السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات وتعبدنا به طول الحياة الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وسلم عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التقديم. اما بعد فهذا الدرس السابع والعشرون في شرح الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الثانية احدى وثلاثين بعد الاربعمائة والالف واثنتين وثلاثين بعد اربعمائة والالف. وهو كتاب تذكرة السامع والمتكلم للعلامة محمد بن ابراهيم بن جماعة رحمه الله ويليه الكتاب التاني وهو بلوغ القاصد جل المقاصد. في العلامة عبدالرحمن بن عبدالله البعلي رحمه الله. ويليه الكتاب وهو فتح الرحيم الملك العلام للعلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله. وقد انتهى من البيان في الكتاب الاول الى قوله رحمه الله تعالى في الفصل الثالث من الباب الثالث في اداب المتعلم في درسه وحلقة قراءته الثاني احذر في ابتداء امره من الاشتغال في الاختلاف. نعم. احسن الله اليكم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقال ابن جماعة رحمه الله تعالى الثاني ان يحذر في ابتداء امره من الاشتغال في الاختلاف بين العلماء او بين الناس مطلقا في العقليات والسمعيات. فانه يحير الدهن ويدهش العقل بل يتقن اولا كتابا واحدا في فن واحد او كتبا في فنون ان كان يحتمل ذلك على طريقة واحدة يرتضيها له شيخه. فان كانت طريقة شيخه نقل المذاهب والاختلاف ولم يكن له رأي واحد قال الغزالي فليحذر منه فان ضرره اكثر من النفع به. وكذلك يحذر في طلبه من المطالعات في تفارق المصنفات فانه يضيع زمانه ويفرق ذهنه بل يعطي الكتاب الذي قرأه او الفن الذي يأخذه كليته حتى يتقنه وكذلك يحذر من التنقل من كتاب الى كتاب من غير موجب فانه علامة الضجر وعدم الفلاح اما اذا تحققت اهليته وتأكدت معرفته فالاولى الا يدع فنا من العلوم الشرعية الا نظر فيه. فان ساعده القدر طول العمر على التبحر فيه فذاك والا فقد استفاد منه ما يخرج به من عداوة الجهل بذلك العلم ويعتني من كل فن بالاهم فالاهم ولا يغفلن عن العمل الذي هو المقصود بالعلم. الثالث ان يصحح ما يقرأه قبل حفظه تصحيحا متقنا. اما على او على غيره ممن يعينه ثم يحفظه بعد ذلك حفظا محكما. ثم يكرر عليه بعد حفظه تكرارا جيدا. ثم يتعاهده في اوقات يقررها لتكرار مواضيعه ولا يحفظ شيئا قبل تصحيحه لانه يقع في التحريف والتصحيف وقد تقدم ان العلم فيؤخذ من الكتب فانه من اضر المفاسد. وينبغي ان يحضر معه الدواة والقلم والسكين للتصحيح. ويضبط ما يصححه لغة واعراض واذا رد الشيخ عليه لفظة وظن ان رده خلاف الصواب او علمه كرر اللفظة مع مع ما قبلها ليتنبه لها الشيخ او يأتي بلفظ الصواب على سبيل الاستفهام. فربما وقع ذلك سهوا او سبق لسان لغفلة. ولا يقل بل هي كذا بل يتلطف في تنبيه الشيخ لها فان لم يتنبه قال فهل يجوز فيها كذا؟ فان رجع الشيخ الى الصواب فلا كلام والا ترك تحقيقها الى مجلس اخر بتلطف لاحتمال ان يكون الصواب مع الشيخ وكذلك اذا تحقق خطأ الشيخ في جواب مسألة لا يفوت تحقيقه ولا يعسر تداركه فان كان كذلك كالكتابة في لقاع الاستفتاء وكون السائل غريبا او بعيد الدار او مشنعا تعين تنبيه الشيخ على في الحال باشارة او تصريح فان ترك فان ترك ذلك خيانة للشيخ فيجب نصحه بتيقظه لذلك بما امكن من تلطف او واذا وقف على مكان كتب قبالته بلغ العرض او التصحيح. الرابع ان يبكر بسماع الحديث ولا يهمل الاشتغال به وبعلومه والنظر في اسناده ورجاله ومعانيه واحكامه وفوائده ولغته وتواريخه. ويعتني اولا بصحيحه البخاري مسلم ثم بقية كتب الاعلام ثم ببقية الكتب الاعلام والاصول المعتمدة في هذا الشأن كموطأ مالك وسنن ابي داوود والنسائي وابن ماجة وجامع الترمذي ومسند الشافعي ولا ينبغي ان يقتصر على اقل من ذلك ونعم المعين للفقيه السنن الكبير لابي بكر البيهقي ومن ذلك المسانيد كمسند احمد بن حنبل وابن حميد والبزار ويعتني بمعرفة صحيح الحديث وحسنه ومسنده ومرسله وسائر انواعه فانه احد جناحي العالم بالشريعة والمبين للكثير من الجناح الاخر وهو القرآن ولا يقنع بمجرد السماع كغالب محدثي هذا الزمان بل يعتني بالدراية اشد من اعتنائه بالرواية. قال الشافعي رضي الله عنه من نظر في الحديث قويت حجته ولان الدراية هي المقصود بنقل الحديث وتبليغه. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادابا اخرى من اداب المتعلم في دروسه وقراءته في الحلقة. وما يعتمده مع شيخه ومع اقرانه فيها. فذكر رحمه الله تعالى الادب الثاني ونبه فيه الى انه ينبغي للمتعلم ان يحذر في ابتداء امره من الاشتغال في الاختلاف بين العلماء او بين الناس مطلقا في العقليات والسمعيات. فابتداء التعلم بمعرفة الاختلاف يؤدي الى التلاف ووجه ذلك كما ذكر المصنف قوله فانه يحير الذهن ويدهش العقل. فان الانسان اذا دخل في امور لا يعقل معاقدها ولا يعرف مواردها ولا يمكنه ان يفهم بيسر منازع المتكلمين فيها حار عقله في ذلك وربما فسدت فطرته. ثم قال رحمه الله تعالى مبينا ما ينبغي بل يتقن اولا كتابا واحدا في فن واحد او كتبا في فنون ان كان يحتمل ذلك على طريقة واحدة يرتضى له شيخه ومراده بقوله على طريقة واحدة اي على قول واحد يتبين منه مقصود ذو المتكلمين في هذه الفنون فلا حاجة للانسان في المبتدأ الا الى فهم العلم. واما عقل خلافات اهله والترجيح بينها فانه لا حاجة له فيها في هذه السن لانه لا يمكن له ان يضبطها ولا ان يعرف مواردها ومن يظن من المبتدئين انه اذا القي اليه شيء من هذا ادركه فليس المقصود من العلم مجرد الادراك التصوري ولكن المقصود منه معرفة منازع هذه المسائل. فان كثيرا من المتكلمين في مسائل الخلاف لا يعقلون منزع المسألة وقد تكون صورة الخلاف لفظية لا حقيقية او يكون مورد الخلاف مختلفا بين المتكلمين فربما اخذ المتعلم هذا الاختلاف الذي لا حقيقة له وظنه صوابا ولا مكنة له على فهمه فاثر ذلك في علمه ورب ما اثر في عقله لان جمع العقل في مبتدأ الامر على شيء واحد اقوى له فان حديد الذهن قوي العقل هو الذي يبتدأ بالامور شيئا فشيئا فان الابتداء بالممكن ينقلك الى الامكن. واما الابتداء بالمستصعب فان يكل ذهنك ويعطل قوتك. والذي يشتغل بامور تضعف العقول عن ادراكها في المبتدأ يضعف عقله. كالذي يريد ان يروض بدنه على حمل شيء ثقيل فيبتدأ اول ما يحمل الاشياء الثقيلة جدا فيضعف عن حملها كل من ذلك وربما تركت ترك تلك الرياضة. اما الذي يأخذ بحمل الاثقال شيئا فشيئا فيبتدأ بثقل خفيف ثم يرتفع الى ما فوقه ثم يرتفع الى ما فوقه فانه يمكن لقواه البدنية ان ترفع تلك الاثقال. والعقل نظير ذلك فانه اذا ابتدأ بالشيء اليسير الممكن استطاع العقل ما بعده. واما اذا هجم العقل على ما هو ثقيل عليه فانه يضعف ويعجز عنه وربما انقطع منه ثم قال فان كان طريقة شيخه نقل المذاهب والاختلاف ولم يكن له رأي واحد اي في مبتدأ التعليم. قال اي في الاحياء فليحذر منه فان ضرره اكثر من النفع به. لان هذا كما سبق يشوش العقل ويقل الدهن فتذهب منفعة التعليم منه ثم قال وكذلك يحذر في فداء طلبه من المطالعة في تفريق المصنفات فانه يضيع زمانه ويفرق ذهنه بل يعطي الكتاب الذي قرأه او الفن الذي يأخذه كليته حتى يتقنه اي يقبل عليه اقبالا شديدا لا يشتغل معه بغيره. لان تفريق الذهن على فنون متنوعة ومصنفات مختلفة يضيع الزمن ويفرق الذهن كما قال المصنف رحمه الله تعالى ثم قال وكذلك يحذر من التنقل من كتاب الى من غير موجب فانه علامة الضجر وعدم الفلاح. فان الانسان اذا ابتدأ شيئا ينبغي له ان يستتمه لانه اذا تركه الى غيره طمين ان يترك ما انتقل اليه الى غيره ثم يترك ما انتقل اليه ثانية الى غيره وهلم جرا فلا يدرك من ذلك شيئا ثم قال اما اذا تحققت اهليته وتأكدت معرفته فالاولى الا يدع فنا من العلوم الشرعية الا نظر فيه لان العلوم الشرعية اخذ بعضها بزمام بعض. كما قال الزبيدي رحمه الله تعالى في الفية السند فان انواع العلوم تختلط وشرطها بشرط بعظ مرتبط. وقال ابن الوردي رحمه الله الله تعالى في ابيات له من كل فن خذ ولا تجهل به. فالحر مطلع على الاسرار. فالذي ينبغي ان يقتبس طالب العلم منه في اخذه للعلم ان يلتمس من كل فن مختصرا يتقنه ويفهمه ثم قال فان ساعده القدر وطول العمر على التبحر فيه فذاك والا فقد استفاد منه ما يخرج به من عداوة الجهل بذلك العلم. لان الامر كما قال خالد البرمجي من جهل شيئا انكره وعاداه فان الانسان اذا جهل شيئا صار منكرا له معاديا لاهله فاذا قل علم الانسان بعلم من العلوم المتداولة سواء ما يرجع الى الشرعيات او اللغويات او العقليات فانه بجهله به بخلاف من اخذ منه ولو بطرف يسير فانه يعرف قدر ذلك العلم ويحفظ حرمته. ثم قال من كل فن بالاهم فالاهم ولا يغفلن عن العمل الذي هو مقصود بالعلم. فالانسان يقدم في اخذه للعلوم البداءة بالمهمات. لان العمر يعجز عن استيعاب الكل والعاقل يبدأ بالاهم. كما قال آآ بعض اهل العلم في بيت طيار وقدم الاهم ان العلم جم طيف زار او ضيف الم. وقال ابن معطي في مقدمة الفيته في النحو وابدأ بما هو الاهم فالاهم فالحازم البادئ فيما يستتم. وقال حافظ الحكمي في احدى منظوماته من المهم ابدأ لتتقنه. اي قدم المهمات لتتقن ما يلزمك من العلوم التي تتعلق بعبادتك وعقيدتك وبقية امرك الذي تكون فيه. فاذا بدأ الانسان بالمهمات المعظمة فليعتني بالعمل بما تعلم فان العلم وان كانت له لذة في ذاته وهو من مطلوبات النفوس المستقيمة فان وعد منه ان يعمل الانسان بعلمه. ثم ذكر رحمه الله تعالى الادب الثالث فقال اي يصحح ما قبل حفظه تصحيحا متقنا الى اخر هذه الجملة التي ذكر فيها المصنف رحمه الله تعالى ان المحفوظ يكون اخذه برعاية اربعة امور. اولها تصحيحه تصحيحا متقنا على شيخه او على غيره ممن يتقنه. والثاني ان حفظا محكما. والثالث ان يكرره بعد حفظه تكرارا جيدا ان على من عرضه تصحيحا عليه. والرابع ان يتعاهده في اوقات اقررها فيرجع اليه مرة بعد مرة. فهذه الامور الاربعة هي التي يقوم عليها الحفظ وفاتحتها ان تصحح ما تقرأه تصحيحا متقنا. وذلك التصحيح يكون على من تأخذه عنه اما على شيخك الذي تتلقى عنه او على قرين عارف به. فاذا صححته تصحيحا متقنا فانك بعد ذلك تحفظه حفظا محكما اي راسخا ثابتا لا تتلجلج ولا تتشكك فيه فاذا حفظته حفظا محكما فانه ينبغي ان تكرره على من صححته عليه تكرارا جيدا ومن يكتفي بالحفظ على نفسه فقد فاته ربع القدرة على الحفظ فان الانسان اذا نقل محفوظه من صدره الى مسموع اخر كان ذلك ارسخ بمحفوظه فاذا حفظ شيئا فانه ينبغي له ان يعرضه على اخر ليكون ذلك ارسخ لمحفوظه ثم بعد ذلك يتعاهده في يجعلها لمراجعة المحفوظ ولا يهمله سواء جعل ذلك في شهره مرة او في سنته مرة واحدة ووقت ذلك توقيتا متقنا بحسب ما يصلح لامره وقد بينا الطريقة النافعة في ذلك نذكرها ان شاء الله تعالى في موطن اخر. ثم نبه رحمه الله تعالى انه لا ينبغي ان يحفظ شيئا قبل تصحيحه لانه يقع في التحريف والتصحيف واذا لصق الشيء بالدهن فان اخراجه منه يعسر وكم من شيء بين الناس على وجه الغلط لانهم حفظوه قبل تصحيحه. فان كثيرا من الناس مثلا اذا ذكروا بشرا صاحب المقالة المشهورة من الجهمية قالوا قال بشر المريسي وليس اسمه كذلك وانما هو مخفف بشر المريسي كما ذكر ذلك ابن ناصر الدين والذهبي رحمهما الله تعالى لا واسوأ ما يكون ذلك في المحفوظات من المتون المعتمدة فان الانسان اذا حفظ المتن على وجه يغلط فيه اضر ذلك بفهمه وعلمه. كقول بعض المشتغلين بعلم العربية ممن يحمل درجة الدكتوراة فيها ذاكرا بيتا من الفية ابن مالك في المعرب والمبني قال ومعرض الاسماء ما قد سلم من ايش؟ من شبه الحرف كارض وسما والشراح يقولون كهدى لغة في الاسم فهو قال كارظ وسما فلما رجع فيها ذكر ان الارض يقابلها السماء فهي المناسبة للبيت ولو انه رجع لابن عقيل او غيره من شروح الالفية لاتضح له المقصود ولكن اخذ العلم عن غير اهله وعدم عرظ المتون على اهلها العارفين بها يوقع في مثل هذا بل اشد من ذلك ولذلك قال المصنف وقد تقدم ان العلم لا يؤخذ من الكتب فانه من ضري لمفاسد وصدق رحمه الله تعالى فان اخذ العلم من الكتب يفسد اديان الناس وان من المتكلمين اليوم في مسائل الدين على غير هدى سواء من المتشرعة او ممن ينسب الى مذاهب النفاق كان مبتدأ امره اخذه للعلم عن الكتب. فاني عرفت منهم رجالا كانوا يذكرون بحرصهم على العلم يوصفون بانهم قد اغلقوا ابواب مكتباتهم عليهم فهم يقرأون في الكتب فما هي الا بضعة عشر سنة حتى خرجوا على الامة من مكتباتهم بشر عظيم. يقولون في الدين بغير علم ويتكلمون بلا روية ولا هدى ويضلون ويضلون. وما هذه الا من اثار اخذ العلم عن غير اهله. فلها مفاسد عظيمة من اعظمها افساد الاديان واذا اردت ان تميز الناس فاعتبر قول عبد الله ابن عون رحمه الله تعالى لا يؤخذ العلم الا من عرف بالطلب اي باخذه عن مشايخه. واما الذين يأخذون العلم من الكتب فان العلم لا يؤخذ عنهم لان فاسد ذلك عظيمة وشواهد الايام صادقة في ايضاح هذا الامر. ثم قال رحمه الله وينبغي ان يحضر معه الدواة والقلم والسكين للتصحيح ويضبط ما يصححه لغة واعرابا اي ان يحظر الالة التي يحتاج اليها في تصحيح ما قد يعرض وتصحيحه ومن ذلك الدواء والقلم والسكين التي يبرى بها القلم حتى اذا احتاج الى ذلك وجدها عنده فاستعان بها على اصلاح قلمه وصحح ما ينبغي تصحيحه لغة واعرابا. وذكره رحمه الله تعالى للغة فيه اشارة الى اهميتها فان من يريد ان يحفظ شيئا ينبغي له ان يعتني بوجهه اللغوي كما يعتني بوجهه النحوي فاذا عرفت انه مرفوع او منصوب او مجرور من جهة الحكم الاعرابي فينبغي ان تعرف وجوه العربية فيه لان تحكم بالغلط على الصواب فان قصور علم بعض الناس في العربية حملهم على تغطية بعض الوجوه المعروفة عند العرب فاذا اراد ان يحفظ الانسان شيئا ينبغي له ان يعتني بمعرفة اللغة فيه واكد ذلك الاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال رحمه الله واذا رد الشيخ عليه لفظة وظن ان رده خلاف الصواب او علمه كرر اللفظة مع ما قبلها ليتنبه لها الشيخ او يأتي بلفظ الصواب على سبيل استفهام فربما وقع ذلك سهوا او سبق لسان لرفع ولا يقل بل هي كذا بل يتلطف في تنبيه الشيخ لها. فان لم يتنبه قال فهل يجوز فيه كذا الى اخر ما ذكروا وهذه الجملة فيها بيان كيفية تنبيه الشيخ الى ما يجري عليه بمقتضى الطبيعة البشرية والجبلة انسانية فان الانسان مطبوع على الغفلة والسهو والنسيان. فاذا وقع منه شيء من ذلك حسن تنبيهه على احد التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى بحسب ما يناسب المقام الذي وقعت فيه تلك الغلطة ثم قال ذلك اذا تحقق خطأ شيخه في جواب مسألة لا يفوت تحقيقه ولا يعسر تداركه فان كان كذلك كالكتابة في لقاء الاستفتاء وكون السائل غريبا او بعيد الدار او مشنعا تعين تنبيه الشيخ على ذلك في الحال باشارة او تصريح. اي ان نظيره وتصحيح ما اخطأ فيه الشيخ في عرض المحفوظ عليه نظيره كذلك تصحيح خطأه في جواب مسألة لا يفوتها تحقيقه ولا يعسر تداركه فانه يأخذه بلطف على الوجوه المتقدمة. اما ان كان الامر يفوت ويعسر تداركه كالكتابة في لقاء الاستفتاء اي في اوراق الاستفتاء التي كانت تعرض على العلماء او كان السائل غريبا او عيد الدار سيرحل او مشنعا يتطلب سقطات شيخه وهفواته تعين تنبيه الشيخ على ذلك في الحال باشارة او تصريح بان لا يخرج منه شيء يشتهر عنه على وجه الغلط ثم قال فان ترك ذلك خيانة للشيخ فيجب نصحه بتيقظه بذلك بما امكن من تلطف او غيره فهو نصيحة له وللمسلمين. ثم قال واذا فعلى مكان اي في عرض الكتاب الذي يعرضه على شيخه كتبالته اي مقابلا له بلغ العرض او التصحيح ويذكر مع هذا تاريخ ما انتهى اليه العرض فاذا انتهى من مجلس من مجالس العرض او التصحيح كتب بلغ او بلغ العرض او بلغ التصحيح ثم كتب بعد ذلك تاريخه ليحفظه مع الايام فان الانسان يذهل وينسى عما يريد. ثم ذكر رحمه الله تعالى الادب الرابع وهو التبكير بسماع الحديث وعدم اهمال الاشتغال به وبعلومه لجلالة رتبة الحديث فانه احد جناحي العالم كما ذكر المصنف وفيما يستقبل من كلامه ونبه رحمه الله تعالى الى ما ينبغي ان يعتني به من كتب الحديث وعمدها وهي اصول الاسلام من الصحيحين وبقية الكتب المعظمة في هذا الشأن كالموطأ وسنن ابي داوود والنسائي وابن ماجة وجامع الترمذي ثم ذكر رحمه الله تعالى مسند الشافعي باعتبار كونه شافعيا وكل اتباع امام من الائمة المتبوعين يذكر مسند امامه تعظيما له. فان الحنفية يذكرون مسند ابي حنيفة وان الشافعية يذكرون مسند الشافعي وهذان الكتابان بمراحل دون موطأ الامام مالك ومسند الامام احمد فان مالك ومسند الامام احمد مقدمان على هذين المسندين المنسوبين الى ابي حنيفة والشافعي رحمهم الله تعالى وهما من استخراج بعض اصحابهما بخلاف موطأ مالك ومسند الامام احمد فانهما من وضع الامامين رحمهم والله تعالى وعمدة كتب الحديث هي الكتب الستة وورائها موطأ الامام مالك ورأى موطئ الامام ما لك ثلاثة كتب هي سنن الدارمي ومسند احمد بن حنبل والسنن الكبرى للبيهقي فهذه هي الكتب العشرة المعظمة عند اهل الحديث. وقد ذكر المصنف عاشرها فقال ونعم المعين للفقيه كتاب السنن الكبير لابي بكر البيهقي وهذا كتاب عظيم. كثرت الاشادة به وعده من اصول العلم كما ذكر ذلك الذهبي رحمه الله تعالى في سير اعلام النبلاء ثم ارشد بعد ذلك الى ان المشتغل بمعرفة ينبغي له ان يعتني بمعرفة صحيحه وحسنه وضعيفه ومسنده ومرسله وسائر انواعه اي المذكورة في علم الاصطلاح. فان اهل الحديث يضع اصطلاحا بينوا فيه مقاصد هذه الانواع وغيرها من انواع علوم الحديث. والى ذلك العراقي رحمه الله تعالى في الفيته اذ قال واقرأ كتابا في علوم الاثر كابن الصلاح اوكد المختصر ان يقرأ كتابا في مصطلح اهل الحديث ككتاب للصلاح او كمختصره وهو الالفية ثم بين اهمية ذلك وقال فانه احد جناحي العلم بالشريعة والمبين للكثير من الجناح الاخر وهو القرآن ثم قال ولا يقنع بمجرد للسماع كغالب كغالب محدث هذا الزمان بل يعتني بالدراية اشد من اعتنائه بالرواية واذا كان هذا يقال في الزمن الاول ممن اتصفوا بامرين احدهما انهم محدثون والثاني ان السماع حينئذ فيه مصلحة ظاهرة وهي ضبط النسخ وحفظها من الادخال في فان القول حينئذ في هذه الازمان اشد واشد. فلا ينبغي ان يجعل الانسان نفسه ذا رواية مزعومة كما يسميها المتأخرون بل ينبغي ان يشتغل بفهم العلم على الوجه الاتم فان معرفة العلم ودرايته وفهمه هي الامر المأمور به في هذه الاعصاب. واما قراءة كتب الحديث السماع الذي كانت عليه طريقة الاوائل فانه امر قد طوي بساطه منذ اكثر من خمسمائة سنة واحياء ليس على هذه الطريقة التي راجت اليوم. وقد ذكر اهل العلم طريقة احياءه كما وقع ذلك في كلام ولي الله الدهلوي وغيره وحاصل ما ذكروه انه تنبغي قراءة كتب الحديث مع العناية بظبطه وفق ما ذكر الشراح فانه لا سبيل الى ضبطه بالنسخ. وصدقوا رحمهم الله تعالى. ولذلك تنبغي قراءته مع التنكيت عليه بنكت تبين مهماته. وعلى هذا كانت طريقة اهل العلم الى هذا العصر الذي احدث فيه بعض الناس ما احدث مما لا يصلح الا لعالم. فاذا كان ثم عالم يقرأ على عالم على السماع المجرد فهذا يصلح واما الناس كافة فانه لا تصلح لهم القراءة على هذه الطريق. ونبين ذلك ان شاء الله تعالى في محله اللائق على الوجه اوفى لكن المقصود الا يغتر الانسان بالامور التي تحدث فيضيع وقته فيها بل ينبغي ان يسيرا على طريقة من سبق فان طريقة من سبق فيها السلامة والامان. واما ما يحدثه الناس من رسوم واحوال لمن قبلهم فاعلم انه لا خير فيها. حتى صار الناس اذا وجدوا احدا عنده اجازة سموه محدثا. وهو من الحديث علي بالكلية وربما لا يفهم الفرق بين المرسل والمسجد والمرفوع والمقطوع وهذا امر واسع كثير لان الاجازة عند المتأخرين صار فيها ضعف لغلبة ضياع رسوم العلم على الناس وعدم فهمهم له على وجه التحقيق وذكر هذه الشكوى من المتأخرين الزبيدي رحمه الله تعالى في معجمه وهذا اخر تقرير والبيان على هذه جملة الكتاب وبالله التوفيق