السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات. وتعبدنا به طول الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحاجزين مراتب التقديم اما بعد فهذا الدرس الثالث والعشرون في شرح الكتاب الاول من برنامج التعليم في سنته الثانية احدى وثلاثين بعد الاربع مئة والالف واثنتين وثلاثين بعد الاربع مئة والالف وهو كتاب تذكرة السامع والمتكلم للعلامة محمد بن ابراهيم بن جماعة رحمه الله. ويليه الكتاب التام وهو بلوغ القاصد جل المقاصد العلامة عبد الرحمن ابن عبد الله البعري رحمه الله. ويليه الكتاب الثالث وهو فتح الرحيم الملك العلام للعلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله تعالى. وقد من البيان في الكتاب الاول الى قوله رحمه الله تعالى في اداب الطالب مع شيخه وقدوته السابع والا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام. نعم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين قال المؤلم رحمه الله تعالى السابع الا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام الا باستئذان. سواء كان الشيخ وحده ام كان معه غيره فان استأذن بحيث يعلم الشيخ ولم يأذن له انصرف ولا يكرر الاستئذان شك في علم الشيخ بني فلا يزيد بالاستئذان فوق ثلاث مرات او ثلاث طلقات بالباب او الحلقة وليكن بادب باظفار الاصابع ثم بالاصابع ثم بالحلقة قليلا قليلا. فان كان الموضع بعيدا عن والحلقة فان كان الموت فان كان الموضع بعيدا عن الباب والحلقة فلا بأس برفع ذلك بقدر ما يسمع لا واذا اذن وكانوا جماعة تقدم افضلهم واسنهم بالدخول والسلام عليه ثم يسلم عليه قال من الافضل وينبغي ان يدخل على الشيخ كامل الهيئة متطهر البدن والثياب نظيلهما بعدما يحتاج اليه من اخذه دبر وشعر وقطع رائحة كريهة. لا سيما ان كان يقصد مجلس العلم فانه مجلس ذكر واجتماع في ومتى دخل على الشيخ في غير المجلس العام وعنده من يتحدث معه فسكتوا عن الحديث او دخل والشيخ وحده ويصلي او يذكر او يكتب او يطالع فترك ذلك او سكت ولم يبدأه بكلام او بسط حديث فليسلم. ويخرج سرير عند الله ان يحله الا ان يحده الشيخ عن المكث. واذا مكث فلا يضل الا ان يأمره بذلك. وينبغي ينبغي ان يدخل على الشيخ ويجلس عنده وقلبه فارغ من الشواغل له وذهنه صابر لا في حال وعاش. لا في حال وعاش او غضب او جوع شديد او عطش او نحو ذلك لينشرح صدره لما يقال ويعي ما يسمعه واذا حضر مكان الشيخ فلم لم يرده جالسا ان دبره كي لا يفوت على نفسه درسه فان كل درس يموت لا عوض له ولا يقرب عليه اليه وان كان نائما صبر حتى يستيقظ او ينصرف ثم يعود. والصبر خير له. فقد روي ان ابن عباس رضي الله عنه كان يجلس في طلب العلم على باب زيد ابن ثابت حتى يستيقظ فيقال له الا توقظه الا نوقظه لك فيقول لا وربما طال مقامه وقرعته الشمس وكذلك كان السلف يفعلون. ولا يطلب من الشيخ وراءه في وقت يشق عليه به او لم تجري عالته بالابراء فيه. ولا يخترع عليه وقتا خاصا به دون غيره وان كان رئيسا او كبيرا لما فيه من الترفع والحمق على الشيخ لما فيه من الترفع والحمى يعرف الشيخ والطلبة والعلم ربما استحي الشيخ منه فدرك لاجله ما هو اهم عنده في ذلك الوقت فلا يفلح الطالب فان بدأه الشيخ بوقت معين او خاص لعذر عائق له عن الحضور مع الجماعة او لمصلحة رآها الشيخ فلا بأس فبذلك الثامن ان يجلس بين يدي الشيخ جلسة الادب كما يجلس الصبي بين يدي المقرئ او متربعا تواضع وخضوع وسكون وخشوع ويصلي الى الشيخ ناظرا اليه ويقبل بكليته عليه متعقلا لقوله بحيث لا الى اعادة الكلام مرة ثانية. ولا يلتفت من غير ضرورة ولا ينظر الى يمينه او شماله او فوقه او خلفه لغير حاجة ولا سيما عند بحث الى او عند كلامه معه فلا ينبغي ان ينظر الا اليه ولا يضطرب لضجة يسمعها او يلتمس لأجلها ولا سيما عند بحثه له. ولا ينبض كمه ولا يحشر عن ذراعه ولا يعبث بيديه او رجلين او غيرهما من اعضائه. ولا يضع يده على لحيته او فمه او يعبث بها في انفه. او يستخرج بها منه شيء ولا يفتح باب ولا يقرع سنه ولا يضرب الارض براحته. ولا يضرب الارض براحة او يخض باصابعه ولا يشبك يديه ولا يشبك بيديه او يعبث بازراره ولا يستهن بحضرة الشيخ الى حائط او قد تجد الاوزار او ذراب او ذرابزين او ذرابزين او يجعل يده عليها ولا يعطي الشيخ جمب او ظهره ولا يعتمد على يده الى ورائه او جنبه. ولا يكثر كلامه من غير حاجة. ولا يحكي ما يضحك منه او هذه بذاءة او يتضمن سوء مخاطبة او سوء ادبه. ولا يضحك لغير عجب ولا لعجب دون الشيخ فان غلبه تبسم تبسم بغير صوت البتة ولا يكثر التنحنح من غير حاجة ولا يبصق ولا يتنقع ما امكنه. ولا يقلب النخامة من فيه فليأخذوها من فيه بمنديل او خرقة او طرف ثوبه. ويتعاهد تركيا اقدامه وارخاء ثوبه وسكون بدنه عند بحثه او مذاكرته واذا عطس خبر صوته جهده وستر وجهه بمنكير او نحوه واذا تجائب ستر فاه بعد ربه جهده وعن علي رضي الله عنه قال من حق العالم عليك ان تسلم على القوم عامة وتقصه بالتحية تجلس امامه ولا تشيرن عنده بيدك ولا تعمد بعينيك غيره. ولا تقولن قال فلان كلاب قوله ولا تغتابن ان عنده احدا ولا تطلبن عذرته. وان زل قد اجتمعت معذرته وعليك ان توقره لله تعالى. وان كانت له حاجة سبقت وان كانت له حاجة سبقت القوم الى حكمته ولا تسار في مجلسه ولا تأخذ بثوبه فلا تلح عليه اذا كسل ولا تشبع من طول صحبته فانما هو كالنخلة تنتظر متى يسخط عليك منها شيء ولقد رضي الله عنه في هذه الوصية ما فيه هداية قال بعضهم ومن تعظيم الشيخ الا يجلس الى جانبه ولا على او وسادته وان امره الشيخ بذلك فلا يفعله الا اذا جزم عليه جزما تشق عليه مخالفته. فلا بأس لا لامره في تلك الحال ثم يعود الى ما يقتضيه الادب. وقد تكلم الناس في اي الامرين اولى ان يعتمد امتداد الامر او سلوك او سلوك وقد تكلم الناس في اي الامرين اولى ان يعتمد امتثال الامر او سلوك الادب والذي يترجح ما قدمته من التقصير فان عزم الشيخ بما امره به بحيث تشق عليه مخالفته امتداد الامر اولاه والا فسلوغ الادب اولى بجواز ان يقصد الشيخ خيره واظهار احترامه والاعتناء به فيقابل وذلك بما يجب من تعظيم الشرك والادب معه. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادبين اخرين من الاداب التي ينبغي ان يتحلى بها الطالب مع شيخه وقدوته الذي يأخذ عنه. وهما في تعداد بادابه في هذا الباب السابع والثامن. فاما السابع فذكر رحمه الله تعالى انه ينبغي ان لا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام الا باستئذان. والمجلس العام هو المجلس الذي يبدو فيه الشيخ الناس كافة على كرسي تعليمه او في مجلس مسجده او غير ذلك. وما كان سواه فهو من مجالسه الخاصة فاذا كان شيخه في غير المجلس العام فلا ينبغي ان يدخل عليه الا باستئذان سواء وان كان الشيخ وحده او كان معه غيره. والاستئذان من الاداب الشرعية المقررة بادلتها. من القرآن والسنة فان استأذن على شيخه بحيث يعلم الشيخ ولم يأذن له انصرف ولا يكرر الاستئذان فاذا قطع ان الشيخ علم ولم يأذن له فلم يجبه بقوله ادخل ولا نحو ذا من الجمل فانه يرجع ولا يكرر استئذانه. وان شك في علم الشيخ به ووقع في نفسه ظن الغالبا او يقينا ان الشيخ لم يسمع استئذانه عليه فلا يزيد الاستئذان فوق ثلاث مرات او ثلاث فرقات في الباب او الحلقة التي تكون موضوعة في الباب للضرب بها في طلب استئذان. لان الاستئذان شرعا انتهى كما في حديث ابي سعيد القديم في الصحيحين الى ثلاث مرات فلا ينبغي ان يزيد عليه الانسان وليكن طرق الباب خفيف بل لانه دال على لطف النفس وحسن الادب فان المتأدب لا يأتي منه الا اللطيف الخفيف وهذا اللائق به فيكون طرقه الباب خفيفا لا يشتد فيه. واولى ذلك ما كان اخفضهما وكان احفظه باظفار الاصابع اي رؤوسها الناشذة عنها. وهذا روي فيه حديث لا عن النبي صلى الله عليه وسلم وانما ينفع الظرف بمثلها في الباب السقيل كزجاج وما كان في ثم يليها في الخفة واللطف ان يطرق باصابعه. ثم في الحلقة المعلقة قليلا قليلا. فان كان الموضع بعيدا عن الباب والحلقة فلا بأس برفع ذلك بقدر ما يسمعنا فان وجد ان الشيخ بعيد او فاذا وجد ان الشيخ بعيد عن الباب او مجلسه مع حلقته في المجلس الخاص بعيد لا يسمع بغالب الظن الطرقى فلا بأس ان يرفعه بقدر ما يحصل الاسماع فاذا اذن الشيخ للمستأذن وكان المستأذنون جماعة فانهم يقدمون افضلهم واسنهم بالدخول والسلام عليه. فانها قاعدة الشريعة. فقاعدة الشريعة تقديم كبير فضلا او سنا كما تظاهرت على ذلك احاديث عدة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسلم عليه الافضل فالافضل فيبتدئون بالسلام عليه باعتبار افضلهم ثم من دونه والافضل الثانية لا يراد بها افعل التفضيل بل يراد بها الفاعل فتقدير الكلام ثم يسلم عليه بافضل الباطل فيقدم افضلهم ثم من دونه ثم من دونه. وينبغي ان يدخل الطالب على بكامل الهيئة حسن الصورة متطهرا البدن وثياب نظيفهما. بعدما يحتاج اليه من اخذ ظفر وشعر وقطع رائحة كريهة لان المناسب للدخول على المعظمين ان يكون الانسان على هيئة سنة كاملة واحق الناس بالتعظيم هم علماء الشريعة لما في صدورهم من العلم الموروث عن النبي صلى الله الله عليه وسلم ويتأكد هذا اذا كان الطالب يقصد مجلس الدرس. فاذا كان خروجه الى شيخ واجتماعه به هو في مجلس الدرس فانه يتأكد في حقه ان يكون كامل الهيئة متطهر البدن وثيابه نظيفهما لان مجلس العلم مجلس ذكر واجتماع في عبادة ومجالس الفقه تحاط بالخشية والهيبة والتعظيم كما قاله بعض السلف رحمهم الله واذا دخل على الشيخ في غير المجلس العام فوجد عنده من يتحدث معه فسكتوا عن الحديث وانقطعوا عنه بدخوله او دخل والشيخ وحده يصلي او يذكر الله او يقرأ القرآن او يكتب او يطالع فترك ذلك او سكت ولم يبدأه بكلام او بسط حديث فليسلم ويخرج سريعا. فانه يعلم بذلك ان شيخه في شغل والمشغول لا يشغل. ومن حسن الادب ان ينصرف الانسان عن شيخه حين اذا ولا سيما اذا اظهر له الشيخ عذره بكونه منشغلا فان من حسن ادبه وكمال ذوقه السليم ان يأخذ بعذر شيخه فيعذره. ويتخير وقت اخر يصيب فيه الاجتماع معه لا يكون فيه شيخه في شغل. فاذا كان على تلك الحال ودخل وسلم فليخرج سريعا. لان ما كان فيه شيخه من الدلائل والعلامات كقطع الحديث او كونه في صلاة او ذكر دال على ان الاكمل في حاله ان يخرج سريعا بعد سلامه ما لم يحثه الشيخ من المجد والبقاء فاذا حثه على ذلك وامره بالجلوس فليجلس امتثالا لامره ثم اذا مكث فلا يطيل الا ان يأمره بذلك لان الشيخ لعله رعى حاله فاذن له في الجلوس فاذا جلس تبعا باذن الشيخ لخاطره فلا ينبغي له ان يطيل المكث عنده ملاحظة لعدم قطعه عن شغله. وينبغي ان يدخل الطالب على الشيخ ويجلس عنده وقلبه فارغ من الشواغل. ليكمل اقباله عليه. وذهنه صاف لا في في حال نعاس او غضب او جوع شديد او عطش او نحو ذلك لينشرح صدره لما يقال ويعي ما تسمعه فانه اذا دخل على حال ناقصة من شغل قلب او تبدد بذهن ربما لم يتهيأ له فهم ما يلقى اليه ولا وعى ما يسمعه من شيخه. واذا حضر مكان فلم يجده جالسا انتظره كي لا يفوت على نفسه درسه. فاذا سبق مطالب شيخه الى الدرس فلم يجده فانه ينبغي ان ينتظره اذا تأخر عن موعده والاصل ان الانسان يأتي الى درس شيخه متقدما عليه فان حقيقة اهتمامه به ان يكون تابعا له. فكما ان اللائق بالمأموم ان يدخل المسجد قبل امامه. فكذلك ذلك اللائق بملتمس العلم ان يجلس في حلقة الدرس قبل شيخه. وكما يعاب الانسان على فوت شيء من صلاته وراء امامه فانه يعاب كذلك على تقلبه عن درس شيخه او الجلوس بعده والداعي الى انتظاره الشيخ اذا لم يأتي حتى يأتي الشيخ هو الا يفوت الدرس عليه فانه ربما تأخر الشيخ لعارض كما يتأخر بعض الطلاب لعالق فيلقي الشيخ اوسى ولا ينتظره فيفوته بانصرافه السريع ما القاه الشيخ من العلم. وكل درس لا عوضا له. فان الدرس اذا نفذ شقت اعادته على المعلم. ولم يمكن للمتعلم ان يرجع اليه مرة اخرى. وهذا وان وجدت صورة اعادته بالتسجيل. لكن لم توجد حقيقته فان الذي يسمع الدرس بالتسجيل ولا يحضر مجالسه بمنزلة من يأكل عظام دون لحم فان حقيقة العلم ليست هي المسائل التي تسمعها وانما حقيقة العلم الروح الشفافة الذي ينتقل بها العلم في هذه الامة ببركة الاخ التي جعلت اصلا في تلقيه كما روى ابو داوود بسند صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم وليس المقصود بالسماع ادراك المسموع فقط. ولكن لقي من يسمع عنه ويؤخذ عنه العلم. فلو ان انسانا اراد استدراك ما فاته من مجلس الدرس بسماع فانه يدرك شيئا وتفوته اشياء فهو يدرك ما يسمعه من المسموع لكن هيبة الدرس هو حث الملائكة له وما يغشاه من الرحمة والسكينة قد فاته. فلا عنده هذا المعنى. وكان يزيد ابن هارون رحمه الله تعالى ينشد من غاب خاب كان نصيبه من اصحاب فاذا غاب الانسان لحقته خيبتهم بفوات الخير له. واخذ الجادون الشادون نصيبه وقديما قلت في تحفة الملاطفة بنصح الصحبة الملاطفة لا تحزنوا لفتية تغيب فحظهم يحوزه الاريب. ثم قال رحمه الله تعالى ولا يطرق عليه ليخرج اليه وان كان نائما صبر حتى يستيقظ او ينصرف ثم يعود. والصبر خير له لا ينبغي له اذا اتى الى شيخه فلم يجده في مجلسه العام وابتغى مجلسه الخاص لا ينبغي له ان عليه ان يخرج الشيخ اليه. وان كان نائما في داره او في محرابه من المسجد صبر حتى يستيقظ الشيخ او ينصرف المتعلم ثم يعود بعد والصبر خير له انتظارا لشيخه فقد روي ان ابن عباس كان يجلس في طلب العلم على ابواب الانصار ومنهم زيد ابن ثابت حتى يستيقظ احدهم فيقال لابن عباس الا نوقظه لك؟ فيقول لا. وربما قال مقامه وقرعته الشمس فلا يأمر بايقاظه وكذلك كان السلف يفعلون اعظاما للعلم وكان من دأب محمد ابن اسحاق السراج الحافظ رحمه الله تعالى انه كانت عنده احاديث من فرد بها في زمانه فكان لا يحدث بها الا من جاء من الليل فرقد عند ينتظر فاذا جاء الهزيع الاخر من الليل خرج محمد ابن اسحاق السراج رحمه الله فحدث بتلك الاحاديث وشهرت تلك الاحاديث العوالي باسم جزء البيتوتة. وهو جزء مطبوع. ثم ذكر ما يلتحق بهذا الادب الا يطلب من الشيخ اقراءه في وقت يشق عليه فيه. او لم تجري عادته الرائي فيه بان ملاحظة ذلك من حسن الادب معه فان العنت على الشيخ حمله على غير عادته مما يرهقه فان الابدان لها عادات ربما فتأبى ان تخرج عنها فاذا خرجت عنها اضرت بها. والناس يقسم الله بينهم القدرة على بث العلم ونشره. وقد لا يتهيأ لبعض المعلمين المفيدين ان يجلسوا في وانما يتهيأ لهم في وقت معروف عندهم. فلا ينبغي للانسان ان يثقل عليهم باخراجهم الى خلاف عادتهم لان ذلك يضجرهم. ثم ذكر من الادب في هذا الا يخترع عليه وقتا خاصا به دون غيره ومعنى قوله لا يخترع عليه اي لا يقترح عليه مبتدأ من قبل نفسه مخترعا له وقتا يختص به بالقراءة دون غيره. وان كان رئيسا او كبيرا. لما فيه من الترفع والحمق على الشيخ والطلبة والعلم. فان الاصل في العلم ان يكون عاما ولا يموت العلم حتى يكون سرا كما قال عمر ابن عبد العزيز رحمه الله تعالى فالاصل في بث العلم ونشره ان يشارك الم تعلم فيه غيره الا ما ينتخبه المعلم بعد من المتعلمين فيختصهم بما شاء من دروس العلم ملاحظة لكمال عقولهم وصلاحيتهم باخذ ما دق وغمض من العلم ثم ذكر رحمه الله تعالى ان هذا وان كان حمقا وترفعا فربما اوقع الشيخ في غير ما يريده. فانه ربما استحيا لاجل حال الطالب التمس منه ذلك برئاسته او كبره في منزلته او كونه ابنا لاحد شيوخ معلمه فيثقل على شيخه رده فيقبل منه ذلك ويجعل له درسا على الوقت الذي اقترحه. وهذا الحياء يورث سلب الفلاح. لان استحياء شيوخ العلم اخراج لهم عما يميلون اليه ويحبونه. فاذا اخرجهم الانسان الى غيره كان مؤذيا له. ومن اذى شيخه فانه لا يفلح. وربما كان مريد للخير وربما كان مريدا للخير. ولكن الامر كما قال عبدالله بن مسعود كم من مريد للخير لن يصيبه ثم قال المصنف فان بدأه الشيخ بوقت معين او خاص لعذر عائق له عن الحضور مع الجماعة او لمصلحة رآها الشيخ فلا بأس بذلك. فان الامر بيده واذا رتب شيئا من الاوقات لما يدعو اليه مع احد فان بث العلم موكل الى ذمته والذي ينبغي ان يتحراه من جلس للناس بالافادة والتعليم ان لا يلاحظ فيمن يعلمه حاله من منصب او رئاسة او جاه او لون او غير ذلك بل فيه قبوله للعلم وصلاحيته له وعنايته به. فاذا وجد فيه هذا فليضع العلم عنده ثم ذكر رحمه الله تعالى الادب الثامن فقال ان يجلس بين يدي الشيخ جلستا الادب اي على هيئة مؤدبة. فان جنسه اسم هيئة على زنة فعله يجلس جلسة الادب كما يجلس الصبي بين يدي المقرئ الذي يلقنه القرآن. وجلسة الصبي تكون بان يجلس كحال جلوسه في التشهد الاول. مفترسا رجله اليسرى جالسا عليها ناصبا يمناه. وهذه اكمل الجلسات. او يجلس متربعا بتواضع وخضوع وسكون وخشوع فان التربع ايضا من الجلسات المحمودة الممدوحة. ولهذا ذكرها الفقهاء رحمهم الله تعالى في صفة الجلوس في صلاة النافلة او في صلاة فرض لعذر اورد فيها احاديث معروفة يصغي الى الشيخ ناظرا اليه ويقبل بكليته عليه اي يجمع نفسه ويجعل شغله الاقبال على شيخه ويتعقل قوله ويتفهم ما يلقي اليه من العلم بحيث لا يحوجه الى اعادة الكلام بارية فان اعادة الكلام تثقل على النفوس. ولا في مجلس شيخه من غير ضرورة ولا ينظر الى يمينه او شماله او فوقه او قدامه بغير حاجة ولا عند بحثه له اي شرحه له او عند كلامه معه اخذا وردا فلا ينبغي ان ينظر والا اليه ولا يضطرب لضجة يسمعها او يلتفت اليها ولا سيما عند بحثه له اي عند شرحه له فان الشيخ انما جلس اليه وينبغي ان تكون انت ايضا جالسا اليه. فلو سمعت اضطرابا او صوتا او غير ذلك فان من الادب الكامل الا يوعيه المرء انتباهه والا ليعيره اهتمامه والا يلتفت عن شيخه اليه. بل اقبال وجهه تابع اقبال قلبه. فانه اذا فالتفت عن شيخه انصرف قلبه معه فلا يعي ما يقوله الشيخ له. ويذهب عنه من العلم بقدر ما انشغل قلبه من الالتفات الى ما سمع. وقد روى الخطيب البغدادي في كتابه الجامع عن مصعب ابن كتاب رحمه الله تعالى انه كان في حلقة فالتفت الى حلقة اخرى فقال له رجل في حلقته ما فاتك من العلم اكثر. اي ما فاتك في هذه الحلقة من العلم اكثر مما اردت ان تسمعه من الحلقة الاخرى. وحدثني الشيخ عبدالله بن عبدالله بن مانع انه سمع الشيخ محمد بن عثيمين يقول انه كان في مجلس درس شيخه عبدالرحمن بن سعدي صغيرا فدخل طير في المسجد فجعل يتبعه نظره وينظر اليه راصدا حركاته فقال له الشيخ ناصحا يا محمد صيد العلم خير من صيد الطير. ثم من هذا الادب التابع لما سبق في مجلس الشيخ ان لا ينقض امه. والكم اسم لمدخل اليد من القميص فان مدخل اليد الذي تسلك فيه من القميص يسمى كما وكان الاوائل يبطلون اكمامهم ويعظمونها كالمعروف عندنا في نجد بالثوب الرديني. فانه واسع الاكمام. ولا عن ذراعين كافا ثوبه. لان حسر اليدين وكف الثوب عنهما علامة الاشتغال بالدنيا والعلم امر دين. ولا يعبث بيديه لاعبا بهما او رجليه او غيرهما من ولا يضع يده على لحيته ماسحا لها او محركا لتفارقها ولا يضعها على فمه دون كظم تثاؤبه. ولا يعبث بيده في انفه او تخرج بها منه شيئا لاستقباح تلك الصورة. ولا يفتح باب فاغرا له. ولا يقرع سنه ولا يضرب الارض براحته اي بباطن كفه او يخط عليها باصابعه. ولا يشبك بين يديه او يعبث باجره ولا يستند بحضرة الشيخ مبتدأ الى حائط او مخدة او درابزين او يجعل يده عليها والدرابزين بالالف وعدمها كلمة اعجمية ليست عربية وهي قوائم منتظمة تشبه القوائم التي تكون اليوم بجانب الدرجة التي يعتمد الناس عليها في صعودهم. وكان الاوائل يضعونها في الارض ثم يجعلون المتكأ عليها. فمن كان في مجلس شيخه فلا ينبغي له ان اذا الى حائط او مخدة او غيرهما الا لضرورة داعية كالم ظهره او غير ذلك من الاعراض التي تعرض للناس. ثم ذكر من الادب اللاحق ما سبق. ولا يعطي الشيخ جنبه او ظهره ولا يعتمد على ولا يعتمد على يده الى ورائه او جنبه ولا يكتب كلامه من غير حاجة ولا يحكي ما يضحك منه او ما فيه بذاذة اي سوء او يتضمن سوء مخاطبة او سوء ادب ولا يضحك لغير عجب ولا لعجب دون الشيخ. فان غلبه تبسم تبسما بغير صوت البتة لان التبسم علامة العقل. واما كثرة الضحك الضحك وشهرة الانسان به فانها دليل على قلة عقل او ضعفه. ولا يكثر التنحنح من غير حاجة ولا يبصق ولا يتنخع ما امكنه باخراج النخامة ولا ينفر نخامة من فيه بل يأخذها من فيه بمنديل او خرقة او طرف ثوب ويتعهد تغطية اقدامه وارخاء ثوبه على اجزاء بدنه. ويكون بدنه ساكنا عند بحثه او مذاكرته واذا عطس خفض صوته جهده وستر وجهه بمنديل او نحوه واذا تثائب ستر فاه بعد ربه جهده ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى اثرا شهيرا عن علي ابن ابي طالب رواه ابن عبدالبر في كتاب جامع جامع بيان العلم وفضله باسناد فيه ضعف عنه ذكره جماعة من الادباء القدامى في اليزيدي وابن الانباري والخطيب البغدادي وغيرهم رحمهم الله تعالى وهو حسن الالفاظ والمعاني. فانه يؤثر عنه رضي الله عنه انه قال من حق العالم عليك ان تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية اي تحييه بتحية خاصة كان ان تمسي عليه بخير او تصبحه بخير او غير ذلك. وان تجلس امامه ولا تشيرن عنده بيدك ولا تعمد بعينيك غيره. فتجعل بصرك ساقطا على احد غيره ملاحقا له ولا تقولن له قال فلان خلاف قوله ولا تغتابن عنده احدا ولا تطلبن عثرته وان زل معذرته وعليك ان توفره لله تعالى اي تعظمه لله تعالى تقربا اليه. فان تعظيم اهل العلم انما يحمل عليه اجلال الله عز وجل واعظام شرعه. فان العلماء ورثة الانبياء هم نوابهم في بيان الشريعة فاجلالهم وتعظيمهم وحفظ حقهم من توقير الله عز وجل واجلاله واعظامه وان كانت للشيخ حاجة سبقت القوم الى خدمته مظهرا للتواضع بذلك ومتقربا الى الله الله سبحانه وتعالى بما تفعله لا تقصد تملقا ولا تزلفا اليه فانك تؤجر بحسب وكلما كان طالب العلم متواضعا جاءه العلم واسبغ وابل طيبه عليه واذا كان مترفعا متعاظما فاته العلم بحسب ما في قلبه من هذه النجاسة. كما قال ابو عامر فيما ذكره ابن مفلح في كتاب الاداب الشرعية العلم يأتي كل ذي خفض ويأبى كل اب كالماء ينزل المهاد وليس يصعد بالاعالي. ثم قال رضي الله عنه ولا تساق في مجلسه. ولا تأخذ ولا ولا تسار في مجلسه احدا بينك وبينه في الحديث ولا تأخذ بثوب الشيخ ولا تلح عليه اذا كسل ولا تشبع من طول صحبته. فانما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها. شيء يعني لا ينبغي للانسان ان يسمع من طول صحبته لمشائخه فان العلماء احدهم كالنخلة التي ينتظر الانسان متى يسقط عليه عليه منها شيء ينفعه. وقد روى ابو نعيم الاصفهاني في كتاب الحلية بسند صحيح عن مالك ابن انس رحمه الله تعالى انه قال كان الرجل الى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه العلم. وليس مقصوده رحمه الله تعالى المسائل المصورة كما بعض الناس ولكن المقصود هو التأدب بادابه. والاهتداء بهديه والتقرب الى الله سبحانه وتعالى بصحبته والمرء اذا فاتته صحبة النبي صلى الله عليه وسلم فانه ينبغي ان يكون اصحابه الذين يتخيرهم في الدنيا هم صلى الله عليه وسلم من العلماء الراسخين. ومن من الله عز وجل عليه في بلده باكابر العلماء فانه لا ينبغي له ان ان يحرم نفسه من طول صحبتهم والجلوس اليهم والانتفاع بعلومهم. ثم قال المصنف رحمه الله تعالى مبينا قد ترى هذه الوصية قال ولقد جمع رضي الله عنه في هذه الوصية ما فيه كفاية فهي من جوامع الوصايا المبينة جملة من اداب العلم. ثم نقل عن بعضهم قوله ومن تعظيم الشيخ ان لا يجلس الى جانبه. ولا على صلاه او وسادته وان امره الشيخ بذلك فلا يفعله الا اذا جزم عليه اي الشيخ جزما تشق مخالفته فلا بأس بامتثال امره في تلك الحال. ثم يعود الى ما يقتضيه الادب في قربه من شره اذ امره تلطيفا لمراد نفسه فيجيبه اليه. فاذا اجاب ابى داعيه مدة وبرهة يسيرة عاد الى ما يقتضيه الادب من البعد عنه. ثم قال وقد تكلم الناس الي الامرين اولى ان يعتمد امتثال الامر او سلوك الادب اي ايهما احسن للمرء فيما تنازعه مثل هذا المولد وذاك ان يمتثل الامر او ان يسلك الادب الذي ينبغي فقال المصنف مبينا في ذلك والذي يترجح ما قدمته من التفصيل. فان عزم الشيخ بما امره به بحيث تشق عليه مخالفته امتثال الامر اولى فاذا اكد الشيخ عليه واعظم ذلك حتى علم او غلب على ظنه ان مخالفته شيخه تشق عليه فان امتثاله الامر اولى والا فسلوك الادب اولى بجواز ان يقصد الشيخ خيره؟ اي يقصد الشيخ نفعه وايصال الخير اليه او يقصد اظهار احترامه وبيان حرمته وقدره والاعتناء به فيقابله وذلك بما يجب من تعظيم الشيخ والادب معه. وهذا اخر البيان على هذه الجملة من الكتاب وبالله التوفيق