تأصيل الاصول بناء عليها اما بقراءة كتاب في الفن وشرطه ان يكون كتابا مختصرا معتمدا. فمن اراد ان يستفتح العلوم فانه يستفتح تفهمها بقراءة كتاب معتمد مختصر. فخرج بهذا نوعان من الكتب احدهما الكتب المعتمدة فلا ينبغي ان يفرغ الانسان وسعه ووقته في كتاب غير معتمد. والثاني ان يكون ذلك الكتاب المعتمد مختصرا لان المختصرات هي مفاتيح بوابات العلوم واما المطولات فانها تنقطع وبطولها الاذهان عن فهم الفن. فان لم يكن كذلك فانه يدرجه على الطول. فهو اما ان يقرأه كتابا مختصرا صار معتمدا او يدرجه في كتب العلم بان يقرئه مختصرا ثم متوسطا ثم مطولا فان العلم يؤخذ على هذه المراتب الثلاث كما ذكره ابن خلدون في مقدمته فيتناول العلم اولا من مختصر له ثم يرتفع الى متوسط من كتبه ثم يطلع بعد ذلك على امات مسائله في مطول من مطولاته. وشرط ذلك كما ذكر المصنف اذا كان الشيخ عارفا بتلك الفنون التي يقرؤها والا فلا يتعرض لها بل يقتصر على ما يتقنه من الفنون. ومما ينبغي يذكره المعلم للطلبة نوادر ما يقع من المسائل الغريبة والفتاوي العجيبة والمعاني العجيبة ونوادر الفروق اي بين المسائل والمعاياة اي ما يلغز به فيكون لغزا فان الالغاز تسمى بالمعاياة عند اهل العلم. ومن ذلك ايضا ان يذكر ولهم ما لا يسع الفاضل جهله كاسماء المشهورين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من ائمة الدين كالخلفاء الاربعة وبقية العشرة وغيرهم من اعلام الاسلام بضبط اسمائهم وكناهم وما يستفاد من محاسن ادابهم ونوادر احوالهم واشباه ذلك فانه يحصل مع طول المدة فوائد كثيرة النفع ونفائس غزيرة الجمع. لان العلم انما هو ضم شيء الى شيء يوما بعد يوم فان العلم لا يدرك جملة واحدة وانما يدرك بالاخذ شيئا فشيئا كما قال بهاء الدين ابن النحاس فيما ذكره في بغيت الوعاء في ترجمته اليوم شيء وغدا مثله من نخب العلم التي تلتقط يزداد بها المرء حكمة وانما السيل اجتماع النقط ثم ختم المصنف رحمه الله تعالى هذا الادب بتحذير المعلم من منافسة بعض الطلبة اذا ظهر له كثرة تحصيلهم او زيادة فظائلهم فاياه وحسدهم لان ثواب فضائل هؤلاء الطلبة عائد اليه وحسن تربيتهم اي تزكية نفوسهم بالعلم والعمل محسوب عليه. فلا ينبغي له ان يشغل نفسه بالنظر الى ما اصابوه لما فيثمره ذلك من سوء العاقبة في قلبه. وله من جهتهم في الدنيا الدعاء والذكر الجميل وفي الاخرة الثواب الجزيل. ومن كان عاقلا علم انه باسداء العلم للخلق وانتفاعهم به انما يجعل له عمرا ثانيا من بعده وعملا صالحا باقيا بعد موته نعم. احسن الله اليكم. الحادي عشر الا يظهر للطلبة بعضهم على بعض عنده في مودة او اعتناء مع تساويهم في الصفات من سن او فضيلة او تحصيل او ديانة فان ربما يوحش الصدر ينفر القلب. فان كان بعضهم اكثر تحصيلا واشد اجتهادا واحسن ادبا. فاظهر اكرامه وتفضيله وبين ان الزيادة اكرامه لتلك الاسباب فلا بأس بذلك لانه ينشط ويبعث على بتلك الصفات. ولذلك فلا يقدم احدا في نوبة غيره او يؤخره عن نوبته الا اذا رأى في ذلك مصلحة تزيد على مصلحة مراعاة فان سمح بعضهم لغيره في نوبته فلا بأس. وسيذكر ذلك مفصلا ان شاء الله تعالى. وينبغي ان يتودد ويذكر غائبهم بخير وحسن ثناء. فينبغي ان يستعلم اسمائهم وانسابهم مواطنهم واحوالهم. ويكثر الدعاء ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادبا اخر من اداب العالم مع طلبته. وهو الا يظهر تفضيل بعضهم على بعض عنده في مودة او اعتناء. مع تساويهم في الصفات من سن او فضيلة او تحصيل او ديانة فان ذلك ربما يوحش صدورهم اي اي يحصل الوحشة فيها وينفر القلب اي عن اخذ العلم منه لان الطلبة هم ابناء المعلم. وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه سلم قال اعدلوا بين اولادكم. ومن جملة ما يندرج في هذا المعنى ان يتحرى المعلم العدل بين اصحابه فلا يفضل احدا منهم على احد في مودة او اعتناء مع تساويهم في الصفات من سن او فضيلة. اما ان اختلفوا في صفاتهم فكان بعضهم اكثر تحصيلا واشد اجتهادا واحسن ادبا فاظهر اكرامه وتفضيله وبين ان زيادة اكرامه لتلك الاسباب فلا بأس بذلك لان هذا من جملة العدل. فان العدل لا يعني التساوي وانما حقيقة العدل اعطاء كل في حق كل ذي حق حقه. فكما ان الرجل يصرف وجهه الى ابنه الاكبر نسبا اكثر من بقية ابناءه فكذلك اذا كان في احد المتعلمين صفة من الصفات الموجبة لتقديمه فعل ككثرة تحصيله او شدة اجتهاده او حسن ادبه فانه يقدمه لذلك. ويبين ان تقديمه واكرامه انما وقع بسبب تلك الصفات الكاملة. لان ذلك ننشط ويبعث على الاتصاف بتلك الصفات. كما انه يحسم مادة وحشة الصدر ونفرة القلب. فان العاقل اذا عرف ان احدا قدم عليه بموجب الشريعة لزيادة علمه او شدة اجتهاده او حسن اجتهاده عمل على التحلي بتلك الخصال ولم يقع في قلبه نفرة ولا وحشة ممن قدم عليه غيره بسببها. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مما يندرج في عدم اظهار تفضيل بعظ الطلبة على بعظ الا يقدم احدا في نوبة غيره اي في الزمن الذي هو له في القراءة ولا يؤخره عن نوبته الا اذا رأى في ذلك مصلحة تزيد على مصلحة مراعاة النوبة اي تناوبهم في في قراءتهم واحدا بعد واحد فان سمح بعضهم لغيره في نوبته فقدمه على نفسه فلا بأس وسيذكر المصنف رحمه الله تعالى ذلك فيما يستقبل ثم ذكر مما ينبغي ان يعتني به المعلم ان يتودد لحاضرهم ان على العلم وقد ذكر ابن الصلاح وتبعه النووي والسيوطي وغيرهم ممن صنف في مصطلح الحديث ان من اداب ان يتألفوا الخلق على حديثهم. وقد كان جماعة من السلف كما قال ابن الصلاح يتألفون الناس على حديث منهم عروة ابن الزبير رحمه الله تعالى. وذكر السخاوي في فتح المغيث ان المحب الصامت كان من تودده وحرصه على نشر العلم يمر على الصبيان في المكاتب اي في المواضع التي يحفظون فيها القرآن ويتعلمون الكتابة فانها هي التي كانت تسمى بالمكتب في عرف السلف. وهذا العرف قديم منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم واما حلقة القرآن فتختص بالحلقة بالحلقة التي يجلس فيها مقرئ معتد به ليقرأ الناس القرآن فترتيب الاخذ للعلم عند السلف فيه تفريق بين المكتب والحلقة. فالمكتب محل لاخذ الصبيان القرآن وتعلمهم الكتابة والحساب بعد ذلك. واما حلقة القرآن فهي مقام يجلس فيه مقرئ تماد يقرأ عليه الناس والاصل ان الذين يقرأون عليه هم كبار قد تقدم حفظهم للقرآن الكريم او حفظوا اكثر منه ويكونوا للقرآن على الوجه الاتم. وكانت الحلق تعزى الى مقرئيها. فكان يقال في الشام حلقة ابي الدرداء ثم قيل حلقة ابن عامر ثم قيل حلقة هشام الى اخر تلك الحلق القديمة. واهل الشام واهل الكوفة هم اقدم من جلس للعناية باقراء القرآن ونشره وحفظه كما يعلم من سيرهم رظي الله عنهم ورحمهم. ثم ذكر من جملة ما ما يتعلق بهذا ان يذكر غائبهم بخير وحسن دناء. وينبغي ان يستعلم اسمائهم وانسابهم ومواطنهم واحوالهم لان حقيقة اتصالهم به واخذهم عنه ان يكون عارفا بهم. وفي صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال من القوم؟ فقالوا المسلمون ثم قالوا من انت؟ فقال رسول الله فهذا اصل في ان من لقي احدا استعلمه عن اسمه ونسبه وما تعلق بمهم ما يعرفه به حاله. ولا سيما اذا شاء بينهما صلة وثيقة كتعلم وتعليم او غير ذلك. ومن جملة الادب الذي ينبغي ان يتحلى به ايضا ان يكثر دعاء لهم لانهم من خواصه والانسان يتحرى في الدعاء عموم المسلمين وخواصهم ومن جملة خواصهم الطلبة الاخذون عنه. نعم. احسن الله اليك. الثاني عشر ان يراقب احوال الطلبة في ادابهم واخلاقهم باطنا وظاهرا. فمن صدر منه من ذلك ما لا يليق من ارتكاب محرم او مكروه او ما يؤدي الى فساد او ترك اشتغال او اساءة ادب في حق الشيخ او غيره او كثرة كلام بغير توجيه ولا فائدة او حرص على كثرة الكلام او معاشرة من لا تليق عشرته او غير ذلك مما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى في اداب المتعلم والشيخ بالنهي عن ذلك بحضور من صدر منه غير معرض به ولا معين له فان لم ينتهي نهاه عن ذلك سرا ويكتفي بالاشارة مع من يكتفي بها فان لم ينتهي نهاه عن ذلك جهرا ويغلظ القول عليه ان اقتضاه الحال لينزجره وغيره ويتأدب به كل سامع. فان لم ينتهي فلا بأس حينئذ بطرده والاعراض عنه الى ان يرجع. ولا سيما اذا اخذ على بعض رفقائه واصحابه من الطلبة موافقته. وكذلك يتعاهد ما يعامل به بعضهم بعضا من افشاء السلام حسن التخاطب في الكلام والتحابب والتعاون على البر والتقوى وعلى ما هم بصدده. وبالجملة فكما يعلمهم مصالح دينهم لمعاملة الله تعالى يعلمهم مصالح دنياهم لمعاملة الناس. لتكمل لهم فضيلة الحالتين ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادبا اخر من اداب العالم في حلقته ومع طلبته مطلقا وهو ان يكون مراقبا احوال الطلبة في ادابهم وهديهم واخلاقهم باطنا وظاهرا. لان مقصود التعليم تحريفهم بالطريق الموصل الى الله سبحانه وتعالى ودلالتهم على الشرع الذي تعبدهم الله به. وليس وظيفة المعلم ان يكون ملقيا للمعلومة مبينا للمسائل فقط فان هذه صورة العلم. واما حقيقة العلم فهو ان يكون وسيلة مؤدية الى العمل ولا يتمكن المعلم من ايصال الاخذين عنه الى هذا الا بمراقبة احوالهم ودوام تأديبهم. فاذا صدر من منهم ما لا يليق من ارتكاب محرم او مكروه او ما يؤدي الى فساد حال او ترك اشتغال اي انقطاع عن العلم او او اساءة ادب في حق الشيخ او غيره او كثرة كلام بغير توجيه ولا فائدة او حرص على كثرة كلام او معاشرة من لا تليق عشرته من العوام والبطالين او غير ذلك مما يخل باداب المتعلمين فان المعلم يعرض بالنهي عن ذلك بحضور من صدر منه غير معرض به اي غير مصور لتعلق المسألة به ولا معين له. وانما مراده النهي عن الحال المنفذ منها دون ملاحظة ذلك الواقع فيها. فان لم ينتهي نهاه عن ذلك سرا بينه وبينه ويكتفي بالاشارة مع من يكتفي بها من الاذكياء والاحرار والعرب تقول الحر تكفيه الاشارة رب اشارة ادت اغنى من الف عبارة فمن الناس من تكفيه الاشارة الملمحة ومن الناس من يحتاج الى العبارة المصرعة فاذا كان الاخذ عن المعلم ممن عرف في حاله انه يفهم بالاشارة اكتفى بها وان لم فيه الاشارة فانه ينهاه عن ذلك جهرا اي يصرح له بذلك علانية ويغلظ القول عليه ان اقتضاه ان ينزجر هو وغيره ويتأدب به كل سامع. وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى في كتاب العلم باب الغضب في الموعظة والتعليم. وذكر امام الدعوة في باب من تبرك بحجر او شجر ونحوهما من فوائد الباب فيه مسائل ذكر منها الغظب عند التعليم. فقد لا ينزال الضرر الواقع والحال السيئة الا بتغليظ وزجر فيعمد الى ذلك لان الشرع يؤدب بمثل هذا فان الشرع قد يؤدب على المعصية تارة بذم فاعلها وقد يؤدب بالحد فيها كما في الافعال المستشرعة من افعال كالزنا والسرقة والقتل فانه لم يكتفى فيها بمجرد الزجر او تغليظ القول بل ادب عليها اما بقطع يده في اوبقته او غير ذلك من الحدود المعروفة في كتب الفقه. ومن يظن ان التعليم يجري على على وملاحظة خواطر الناس فهذا ما شمل الشريعة رائحة فان الشريعة لا تراعي خواطر الناس وانما تراعي اقامتهم لاحكام الشريعة. وقد لا تمكن اقامتهم لاحكام الشريعة الا بالتغليظ عليهم وتشديد القول كما قال قال ابو العباس ابن تيمية الحفيد رحمه الله تعالى في كلام الله المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل احداهما الاخرى وقد لا ينقلع الوسخ الا بشيء من التخشين انتهى كلامه. فكذلك قد لا ينتفع المتعلم بالتعليم. الا مع تغليظ له وتوبيخ على فعلته. ثم ان لم ينتهي المتعلم عما وقع فيه مما يسوء فلا بأس حينئذ بطرده حماية وصيانة للشريعة فان العلم الشرعي ليس حمى ليس حمى مستباحا يرتع فيه كل بطال وانما يصلح للابطال فاذا كان من الخلق من دخل فيه وهو غير صالح له لعدم تأدبه فانه لا بأس حينئذ بطرده بل ذلك هو الموافق للشريعة واحكامها وحكمها. وقد كان هذا دأب السلف الله تعالى لكن من سلف من اصحابهم والاخرين عنهم كانوا يدركون غاية اشياخهم في طردهم فهم وان تكرر طردهم الا انهم يعودون اليهم ويلازمونهم. وقد كان شعبة اذا اكثر عليه عفان بن مسلم الصف طرده من مجلسه ثم يغيب عفان مدة ثم يرجع الى شعبة حتى صار عفان الى ما صار اليه من الحفظ والامامة في الحديث كما هو معروف في ترجمته. فاذا رأى المعلم سوء ادب من متعلم فأدبه عليه واعاده مرة بعد مرة ثم لم ينزجر فان الشريعة تأذن له بتأديبه بطرده. وقد حدثني بعض اصحابنا من اخذين عن شيخنا محمد ابن سليمان ابن جراح رحمه الله تعالى فقيه الكويت انه رأى احد طلبته في حلقة درسه بعد صلاة الفجر وقد اخذ الكتاب في الدرس وقد جعله على هذه الصورة فجعله على هيئة البوق هذه الجهة لوى اطرافه التي لا يقرأ فيها. فامره الشيخ بان يصلح كتابه. فاصلحه ثم رمقه الشيخ مرة ثانية في الدرس فامره ان يصلحه ثم رجع الى القراءة ثم فعل ذلك ثالثا فطرده الشيخ من درسه وقال من اراد ان يحضر دروسنا فيحضرها بالادب والا فلا يحظر وهذا الذي قاله رحمه الله تعالى هو عين الصواب لان العلم لا يكون الا لمتأدب. واما غير المتأدب فانه اذا ترك في العلم افسده وهذا هي هذه هي الحال التي صار اليها العلم اليوم فقد دخل فيه كل بطال فصار مرتعا بالدراسات الاكاديمية وغيرها لمن لا تصلح نفسه ولا اخلاقه للعلم فتسلط بما تلقاه من العلم على الشريعة يتكلم فيها كما شاء. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان ذلك التأديب يتأكد اذا خاف على بعض رفقائه واصحابه من الطلبة موافقته فان الناس كاسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض كما قاله مالك بن دينار رحمه الله تعالى واخذه عنه ابن عبدالبر وابو العباس ابن تيمية الحفيد رحمهم الله تعالى فهم يتشبهون بعضهم ببعض فاذا خاف ذلك فانه يتأكد ان يؤدبه بمثل ما ذكرنا وذكر المصنف رحمه الله تعالى ايضا ان على المعلم ان يتعاهد ما يعامل به الطلبة بعضهم بعضا من افشال اي السلام وحسن التخاطب في الكلام والتحابب والتعاون على البر والتقوى وعلى ما هم بصدده من علم نافع وعمل صالح لان كمال الرفقة وتمام الولاية للمؤمنين المشاركين له ان يعاملهم باحسن الاخلاق واتمها. ثم ختم رحمه الله تعالى هذا الادب بقوله وبالجملة فكما يعلمهم مصالح دينهم لمعاملة الله تعالى يعلمهم مصالح فدنياهم لمعاملة الناس فيلاحظ هذا وهذا فيهم جميعا لتكمل لهم فضيلة الحالتين اي فضيلة الدين والدنيا مع وقوله رحمه الله تعالى الحالتين على تأنيث الحال بالحالة باضافة تاء التأنيث على لغة ضعيفة والافصح ان الحال مؤنث مجازي فتقول هذه الحال واذا لا تلحق بها تاء التأنيث فكان الافصح ان يقول مصنف لتكمل لهم فضيلة الحالين وهذا اخر البيان بهذه الجملة من الكتاب وبالله التوفيق