السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات. وتعبدنا به طول الحياة الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التقديم. اما بعد فهذا الدرس الرابع والعشرون في شرح الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الثانية احدى وثلاثين بعد الاربع مئة والالف واثنتين وثلاثين بعد الاربع مئة والالف. وهو كتاب تذكرة السامع للعلامة محمد بن ابراهيم بن جماعة رحمه الله. ويليه الكتاب الثاني وهو بلوغ القاصر جل المقاصد الى علامة عبد الرحمن ابن عبد الله البعلي رحمه الله ويليه الكتاب الثالث وهو فتح الكريم وهو فتح الملك الرحيم للعلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله تعالى. وقد انتهى بنا البيان في الكتاب الاول الى قوله رحمه الله تعالى في الفصل الثاني في اداب المتعلم مع شيخه وقدوته التاسع ان يحسن خطابه مع الشيخ. نعم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المصنف رحمه الله تعالى التاسع ان يحسن خطابه مع الشيخ بقدر الامكان. ولا يقول له لما ولا لا نسلم ولا من نقل هذا. من نقل هذا ولا اين موضعه وشبه ذلك؟ فان اراد استفادته تلطف في الوصول الى ذلك ثم هو في مجلس اخر اولى على سبيل الاستفادة. وعن بعض السلف من قال لشيخه لما لم يفلح ابدا. واذا ذكر الشيخ شيئا كم فلا يقل هكذا قلت او خطر لي او سمعت او هكذا قال فلان الا ان يعلم ايثار الشيخ ذلك وهكذا لا قال فلان خلاف هذا او روى فلان خلافة او هذا غير صحيح ونحو ذلك. واذا اصر الشيخ على او دليل ولم يظهر له او على خلاف صواب سهواه فلا يغير وجهه او عينيه او يشير الى غيره كالمنكر ما قاله بل يأخذه ببشر ظاهر وان لم يكن الشيخ مصيبا لغفلة او سهو او قصور نذر نظر في تلك الحال فان العصمة في البشر للانبياء صلى الله عليهم وسلم وليتحفظ من مخاطبة الشيخ بما يعتاده وبعض الناس في كلامه ولا يليق خطابه به اي اشبك وفهمت وسمعت وتدري ويا انسان ونحو ذلك وكذلك لا يحكي لهم ما خوطب به غيره مما لا يليق خطاب الشيخ به وان كان حاكيا. مثل قال فلان لفلان انت قليل البر وما عندك خير وشبه ذلك. بل يقول اذا اراد الحكاية ما جرت العادة بالكناية مثل قال فلان لفلان الابعد قليل البر وما عند البعيد خير وشبه ذلك ويتحفظ من مفاجأة الشيخ بصورة رد عليه فانه يقع ممن لا يحسن الادب من الناس كثيرا. مثل ان يقول له الشيخ ان قلت كذا فيقول ما قلت كذا او يقول له الشيخ مرادك في سؤالك كذا او خطر لك كذا فيقول لا او ما مرادي او ما خطر لي هذا وشبه ذلك. بل طريقه ان يتلطف بالمكاسرة عن الرد على الشيخ. وكذلك اذا استفهمه الشيخ استفهام تقرير ولزم كقوله الم تقل كذا او ليس مرادك كذا فلا بالرد عليه بقوله لا او ما هو مرادي بل يسكت او يوري عن ذلك بكلام لطيف يقيم الشيخ قصده منه فان لم يكن بد من تحرير قصده وقوله فليقل فانا الان اقول كذا او اعود الى قصد كذا كلامه ولا يقل ولا يقل الذي قلته او الذي قصدته لتضمنه الرد عليه. وكذلك ينبغي ان يقول في موضع رمى ولا يسلم ولا نسلم. فان قيل لنا كذا او فان منعنا ذلك او فان سئلنا عنك او فان او فان اورد كذا وشبه ذلك ليكون مستفهما للجواب سائلا له بحسن ادب ولطف عبارة العاشر اذا سمع الشيخ يذكر حكما في مسألة او فائدة مستغربة اذا سمع الشيخ اذا سمع الشيخ يذكر حكما في مسألة او فائدة مستغربة او يحكي حكاية او ينشد شعرا وهو يحفظ اصغى اليه اصغاء مستفيد له في الحال. متعطش اليه فرح به كأنه لم يسمعه قط. قال عطاء لاسمع الحديث من الرجل وانا اعلم به منه فاريه من نفسي اني لا احسن منه شيئا وعنه قال ان الشاب يتحدث بحديث فاستمع له كأني لم اسمعه. ولقد سمعته قبل ان يولد. فان سأله الشيخ عند ذلك عن حفظه له فلا يجيب بنعم لما فيه من استغناء عن الشيخ فيه ولا يقل لا لما فيه من الكذب بل يقول احب ان استفيده من الشيخ او ان اسمعه منه او بعد عهدي او هو من او هو من جهتكم اصح فان علم من حال الشيخ انه يؤثر العلم بحفظه له مسرة ذلك مسرة به او اشار اليه باتمامه امتحانا لضبطه او او لاظهار تحصيله فلا بأس باتباع ورض الشيخ ابتغاء مرضاته او ازديادا لرغبته فيه. ولا ينبغي للطالب ان يكبر سؤال ما يعلمه ولا استفهام ما يفهمه. فانه يضيع الزمان وربما اضجر الشيخ. قال الزهري اعادة الحديث اشد من نقل الصخر وينبغي الا يقصر في الاصغاء والتفهم او يشغل ذهنه بذكر او حديث ثم الشيخ ما قاله بان ذلك اساءة ادب بل يكون مصليا لكلامه حاضر الذهن لما يسمعه من اول مرة بعض المشايخ لا يعيد لمثل هذا اذا استعاذه واذا استعاذه ويزبره عقوبة له واذا لم يسمع كلام شيخ بعده او لم يفهمه مع الاصغاء اليه والاقبال عليه فله ان يسأل الشيخ اعادته او تفهميمه بعد بيان عذره بسؤال لطيف. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادابا اخرى تتعلق باداب المتعلم مع شيخه وقدوته هي لاحقة بما سبق. وبلغ عداد اولها التاسع وهو الذي ذكره بقوله ان يحسن خطابه مع الشيخ بقدر الامكان ان يجري فيه وفق الحسن من الخطاب. والحسن من الخطاب ما جاء في الشرع او علم بالعرف مدحه. ولا ينبغي ان يقول له لما ولا سلم ولا من نقل هذا ولا اين موضعه وشبه ذلك. لما في ذلك من اظهار التعنت. فان الذي يبادر شيخه بمثل هذه الاسئلة يكون سؤاله له حال سؤال متعنت لا سؤال متفقه ومن اراد ان يسلك الادب مع الشيوخ في سؤاله فليكن مراده من سؤاله هو التفقه للتعنت يتحرى ان يسوقه سياق التفقه لا سياق التعنت. فان من يقول لشيخه لم؟ او لا نسلم ذلك او من نقل هذا او اين موضعه فان ظاهر قوله ارادة التعنت. ثم قال فان اراد استفادته اي معرفة ما افاده الشيخ به تلطف في الوصول الى ذلك. ثم هو في مجلس اخر اولى على سبيل الاستفادة. فاما ان يسأله متلطفا مريدا استفادة محل ما افاده استفادة محل ما افاده الشيخ في ذلك المجلس او يرجئه الى مجلس اخر فيسأله مستفيد هذا الذي ذكرتموه من اين لكم الوقوف عليه واشباه ذلك. ثم ذكر ما جاء عن بعض انه قال من قال لشيخه لم لم يفلح ابدا؟ اي على ارادة التعنت. فان الذي يعاند الشيوخ تفوته علمهم كما روى ابن عبدالبر وغيره عن رجل من اصحاب ابن عباس رحمه الله انه كان يتعنت معه ففاته منه علم كثير. وكان عروة ابن الزبير اذ يتلطف مع ابن عباس فاحرز علما كثيرا. ثم قال واذا ذكر الشيخ شيئا فلا يقل قلت او خطر لي اي اذا افاده الشيخ بعلم فلا ينبغي ان يقول لشيخه هكذا قلت اي ان هذا القول الذي تمونيه هو القول الذي اقوله او هو شيء خطر في قلبي قبل ان تذكروه او انني سمعته او هكذا قال فلان لما في ذلك من اظهار الاستغناء عن الشيخ وان ما عند الشيخ هو عنده الا ان يعلم ايثار الشيخ ذلك فاذا علم محبة الشيخ الاطلاع على علمه ومعرفته ومبلغ ما وصل اليه منه فقال ذلك فهذا لا بأس به. وهكذا لا ينبغي له ان يقول قال كان الخلاف خلاف هذا او روى فلان خلافة او هذا غير صحيح ونحو ذلك لما فيه من اساءة الادب مع الشيخ ثم قال واذا اصر الشيخ على قول او دليل اي استمر عليه مختارا له ولم يظهر له صواب ما ذكره الشيخ او اصر الشيخ على خلاف صواب سهوا بان وقع منه غلط في ما نقله فلا ينبغي ان يغير وجهه متمعرا او عينيه غامزا او يشير الى غيره من صحبته بيده كالمنكر لما قاله الشيخ بل يأخذه بمشي ظاهر لما في ذلك آآ من استقبال غلط شيخه بالسخرية والعجب منه. فان اهل العلم غير معصومين من الخطأ والنسيان والوهم. فهذا يقع منهم كما يقع من غيرهم من ناس فاذا وقع منهم شيء على خلاف الصواب سهوا او غلطا فلا ينبغي ان يسيء الطالب الادب مع شيخه بتغيير وجهه بتمعره او تحريك عينيه غامزا او شد اسنانه على كيف او تحريك يده او الاشارة الى قرينه او بقية الجماعة الحاضرين بيده كالمنكر لما قال وهذا الامر من السهو والغفلة وقصور النظر لا يفرغ منه احد من الخلق ولا يخلو منه قلب ادمي الا الانبياء الذين عصمهم الله سبحانه وتعالى في تبليغ الدين والعلم الذي امروا به. ثم قال وليتحفظ من مخاطبة شيخي بما يعتاده بعض الناس في كلامه اي في كلام الناس بعضهم مع بعض ولا يليق خطابه به كقول ايس بك يعني اي شيء بك وفهمت وسمعت وتدري ويا انسان ونحو ذلك من العبارات التي يخاطب بها عامة الناس دون المقدمين منهم كاهل العلم. وكذلك فلا يحكي له ما خطب به غيره مما لا يليق خطاب الشيخ به. وان كان حاكيا فاذا ذكر حكاية تتضمن خطابا قد ينصرف الى السامع فينبغي له ان يحوله عن وجهه مثل قال فلان لفلان انت قليل البر وما عندك خير وشبه ذلك. فاذا اراد حكاية مثل هذا فليلتزم مما جرت العادة بالكناية به مثل قال فلان لفلان الا بعد قليل البر وما عند البعيد خير اولها عن قول انت قليل البر وما عندك خير الى قوله الا بعد قليل البر وما عندك وما عند البعيد خير لئلا يظن احد ان الخطاب موجه الى شيخه. ومن هذا الجنس ما وقع في الصحيح في قصة عرض النبي صلى الله عليه وسلم الاسلام على عمه ابي طالب. وفيه قال الراوي وهو المسيب ابن حزم رضي الله عنه والد سعيد قال هو على ملة عبد المطلب ولم يقل فكان اخر ما قال هو على ملة عبد المطلب بل اتى بالظمير المشعر بان القائل هو ابو طالب لانه لو قال على ملة عبد المطلب ربما ظن ظان انه هو الذي جاء بمثل هذا فكنا عن ذلك بالاتيان بالضمير ثم قال ويتحفظ من مفاجأة الشيخ بصورة رد عليه فانه يقع ممن لا يحسن الادب من الناس كثيرا مثل ان يقول له الشيخ انت قلت كذا فيقول مفاجئا الشيخ في رده ما قلت كذا او يقول له الشيخ مرادك في سؤالك كذا او خطر لك كذا فيقول لا او ما هذا مرادي او ما خطر لي هذا وشبه ذلك. لما في المفاجأة بالرد من سوء الادب معه. بل طريق الحسن ادبا ان يتلطف بالمكاسرة اي بالمراجعة عن الرد على الشيخ. فلا يسلك سبيل الرد المفاجئ عليه بل يتلطف في مراجعته بالقول فاذا قال له الشيخ ان قلت كذا مثلا لا يبادره بقوله ما قلت كذا بل يتلطف بعبارة اخرى يقول ربما كنت مخطئا في فهمي فقلت كذا وكذا او اقول كذا وكذا ويبين لي الشيخ الصواب نحو هذه العبارات. قال وكذلك اذا استفهمه الشيخ استفهام تقرير وجزم كقوله الم تقل كذا او اليس او اليس مرادك كذا؟ فلا يبادر بالرد عليه بقوله لا او ما هو مرادي بل يسكت او يوري عن ذلك بكلام لطيف يفهم الشيخ قصده منه. ثم قال فان لم يكن بد من تحرير قصده وقوله فليقل فانا الان اقول كذا او اعود الى قصد كذا ويعيد كلامه. ولا يقل الذي قلته او الذي قصدته لتظمنه الرد عليه. فيتلطف في العبارات التي يراجع الشيخ فيها في هذا الباب او غيره ثم قال وكذلك ينبغي ان يقول في موضع لما ولا نسلم ان يقول فان قيل لنا كذا او فان منعنا ذلك او فان سئلنا عن كذا او فان اورد كذا وشبه ذلك. فيستعيظ عن السؤالين المشهورين لما ولا نسلم بان يقول ان قيل لنا كذا وكذا او منعنا من ذلك او رد علينا ذلك او ونحو ذلك من العبارات ليكون مستفهما للجواب سائلا له بحسن ادب ولطف عبارة مع شيخه وادب السؤال من اعظم الاداب التي ينبغي ان يتحقق وطالب العلم فيها بالطريقة المثلى. لان العلم المأخوذ عن الاشياخ له طريقان احدهما ما يبتدئه الشيخ من العلم في بذله والثاني ما يستخرجه الطالب بسؤاله واستفهامه واذا سلك الانسان الادب مع الشيخ فيهما افلح فلا بد ان في ادب السؤال حتى يحرز مراده من العلم فان من جهل ادب السؤال وقع في حرمان العلم فان اهل العلم العارفين بحقه يلاحظون سوق السؤال صياغة وقصدا ومآلا فيجيبون عنه باعتبار ما يحتف به فينبغي ان يطالع المرء ما كتبه اهل العلم رحمهم الله تعالى في ادب السؤال قال ومن ذلك ما ذكره الشاطبي رحمه الله تعالى في اخر كتاب الموافقات وكذلك ابن القيم في اخر كتاب اعلام الموقعين. ثم ذكر الادب العاشر فقال اذا سمع الشيخ يذكر حكما في مسألة او فائدة مستغربة او يحكي حكاية او ينشد شعرا وهو يحفظ ذلك اصغى اليه اصغاء مستفيد له في الحال متعطش له فرح به كانه لم يسمعه قط لان هذا من حسن الاقبال عليه. فكما ان الشيخ اقبل عليك فافادك بما افادك به من حكم في مسألة او فائدة مستغربة او حكاية مستلطفة او شعر حسن فينبغي ان تقابله انت كذلك بلطف وحسن قبول لما يقول ولو كنت عارفا به. وذكر رحمه الله الا خبر عطاء وهو ابن ابي رباح في ذلك انه كان يقول اني لاسمع الحديث من الرجل وانا اعلم به منه. فاريه من نفسي اني لا احسن منه شيئا وعنه ايضا انه قال ان الشاب ليتحدث بحديث فاستمع له كأني لم اسمعه ولقد سمعته قبل ان فان سأله الشيخ عند الشروع في ذلك عن حفظه له فلا يجيب بنعم كان يقول تعرف الابيات التي ذكرها فلان في مسألة كذا او كذا او قال له تذكر اختيار ابي عمر ابن عبد البر في مسألة كذا وكذا او غيرها من المسائل فاذا سأله عن ذلك وكان عارفا به فلا يجيب بنعم لما فيه من عن الشيخ ولا يقول لا لما فيه من الكذب بل ياتي بعبارة لطيفة متأدبة كأن يقول احب ان من الشيخ او ان اسمعه منه او بعد عهدي به واريد تجديده او من جهتكم اصح لان ذلك انجح له وافلح فانه ربما يكون حافظا له لكن على وجه لا يصح وهذا يقع كثيرا فان من الناس من يحفظ اشياء لكنه يصحفها. فهو وان كان حافظا لها يحتاج الى تقويم محفوظه بان يعيد سماعه من متمكن منه. وكثيرا ما تسمع الناس يقولون في الابيات المشهورة ولا ان لا يخفى عليه يغيب وليس البيت كذلك لان الله لا يخفى عليه شيء وانما صوابه ولا انما يخفى عليه يغيب اي ما يسر به عن الله سبحانه وتعالى ويتخفى به العبد من اعماله انه يغيب عنه وليس كذلك فهو لا يغيب عنه سبحانه وتعالى. وان علم من حال شيخه انه يؤثر علمه بحفظه له مسرة به او اشار اليه باتمامه امتحانا لضبطه او حفظه او لاظهار تحصينه فلا بأس. باتباع غرض الشيخ ابتغاء مرضاته وازدياد غدا لرغبته فيه فاذا علم ان شيخه يحب ان يكون عارفا بما يذكره له فانه يخبر شيئا بذاك ثم قال ولا ينبغي للطالب ان يكرر سؤال ما يعلمه ولا استفهام ما يفهمه فانه يضيع الزمان وربما اضجر الشيخ قال الزهري اعادة الحديث اشد من نقل الصخر فاذا طلب الطالب تكرير سؤال ما يعلم او استفهم عما يفهم فانه يضيع زمنه وزمن شيخه. وربما كان في اعادته اضجار وازعاج للشيخ فان تكرار العلم مما يدخل على النفوس ويحتاج المرء في اعيادته الى تجريد القصد لله عز وجل في بذل العلم. وهذا معنى قول الزهري اعادة الحديث اشد من نقل الصخر اي اذا مضى وفرغ منه الانسان فان اعادته تدخل على النفس. ثم قال وينبغي الا يقصر في الاصغاء والتفهم اي القاء سمعه الى شيخه فان الاصغاء هو القاء السمع والاقبال على الشيخ او يشغل ذهنه بفكر او حديث بان يستروح ذكر شيء في نفسه فيتمادى شغل ذهنه به مفكرا ثم يستعيذ من الشيخ ما قاله او ينشغل بحديث مع قرين وجار في المجلس ثم يطلب من الشيخ ان يعيد ما قاله. لان ذلك اساءة ادب بل يكون مصغيا لكلامه حاضر الذهن بما يسمعه من اول مرة. وكان بعض المشايخ لا يعيد لمثل هذا اذا استعاده ويجبره عقوبة له ان يزجره فان الزبر هو الزجر وزنا ومعنى فيزجره عن هذه قال التي قالها وينهاه عن ذلك لما في ذلك من سوء الادب مع الشيخ فان الشيخ اذا جلس للدرس فتكلم فانه لا يتكلم الى مجموع الاخذين عنه. بل يتكلم الى جميع عنه فانه لا يريد بكلامه المقدمين في الصف الاول وانما يريد جميع الحاضرين واذا كان الرجل يتحدث اليك فان من الادب عقلا ومروءة ان تقبل اليه. كما ان من سوء الادب ان تنصرف عنه. ولو قدر انك وقفت امام رجل تحدثه ثم انفتل عنك وانصرف امتلأ قلبك غيظا عليه وضاق صدرك بسوء ما فعل. وكذلك حال من ينصرف عن شيخه في في مجلسه اما بشرود ذهن او بحديث او كلام او نحو ذلك. فانه من سوء الادب في المجلس واعظم ذلك ما بلي به الناس من الاقبال على الهواتف الجوالة في مجالس العلم والتحدث مع المتصل والانصراف عن الشيخ وهو يتحدث فان ذلك سوء ادب شديد وفيه قلة ديانة واستخفاف بالعلم. فان مجلس العلم مجلس عبادة وصدق الديانة الجلوس فيه تقربا الى الله سبحانه وتعالى واحتسابا للاجر عليه ورغبة في ازدياد الهدى والايمان. واذا انصرف الانسان الى حديث الدنيا كان ذلك علامة على ضعف اقباله على ما يهمه من دينه وانشغاله بحديث يمكن ان يرجئه فان الهواتف الجوالة اتذهب اتصالاتها بل تبقى ارقامها فيمكن ان يستدرك الانسان ذلك واشد ما يكون ذلك قبحا اذا كان العلم الملقى في المجلس هو عبادة محققة كقراءة قرآن او حديث النبي صلى الله عليه وسلم فاذا كان المقروء هو من كلام الله تعالى ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم فان الانصراف عنه علامة على ضعف الديانة ولما لم يعرف الناس حقيقة مجالس العلم وانها لا تراد لاجل اخذ معلومات وانما تراد بالتقرب الى رب الارض والسماوات فان الناس يتفاوتون فيما يصيبون من المعلومات كما ان الاشياخ يتفاوتون في حظوظهم من ذلك. لكن من جاء بهذه النية وصلح قصده الاجر العظيم من الله وان لم يكن عالما ولا تخرج في عداد المعلمين المفيدين للناس وربما كان حظه في اجره من المجلس اعظم من حظ من اخذ معلومات اكثر منه ثم قال واذا لم يسمع كلام الشيخ لبعده عنه او لم يفهمه مع الاصغاء اليه والاقبال عليه فله ان اسأل الشيخ اعادته او تفهميمه بعد بيان عذره بسؤال لطيف اي اذا كان عيدا فلم يسمع كلام الشيخ او لم يفهم مع كونه مسقيا فله ان يسأل الشيخ اعادته او تفهميمه بعد بيان عذره بسؤال لطيف ولا يكون سؤالا جافا كان يقول الانسان لشيخه هذا الذي تتكلم به لا يصلح لعقولنا فان مثل هذا من اسباب الحرمان فانه لا يكون ذلك غالبا من علة في كلام المعلم بل من علة في عقل المتعلم فلا ينبغي ان يخبر عن مقدار عقله ولكن يأتي بعبارة لطيفة كأن يقول لشيخه لم يكمل فهم هذه المسألة لي او هذه مسألة غير واضحة لي فلو ابنتم عنها مرة ثانية احسن الله اليكم او نحو ذلك من المسائل وقد هيأ الله سبحانه وتعالى باخرة من الاسباب ما يمكن ان يعيد به الانسان المعلومات التي تكونوا في الدرس وهي الات التسجيل. فللإنسان اذا فاته شيء من الشيخ لم يفهمه ان يعيد مرة وثانية وثالثة حتى يفهمه. فان مع الاعادة حصول الافادة. وقولنا ان هذه الاعادة انما تفي معرفة المعلومات للتنبيه على ان ما فات من العلم ومجالسه لا يعوض كما قال المصنف رحمه الله تعالى فان الانسان اذا اخذ الدرس مسجلا فلا يظنن ان انه اصاب ما اصابه من حظر الدرس فان الحاضرين في مجلس الدرس اصابوا الجلوس في بيت من بيوت الله وانت تجلس في بيتك وشتان بين قدر بيت الله وبين قدر بيتك ولو كان قصرا مشيدا. ثمان حضرتهم الملائكة واصابهم حظ من الخشية والسكينة والرحمة باجتماعهم كما في الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وانت لا يكون لك حظ من ذلك لانه لا يحصل لك اجتماع باحد وانما تسمع صوت محفوظا مسجلا. فالذين يقولون ان اشرطة التسجيلات صارت وافية بالمراد من العلم. وانه ولا يحتاج الانسان ان يذهب الى المساجد وجعلوا من جنس هذا الجلوس وراء شاشات الانترنت فان هؤلاء بمن عن حقيقة قصد الشريعة في جعل العلم في بيوت الله سبحانه وتعالى لما في ذلك من التقرب الى الله عز وجل بهذه العبادة واحراز الخشية والسكينة والرحمة وحث الملائكة التي لا تكون في غيرها. وينبغي على الانسان ان يلزم غرز من كان قبله وان يقتدي بطريقة الماضيين فان دين الاسلام لا تغيره الايام والهدي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم واكمل الهدي واحسنه واصلحه ومن ظن انه يدرك شيئا يطلبه بغير هدي النبي صلى الله عليه وسلم فانه لا ينال ذلك. ولو كانت هذه الاشياء وافية كفيلة المراد لكانت ذلك من ايات النبي صلى الله عليه وسلم. ولا كان ايتاؤها النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالته اولى من ايتائها من بعده فانه لو كان ذلك نافعا لكانت الارض تكشف للناس فيرون النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعونه اذا تحدث وتكلم لكن لما كان الحضور الى مجالس العلم وابتغاء الدين لا يكون احرازه الا بها بقي هذا الاصل محفوظا مقررا في الشريعة. قل الناس او كتروا اقبلوا او ادبروا. اخذوا او تركوا فان النبي وليس معه احد. فمن جلس لتعليم الناس في المساجد هو خير ممن جلس وراء الشاشات. او الانترنت او بقصد افادة الناس فان افادتهم بمثل هذا قليلة كليلة عليلة. اما افادتهم بالجلوس في المساجد فانها نافعة ولو كان الجالس وقد كان نافع مولى عبد الله ابن عمر يجلس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر فلا يجلس اليه الا ما لك بن انس رحمه الله فبقي علم نافع محفوظا في دواوين الاسلام من طريق ما لك بن انس بل صارت هذه الرواية وهي نسخة مالك ابن انس عن نافع مولى عبد الله ابن عمر عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنه من صحن الاسانيد عند كثير من اهل العلم. مع ان نافعا كان اذا جلس جلس اليه واحد النفوس الصادقة التي تحتمل ان تجلس فلا يجلس اليها الا واحد. ولكن هذا يحتاج الى جهاد والعلم بان تبليغ دين الله سبحانه وتعالى هو من اعظم ابواب اداء ميراث النبوة الذي تركه النبي صلى الله عليه وسلم اسأل الله سبحانه وتعالى ان يعيننا جميعا على بلاغ دينه ونصرته وهذا اخر البيان على هذا الكتاب وبالله التوفيق