فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات. وتعبدنا به طول الحياة الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التقديم. اما بعد فهذا الدرس الرابع والثلاثون في شرح الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الثانية احدى وثلاثين بعد الاربعمائة والالف واثنتين وثلاثين بعد الاربعمائة والالف. وهو كتاب التذكرة السامع والمتكلم لعلامة محمد ابن ابراهيم ابن جماعة ويليه الكتاب الثاني وهو بلوغ القاصر جل المقاصد للعلامة عبدالرحمن بن عبدالله البعلي رحمه الله تعالى ويديهما الكتاب الثالث وهو فتح الرحيم الملك العلام للعلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله تعالى وقد انتهى بنا البيان في الكتاب الاول الى قول المصنف رحمه الله الباب الخامس في اداب سكنى المدارس نعم احسن الله اليكم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اجمعين اما بعد اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين. قال ابن جماعة في تذكرة السامع والمتكلم رحمه الله تعالى الباب خامس في اداب سكنى المدارس للمنتهي والطالب لانها مساكنهم في الغالب. نوه المصنف رحمه الله تعالى في مبتدأ كتاب انه يصيره خمسة ابواب احدها في فضل العلم والعلماء وثانيها في اداب العالم وثالثها في اداب المتعلم ورابعها في الاداب المتعلقة بالكتاب. وهذا او ان ختم هذه الابواب بخامسها وهو اب في اداب سكنى المدارس ومن محاسن هذا الكتاب اشتماله على هذه النبذة المبينة للادب اللازم طالب اذا كان ساكنا في مدرسة من المدارس لان العلم كما سبق لا ينال الا بالادب ولادب العلم منازل منها اماكن سكناه. وكانت الحال فيما سبق وجود مدارس وقفية. يكون فيها يلقنون طلبة العلم ويسكن فيها الطلبة. ولا تزال بقاياها في العالم الاسلامي. ثم طورت هذه المدارس الت الى نظام مقنن معروف بالنظام التعليمي العام في الحكومات الاسلامية اليوم. لكن ذلك لا يلغي اهمية المدارس الخيرية الوقفية. فان المدارس الخيرية الوقفية هي التي حفظ بها العلم قرونا ولا زالت كثير من هذه المدارس باقية الى اليوم وفي بعض البلاد الاسلامية مدارس يرجع تاريخها الى مئات السنين وربما يبلغ الف سنة كالجامع الازهر وجامع القرويين وجامع الزيتونة وغيرها من المدارس العظيمة وانما ذكر المصنف رحمه الله تعالى هذا الادب ختما لان الطالب كما سبق لا ينفك عن سكن يتخذ والغالب انه يكون في مدرسته التي يسكن فيها. ووجود المدارس من اهم الامور التي تعين على العلم فلا ينبغي ان يغفل اهل الجدة والسعة من تجار المسلمين عن ايجاد مدارس وقفية تعلم فيها العلوم الشرعية ويتأكد هذا في زماننا اليوم بان كثيرا من البلاد الاسلامية فرطت حكوماتها في تعليم الدين الاسلامي واحكامه وشرائعه فلا سبيل الى حفظ الدين في تلك البلاد الا بايجاد مدارس خيرية يستفيد منها الطلبة اذا اقاموا فيها وتلقوا عن شيوخ العلم فيها. ومن جوامع الكلم المشهورة عمن سبق ولا يعرف قائله قول غير واحد الة تحصيل العلم شيخ فتاح وكتب صحاح ومداومة والحاح. ولما ذكره العلامة في تهرسه قال وزاد بعض الاذكياء من اصحابنا وقدر فواح ثم قال وينبغي ان يزاد فيه والا يكون من الاقحاح. اي اهل الجفاء. واقول وينبغي ان زاد فيه ومدارس فساح ومدارس كساح اي مدارس واسعة فهذه الجمل المتفرقة تجمع الة تحصيل العلم الة تحصيل العلم ترجع الى كتب صحاح وشيخ فتاح ومداومة الحاح وقدر فواح والا يكون الطالب من الاقحاح ومدارس فساح كم واحدة؟ ست الاولى شيخ فتاح يعني يفتح لك المعارف والعلوم والاشارة بالفتح تنبيه الى ان من كان من اهل العلم علم تسديده وتوفيقه فهو اولى بالانتفاع منه. والثاني كتب يعني ايش؟ تجمع معنيين احدهما وان تكون كتبا معتمدة والثاني ان تكون تلك النسخ التي تقرأ منها هي نسخ صحيحة وليست نسخا رقعة والثالث مداومة والحاح طوال طلب وصبر عليه قدر فواح يعني يعني سعة وغنى قدر فواح اشارة الطعام يعني السعة والغنى الغنى والجد ان يجد ما ان يجد الطالب ما يتقوت به. والخامس الا يكون من الاقحاح يعني اهل الجفاء واما قولهم عرب اقحاح او عرب قحاح يعني خالصي النسب. والسادس مدارس يعني مدارس واسعة تكون موقوفة على طلبة العلم يسكن فيها الطالب ويكون فيها شيوخ معلمون لهؤلاء الطلبة. هذه المعاني الستة حاولوا ان ان تنضموها عندكم الى ان شاء الله تعالى الى الدرس الدرس الاول من القسم الثاني من الفصل الدراسي القادمة يعني هذا الدرس سيكون اخر درس الان الاربعاء القادم عندنا عندنا برنامج اليوم الواحد يوم الاربعاء الفجر العصر العشاء اذا بدأنا ان شاء الله تعالى بعد اجازة منتصف الدراسي الثاني تحرص على ان ان تحظروا نظما لهذه الاشياء لمن استطاع كي تتعودوا النظر وافضل نظم ستكون له جائزة. هذه الثلاثة الاولى ذكرها جماعة من اهل العلم ثم بعد ذلك زاد من القدر الفواح من زاده بعض الاذكياء من اصحاب المنجور هذا من علماء المغرب احمد بن علي المنجور من علماء المغرب وبعد ذلك الامر الخامس ان لا من زاده المنجور نفسه ثم زدت بعد ذلك المدارس الكساح نعم احسن الله اليكم هو احد احدى عشر نوعا الاول ان ينتخب لنفسه من المدارس بقدر الامكان ما كان واقفه اقرب الى الوراء وابعد عن البدع بحيث على ظنه ان المدرسة ووقفها من جهة حلال وان معلومها ان تناوله من طيب المال لان الحاجة الى الاحتياط في المسكن اليه في المأكل والملبس وغيره. ومهما امكن التنزه عما انشأه الملوك الذين لم يعلم حالهم في بنائها ووقفها فهو اولاه واما من علم حاله فالانسان على بينة من امره مع انه قل ان يخلو جميع اعوانهم عن ظلم وعسف الثاني ان يكون المدرس بها ذا رياسة وفضل وديانة وعقل ومهابة وجلالة وناموس وعدالة ومحبة في الفضلاء وعطف على الضعفاء يقرب المحصلين ويرغب المشتغلين ويبعد اللعابين وينصف البحاثين. حريصا على النفع مواظبا على الافادة وقد تقدم سائر ادابه فان كان لها معيد فليكن من صلحاء الفضلاء وفضلاء الصلحاء صبورا على اخلاق الطلبة على فائدتهم وانتفاعهم به قائما بوظيفة اشغالهم. وينبغي للمدرس الساكن بالمدرسة الا يكثر البروز والخروج من غير فان كثرة ذلك تسقط حرمته من العيون ويواظب على الصلاة في الجماعة فيها ليقتدي به اهلها ويتعودوا وينبغي ان يجلس كل يوم في وقت معين ليقابل معه الجماعة الذين يطالعون دروسه من كتبهم ويصححونها ويضبطون مشكلها ولغاتها واختلاف النسخ في بعض المواضع واولاها بالصحة ليكونوا في مطالعتها على يقين فلا يضيع فكرهم ويتعب بالشك فيها سرهم. وينبغي للمعيد بالمدرسة ان يقدم اشغال اهلها على غيرهم في الوقت المعتاد او المشروع ان كان يتناول معلوم الاعادة بانه متعين عليه ما دام معيدا واشغال غيرهم نفل او فرض كفاية وان المدرس او الناظر بمن يرجى فلاحه ليزاد ما يستعين به ويشرح صدره وان يطالبهم بعرض محفوظاتهم ان لم يعين لذلك غيره ويعيد لهم ما توقف فهمه عليهم من دروس المدرس. ولهذا سمي معيدا. واذا شرط الواقف استعراض المحفوظ كل شهر او كل فصل على الجميع خفف قدر العرض على من له اهلية البحث والفكر والمطالعة والمناظرة لان الجمود على نفس يشغل عن الفكر الذي هو التحصين والتفقه. واما المبتدئون والمنتهون فيطالب كل منهم على ما يليق بحاله وذهنه. وقد تقدم سائر اداب العالم مع الطلبة. الثالث ان يتعرف بشروطها ليقوم بحقوقها. ومهما امكنه التنزه عن المدارس فهو اولاه لا سيما في المدارس التي ضيق في شروطها وشدد في وظائفها. كما قد بلي اكثر فقهاء الزمان به نسأل الله الغنى عنه بمنه وكرمه في خير وعافية. فان كان تحصيله البلغة يضيع زمانه ويعطله عن تمام الاشتغال او لم تكن له حرفة اخرى تحصل بلغته وبلغة عياله فلا بأس بالاستعانة بذلك بنية التفرغ لاخذ العلم ونفع الناس به لكن يتحرى القيام بجميع شروطها ويحاسب نفسه على ذلك. ولا يجد في نفسه اذا طلب منه او وبخ عليه بل يعد ذلك من الله تعالى ويشكره عليه اذ وفق له من يكلفه القيام بما يخلصه من ربقة الحرام والاثم. واللبيب من كان ذا همة عالية ونفس سامية. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان الاداب المتعلقة بالسكنى في المدارس تنتظم وفي احد عشر نوعا واستفتح رحمه الله تعالى عدها بذكر اولها قائلا ان ينتخب لنفسه من بقدر الامكان ما كان واقفه اقرب الى الورع وابعد عن البدع. فان من مضى كانوا يقفون تجعل لها موارد ينتفع بها طلاب العلم وينتصب فيها مدرسون يتناولون من ريع الوقف ما يكون بلغة لهم ومن اراد طلب العلم فينبغي له ان ينتخب من تلك المدارس بقدر الامكان ما كان واقفه اقرب الى الورع اي وابعد عن البدع لان ذلك اصفى في حال تلك المدرسة قياما وافادة وانتفاعا. فانه اذا غلب على ظني المتعلم ان واقفها وقفها من جهة حلال وان معلومها ان تناوله من طيب المال فقد جاء بما ينبغي فعله من الاحتياط في المسكن فان الانسان مأمور بان يحتاط متنزها من الحرام في مسكنه كما انه مأمور بذلك في ملبسه ومأكله. ثم ذكر انه اذا امكن التنزه عما انشأه الملوك من المدارس الوقفية. الذين لم يعلم حالهم في بنائها ووقفها فهو اولى لان الملوك لا يخلصون غالبا من مواقعة حرام في اموالهم وامرهم كما ذكر ابو العباس ابن تيمية الحفيد في السياسة الشرعية اذ قال ملوك المسلمين لهم حسنات كثيرة وسيئات كثيرة انتهى كلامه. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان من علم حاله فالانسان على بينة من امره فذلك لا بأس في الانتفاع بمدرسة اوقفها فاذا غلب على ملك او امير او وزير ما اوقف شيئا من هذه المدارس ان حاله حسنة فاذا استفاد الانسان منها فذلك ان شاء الله تعالى مما لا حرج فيه على العبد. وان كان الامر كما قال المصنف مع انه قل ان يخلو جميع اعوانهم عن ظلم وعسف من تعدي ثم ذكر رحمه الله تعالى الادب الثاني وهو ان يكون المدرس بها اي الموصوب للتدريس في تلك المدرسة الموقوفة فان اصحاب الجاه والمال من الملوك والوزراء والامراء والاغنياء كانوا يبنون مدارس ويجعلون فيها معلما يجري عليه شيء من معلوم الوقف وله سكن في تلك المدرسة فيتصدى بتعليم الناس فيها فينبغي ان يكون المدرس في المدرسة ذا رئاسة وفضل وديانة وعقل ومهابة وجلالة وناموس وعدالة ومحبة في الفضلاء اي جامعا لاختصار الفاضلة الكاملة. والناموس اسم للحذق والفقه ولا زال هو من العربي الباقي في لسان اهل هذه البلاد. فانهم يقولون فلان عنده ناموس يريدون بذلك عنده طيب او كما يقولون رجولة والمراد بها الفطنة والحذق والمعرفة والذكاء. ومما ينبغي ان يكون عليه المدرس في المدرسة في معاملة الطلبة ان يقرب المحصلين اي المستفيدين ويرغب المشتغلين اي الدارسين ويبعد اللاعبين اي الذين يغلب عليهم اللعب وعدم مبالاة بالعلم فان اللعاب لا ينال علما ومن شعر سحنون قوله لا ينالون العلم بطال ولا كسل ولا ملول يألف اللعب. ومما ينبغي ان يكون عليه في معاملة الطلبة ان ينصف الباحثين اي المراجعين له بالبحث في مسائل العلم التي يلقيها اليهم حريصا على النفع مواظبا على الافادة وتقدمت سائر ادابه فيما سلفت الباب الثاني من اداب العالم. ثم بين رحمه الله تعالى ما ينبغي ان يكون عليه المعيد لان المجالس اما ان تشتمل على مدرس فقط وهو الذي يتصدى لتعليم الطلبة او يكون في فيها مدرس ومعيد والمعيد هو الذي يعيد للطلبة ما يحتاجونه من فهم ما يتلقونه عن المدرس بعد فراغه. فلو قدر ان المدرس جلس صبيحة ذلك اليوم في شرح باب الفاعل من الاجر الرامية. فلما فرغ منه انصرف عنهم فان المعيد ينتصب بعده ليعرض عليه من شاء من الطلبة ما عسر عليه فهمه من الباب. وربما اعاد لهم الباب كله اذا كان عويص الفهم عليهم فيكون في ذلك تأكيد للعلم. فاذا كانت المدرسة تشتمل على معيد فليكن من صلحاء الفضلاء وفضلاء الصلحاء صبورا على اخلاق الطلبة حريصا على فائدتهم وانتفاعهم به قائما بوظيفة اشغالهم اي اشغالهم بالعلم. ثم قال وينبغي للمدرس الساكن في المدرسة الا يكثر البروز والخروج من غير حاجة. فان كثرة فذلك تسقط حرمته من العيون لان مخالطة الناس توهن مكانة وحرمة من يخالطهم دون حاجة داعية والاصل ان يتحفظ الانسان من مخالطة الناس فان انفاس الخلق دخان القلوب قاله ابن القيم رحمه الله تعالى واذا كان المرء يعرض نفسه بانواع مختلفة من كلام الناس في خلطتهم فان ذلك ربما اظلم دخانه بقلبه فكان مفسدا له. ودلائل الوحيين على مدح العزلة عن الناس وعدم الا فيما ينفعهم وما عدا ذلك فاقبال المرء على نفسه وتشاغله بحاله وحرصه على نفعها او من اضاعة وقته مع كل مقبل ومدبر ومن جميل المباني في رصف هذه المعاني ما انشده محمد ابن ابي نصر من حميدي تلميذ ابن حزم اذ قال لقاء الناس ليس يفيد شيئا سوى من قيل وقال فاقلل من لقاء الناس الا لاخذ العلم او اصلاح حاله. ويروى الثاني من البيت الاول سوى الهديان من قيل وقال. ثم ذكر من اداب المدرس انه يواظب على الصلاة في الجماعة فيها اي في المدرسة ليقتدي به اهلها ويتعود ذلك اذ كانت هذه المدارس فيما سبق ملحقة بمساجد فشهوده الصلاة مع الجماعة تقوية لنفوس الطلبة وحظ لهم على امتثال امر الله فيها ثم ذكر انه ينبغي ان يجلس كل يوم في وقت معين ليقابل معه الجماعة الذين يطالعون دروسه من كتبهم ويصححونها ويضبطون مشكلها ولغاتها واختلاف النسخ في بعض المواضع واولاها بالصحة ليكونوا في مطالعتها على يقين فلا يضيع فكرهم ويتعب بالشك فيها سرهم. والسر المراد به بواطن وهذه النصيحة العظيمة فيما ينبغي ان يكون عليه المدرس مما قل العمل به فقد صار الناس يقرؤون الكتب دون عناية بتصحيحها وضبطها ولغاتها وبيان اختلافها في بعض المواضع واولاها بالصحة فيورث ذلك خللا في فهم مسائلها ومن مثله المشهورة ما وقع في بعض في الواسطية في قول مصنفها رحمه الله تعالى لما ذكر كرامات الاولياء قال وهي في فرق الامة والصواب وهي في قرون الامة فحرفت الى فرق الامة وشرحها بعض الشراح على هذا الوجه اي ان الكرامة توجد عند كل فرقة من فرق الامة واندرجة في ذلك اهل البدعة والضلالة ومعلوم ان اصول الكرامة موقوف على وجود الاستقامة واعظم استقامة ملازمة السنة والجماعة. ولهذا نظائر في كتب اخرى ثم ذكر مما ينبغي للمعيد بالمدرسة ان يقدم اشغال اهلها على غيرهم الوقت المعتاد او المشروط ان كان يتناول معلوم الاعادة اي اذا كان المعيد للمدرسة يأخذ مقابل جلوسه للطلبة معلوما اي مقدرا من ريع الوقف فانه يقدم اشغال اهلها اي السكينة فيها من الطلبة على غيرهم في الوقت المعتاد او المشروط كأن يكون جعل وقت عادتهم ضحى فيجلس لهم او شرط واقفها يجلس للطلبة بعد الفجر وبعد العصر وبعد العشاء فانه يقدم صرف هذا الوقت الى هؤلاء الطلبة ويشغلهم بالعلم فيها لان هذا الامر متعين عليه ما دام معيدا في مقابل المعلوم الذي يأخذه واشغال غيرهم ممن ليس ساكنا في المدرسة نفل او فرض كفاية. ثم قال وان يعلم اي المعيد المدرس او الناظر والناظر هو القائم على الوقف بمن يرجى فلاحه من الطلبة ليزاد ما يستعين به اي من عطية يعطاها مقابل دراسته ويشرح صدره اي ليشرح ذلك الامر صدره. وكان بعض الواقفين رحمهم الله تعالى يجعلون معلوما من ريع الوقف للمعلم والمتعلم. وبهذا حفظ العلم في كثير من البلاد الاسلامية وقد كان الشيخ عبدالله ابن محمد القرعاوي رحمه الله تعالى يذكر لاصحابه ان واقف المدرسة الرحمانية وهو التاجر المحسن الكبير عطاء الرحمن الدهلوي كان يتردد على الطلبة ويختمهم بكل شيء. وكان يحضر لهم كل جمعة من على تقديم اظفارهم وقص شعورهم فكتب الله عز وجل من البركة العامة لهذا الرجل الصالح انتفاع كثيرين من المدرسة الرحمانية في مشارق الارض ومغاربها. فكثير من الطلبة تخرجوا في القرن الماضي المتوفي في الرحمانية بذهني فنفعوا المسلمين ومنهم في هذه البلاد الشيخ سعد ابن حمد ابن عتيق والشيخ علي ابن ناصر ابو وادي والشيخ اسحاق ابن عبد الرحمن ابن حسن وغيرهم من اهل العلم الذين درسوا في تلك المدارس الوقفية في الرحمانية وغيرها من المدارس التي كانت في ذهني فكتب الله عز وجل على ايديهم خيرا كثيرا ونفعا كبيرا حفظوا به الدين وجزاؤهم على الله سبحانه وتعالى انه لا يضيع اجر المحسنين. ثم ذكر بعد ذلك ان المعيد يطالب الطلبة الساكنين في المدرسة بعرض محفوظاتهم ان لم يعين لذلك غيره. ويعيد لهم ما توقف فهمه عليهم من دروس المدرس ولهذا سمي معيدا. ثم ذكر انه اذا شرط الواقف استعراض المحفوظ كل شهر او كل فصل اي من فصول السنة الاربعة على الجميع خفف قدر العرض على من له اهلية البحث والفكر والمطالعة والمناظرة اي خفف القدر المطلوب منه عرظه في هذه المدة فلو قدر ان انسانا وقف مدرسة على القراءات وهذا موجود في القرون الماضية وكان المحفوظ المأمور به فيها هو الشاطبية. في قدر على الطلبة ان يعرضوا كل فصل سنوي من الاربعة اربع مئة بيت منها ثم اذا فرغوا من هذه السنة اعادوه السنة التي تليها فلا يزالون يعيدون ذلك يخرج من هذه المدرسة لان شرط الواقف ان يعيدوا عض هذا المحفوظ حرصا منه على بقاء العلم فيهم. فنبه الى ان ينبغي له ان يخفف قدر العرض على من له اهلية في البحث والفكر والمطالعة والمناظرة فمن كان له ذكاء حاد وتطلع الى الفهم فانه يساعد بعدم الزامه بالوقوف مع المحفوظ كما يلزم غيره لان المقصود من الحفظ هو بقاء العلم في النفس فهو وسيلة لتحصيل هذا الغرض. واذا كان من المقدر ان بعض الناس يوجد عنده فهم قوي مع تخلف الحفظ يسيرا فلا ينبغي ان يشدد عليه لئلا يضيع عليه الاهم وهو تحصيل العلم وهو الذي نوه اليه المصنف قوله بان الجمود على نفس المسطور اي المكتوب يشغل عن الفكر الذي هو والتحصيل والفقه. ثم قال واما مبتدئون والمنتهون فيطالب كل منهم على ما يليق بحاله وذهنه. وقد تقدم سائر اداب العالم مع الطلبة. ثم ذكر الادب الثالث وهو ان يتعرف ساكن المدرسة بشروطها اي بشروط وقفها ليقوم بحقوقها فاذا كان من المدرسة الا يسكن فيها الا من حفظ القرآن الكريم لم يجز له ان يتخذها سكنا واي يتديرها دارا للعلم مع اخلاله بهذا الشرط. ثم قال ومهما امكنه التنزه عن معلوم المدارس فهو اولى اي اذا ان يستغني بترك ما يعطى الطالب او المعلم على دراسته فهو اولى لا سيما في المدارس ضيق في شروطها وشدد في وظائفها كأن يقول واقف ما ان هذه المدرسة وقف على من كان اعلم الشافعية في البلد ولا ينتظم فيها من الطلبة الا من حفظ كذا وكذا وكذا ويعدد متونا متوني الشافعية فهذا التشديد قد يقل معه من يصلح لذلك معلما او متعلما فينبغي له ان يتنزه خشية الاخلال بهذه الشروط وهذا امر كما قال المصنف بني اكثر فقهاء الزمان به. فان بعض الواقفين فيما سلف كان يقف المدرسة على محدث البلد. ثم صار بعض السلاطين والامراء والقضاة يجعلون تلك المدارس لمن ويحبونه وان كان غيره اعلم منه فيخلون بذلك كما ذكر السبكي وغيره فربما جعلوا من لا يعرف من الحديث الا اربع النواوي ورياض الصالحين وعلوم بالصلاح هو محدث البلد ويكون في البلد من هو اعلم منه ثم قال فان كان تحصيله البلغة اي ما يتبلغ به من القوت والرزق يضيع زمانه ويعطله عن تمام الاشتغاذ او لم تكن له حرفة اخرى تحصل بلغته وبلغة عياله فلا بأس بالاستعانة بذلك اي بالمعلوم الذي يكون من الواقف هو نظيره مما يعطاه الطلبة من المكافآت فان القول فيها كالقول فيما سبق ثم قال لا بأس بالاستعانة بذلك بنية التفرغ لاخذ العلم ونفع الناس به لكن يتحرى القيام بجميع شروطها ويحاسب نفسه على ذلك ثم قال ولا يجد في نفسه اي غضاظة وكرها اذا طلب منه او وبخ عليه بل يعد ذلك نعمة من الله ويشكره عليها اذ وفق له من يكلفه القيام بما يخلصه من رفقة الحرام والاثم اي طلب بشيء من هذا الريع او وبق على اخذه مع عدم قيامه بحقه فلا ينبغي له ان يجد في نفسه غضاضة او كراهة لهذا الامر لان التشديد عليه في ذلك يخلصه من رقة الحرام والاثم. ومن هذا الجنس فقد يعرض لموظف ما من الحسد عنه ازاء امر قد يكون قد اختلف هو ومديره فيه فلا ينبغي له ان يجد غلاظة لان مثل هذا مما يدفع به عن المرء شيء من الحرام والاثم الذي قد يكون اصابه دون تنبه منه فربما فوت شيئا حقا لازما يتعلق بتلك الوظيفة فمن وسائل تخليصه منه التي يمن الله عز وجل بها عليه وهو لا يشعر ان يحصل له مثل الحسم من راتبه وكما قال المصنف واللبيب من كان ذا همة عالية ونفس سامية اي العاقل من المنتصبين للتدريس في المدارس وغيرها هو من له همة عالية في الوفاء بما التزم اما بشرط الواقف او الزم نفسه به في نفع الناس وتكون له نفس سامية اي نفس متربعة عن حطام الدنيا فلا يسأل عن شيء منها اذا منع منه فاذا قدر وجود على هذه الحال من الهمة العالية والنفس السامية فان نفعه نفسه وانتفاع الخلق به يكون عظيما اخر بيان هذه الجملة من الكتاب وبالله التوفيق