السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات وتعبدنا به طول الحياة الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وسلم ما عقد المجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التقديم. اما بعد فهذا درس الثامن والعشرون بشرح الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الثانية احدى وثلاثين بعد الاربعمائة والالف واثنتين الدين بعد الاربعمائة والالف. وهو ختام تذكرة السامع والمتكلم للعلامة محمد بن ابراهيم بن جماعة رحمه الله الكتاب الثاني وهو بلوغ المقاصد جل المقاصد العلامة عبدالرحمن بن عبدالله البعلي رحمه الله. ويليه الكتاب التاج وهو فتح الرحيم العلام العلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله. وقد انتهى من البيان في الكتاب الاول الى الادب في الفصل الثالث من الباب الثالث في اداب المتعلم في دروسه وقراءته في الحلقة. نعم. احسن الله اليكم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقال العلامة ابن رحمه الله تعالى الخامس اذا شرح محفوظاته المختصرات وضبط ما فيها من الاشكالات والفوائد المهمات انتقل الى بحث مع المطالعة الدائمة وتعليق ما يمر به او يسمعه من الفوائد النفيسة والمسائل الدقيقة والفروع الغريبة وحل المشكلات والفرق بين احكام متشابهات من جميع انواع العلوم ولا يستغل بفائدة يسمعها او يتهاون بقاعدة يضبطها فليبادر الى تعليقها وحفظها ولتكن همته في طلب العلم عالية فلا يكتفي بقليل العلم مع امكان كثيره. ولا يقنع من اجز الانبياء ولا يؤخر تحصيل فائدة تمكن منها او يشغله الامل والتسويف عنها فان للتأخير افات ولانه اذا حصلها في الزمن الحاضر حصل في الزمن الثاني غيرها. ويغتنم وقت قرابه ونشاطه وزمن عافيته وشرح شبابه ونباهة خاطره وقلة شواغله قبل عوالم البطالة او موانئ الرئاسة. قال عمر رضي الله عنه تفقهوا قبل ان تسودوا. وقال الشافعي تفقه قبل ان ترأس فاذا رأست فلا سبيل الى التفقه. وليحذر من نظره وليحذر من نظره نفسه بعين الكمال والاستغناء عن المشايخ ان ذلك عين الجهل وقلة المعرفة. وما يفوته اكثر مما حصله. وقد تقدم قول سعيد ابن جبير لا يزال الرجل عالما ما تعلم فاذا ترك التعليم وظن انه قد استغنى فهو اجهل ما يكون. واذا كملت اهليته وظهرت فضيلته ومر على اكثر كتب الفن او المشهورة منها بحثا ومراجعة ومطالعة اشتغل بالتصنيف وبالنظر في مذاهب العلماء سالكا طريق الانصاف فيما يقع له ومن الخلاف كما تقدم في ادب العالم. السادس ان يلزم حلقة شيخه في التدريس والاقراء بل وجميع مجالسه اذا امكن فانه لا يزيده الا خيرا وتحصيلا وادبا وتفضيلا. كما قال علي رضي الله عنه في حديثه المتقدم. ولا يشبع من طول صحبته فانما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء. ويجتهد على مواظبة خدمته والمسارعة اليها فان ذلك فيكسبه شرفا وتبجيلا ولا يقتصر في الحلقة على سماع درسه فقط اذا امكنه فان ذلك علامة قصور الهمة وعدم الفلاح وبطء بل يعتني بسائر الدروس المشروحة ضبطا وتعليقا ونقلا ان احتمل ذهنه ذلك ويشأن كل درس منها له ولا عمري ان الامر كذلك للحريص فان عجز عن ابتنى بالاهم فالاهناه وينكر مواظب مجلس ما وقع فيهم سوى الضوابط والقواعد وغير ذلك وان وينبغي المذاكرة في ذلك عند القيام من مجلسه قبل تفرق اذهانهم وتشتت خواطرهم وشذوذ بعض ما عن افهامهم ثم يتذاكرونه في بعض الاوقات قال الخطيب وافضل المذاكرة مذاكرة الليل وكان جماعة من السلف يبتدئون في المذاكرة من العشاء فربما لم يقوموا حتى يسمعوا اذان الصبح. فان لم يجد الطالب من يذاكره ذاكر نفسه بنفسه كرر معنى ما سمعه ولفظه على قلبه ليعلق ذلك على خاطره فان تكرار المعنى على القلب كتكرار اللفظ على اللسان سواء بسواء وقل ان يفلح من اقتصر على الفكر والتعقل بحضرة الشيخ خاصة ثم يتركه ويقوم ولا يعاوده. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادابا يأخذ بعضها برقاب بعض متصلة بالاداب التي تنبغي لرعايتها في حلقة الدرس والاخذ عن الشيوع وخامس تلك الاداب في النسق العام للمعدود في هذا الفصل ما ذكره رحمه الله تعالى بقوله اذا شرح محفوظاته المختصرات. وفيه تنبيه على ان محل العناية بالحفظ كما سبق هو مختصرات والمتون الجامعة لعيون الفنون. فاذا شرح تلك المختصرات وضبط ما فيها من الاشكالات والفوائد المهمات انتقل الى ما ورائها وذلك الذي هو وراءها بحث المبسوطات مع المطالعة الدائمة وتعليق ما يمر به او يسمعه من الفوائد النفيسة الى اخر ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى. والى هذا المعنى اشار الزبيدي رحمه الله الله تعالى بقوله في الفية السند فما حوى الغاية في الف سنة شخص فخذ من كل فن احسنه بحفظ متن جامع للراجح تأخذه على مفيد ناصح ثم مع المدة فابحث عنه حقق ودقق ما استمد منه. فاشار الى ان البحث عن عويص المشكلات وما يحتاج اليه من الفوائد النفيسات والمسائل الدقيقات ينبغي ان يكون مؤخرا لا يشغب المرء على نفسه حال استشراحه بالسير معه فان الانسان اذا استرسل مع طلب ما تتطلع اليه نفسه من مشكلات المسائل مطولات البحوث العلمية ربما صرفه ذلك عن المقصود الاعظم وهو تفهم المتون التي يحفظها فلا ينبغي للانسان حال استشراحه المتون الا ان يكون شغله هو فهم تلك المتون التي استشرحها ثم اذا فرغ من ذلك انتقل بعد ذلك الى مرحلة تكون وراءها وهي مرحلة البحث في المبسوطات مع المطالعة الدائمة وتعليق ما يمر بالانسان او يسمعه من الفوائد النفيسة والمسائل الدقيقة وحل المشكلات والفروق بين احكام المتشابهات ثم قال المصنف رحمه الله ولا يستقل بفائدة يسمعها اي لا ينظر اليها بعين القلة بل يستكثرها فانه ارجى للانتفاع بها او يتهاون بقاعدة يضبطها فان التهاون بالمهم يؤدي الى ضياعه سواء كان في العلم او في غيره. وارشد المصنف الى ما ينبغي فعله فقال بل بادروا الى تعليقها وحفظها وفق ما يتفق له. فان وجد ظهر الكتاب صالحا لذلك قيده. وان لم يجده كذلك فوجد معه ورقة علق تلك الفائدة فيها. فلا ينبغي للانسان ان يهمل فائدة تمر به وتعلق بخاطره حتى ان يقيدها لان لا تضيع. لان التقييد اخراج للعلم من باطن القلب الى ظاهره. فاذا اجتمع اخذ العلم على الباطن والظاهر قوي ثبوته فيه. وكان ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في سجنه في القلعة اذا عرظت له فائدة في تفسير القرآن وكان منع الورق والاقلام كتبها بالفحم على جدار السجن. لتبقى هذه الفائدة امامه يستحضرها فيحفظها. فان الانسان اذا اخرج علمه من وعاء القلب وجعله في ورقة بقي اكثر حضورا امام ناظريه فثبت في قلبه ثم قال رحمه الله ولتكن همته في طلب العلم عالية فلا يكتفي بقليل العلم مع امكان كثيره الا يقنع من ارث الانبياء بيسيره ولا سيما اذا اتاه الله عز وجل الة كاملة قوية على اخذ العلم كان المتنبي ينشد ويقول ولم ارى في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام فمن اشد العيوب التي تلحقوا بالخلق من كانت له قدرة ثم ينزل بنفسه عما يستطيع ان يحتويه بهذه القدرة واذا كان هذا في طالب عامة فانه في ارث الانبياء اولى واكد فلا ينبغي ان يقنع الانسان من ارث الانبياء وهو العلم بشيء يسير مع القدرة على ما فوق ذلك ثم قال ولا يؤخر تحصيل فائدة تمكن منها او يشغله الامل والتسويف عنها فان للتأخير افات وربما يريد الانسان او يؤخر شيئا ثم يفوته ولا يمكنه استدراكه. وكان بعض السلف يقول ان سوف من جند ابليس اي ان من الجنود الابليسية التي تتسلط على الناس تسويفهم لانفسهم بادراك شيء فلا يزال الامل يتمادى بهم حتى يفوت ما املوه وارادوه ثم قال ولانه اذا حصلها في الزمن الحاضر حصل في الزمن الثاني غيرها فجمع الى تلك الفائدة فائدة اخرى في الزمن الذي كان ينتظره ثم قال مرشدا ويغتنم وقت فراغه ونشاطه وزمن عافيته وشرح شبابه اي اول به ونضارته ونباهة خاطره وقلة شواغله قبل عوارض البطالة او موانع الرئاسة لان الانسان تعرض له عوائد وقواطع فان لم يغتنم الفراغ والصحة والقدرة على الشيء ربما عسر عليه ان يحرزه اذا اراده. ومن ذلك ما صح عن عمر رضي الله عنه فيما علقه البخاري ووصله غيره انه كان يقول تفقهوا قبل ان تسودوا اي قبل ان تصيروا سادة لان الانسان اذا صار سيدا منع العلم باحد شيئين. اولهما الكبر فان من الناس من اذا استولى على منصب او رئاسة او جاه استكبر على العلم فلم يرظى لنفسه ان يجلس مع اخذيه لانه صار في مقام سيادة ورئاسة. فيمنعه الكبر الذي اعترى قلبه واعتلاه من اخذ العلم. والاخر قر شغله بهذه السيادة فان الانسان اذا صار سيدا مقدما يفزع اليه في رئاسة او منصب او جاهل او غير ذلك شغل بالاخذين عنه الفازعين اليه اللائذين به عن مزيد التفقه. فاذا سلم الانسان من بلية الكبر ربما عرظ له وارد القطع بالشغل بهذه السيادة التي صار فيها. وكان السلف رحمهم والله تعالى يكرهون ان يبادر الانسان الرئاسة لانها تشغل الانسان وتقطعه اما بكثرة متعلقاتها او ببلاء كبريائها فلا ينبغي للانسان ان يطلب الرئاسة حتى يتأهل لها تأهلا يرى انه في ذلك نفع للناس فاذا رأى ان له اهلية في العلم وان الناس ينتفعون برئاسته في العلم في تعليم او افتاء او غير ذلك انه يقدم عليه واما رئاسة الشباب فانه كما قال سفيان وغيره اذا ترأس الحدث فاته علم ومن ذلك قول الشافعي رحمه الله تفقه قبل ان ترأس فاذا رأست فلا سبيل الى التفقه اي للامرين السابق ذكرهما ثم وقال وليحذر من نظره نفسه بعين الكمال والاستغناء عن المشائخ فان ذلك عين الجهل وقلة المعرفة وما يفوته اكثر مما مفصلة لان الانسان يبقى محتاجا الى العلم متجددا معه حتى يتوفاه الله عز وجل. وكان امام احمد رحمه الله تعالى مرة يجري مع اصحاب الحديث فقال له رجل من العامة يا ابا عبد الله الى متى تجري مع هؤلاء فقال رحمه الله تعالى الى الممات. وسئل مرة متى الفراغ يا ابا عبد الله؟ اي من طلب العلم علم فقال لا فراغ الا في الجنة. فاخذ العلم على الحقيقة دائم الصلة باخذ العلم والاقتباس عن العلماء ولا انفكوا عن صحبتهم مهما بلغ سنه او قدره في العلم لان هؤلاء العلماء هم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم ومن فاته صحبة النبي صلى الله عليه وسلم فليصحب مراته. وكان علماؤه هذا البلد الى زمن قريب ترى ان دميهم ومعظميهم لا يزالون يحضرون بعض الدروس عند اكبر العلماء. وقد كان العلامة ابن باز رحمه الله تعالى احضروا درسه في يوم الخميس جماعة من العلماء الاكابر سنا وعلما ممن جاز السبعين. وما ذلك الا لعلمهم ان ان افضل علم على الحقيقة يقتضي ان يرض الانسان دوما بالاخذ عن عالم مقدم يكون في ظله لان هذه هي اخذ العلم عن اهله. ثم اورد رحمه الله تعالى قول سعيد ابن جبير الذي تقدم لا يزال الرجل عالما ما تعلم فاذا ترك التعليم وظن انه قد استغنى فهو اجهل ما يكون لان من ظن نفسه عالما فهو جاهل لان العلم بحر لا ساحل له. كما قال الذهبي رحمه الله الله تعالى ثم قال واذا كملت اهليته وظهرت فضيلته ومر على اكثر كتب الفن او المشهورة الى قوله اشتغل بالتصنيف وبالنظر في مذاهب العلماء. وهذه مرتبة رابعة في اخذ العلم فانه قدم اولا حفظ ثم ثنى بعد باستشراحها ثم تلة بعد بالبحث في عويص مشكلاتها وشذورها المتفرقة ثم ختم بمرتبة رابعة هي من طرائق اخذ العلم وهي التصنيف فيه. لكن شرطه كما ذكر المصنف الله تعالى تبعا للخطيب البغدادي وغيره كمال الاهلية وظهور الفظيلة. فاذا كملت اهلية المرء في العلم وظهر فظله فيه فانه ينبغي له ان يشتغل بالتصنيف. لان التصنيف اعادة للعلم ونفع للخلق فان الانسان اذا صنف حفظ علمه بتكراره ونفع الخلق بما يبديه لهم من الفوائد. ثم ارشد رحمه الله تعالى الى ادب من اداب التأليف فقال سالكا طريق الانصاف فيما يقع له من الخلاف كما تقدم في ادب العالم والعلماء رحمهم الله تعالى صنفوا في اداب العلم ومتعلقاته ومن جملة ذلك اداب التأليف. فان لهم فيها مصنفات من اشهرها كتاب السيوط رحمه الله تعالى في اداب التأليف. ومن اخذ بالادب في التأليف نفع وانتفع. ومن خرج جاء عن ذلك اضر نفسه واضر بالمسلمين ومن اعظم اداب التأليف سلوك طريق الانصاف. ولهذا اختصر عليه مصنف مرشدا اليه فقال سالكا طريق الانصاف. والانصاف امره شاق. وليس شيئا تجري به الالسنة بل ان انصاف الانسان الخلق من نفسه شديد ثقيل عليها لان النفس مطبوعة على الظلم والجهل والمرء يريد ان يرى مكانه فان هذه جبلة ادمية. وخلقة انسانية لا يتخلص منها الا من وفقه الله سبحانه وتعالى ولعزة هذا قال الامام مالك رحمه الله تعالى الانصاف عزيز. قال ابن عبد الهادي تلميذ عباس ابن تيمية بعد نقله اياه اذا كان هذا في زمان مالك فكيف يكون الامر بعده؟ انتهى كلامه واذا كان هذا في زمان ابن عبد الهادي فكيف يكون الحال اليوم؟ ولكن الانسان اذا جاهد نفسه اقامة العبودية لله سبحانه وتعالى ولاحظ بعين الرعاية امر الله عز وجل ونهيه وفقه الله الى طريق الانصاف فان فرغ قلبه من هذه المعاني سلك الانسان بنفسه طريق الاعتساف. ومن لازم الانصاف فتح الله الله عز وجل له ينابيع الفهم في العلم فذاق من حلاوتها ما يحرمه المتعسفون في مقالاتهم في ابواب العلم ثم ذكر رحمه الله تعالى الادب السادس وفيه الارشاد الى ملازمة حلقة شيخه في التدريس والاقراء بل وجميع مجالسه اذا امكن لان ذلك لا يزيده الا خيرا وتحصيلا وادبا وتفضيلا. كما قال علي في حديثه المتقدم الذي رواه الخطيب في الجامع وغيره وفي اسناده انقطاع انه قال ولا يشبع من طول صحبته فانما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليه منها شيء فكل ما يصلك من العالم هو خير تنتفع به. وينبغي لطالب العلم ان يجتهد على في خدمته والمسارعة اليها فان ذلك يكسبه شرفا وتبجيلا. لان العالم وارث النبي فكما ان خدمة صلى الله عليه وسلم شرف للمرء وعز فكذلك خدمة العلماء شرف لمن خدمهم وعز لهم. والمراد بالخدمة ما لم يجعل الانسان نفسه في مقام ذل ومهانة. فان كمل العلماء لا يرضون بذلك من الناس ذلك ينبغي للمتعلم ان لا يجعل نفسه في مثل هذا. بل الصادق من العلماء يزجر الناس عن ذلك ولا يرضى في الا ما جرت العادة به مما لا ينزل الانسان نفسه فيه منزلة ذل ومهانة لان كمال الاخلاق مبني على سواء كان مع العالم او مع غيره. ومرد تقديرها الى العرف فما قدره العرف ذلا ومهانة فانه لا ينبغي للانسان ان يأخذ به وما لم يكن كذلك فان خدمة العالم به شرف وتبجيل. ثم قال ولا يقتصر في الحلقة على سماع درسه فقط اذا امكنه فان ذلك علامة قصور الهمة وعدم الفلاح وبطء التنبه بل يعتني بسائر الدروس المشروحة ظبطا وتعليقا ونقلا ان احتمل ذهنه ذلك اي لا يقنع بكتابه الذي يقرأه على الشيخ بل يشارك اصحابه الاخرين الاخذين للشيخ فيحضر معهم دروسهم ويعتني بضبط وتعليق ما يمر من الفوائد معهم. ثم قال رحمه الله تعالى فان عجز عن ضبط جميعها اعتنى بالاهم في الاهم منها لان من قواعد العلم بل ما يطلب جميعا ان يقدم الانسان الاهم قبل غيره كما قال حافظ حكمي. وبالمهم المهم ابدأ تتقنه ثم قال وينبغي ان يتذاكر مواظب مجلس الشيخ ما وقع فيه من الفوائد وان يعيدوا كلام الشيخ فيما بينهم فان في نفعا عظيما. لان مذاكرة العلم ومراجعته بين الاقران بعرض بعضهم على بعض ما علقوه من الفوائد والضوابط والقواعد عن شيخهم يرصف ذلك العلم في نفوسهم. ومن الابيات المشهورة في هذا المعنى ما رواه الثعالب في كتاب منتخب الاسانيد باسناده الى الحافظ ابي الحجاج المزي رحمه الله تعالى انه كان ينشد من طلب العلم وذاكره. حسن دنياه واخرته فادمه للعلم مذاكرة فحياة العلم مذاكرته. فاذا ادام الانسان مذاكرة العلم حفظه وثبت في فؤاده واذا تركه ذهب ذلك العلم الذي تعلمه ثم ارشد الى ما يختار من وقت المذاكرة قال وينبغي المذاكرة بذلك عند القيام من مجلسه قبل تفرق اذهانهم وتشتت خواطرهم وشدود بعض ما سمعوه عن افهامهم ثم يتذاكرونه في بعض الاوقات فالمبادرة الى مذاكرة ما علقوه من الفوائد ارجى في بقائها وثبوتها في نفوسهم وقد ذكر الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في كتاب الجامع ان افضل المذاكرة مذاكرة الليل وهي عادة السلف رحمهم الله تعالى فانهم كانوا يتذاكرون في العلم في الليل بعد صلاة غالبا وعلى هذا كانت العادة في هذا البلد. فان اصحاب الشيخ صالح بن عثمان القاضي علموا عنيزة واصحاب الشيخ عبدالله العنقري عالم المجمع واصحاب الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ عالم الرياض. كانوا يجتمعون في المساجد هي مساجد شيوخهم او في بيوت بعض هؤلاء الطلبة فينظرون فيما اخذوه في ذلك اليوم عن شيوخهم ما علقوه من الفوائد والضوابط ويتراجعونها بينهم لتثبت هذه الفوائد في قلوبهم وهذا هو معنى المذاكرة ان معنى المذاكرة المفاعلة من الذكر والذكر فكل واحد منهم يتذكر ويذكر ما يتذكره عن شيخه لاصحابه والاخر مثله حتى تجتمع الفوائد والقواعد التي كسبوها عن شيخهم في ذلك اليوم في صعيد واحد يصيبون جميعا من هذه الغنائم ثم قال فان لم يجد الطالب من يذاكره ذاكر نفسه بنفسه. فاذا فقد القرين المذاكر فيفزع المرء الى نفسه فيذاكر درسه ويكرر معنى ما سمعه على لسانه ليعلق ذلك على خاطره فان الانسان اذا كرر ما سمعه على لسانه وعاه بقلبه وبقي مدة كثيرة فلو قدر ان انسانا خرج من الدرس بعد ان سمع هذين البيتين للمجزي رحمه الله تعالى فادام ترداد هذين البيتين مرارا حتى وصل الى بيته فان هذين البيتين يبقيان معه اكثر من بقائهما فيما لو سمعهما لاول مرة ثم تركهما ولم يذاكرهما. ثم قال وقل ان يفلح من اقتصر على الفكر والتعقل بحضرة الشيخ خاصة ثم يتركه ويقوم ولا يعاوده. فمن يقتصر على اخذ العلم بملاحظة الحضور عند الشيوخ وما يعلق في ذهنه حينئذ ثم اذا قام من مجالسهم لم يذاكر ما سمعه منهم فان العلم يتفلت منه. ولا يكاد يتيسر لاحد الا للفرد القليل. ان يحفظ ما سمعه من بيته لاول مرة فلا يذهب ذلك من قلبه. والجادة القويمة اذا انفصل المرء من حلقة شيخه الا ينام ذلك اليوم الا وقد راجع ما سمعه من درس شيخه فان اخره فلا يؤخره الى ابعد من غد فاذا اصبح في نهاره الذي يكون عقب درسه اخذ من ذلك اليوم مدة ينظر فيها فيما علقه من فوائد حتى لا تذهب عليه هذه الفوائد. ومن اراد ان يعرف حال ذلك في نفسه في العلم فلينظر الى كحال الانسان في الاختبار الدراسي النظامي. فان الانسان يأخذ نفسه ساعات فيذاكر ما سبق ان اخذه في سنة كاملة ثم اذا جاء الاختبار استطاع ان يحصل على درجة عالية واولى من هذا ان يجمع نفسه على ما يقربه الى الله سبحانه وتعالى فان الناس في المدارس النظامية ينالون الدرجات من البشر. وان المتقرب الى الله عز وجل بالعلم ومذاكرته ينال الدرجات من رب البشر سبحانه وتعالى. وشتان بين الدرجة والدرجة وبين والمعطي ومن عرف حقيقة العلم لا ينبغي ان تعزب عن قلبه هذه الحقيقة العظيمة بل يعملها في نفسه العلم اكمل اقتباس ويغنم منه اعظم عائدة. وهذا اخر التقرير والبيان على هذه الجملة من الكتاب وبالله التوفيق