السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات. وتعبدنا به طول الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التكريم. اما بعد فهذا الدرس الخامس والثلاثون في شرح الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الثانية سنة احدى وثلاثين بعد الاربع مئة والالف واثنتين وثلاثين بعد الاربع مئة والالف. وهو كتاب تذكرة السامع والمتكلم العلامة محمد بن ابراهيم بن جماعة رحمه الله ويليه الكتاب الثاني وهو بلوغ القاصد جل المقاصد للعلامة عبدالرحمن بن البعدي رحمه الله ويليه الكتاب الثالث وهو فتح الرحيم للملك العلام العلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله وقبل الشروع في قراءة الكتاب الاول اود التنبيه الى امرين احدهما سيكون ان شاء الله تعالى بعد عصر غد درس المسجد النبوي في هذا الشهر وهو في برنامج جمل العلم بانتخاب جملة من مقرراته. وبرنامج للعلم توجد مفرد ومضمومة في مجلد واحد موجودة في طرفي المسجد. فمن لم يصب منه نسخة فانه بعد انقضاء الدرس يأخذه والامر الثاني سيكون ان شاء الله تعالى يوم الخميس المقبل الثاني من شهر جمادى الاخرة يوم الخميس بعد صلاة الفجر والعصر والعشاء قراءة كتاب شرح منا عن القارئ على ثلاثيات البخاري وهو احد الكتب التي بقيت من الدرس السابق من برنامج اليوم الواحد التاسع وللتنويه بهذين ذكرت هذا التنبيه. نعم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المصنف رحمه الله تعالى الرابع اذا حصر سبل المدارس على المرتبين بها دون غيرهم لم يسكن فيها غيرهم. على المرتبين بها دون غيرهم لم يسكن فيها غيرهم فان فعل كان عاصيا ظالما بذلك. وان لم يحشر الواقف ذلك فلا بأس اذا كان الساكن واذا سكن في المدرسة غير مرتب اهلها ويقدمهم على نفسه فيما يحتاجون اليه من ويحضر درسها لانه اعظم الشعائر المقصودة ببنائها ووقفها لما فيه من القراءة والدعاء للواقف والاجتماع على مجلس الذكر وتذاكر العلم. فاذا ترك الساكن فيها ذلك فقد ترك المقصود ببناء مسكنه الذي هو به وذلك يخالف مقصود الواقف ظاهرا. فان لم يحضر راب عنها وقت الدرس لان عدم مجالستهم مع حضورهم من غير عذر اساءة ادب وتربع عليهم واستغناء عن فوائدهم واستهتار بجماعتهم. وان حضر فلا يخرج فيها لاجتماعهم من بيته الا لضرورة. ولا يتردد اليه مع حضورهم ولا يدعو اليه احدا او يخرج منها منه احدا ولا يتمشى في المدرسة او يرفع صوته بقراءة او تكرار او بحث رفعا منكرا او يغلق بابه او يفتح او يفتحه بصوت ونحو ذلك. لما في ذلك كله من اساءة الادب على الحاضرين عليهم فرأيت بعض العلماء القضاة الاعيان الصلحاء يشددوا النكير على انسان فقير مر بالمدرسة وقت الدرس مع انه كان قيما بمريض في المدرسة قريب للمدرس وكان في حاجة له. الخامس الا يشتغل في هذه المعاشرة والصحبة او يرضى من سكنها بالسكة والحطبة. الا يشتغل فيها والصحبة او يرضى من سكنها بالسكة والحقبة. بل يقبل على شأنه وتقصيره وما بنيت المدارس له. ويقطع عشرة الى جملة لانها قد تفسد الحال وتضيع المآل. كما تقدم واللبيب المحصل يجعل المدرسة منزلا وطرقوا منه ثم يرتحل عنه. فان صاحب من يعينه على تحصيل مقاصده ويساعده على تدمير فوائده تنشطه على زيادة الطلب ويخفض عنه ما يجده من الضجر والنصب. ممن يوثق بدينه وامانته ومكانته اخلاقه في مصاحبته فلا بأس بذلك بل هو احسن اذا كان ناصحا له في الله غير لاعب ولا له ولتكن له انبة من عدم ظهور الفضيلة مع طول المقام في المدارس ومصاحبة الفضلاء من اهلها وتكبر سماعهم فيها وتقدم غيره عليه بكثرة التحصيل. وليطالب نفسه كل يوم باستفادة علم جديد ويحاسبها اعلى ما حصلته بيأكل مقرره فيها حلالا. فإن المدارس والقافها لم تجعل لمجرد المخلوقات ولا لمجرد التعبد بالصلاة والصيام كالخوارج. بل لتكونوا بل لتكون معينة على تحصيل العلم والتفرغ والتجرد عن الشواغل في اوطان الاهل والاقارب. والعاقل يعلم ان ابرك الايام يوما يزداد فيه فضيلة ويكسب عدوه من الجن والانس كربا وغما. السادس ان يكرم اهل المدرسة ان يسكنها بإفشاء السلام واظهار المودة والاحترام. ويرعى لهم حق الجيرة والصحبة والاخوة في الدين والحرفة انهم اهل العلم وحماسه وطلابه لانهم اهل العلم وحملته وطلابه. ويتغافل عن تقصيرهم ويقول زللهم يستر عورات عوراتهم ويشكر محسنهم ويتجاوز عن مصيرهم. فان لم يستقر خاطر دون سوء جيرتهم وخبثهم او لغير ذلك بل يرتفع عنها ساعيا في جمع قلبه واستقرار خاطره. واذا اجتمع قلبه فلا ينتقي من في حاجة فان ذلك مكروه للمؤمن مكروه للمبتدئين جدا. واشد منه كراهية تنقله من كتاب الى كتاب كما تقدم فانه علامة على الطغي واللعب وعدم الفلاح. لا يزال المصنف رحمه الله تعالى لا يذكر جملة من الاداب المتعلقة بادب السكنى للمدارس. وقد تقدم بيان ان المدارس هي الاماكن التي اعدت لتلقي العلم وكانت تجري عليها اوقاف مقدرة فيما سلف. وتقدم من تلك الاداب ثلاثة اداب. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ادبا رابعا فقال اذا حصر الواقف شكل المدارس على المرتبين بها اي المعينين فيها دون غيرهم لم يسكن فيها غيرهم. فان فعل كان عاصيا ظالما بذلك. لان الوقف يرجع في تعيين مستحقه الى واقفه. فان عينه بشرط او بعين لزم اتباعه فيه. وان لم يحصل يواقف ذلك بوصف او بعين فلا بأس ان يسكن الانسان في سكنى المدارس. اذا كان اهلا لها اي لطلب العلم وراغبا فيه منتزبا الى اهله. ثم ذكر انه اذا سكن في المدرسة حال كونه غير مرتب بها اهلها ويقدمهم على نفسه فيما يحتاجون اليه منها. لانهم هم اولى بشرط الواقف. فاذا كانوا مرتبين من الواقف فهم احظ بشرطه ومصرفه. ومن ادبه فيها ان يحضر درسها. لانه اعظم الشعائر المقصودة ببنائها ووقفها لان المدارس تبنى لتلقي العلم. وتعقد فيها الدروس لاجل نشره. فمن اعظم المهمات التي ينبغي ان فيها ساكن المدرسة هو حضوره دروسها. ثم ذكر ان الدرس فيه من القراءة والدعاء للواقف والاجتماع على الذكر وتذاكر العلم ما يدعو الى حضوره لاجل هذه المعاني. ثم ذكر انه اذا ترك الساكن فيها ذلك اي حضور الدرس فقد ترك المقصود ببناء مسكنه الذي هو فيه. وذلك يخالف مقصود الواقف ظاهرا فان الواقف لم يقف هذا الوقف الا على طلاب العلم الذين يقصدون حضور الدروس المعقودة في تلك المدرسة. ثم قال فان لم يحضر يعني في المدرسة غاب عنها وقت الدرس لان عدم مجالستهم مع حضوره من غير عذر اساءة ادب. فلا يحسن به ان يكون موجودا في في سكنى المدرسة ثم يترك حضور الدرس والاجتماع عليه. لان ذلك دون عذر هو اساءة ادب وترفع عليهم واستغناء عن فوائدهم واستهتار بجماعتهم اي عدم مبالاة باجتماعهم على مقصودهم من العلم. ثم قال وان حضر فيها يعني في المدرسة فلا يخرج في حال اجتماعهم من بيته اي محل سكنه فيها الا لضرورة. فاذا لم يقصد حضور درس فانه يبقى في دار سكناه ولا يخرج الا لضرورة. ولا يتردد اليه مع حضورهم ولا يدعو اليه احدا او منه احدا بل يلزم سكناه ولا يحدث لهم ضجيجا في الدخول والخروج فيه. ولا يتمشى في المدرسة او يرفع صوته بقراءة او تكرار او بحث رفعا منكرا او يغلق بابه او يفتحه بصوت يعني مزعج ونحو ذلك لما في ذلك كله من اساءة الادب على الحاضرين والحمق عليهم. فان من توطن المدارس الموقوفة على سكنى طلاب العلم لزمه ان يحضر مع اهلها فان تاخر عنهم فانه يقبح به ان يظهر مخالفتهم باحواله خروجه ودخوله وشبه ذلك. ثم ذكر ما اتفق له رحمه الله من رؤيته بعض العلماء. يجدد النكير على انسان فقي مر في المدرسة وقت الدرس اي وقت اقامة الدرس فيها. مع انه يعني ذلك الفقيه كان قيما بمريض. يعني قائما على حوائج مريض في المدرسة قريب للمدرس اي الذي يلقي الدرس وكان في حاجة له يعني في حاجة للمريض وهذا من المبالغة في التشديد على الوفاء بشرط الواقف. فمن سكن في سكن معد لطلاب العلم فيجب عليه ان ان يلتزم بشرط واقفه من انتسابه اليهم وحضوره معهم. ثم ذكر الادب الخامس فقال الا يشتغل فيها يعني في المدرسة بالمعاشرة والصحبة اي بمخالطة الناس بحيث يجعل ذلك ديدانا وعادة له او ان يرضى من بالسكة والحطبة يعني بقضاء حاجته وملء بطنه فان السكة قضاء الحاجة ونيل الوتر والحظبة ملء البطن وحصول الشبع فلا ينبغي ان يكون مقصوده من سكنى هو ان يفوز بهذا وذاك. بل يقبل على شأنه وتحصيله وما بنيت المدارس له من التحصيل وطلب العلم ويقطع العشرة فيها جملة يعني معاشرة الناس فيها لانها اتفسد الحال وتضيع المآل كما تقدم. فان معاشرة الناس انما تؤخذ على قدر الحاجة. وما زاد عن الحاجة انه يرجع على الانسان بالضرر وتقدير الحاجة هو ما ذكره محمد ابن ابي نصر الحميدي صاحب الجدوى رحمه الله من ان الحاجة مقترنة بطلب دنيا او اصلاح دين. كما قال في بيتين شهيرين له لقاء الناس ليسوا يفيد شيئا سوى الهذيان من قيل وقال. فاقلل من لقاء الناس الا لاخذ العلم او اصلاح حاله فالمأجون به من المعاشرة ما حصل به تقويم حال العبد في دينه او دنياه وما زاد عن الحاجة انه يرجع عن الانسان بالضرر ثم قال واللبيب المحصل يجعل المدرسة منزلا يقضي وتره منه يعني حاجته وبغيته من ثم يرتحل عنه فهو لا يقصد ان تكون دار اقامة دائمة بل يريد ان يستعين بها على تحصيل العلم فاذا حصله خرج منها ثم قال فان صاحب من يعينه على تحصيل مقاصده ويساعده على تكميل فوائده وينشطه على زيادة طلب ويخفض عنه ما يجده من الضجر والنصب ممن يوثق بدينه وامانته ومكارم اخلاقه في مصاحبته فلا بأس بذلك بل هو احسن اي ان الصحبة التي تعين على تحصيل المقصود من نيل العلم واحرازه صحبة حسنة ممدوحة اذا كان ذلك المعاشر ناصحا له في الله غير لاعب ولا لاه. فالمنتخب من الاصحاب للمعاشرة بالعلم هو من اعانك على ذلك المقصود وهو المعاشر للفضيلة فالذي يعاشر للفضيلة هو الذي ينبغي ان ينتخب اخا صالحا وخليطا مجالسا واما ما عدا ذلك ممن يعاشرك لاجل لذة او منفعة فاذا حصلهما تركك فانه لا ينبغي ان يتخذ صاحب معاشرا وكما ينتخب الانسان مطعمه ومشربه اذا اراد ان يصيب طعامه فقميل بالعاقل ان ينتخب معاشه من الخلق لان المرء يتأثر باصحابه خيرا وشرا قوة وضعفا اقبالا وادبارا. فاذا طلب من الخلق افضلهم رجع ذلك عليه بالنفع. واذا خلط في عشرائه ونظرائه واصحابه الذين الذين يخالطهم فان ذلك التخطيط يرجع عليه بالضرر. ثم قال ولتكن له انفة يعني عزة وحمية. من عدم ظهور الفضيلة اي ظهور اثر العلم عليه واحرازه له مع طول المقام في المدارس ومصاحبة الفضلاء من اهلها وتكرار سماع فيها وتقدم غيره عليه بكثرة التعصيب. فينبغي ان يكون للمرء عزة في نفسه. وحمية لها يضجر من ان قدمه غيره مع طول المدة في مقامه في المدرسة ومصاحبته الفضلاء من اهلها وتكرر سماع الدروس عليه مرة بعد مرة ثم قال وليطالب نفسه كل يوم باستفادة علم جديد ويحاسبها على ما حصلته فيه ليأكل فيها حلالا لان ما يجعل من مصرف الوقف على الطلبة معلق بتحصيلهم العلم والذي يتجدد له كل قوم علم من العلوم يكون ذلك دالا على صلاحيته للشر فيكون مأكله منها مأكلا حلالا ثم قال فان المدارس واوقافها لم تجعل لمجرد المقام. يعني السكنى ولا لمجرد التعبد بالصلاة والصيام كالخوارج. اي لم تجعل مكانا يتخلى فيه الانسان للعبادة كبعض الاربطة التي تجعل لذلك مما يسمى بالخوانك الكاف او الخوالق بالقاف. ويقال لها الخانقات وهي كلمة اعجمية. والمقصود بها رباط المعد التعبد ثم قال بل لتكون معينة على تحصيل العلم والتفرغ له والتجرد عن الشواغل في اوطان الاهل اي ان المدارس جعلت سكناها للطلبة لتعينهم على تحصيل العلم. فينبغي ان يكون هذا هو مراد الطالب منها ثم قال والعاقل يعلم ان ابرك الايام يوم يزداد فيه فضيلة وعلما ويكسب عدوه من الجن والانس انس كربا وغما اي ان اليوم الفاضل من ايامك هو اليوم الذي تزداد فيه فضيلة وعلما. ويلحق عدوك وشانئك من الجن والانس كرب وغم بما اصبته من الخير. والبناء الذي جاء به المصنف للدلالة المقصود من قوله ان ابرك الايام فيه نظر. لان البركة فعلها بارك وهو رباعي. والرباعي لا تبنى منه افعل التفضيل على ابرك. وانما ابرك بمعنى شدة الاقامة. تقول ابرك الناس في هذا المقام فلان فلان يعني اشجهم اقامة فيه هو فلان ابن فلان اما اذا اردت البركة فانك تأتي بفعل دال على التفضيل كأن تقول ان الايام بركة او اشد الايام بركة. اما على هذا البناء فانها لا تقع على هذا المعنى لان فعلها رباعي ولا منه افعل التفضيل على هذه الزنا. ثم ذكر الادب السادس فقال ان يكرم اهل المدرسة التي يسكنها. اي بما ينبغي من مكارم الاخلاق التي اوضحها بقوله بافشاء السلام واظهار المودة والاحترام اي اي توفير الحرمة وتوقيرهم ويرعى لهم حق الجيرة والصحبة والاخوة في الدين والحلفة المقصود في الحلفة المهنة التي ويجتمعون عليها وهي طلب العلم. قال لانهم اهل العلم وحملته وطلابه. وهم مستحقون لمعاملتهم بمكارم الاخلاق ثم ذكر مما ينبغي ان يعاملهم به ايضا ان يتغافل عن تقصيرهم ويغفر زللهم ويستر عورتهم ويشكر محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم فيعاملهم بمكارم الاخلاق. تحليا وتخليا. ثم قال فان لم يستقر خاطره لسوء جيرتهم وخبث صفاتهم او لغير ذلك فليرتحل عنها ساعيا في جمع قلبه واستقرار خاطره. اي اذا لم يصلح له امر السكنة في هذه المدرسة لشيء يرجع الى جيرة من فيها من الطلبة وتغير احوالهم او لغير ذلك فان يرتحل عنها ويطلب مدرسة اخرى فيها سكن يجمع فيها قلبه ويستقر خاطره. لان العلم لا يدرك الا بجمع القلب ولاجل جمع القلب رغب في سكنى اوقاف المدارس فان السكنى في المدارس لا تراد بذاتها ولكنها تراد لغيرها وهي تفريغ الطالب من الشواغل. بحيث يكون قلبه مستقرا منجمعا على مطلوبه. ثم قال واذا اجتمع قلبه اي وجد سكينة في نفسه واقبالا على العلم فلا ينتقل من غير حاجة فان ذلك مكروه للمبتدئين جدا. فاذا وجد طالب اجتماع قلبه في سكنى مدرسة او في الاخذ عن شيخ او في غير ذلك من المواطن التي يطلب فيها العلم فان انه لا ينبغي ان ينتقل عنه من غير حاجة لان ما وجد فيه هذا المعنى قنين ان يحصل منه الانسان العلم. فاذا تركه كغيره فانه لا يدري اتحصل له جمعية القلب ام لا؟ ثم قال واشد منه كراهية يعني في الانتقال تنقلهم من كتاب الى كتاب كما تقدم اي اشد كراهية للمبتدئ انتقاله من كتاب الى كتاب قبل تتميمه فانه علامة على الضجر واللعب وعدم الفلاح. اي ان التنقل بين الكتب قبل تمامها علامة على ملل الطالب وضعف رغبة بالعلم وعلى كونه لعوبا وهذا يؤذن بعدم فلاحه. بخلاف من ثبت على شيء فان من ثبت نبت ومن لزم شيئا ادرك بغيته منه. اما الذواق المتنقل ها هنا وهناك فانه يفوته العلم ولا يدركه ومن اعظم الامور التي يحصل بها احراز العلم الثبات فيه. فان الانسان اذا ثبت على طريقه حفظا وتفهما وملازمة شيوخ واكتفاء بالكتب التي يتلقى منها العلم فانه يستفيد. اما النقلة بين هذه الامور ممن تجده تارة عند شيخ ثم يتركه الى شيخ اخر او تجده تارة يقرأ في كتاب ثم يتركه قبل تمامه الى كتاب اخر او غير ذلك من احوال اهل النقلة فانها ترجع عليهم بالضرر. وربما جلس الطالب مديدة في اخذ العلم لا يؤنس انه احرز شيئا وهذه المرحلة مما يجري فيها امتحان العبد بصدق قلبه في طلب العلم فينبغي له ان يصبر وان يجد في طلب العلم فان العلم لا يؤخذ دفعة واحدة وانما يؤخذ شيئا فشيئا. والنفوس لا تتهيأ له عند اول استشراف له فان المرء لا يمكن ان يكون محصلا للعلم بمجرد رغبته. كما ان الذي يصلي في مبادئ امره لا يحصل من الخشوع اتمه. لكن من ادمن الصلاة ولزم فوضها ونفلها حصر خشوعها الاتم وكذلك الذي يلزم العلم ويوطن نفسه على الصبر فيه فانه يدرك لذته ويحصل بغيته. اما من يلزم درسا لعدة اشهر ثم يرجع الى نفسه بالفكر بانه لم يحصل شيئا فان هذا من الامتحان له بصدق رغبته فاذا ترك فذلك علامة ضجره وعدم فلاحه لكن اذا صابر ورابط واخذ على نفسه فانه امين له بعديدة ان يترشح للذة العلم وان يدركها وان يحصلها وان يؤنس ادراكه للعلم وان يذوق حلاوته يحمله ذلك على الازدياد منه. والمقصود ان الانسان ينبغي له في المبادئ ان يصبر نفسه. لان الفضائل مرة الاوائل حلوة الاواخر فالانسان اذا اراد ان يطلب العلم حصلت له مشقة ربما دعته نفسه الى ان يترك درسا الى درس او ان يترك شيخا الى شيخ ان يترك بلدا الى بلد ولا يكون ذلك نافعا له. ولكن النفس لضجرها ومللها وضعفها وهوانها تدعوه الى مثل هذه الاحوال فاذا اجاب داعيها وسار الى رغبتها اضر بنفسه وهذا اخر البيان على هذه الجملة من الكتاب وبالله التوفيق