السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات. وتعبدنا به طول الحياة الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم ما عقدت مجالس التعليم. اما بعد فهذا الدرس الثاني والعشرين فهذا الدرس والعشرون في شرح الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الثانية احدى وثلاثين بعد الاربع مئة الف واثنتين وثلاثين بعد اربعمائة والالف. وهو كتاب تذكرة السامع والمتكلم العلامة محمد ابن ابراهيم في جماعة رحمه الله ويليك الكتاب الثاني وهو بلوغ القاصد جل المقاصد العلامة عبدالرحمن بن عبدالله البعري رحمه الله. ويليه الكتاب الثالث وهو فتح الرحيم الملك العلام للعلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله. وقد انتهى بنا البيان في الكتاب الاول الى قوله رحمه الله تعالى في فصل اداب المتعلم في درسه الرابع ان يعرف له حقه. نعم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا الحاضرين ولجميع المسلمين. قال المصنف رحمه الله تعالى الرابع ان يعرف له حقه ولا ينسى له فضله قال شعبة ان كنت اذا سمعت من الرجل الحديث قلت له عبدا ما حييت فقال ما سمعت من احد شيئا الا واختلفت اليه اكثر مما سمعت منه ومن ذلك ان يعظم حضرته ويرد غيبة غيث يرد غيبته ويغضب لها. فان عجز عن ذلك وينبغي ان يدعو له مدة حياته ويرعى ذريته واقاربه واودائه بعد وفاته ويتعاهد زيارة قبره والاستغفار له والصدقة عنه ويسلك في السمت والهدي مسلكه ويراعي في العلم اعادته ويقتدي بحركاته وسكناته في عاداته وعباداته ويتأدب بآدابه ولا يدع الابتداء به الخامس ان يصبر على جفوة تصدر من شيخه او سوء خلق ولا يصده ذلك عن ملازمته وحسن عقيدته اول افعاله التي يظهر ان الصواب خلافها على احسن تأويل. ويبدأ هو عن جغوة الشيخ بالاعتذار والتوبة مما وقع والاستغفار وينسب الموجب اليه ويجعل العتب فيه عليه. فان ذلك ابقى لمودة شيخه واحفظ لقلبه وانفع للطالب في دنياه واخرته. وعن بعض السلف من لم يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عناية الجهالة ومن صبر عليه ال امره الى عند الدنيا والآخرة. ولبعضهم اصبر لدائك ان جهوت طبيبه فاصبر لجهلك ان كفوت معلما. وعن ابن عباس رضي الله عنه ذللت ظالما فعجزت مطلوبا. وقال معافى ابن عمران مثل الذي يغضب على العالم مثل الذي يغضب على اساطير الجامع. فقال الشافعي رحمه الله قيل لسفيان عن ابن عيينة ان قوما يأتونك من اقطار الارض تغضب عليهم يوشك ان يذهبوا ويتركوك. فقال للقائل هم قائدا مثلك ان تركوا ما ينفعهم لسوء خلقهم. وقال ابو يوسف رحمه الله خمسة يجب على الناس وعد منهم العالم ليقتبس من علمه. السادس ان يشكر الشيخ على توفيقه على ان يشكر الشيخان على توقيفه على ما فيه فضيلة وعلى توفيقه على ما فيه نقيصة. او على كسل يعتريه او قصور يعانيه او غير ذلك مما فيه ايقابه عليه وثوبيته ارشاده وصلاحه ويعد ذلك من الشيخ من نعم الله تعالى باعتناء الشيخ به ونويه اليه فان ذلك اميل بقلب لميل بقلب الشيخ وابعد عن الاعتناء بمصالحه اذا اوقده الشيخ على دقيقة من ادب او نقيصة صدرت منه وكان يعرفه من قبل فلا يظهر انه كان عائدا به غفل عنه بل يستر الشيخ على عبادته ذلك واعتنائه بامره فان كان له في ذلك عذر وكان اعلام الشيخ به فلا بأس به والا تركه الا ان يترتب على ترك بيان العذر. الا ان يترتب على ترك بيان العذر مفسدة يتعين اعلامه به المصنف رحمه الله تعالى جملة من الاداب اللاحقة لما سبق ومن الاداب التي ينبغي ان يتحلى بها طالب العلم مع شيخه وقدوته. فذكر رابعها رحمه الله تعالى بقوله ان يعرف له حقه ولا ينسى له فضله. لان على الانسان لغيره حقوق كثيرة. ومن جملة من له حق عليه معلمه الذي يعلمه ويهديه الخير. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان من الوفاء لشيخه ان عرف له ذلك الحق ولا ينسى فضله ولا يجحده. وذكر رحمه الله تعالى عن شعبة ابن الحجاج انه كان يقول اذا سمعتم من الرجل حديث قلت له عبدا ما حي وقال يعني شعبة ايضا ما سمعت من احد شيئا الا واختلفت اليه اكثر مما سمعت منه. فشعبة رحمه الله يرى ان من اسدى اليه علما فقد اسدى اليه خيرا او يستحق شكره عليه. ومن شكره دوام الليال به في مواصلته والاختلاف اليه. فانه كان رددوا اليه مرة بعد مرة وهذا معنى قوله الا واختلفت اليه اكثر مما سمعت منه اي رجعت الى زيارته مرة بعد اكثر من المجالس التي سمعت فيه فيها شيئا من حديثي. ومن ذلك ايضا ان يعظم حرمته ان حضرته وان يوفر حرمته ويحفظها ويرد غيبته ويغضب لها اذا ذكر بما يكرهه شيخه. فان عجز عن رد الغيبة قام وفارق ذلك المجلس ومحل هذا اذا كانت الغيبة متحققة فيما يكرهه شيخه اما اذا اذا كان مقصودها البحث في شيء من الاقوال المنسوبة الى شيخه في احقاق حق او ابطال باطل فليس للانسان ان كذلك بل الواجب عليه اتباع الحق سواء مع شيخه ام مع غيره. وينبغي له ايضا من تعظيم حقه ان يدعو له مدة ويرعى ذريته واقاربه واوفدائه اي احباءه بعد وفاته ويتعاهد زيارة قبره والاستغفار له والصدقة عنه لانه والد لروحه. فكما يتعهد المرء اباه الجسدي فانه احد ايضا اباه الروحية بمثل هذا. فيزور قبره ويستغفر له ويتصدق عنه. ثم ذكر رحمه الله تعالى ان من الاقتداء بالشيوخ والاهتداء بهم ملازمة مسالكهم. ومراعاة عاداتهم والاقتداء بحركاتهم وسكناتهم وليس مقصوده رحمه الله تعالى الوقوف مع صورة ذلك. ولكن مراده من كان شيخا كاملا فانه يلاحظ فيه رعاية اخلاقه وسلوكه بحركاته وسكناته. فان من كمل من الشيوخ اقرب الى الهدي النبوي الاقتداء به موصل الى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا عظم المصنف رحمه الله تعالى ذلك فقال ويسلك بالسمك والهدي مسلكه وهو لا يريد الوقوف مع ظواهر النص الذي ذكره. وانما يريد ان يتمثل ادابه واخلاقه التي اخذها ذلك الشيخ عن الشرع. ثم ذكر ادبا خامسا فقال ان يصبر على تصدر من شيخه او سوء خلقه لان الشيوخ بشر من البشر وهم يغضبون ويسخطون وتعرض لهم الاحوال التي تعرض للخلق. فاذا صدرت من احدهم جفوة او سوء خلق فينبغي ان يصبر الطالب على ذلك وان لا يصده ما وقع من شيخه عن ملازمته وحسن عقيدته اي حسن الاعتقاد فيه وانزاله في الظن منزل حسنا. ويتأول افعاله التي ان الصواب خلافها على احسن تأويل فيلتمس له عذرا فان لم يجد له عذرا فلعل عذره خفي عليه ثم ذكر ما ينبغي عليه اذا بدرت تلك الجبوة من السر فقال ويبدأ هو عن جفوة الشيخ بالاعتذار والتوبة مما وقع والاستغفار وينسب الموجب اليه اي موجب حدوث ذلك الجفاء الذي وقع من شيخه ينسبه اليه ويجعل العتب فيه عليه فان ذلك ابقى لمودة شيخه واحفظ لقلبه وانفع للطالب في دنياه واخرته ثم نقل رحمه الله تعالى عن بعض السلف قوله من لم يصبر على جند التعليم بقي عمره في عماية الجهالة ومن صبر عليه ان امره الى عز الدنيا والاخرة. ومراده بذل التعليم دل تلقي العلم وهو الذي يسمى تخصيصا بالتعلم فهو لا يريد التعليم الذي هو بث العلم ونشره لان هذا حظ الشيخ وانما مراده تلقي العلم وهو الذي وقع في عبارة الاصمعي التي رواها البيهقي في المدخل عنه انه قال من لم يهتم ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل ابدا. واورد رحمه الله تعالى قول الشاعر اصبر لدائك ان جفوت طبيبه ووصف رجالك ان جفوت معلما اي انك ان لم تصبر على طبيبك اذا دواه وجب عليك ان تصبر على بقاء واذا لم تصبر على جفاء معلمك اذا جفاك فاصبر على جهلك الذي انت فيه. وهو نظير قول الشاعر ان المعلم والطبيب كليهما لا ينصحان اذاهما لم يكرما. فالطبيب والمعلم اذا يؤخذ باللين والرفق والتماس منفعتهما فانه لا يحصل كمال نصحهما للاخذ عنهما متطببا او متعلما واورد رحمه الله تعالى في ذلك ما رواه الدينوري في كتاب المجالسة بسند فيه ضعف عن ابن عباس انه قال دللت طالبا فعجزت مطلوبا. ومعنى قوله رضي الله عنه دللت طالبا اي لحقني ذل الطلب لان الانكسار للناس والاقبال عليهم يورث في النفس انكسارا عند الاحرار وهو محمود اذا كان في تحصيل منفعة شرعية كالتماس العلم فلما دل ابن عباس طالبا عز مطلوبا لان الناس يحتاج الى علمه وصار عنده من العلم ما ليس عند غيره. فكان عاقبة ذله للطلب ما اتفق له من العزة في التعليم رضي الله عنه. ثم اورد ايضا قول معاذ ابن عمران رحمه الله تعالى الذي رواه ابن في كتاب ادب الابداع والاستبلاغ قال مثل الذي يغضب على العالم مثل الذي يغضب على اساطير الجامع والمقصود باساطير اعمدته التي يقوم عليها والعادة انها اعمدة كبار. فالذي يغضب على العالم مثل من يغضب على هذه الاعمدة فان غضبه يضر نفسه ولا تتضرر هذه الاعمدة منه. فكذلك من غضب على العالم فمآل ضرر غضب عليه ولا يضر العالم شيئا ثم ذكر خبر الشافعي انه قيل لشيخه سفيان ابن عيينة ان قوما يأتونك من الارض تغضب عليهم يوشك ان يذهبوا ويتركوك فقال للقائل هم حمقى اذا مثلك ان تركوا ما ينفعهم بسوء خلقي ووقع هذا ايضا للاعمش فيما رواه الخطيب وغيره انه كان يفترق اليه رجلان احدهما من شأنه الحديث والاخر ليس من شأنه الحديث. فغضب يوما على الذي من شأنه طرف الحديث. فقال له الاخر لو ان غضب علي كما غضب عليك لما عدت اليه فسمعه الاعمش فقال اذا يكون احمق مثلك اذا ترك ما ينفعه لسوء خلقه. ولما وعى السلف رحمهم الله تعالى هذا علموا ان ما تبلغ من شيوخهم من اذاهم مهما بلغ فانه ينبغي ان يصبر عليه الانسان وان يرجع اليهم. لان المقصود الانتفاع بهم وما يقع منه من طبائع البشر فهذا شيء يسأل له فيه العفو والمسامحة ومن بدائع المذكورات في احوال السلف في لهذا ما ذكره جماعة عن عبد الرحمن ابن حرملة انه كان يقول قد شجني سعيد ابن المسيب في العلم مرتين اي رأسه وضربه عليه حتى ادمى رأسه في العلم مرتين. فلم يمنعه ضربه في الأولى حتى ادمر رأسه من الرجوع اليه رحمه الله تعالى بعلمه بان منفعته من العلم متوقفة على النهي من شيخه. وقال ابو يوسف الانصاري خمسة يجب على الناس اعد منهم العالم ليقتبس من علمه. فمن دار العلماء وتلطف بهم افاضوا عليه من علومهم. ومن كان نزرا سيء الخلق حجبوا عنه عيوبهم علومهم. ثم ذكر الادب السادس المتضمن لشكر الشيخ فقال ان يشكر الشيخ على تنقيده على ما فيه فضيلة وعلى توبيخه على ما فيه نقيصة او كسل يعتريه او قصور او غير ذلك مما في ايقافه عليه وتوفيقه ارشاده وصلاحه. فالشيخ ربما اطلع على فضيلة من الطالب فستره عليها او على نقيصة وخلل منه فوبخه عليه قاصدا اصلاح خلله وارشاده لما فيه منفعة فينبغي ان يشكر الشيخ على توقيفه على ما فيه فضيلة وعلى توبيخه على ما فيه نقيصة. لان مقصوده في كل هو طلب الاصلح لهم. واذا اوقفه الشيخ على دقيقة من ادب او نقيصة صدرت منه. وكان يعرف وكان يعرفه من قبل فلا يظهر انه كان عارفا به وغفل عنه. فاذا نبهه الشيخ الى ان من افعاله المخالفة للادب كذا وكذا. فلا يبادر بالقول لاني اعرف هذا وغفلت عنه بل لا يظهر ذلك لشيخه بل يشكره على افادته واعتنائه بامره وانه يسعى في بذلك من خلقه وان كان له عذر وكان في اعلام الشيخ مصلحة فله ان يعلمه بذلك والا ترك اعلامه بعذره الا ان يترتب على ترك بيان العذر مفسدة فيتعين اعلامه به لان العذر ادعى والعفو والمقصود ان يلازم الانسان الانتفاع بارشاد شيخه وان وبخه على نقيصة منه فانه لا يوبخه لحظ نفسه وانما يوبحه طلبا لاصلاح خلقه وتقويم هديه فان العلم لا ينتفع المرض حتى تكمل حاله. وما دام متخلقا بالاخلاق المخالفة له فان انتفاعه في العلم قليل. والشيوخ الهادون يجتهدون في اصلاح احوال الاخذين عنهم. ويبالغون في تلمس اخطائهم. ليزكوا انفسهم فان العلم يراد به تزكية النفس ومن جملة تزكية النفس تخليتها من كل افة وغائلة تطرأ عليها تضعف سيرها الى الله سبحانه وتعالى. ومن وعى هذا في مقاصد المعلمين علم ان ارشاده وان قسى فانما تقصد منه المنبعة كما قال ابو العباس ابن تيمية الحفيد رحمه الله تعالى في كلام له والمؤمن للمؤمن كاليدين تغسل احداهما الاخرى فقد لا ينطلع الوسخ الا بشيء من التقسيم انتهى كلامه رحمه الله تعالى وبهذا ينتهي التقرير على هذه من الكتاب