قال المؤلف رحمه الله تعالى الرحمن الرحيم البر الكريم الجواد الوهاب الرؤوف. هذه الاسماء متقارب معناها وكلها تدل على انه موصوف بكمال الرحمة وسعة البر والاحسان. وكثرة المواهب والحنان والرأفة فجميع ما فيه العالم السفلي العلوي العلوي والسفلي من حصول المنافع والمحاب والمسار والخيرات ان ذلك منه ومن رحمته وجوده وكرمه وفضله. كما ان ما صرف عنهم من المكاره والنقم والمخاوف والاخطار والمضار فانها من رحمته وبري فانه لا يأتي بالحسنات الا هو ولا يدفع السيئات الا هو. ورحمته تعالى سبقته غضبه وغلبته وغلبته. وظهرت في خلقه ظهورا لا ينكر. حتى ملأت اقطار السماوات والارض منها القلوب حتى حنت المخلوقات بعضها الى بعض. بهذه الرحمة التي نشرها عليهم واودعها في قلوبهم فتاحنت البهائم التي لا ترجو نفعا ولا عاقبة ولا جزاء على اولادها. وشوهد من وافتها بهم وشفقتها العظيمة ما يشهد بعناية باريها ورحمته الواسعة وعمت مواهبه اهل السماوات والارض ويسر لهم المنافع والمعايش والاوزاع وربطها باسباب ميسرة وطرق مسهلة. فما من دابة في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها مستودعها وعلم تعالى من مصالحهم ما لا يعلمون وقدر لهم فيها ما لا يريدون. وما لا يقدرون وربما اجرى عليهم مكاره توصلهم الى ما يحبون. بل رحمهم للمصائب والالام فجعل الالام كلها خيرا لمؤمن من الذي يقوم بوظيفة الصبر؟ عجبا لامر المؤمنين امره كله خير ان اصابته سراء شكر وكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وليس ذلك الا للمؤمن. وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم والله اعلم وانتم لا تعلمون. وكذلك ظهرت رحمته في امره وشرعه غرورا تشهده البصائر والابصار. ويعترف اولو الالباب فشرعه نور ورحمة وهداية. وقد شرعه محتويا على الرحمة وموصلا الى اجل رحمة الى اجل رحمة وكرامة وسعادة وفلاح. وشرع فيه من التسهيلات والتيسيرات ونفي الحرج والمشقات ما يدل اكبر دلالة على سعة رحمته. على سعة رحمته وجوده وكرمه. ومناهيه ومناهيه ومناهي كلها رحمة لانها لحفظ اديان العباد. وحفظ عقولهم واعراضهم وابدانهم واخلاقهم واموالهم من الشعور والاضرار. فكل النواهي تعود الى هذه الامور وايضا الاوامر سهلها واعانها عليها باسباب شرعية واسباب قدرية. وذلك من تمام رحمته. كما ان النواهي جعل عليها من العوائق ما يحجز العباد عن مواقعتها الا من ابى وشرد. ولم يكن فيه خير من كل نية. وشرع ايضا من الرواجع والحدود ما يمنع العباد ويحجزهم عنها. ويقلل من الشرور شيئا كثيرا. وبالجملة فشرعه وامره بالرحمة واشتمل على الرحمة واوصل الى الرحمة الابدية والسعادة السرمدية. لا يزال رحمه الله تعالى يبين اسماء الله الحسنى الواردة في القرآن الكريم المنتظمة تحت قسم من اقسام النوع الاول من علوم القرآن وهو ما تعلق بالعقائد وسبق ان عرفت ان شرطه فيما يشرحه من الاسماء هو ورودها في القرآن كما قال فيما سلف شرح اسماء الله الحسنى الواردة في القرآن وقد عد المصنف رحمه الله تعالى هنا من اسماء الله عز وجل اسما ليس في القرآن الكريم وهو والجواد بل هذا الاسم عند جمهور اهل العلم ليس من اسماء الله عز وجل وهو الصحيح وانما في عد اسماء الله الحسنى ابن الوزير اليماني وروي في عد في بعض روايات عد في حديث ابي هريرة الطويل ولا يصح وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من اسماء الله ها هنا وهي الرحمن والرحيم والبر والكريم والوهاب والرؤوف كلها تتقارب في معناها وتدل على اتصاف الله عز وجل بكمال الرحمة وسعة البر والاحسان وكثرة المواهب والحنان والرأفة الخلق فرحمة الله سبحانه وتعالى وسعت كل شيء ومن جملة ذلك ما انتظم في العالم العلوي والسفلي من تحصيل المطلوبات المرغوبة ودفع المضار المغلوبة فانما الله عز وجل من حصول المنافع والمسار والمحاب والخيرات وما يهيئه من صرف المكاره والنقم والمخاوف والاخطار والسيئات كلها من رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه. ومن رحمته التي ملأت اقدار السماوات والارض ما بثه بين المخلوقات من رحمة. فان الوالد يرحم ولده حتى في البهائم العجماء ويسر الله سبحانه وتعالى للمخلوقات اسباب الرزق رحمة بهم فهيأ لهم من المنافع والمعايش والارزاق ما به قوام حياتهم ويسر اسبابها وبين طرقها. بل من رحمة الله سبحانه وتعالى من المؤمنين ان يجعل المصائب والالام خيرا لهم كما في حديث صهيب في صحيح مسلم وفي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء وصبر فكان خيرا له. فصارت الضراء في حق المؤمن من الرحمة التي يجريها الله سبحانه وتعالى عليه اذ يهيئ له المعونة على الصبر فيؤجر العبد عليه. وكذلك رحمته سبحانه وتعالى في امره وشرعه تشهد بها البصائر والابصار. فان الله سبحانه وتعالى فيما امرنا به او نهانا عنه كل ذلك جار على نظام رحمته عز وجل. وما احسن قول المصنف في اخر كلامه وبالجملة فشرعه وامره نزل بالرحمة واشتمل على الرحمة واوصل الى الرحمة. واجماع ذلك ان يقال ان الله رحمن رحيم وانزل على وارسل الينا محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة. وانزل عليه كتاب من جعله رحمة لنا. كما قال تعالى وما كنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب الا رحمة من ربك وامرنا بدين هو رحمة. وجعل الجزاء الوصول الى دار الرحمة انظر ما انتظم في هذه المعاني. فربنا موصوف كونه رحما رحيما وقد انزل الينا كتابا هو رحمة وارسل الينا رسولا ومحمد صلى الله عليه وسلم جعله رحمة مهداة. واشتمل شرعه على الرحمة ليوصل الخلق الى دار الرحمة وهي الجنة. ولابن القيم رحمه الله تعالى كلام بديع في الصواعق المرسلة ذكر فيه بكلام مبسوط اثار رحمة الله سبحانه وتعالى وشواهدها في الخلق. نعم. احسن الله اليكم. الخالق البارئ المصور. اي هو المنفرد بخلق جميع المخلوقات وبرأ بحكمته جميع البريات. وصور باحكامه وصور باحكامه وحسن خلقه جميع الكائنات فخلقها وابدعها وفطرها في الوقت المناسب لها وقدر خلقها احسن تقدير. وصنعها اتقن صنع وهداها اعطى كل شيء خلقه لا يقى به ثم هدى كل مخلوق لما هيء وخلق له. واذا كان هو الخالق الباري المصور لا شريك له في شيء من ذلك. فهو الاله الحق الذي لا يستحق العبادة الا هو. وهو الخالق وللذوات والافعال والصفات وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويجعل المؤمن مؤمنا والكافر كافرا من غير ان يجبر من غير ان يجبر العباد على غير ما يريدون. ففي عموم خلقه رد على القدرية حيث اخرج اهل على العباد وطاعتهما صياما دخولها تحت خلقه وتقديره. حذرا منهم وفرارا من الجبر. ولم يدروا ان كماله وكمال قدرته في الجبر وانه قادر على جعل العبد يفعل ما يختاره ما يختاره ويريده جاريا على قدره ومشيئتك فهو اعظم من ان يجبر العباد واعدل من ان يظلمهم بل هم الذين يريدون ويختارون والله هو الذي جعلهم ذلك وارادتهم وقدرتهم تابعة لمشيئة الله وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا من اسماء الله عز وجل ثلاثة اسماء وقعت في القرآن على نسق واحد في اخر سورة الحشر هي الخالق البارئ المصور. وهذه الاسماء الثلاثة تشترك في امر مقدر وهو الايجاد. فمعاني خلق والبرأ والتصوير كلها تجتمع في اصل الايجاد. الا ان بينها فرقا لطيفا الخلق يتعلق بالايجاد العام وهو التقدير. والبرأ يتعلق بفصل المقدرات من الموجودات بعضها عن بعض فهو اخص من المعنى العام. والتصوير تتميم للفصل. بالتفريق بالصور تتميم للفصل بالتفريق للصور. فالله عز وجل خالق بارئ مصور فهو خلق الاشياء بتقديرها. تقديرا عاما في ايجادها. ثم فصل نظائرها بعضها عن بعض ثم فرق بينها بالصور. فالحيوانات مثلا قد قدرها الله عز وجل من موجوداته. ثم فرق بين هذه الحيوانات بما من انواعها وبرأ فالاسد غير الفهد غير النمر مع كونها من السباع جميعا ثم في الجنس الواحد كالاسود مثلا وللفهود مثلا جعل لكل واحد من هذه الكائنات صورة تختص به وهذا دال على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى. واذا كان هو الخالق البالغ المصور وهذا من اعظم دلائل ربوبيته فهو عز وجل المستحق للعبادة كما قال المصنف واذا كان هو الخالق وحده الباري حتى قال فهو الاله الحق الذي لا يستحق العبادة الا هو ثم ذكر ان في عموم خلق الله سبحانه وتعالى الرد على القدرية. الذين اخرجوا افعال العباد وطاعاتهم عن دخولها تحت خلق الله ان العبد يخلق فعله فررا من الجبر. ولم يعلموا ان كمال قدرة الله وكمال رحمته يقتضي نفي الجبر بان يجعل للعبد مشيئة واختيارا يختار بها ما يشاء من طاعة او معصية وهذا اخر ما يتعلق بالتعقيد على هذا الكتاب في هذا المجلس. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين