السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات. وتعبدنا به طول الحياة الى الممات. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله اصوله صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم. وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التقديم اما بعد فهذا الدرس الثامن عشر في شرح الكتاب الاول من برنامج التعليم اذ في سنته الاولى ثلاثين بعد الاربع مئة والالف واحدى وثلاثين بعد الاربع مئة والالف. وهو كتاب السامع والمتكلم للعلامة محمد بن ابراهيم بن جماعة رحمه الله. واليه الكتاب الثاني وهو بلوغ جل المقاصد للعلامة عبدالرحمن بن عبد الله البعلي. ويليه الكتاب الثالث وهو فتح الرحيم الملك العلام العلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله. وقد انتهى بنا البيان في الكتاب الاول الى قوله رحمه الله تعالى في الفصل الاول من الباب الثالث الثالث ان يبادر شبابه واوقات عمره الى التحصيل. نعم. اسأل الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المصنف رحمه الله تعالى الثالث ان يبادر شبابه واوقات عمره الى التحصيل. ولا يغتر بخداع التسويف والتأمين. فان كل ساعة تمضي من عمره لا بد لها ولا عوض عنها. ويقطع ما يقدر عليه من العلائق الشاغلة والعوائق المانعة عن تمام الطلب وبذل اجتهاده وقوة الجد في التحصيل فانها كقواطع الطريق ولذلك استحب السلف التغرب عن الاهل والبعد عن الوطن لان الفكرة اذا توزعت قصرت عن درك الحندرة الحقائق وغموض الدقائق وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ولذلك يقال العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك. ونقل الخطيب البغدادي في الجامع عن بعضهم قال لا ينال هذا العلم الا من عطل دكانه وخرب بستانه وهجر اخوانه ومات اقرب اهله فلم يشهد جنازته. وهذا كله وان كانت فيه مبالغة فالمقصود به انه لابد فيه من جمع القلب واجتماع الفكر. وقيل امر بعض المشايخ ظالما له بنحو ما رأى له خطيبه فكان اخر ما امره به ان قال اصبغ ثوبك كي لا يشغلك ذكر غسله. ومما يقال عن الشافعي انه قال لو كلفت شراء بصلة ما فهمت مسألة. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادبا اخر من اداب المتعلم في نفسه وهو ان يبادر شرخ شبابه وباكورة عمره في التحصيل. لان الفكر في الصغر اقوى والذهن فيه اصفى والمرء اخلى فيه من الشواغر والقواطع قد قال الحسن البصري رحمه الله تعالى العلم في الصغر كالنقش في الحجر. وروي هذا مرفوعا ولا يصح ومعنى هذه الجملة ان من بادر باخذ العلم في صغره فكأنما ينقش العلم في قلبه نقشا ثابتا لا تحول فان اشد النقش ثبوتا هو ما يكون على الاحجار في الجبال وغيرها. فمن بادر طلب العلم في سنه من الصغر ثبت العلم في قلبه. كما ان الشاب في مبتدأ امره لا يكون مشغولا بامور قاطعة ولا مانعة تعيقه عن طلب العلم. وكان الامام احمد رحمه الله تعالى يبالغ في الحث على هذا وسئل رحمه الله تعالى عما كان منه في الشباب فقال ما كان الشباب الا شيئا كان في كمي فسقط اي لسرعة صرامه وذهابه وتشاغل الانسان من بعده بانواع القواطع والعوائق والعلائق التي تعرضوا له وينبغي ان يحذر الانسان من الاغترار بخدع التسويف والتأمين. فان سوف جند من جند الشيطان كما قال بعض السلف وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى سوف من شعاع ابليس اي من اشعته التي يبهر بها الانظار ويسلب بها العقول فيستولي بها على الناس. فانهم يسوفون ويؤخرون ويؤملون حتى بما يمنعهم ويحول بينهم وبين ما يشتهون. ويزداد الامر شدة اذا كانت كل ساعة من عمر احدنا لا بدل لها ولا عوض عنها كما قال المصنف رحمه الله تعالى فاذا عرف المرء ان الساعات تذهب زوالا وان عمره مركب منها فانه ينبغي ان يغتنمها كما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى فيما رواه ابو نعيم الاصبهاني في الحلية ابن ادم انما انت ايام فاذا ذهب منك يوم ذهب منك فبعضك ولا ينبغي ان يمضي على العبد شيء من عمره لم يغنم فيه غنيمة واعظم الغنائم ما قربه الى الله سبحانه وتعالى من العلم الحادي الى العمل. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مما يندرج في هذا الادب ان يقطع المتعلم ما يقدر عليه من العلائق الشاغلة والعوائق المانعة عن تمام الطلب وبذل الاجتهاد وقوة الجد في التحصيل. فانها كقواطع الطريق. وهذه العلائق والعوائق ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الفوائد الفرق بينهما. فجعل العلائق مختصة بالتعلقات النفسانية الداخلية وجعل العوائق مختصة بالتعلقات الخارجية. فالمرء بين علائق وعوائق. وذكر رحمه الله تعالى في موضع اخر من كلامه انهما لا يتمان في ادراك مقصود المرء الا بان يضم لهما ثالثا وهو هجر العوائد. وهو ما جرى به عرف الناس والفوه. فاذا اردت ان تحصل من علم او غيره فلا بد من رعاية ثلاثة امور. اولها قطع العلائق وثانيها دفع العوائق وثالثها هجر العوائد فاذا جمع المرء هؤلاء الثلاث فانه قمن ان يحصل مطلوبه. وذكر المصنف رحمه الله تعالى ان هؤلاء تشبه بقواطع الطريق فكما يعرض للانسان في طريق سفره وسبيل دربه ما يقطع عليه طريقه من السراق وغيرهم فكذلك هذه العلائق والعوائد والعوائد هي بمنزلة القواطع التي تعرض للنفس. فتمنعها من تحصيل مقصودها وتحول بينها وبينه. ثم ذكر رحمه الله تعالى من شواهد قطع العلائق ودفع العوائق وهجر العوائد عند السلف وهو ما ذكره جماعة من السلف رحمهم الله تعالى من استحباب التغرب عن الاهل بعدي عن الاوطان في طلب العلم. وعللوا ذلك بما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بقوله لان الفكرة اذا توزعت قصرت عن درك الحقائق اي عن فهمها وغموض الدقائق فلم تحط بها علما. وقد قال الله عز وجل ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه فاذا كان الانسان مشغولا بالمكدرات والمنغصات والامور الطارئات فانه يشق عليه ان يصل الى مقصوده من العلم. فاذا تغرب عن اهله وبعد عن داره وفارق وطنه فانه قمين ان يجمع فكره على طلبته وغايته وبغيته من العلم. ولا ينال الانسان الكاملة حتى يتغرب في العلم ويرحل فيه. فان العادة جارية بان من لم يرحل لم يحتج الناس الى علمه بخلاف من يشافه الرجال ويتغرب في الاوطان ويضم عقلا الى عقله. فان لقاء العلماء والجلوس اليهم في بلدان الاسلام يحصل به تحصيل قوة علمية وعقلية ومعرفية لا يدركها الانسان بالبقاء في وطنه. وهذا هو اصل عظيم من اصول الشريعة. فان من اصول تلقي العلم في الشريعة الرحلة فيه وقد بوب عليه جماعة من الكبار كالبخاري رحمه الله تعالى وافرد الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى كتابا في ذلك سماه الرحلة في طلب الحديث. ثم قال المصنف رحمه الله تعالى ولذلك يقال العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك. اي انك لا تنال منه شيئا حتى تبذل نفسك له ومن بذل النفس تجردها للعلم وتفردها فيه ومما يعينها على ذلك تغربها في طلب العلم فان المتغرب لا يكون له هم الا شيء واحد وهو ما خرج فيه. فاذا كان المرء قد تغرب في طلب العلم لم يكن قلبة نفسه ولا همها الا تحصيل هذا المطلوب ففي ذلك على تعجيل حصوله وتسهيل وصوله اليه. ثم ذكر ما نقله الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى عن بعضهم وهو نصر ابن احمد العياظي انه قال لا ينال هذا العلم الا من عطل دكانه والدكان اسم للكرسي المرتفع شيئا يسيرا عن الارض. وانما سميت الحوانيت الدكاكين لان الباعة فيها ينصبون لهم كراسي بهذه الصفة. ثم جعل هذا الوصف على من على تلك الحوانيت والا فاصل الدكان هو الكرسي الصغير. فالمقصود من عطل دكان انا اي اخلاه فلم يعرف بطول الجلوس والتصدر للقاء الناس متلقيا كل من هب بل هو متفرد عن الخلق غير مشتغل بخلطتهم ثم قال وخرب بستانه اي اهمله حتى افضى به ذلك الاهمال الى الخراب. وهجر اخوانه اي قطع لذاته ومات اقرب اهله فلم يشهد جنازته اي عند موته. ثم قال المصنف رحمه الله الا وهذا كله وان كانت فيه مبالغة فالمقصود به انه لابد فيه من جمع القلب واجتماع الفكر وبه يعلم ان هذه الجمل المذكورة في كلام العياظي رحمه الله تعالى لا تقصد بها حقائقها وانما يراد بها المبالغة في تعظيم الامر. وهذا من طرائق الخطاب في كلام السلف رحمهم الله الله تعالى فانهم ربما اجروا كلاما على نحو معظم للمبالغة في ايضاح المقصود لا يريدون حقيقة الكلام كما صح عن بكر ابن عبد الله المزني رحمه الله تعالى انه قال ما سبقهم ابو بكر يعني رضي الله عنه بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في القلب. فان بكرا رحمه الله تعالى لم يريد نفي اسبقية ابي بكر رضي الله عنه غيره من الصحابة في صلاته وصيامه فان ذلك شيء مشهور مستفيض عنه في الصحيحين وغيرهما وانما اراد رحمه الله تعالى اعظام المقصود وهو ما وقر في قلبه من رسوخ الايمان وصدق اليقين والنصيحة للمسلمين. واذا وعيت هذه القاعدة اندفعت جملة من الاشكالات التي تقع في كلام السلف من المبالغات. فيجعلها من لا يفهم شيئا لا يجري على قانون العقول. واما من يفهم فانه يقول انهم بالغوا تحقيقا في ايضاح المقصود فهذه الجملة في كلام العياضي رحمه الله تعالى فانه لم يقصد حقائقها فان العلم يدعوك الى صلة ارحامك ورعاية امر دنياك والتواصل مع اخوانك والقيام بحق اقربائك ان يكون فعل طالبه على خلافه. وانما مقصوده رحمه الله تعالى هو المبالغة في ايضاح المقصود وان العلم لابد فيه من جمع القلب واجتماع الفكر. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان بعض المشايخ طالبا من طلابه بنحو ما رآه الخطيب اي ذكره فكان اخر ما امره به ان قال اصبغ ثوبك كي لا يشغلك فكر غسله اي اجعله ذا لون لا يظهر فيه الوسخ لانه اذا كان ابيض ناصع فان الوسخ يبين فيه فيشتغل الانسان بغسله. فاذا صبغه بلون لا يبين الوسخ فيه طالت المدة وهو غير محتاج الى غسله. ثم ذكر ما ينقل عن الشافعي رحمه الله تعالى انه قال لو كلفت شراء بصلة ما فهمت ما فهمت مسألة لما في ذلك من شغل القلب بمقصود سوى العلم وهذا ايضا مما جرى على خلاف ظاهره فان الشافعي رحمه الله تعالى كان له زوج وذرية وهو مأمور شرعا برعايتهم. ولكنه قصد المبالغة في ايضاح ان الاشتغال بغير العلم يقطع عنه ولو كان في امور يسيرة. وهذا هو الواقع. فان من الناس من تبدأ خواطره بشيء يسير فلا لا يزال هذا الامر يعظم في قلبه حتى يستولي عليه ثم يصرفه عن العلم. ومن جميل ما ذكره ابو عبد الله ابن القيم رحمه الله تعالى في كلام له حراسة الخواطر والمراد بحراسة الخواطر هو الانسان نفسه عن الاسترسال مع الخواطر الواردة عليه. فان الانسان ربما ورد عليه خاطر فلا يزال يتعاظم معه حتى يصير هما وارادة وعزيمة وفعلا. وكان مبتدأ امره شيئا يسيرا وهذا قد يعرض لطالب العلم فيكون اول فيكون اول ما يبادره خاطر صغير في امر يسير فلا يزال يسترسل به حتى يحول بينه وبين طلب العلم. نعم. احسن الله اليك قال الرابع ان يقنع من القوت بما تيسر وان كان يسيرا. ومن اللباس بما ستر مثله وان كان خلقا. فبالصبر على ضيق العيش ينال سعة العلم وبجمع القلب عن عن مفترقات الامال تتفجر منه ينابيع الحكم. قال الشافعي رضي الله عنه لا يطلب احد هذا العلم بالملك بالملك وعز النفس فيفلح ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء افلحت. وقال لا يصلح طلب العلم الا لمفلس. قيل ولا الغني؟ قيل ولا غني المكفي قال ولا الغني المكفي. فقال مالك لا يبلغ احد من هذا العلم ما يريد حتى يضر به الفقر على كل شيء. وقال ابو حنيفة يستعان على الفقه بجمع الهم ويستعان على حذف العلائق باخذ اليسير عند الحاجة ولا يزيد هذه اقوال هؤلاء الائمة الذين لهم فيه القدح المعلى غير مدافع. وكانت هذه احوالهم رضي الله عنهم قال الخطيب رحمه الله ويستحب للطالب ان يكون عزبا ما امكنه لان لا يقطعه الاشتغال بحقوق الزوجية وطلب المعيشة اكمال الطلب. فقال سفيان الثوري من تزوج فقد ركب البحر فان ولد له فقد كسر به. وبالجملة فترك التزويج لغير نحتاج اليه او غير القادر عليه او لا سيما الطالب الذي رأس ما له جمع الخاطر واجمام القلب واستعمال الفكر ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادبا اخر من اداب طالب العلم في نفسه. وهو ان يقنع من القوت بما تيسر ترى وان كان يسيرا. والمراد بالقوت ما يحفظ الانسان به قوته. ويحصل به قدرة على القيام بمصالحه. فينبغي ان يقنع طالب العلم مما ايقتات به بما تيسر ومن اللباس بما ستر مثله وان كان خلقا. اي باليا غير جديد ووجه ذلك ما ذكره بقوله فبالصبر على ضيق العيش ينال سعة وبجمع شمل القلب عن مفترقات الامال تتفجر منه ينابيع الحكم ان الانسان مع الفقر والعوز يحصل له من فراغ القلب ما لا يكون له عند الجدة والغنى فان الاغنياء يشغلون بتحصيل اموالهم وصيانتها وحفظها وتنميتها. فيكون ذلك الشغل مفرقا للهمة. مبددا للفكرة بخلاف العوز والحاجة. فان الفقير ليس عنده مال يشغله ولا يقطعه ومن القواعد التي يذكرها المتكلمون في السلوك والرقائق ان المرء مع الجوع يحصل له كمال صفاته النفسانية من الخشوع والفهم والاقبال والتجرد وغيرها من كمالات الاحوال مما لا يكون مع الغنى. ولاجل هذا تكمن صفاته الدينية وبه يستحقوا السبق على الاغنياء فيدخلون الجنة قبلهم كما صحت بذلك الاحاديث عن صلى الله عليه وسلم فان سبقهم الاغنياء في الدخول الى الجنة انما كان بسمو اخلاقهم الدينية ومما اعانهم على سموها احوالهم النفسانية التي حملهم عليها الفقر. ثم ذكر رحمه الله تعالى من كلام ائمة الهدى ما يدل على هذا المعنى فنقل عن الشافعي رحمه الله تعالى قوله لا لا يطلب احد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش العلماء افلح اي ان من كان غنيا ابي النفس شامخا بنفسه ناظرا في عطفيه متكبرا بما عنده من الجدة والغنى لا يحصل له العلم. واما المعوز المحتاج التي الذي تدل نفسه ويضيق عيشه ويحمله ذلك على التذلل في طلب العلم وخدمة العلماء فانه يفلح وما احسن قول الشاعر العلم حرب للفتى المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي فلا ينفخ في صنعة العلم ولا يفلح فيها الا من كان اخذا لها بذل ومما يحمل الانسان على الذل ضيق العيش. بخلاف حال الغنى. وهذا الذل ذل ممدوح. لانه في تحصيل مطلوب ممدوح وهو العلم. وكان السلف رحمهم الله تعالى يأبون ان يجعلوا العلم عند غير اهله من الملوك والامراء والاغنياء الذين يطمحون في اخذ العلم بغير طريقه فيؤملون في العلماء ان يحضروا عندهم ويغذوهم لبان العلم. فيابى العلماء بعزة العلم صيانة له ان يوافقوهم على ذلك تحقيقا لهذا الاصل. ثم ذكر عنه رحمه الله تعالى انه قال لا يصلح طلب العلم الا اي لا ما لا له. قيل ولا الغني المكفي؟ قال ولا الغني المكفي. اي ولا الغني الذي عنده كفاية دون وزيادة فقال ولا الغني المكفي. وهذا منه رحمه الله تعالى على وجه المبالغة في تحقيق المعنى فان المال سراق للانسان وربما سرق دينه وحال بينه وبين ما يشتهيه ويحبه من العلم فربما كان غنيا مكفيا غير ثراء وبطر فاحب المال وتجارى في حبه حتى حال بينه وبين العلم. والمقصود ان ما سلف من كلام الائمة رحمهم الله تعالى في هذا المعنى لا يراد به عيب غنى طالب العلم ولكن المراد منه بيان خطر الغنى والمال على تعاطي العلم ثم نقل عن الامام مالك رحمه الله تعالى انه قال لا يبلغ احد من هذا العلم ما يريد اي ما يؤمن حتى يضر به الفقر ويؤثره على كل شيء. ثم نقل عن ابي حنيفة النعمان انه قال يستعان على الفقه بجمع الهم ويستعان على حذف العلائق باخذ اليسير عند الحاجة ولا يزد فالمرء يستعين على طلبه الفقه على طلبه الفقه بجمع همه اي مراد نفسه بجمعه همه اي مراد نفسه عليه. ويستعين على ذلك بحذف العلائق. وهي التعلقات النفسانية الداخلية كما سبق باخذ اليسير عند الحاجة ولا يزد لانه اذا زاد عنه كثرت تعلقاته النفسانية وعظمت ثم قال المصنف فهذه اقوال هؤلاء الائمة الذين لهم فيه القدح المعلى الى اخر ما قال رحمه الله تعالى ثم ذكر الخطيب رحمه الله تعالى في الجامع انه قال ويستحب للطالب ان يكون عزبا بفتحتين اي لا زوج له هو وصف للرجل والمرأة جميعا. فيقال رجل عزب وامرأة عزب. وقد ذكر اعزب وفيه خلاف وقد ذكر اعزب وفيه خلاف بين اهل اللغة رحمهم الله تعالى لكن المقطوع بفصاحته هو عجب بتحريك في العين والزاي وصف للرجل والمرأة جميعا. ثم علل الخطيب ذلك بقوله لئلا اقطعه الاشتغال بحقوق الزوجية وطلب المعيشة عن اكمال الطلب. فينبغي ان يؤخر طالب العلم النكاح ما لم يحتج اليه فاذا احتاج اليه تزوج ثم قال قال سفيان الثوري من تزوج فقد ركب البحر يعني الامر الخطير الواسع فان ولد له فقد كسر به اي عظم بلاؤه وخيف عليه اشد مما قبله فان الانسان اذا جاءت له الذرية وقعت له علاقة جديدة في علائق قلبه وهي محبة الولد فاشتغل فكره بامر اخر سوى اشتغاله بزوجه. ثم قال المصنف رحمه الله الله تعالى وبالجملة فترك التزويج لغير المحتاج اليه او غير القادر عليه او لا. لا سيما الطالب الذي رأس ماله جمع الخاطر واجمام القلب واستعمال الفكر. واي رأس مال اولى واعظم عند طالب العلم من هذا فان الانسان اذا لم يجمع خاطره ولم يجب نفسه ولا استعمل فكره في تحصيل العلم فانه لا يدركه. والمقصود ان من الامور التي يحصل بها فراغ القلب ترك التزويج وطلب الذرية عند عند عدم الاحتياج اما اذا وجدت الحاجة فان الانسان يتزوج. وهذه المسألة وغيرها من المسائل المشاركة لها هي من ضمن الهموم التي تعرض لطالب العلم. وربما اتخذ فيها رأيا يزل به عن الخطأ. وينبغي ان يحرص الانسان على الاستشارة في ذلك لئلا يركب اه البحر او يغرق فيه. ومن طلاب العلم من يبادر اول شبابه بكثرة التزوج وهذا مما يضر به فان ضم زوجة ثانية او ثالثة او رابعة الى الاولى انما يحسن بطالب العلم بعد رسوخ قدمه واكتمال اهليته وتصدره للافادة والنفع. اما في بواكير الامر ومبدأ العمر فان ذلك مما يشغله وربما قطعه عن طلب العلم. وقد القيت محاضرة باسم هموم طالب العلم تكلمت فيها عن هم من همومه المذكور هنا وهو هم الزواج مع عشرين هما كاملا ينبغي لطالب العلم ان يحرص على تحصيلها واستماعها لان هموم طالب العلم مما قلت العناية بها وهي من اولى الهموم التي ينبغي ان تفرج وان يبين وجه الطريقة الشرعية المرعية فيها وهذا اخر البيان على هذه الجملة من الكتاب وبالله التوفيق