السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل وتعبدنا به طول الحياة الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما عقد مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التقديم. اما بعد فهذا الدرس الثامن في شرح الكتاب الرابع من برنامج التعليم المستمر في سنته الاولى سنة ثلاثين بعد والالف واحدى وثلاثين بعد الاربعمائة والالف. وهو كتاب تعليم الاحب احاديث النووي وابن رجب العلامة فيصل ال مبارك رحمه الله تعالى ويليه الكتاب الخامس وهو واعلام السنة المنشورة للعلامة حافظ ابن احمد الحكمي رحمه الله تعالى ثم يتلوهما الدرس الرابع في شرح الكتاب السادس وهو كتاب قرة العين للعلاج امة محمد ابن محمد الحطاب الرعيني رحمه الله تعالى ثم يتلوه الكتاب السابع وهو القول المنير العلامة اسماعيل ابن عثمان الزين رحمه الله تعالى. وقد انتهى بنا البيان في شرح كتاب الرابع الى قول رحمه الله تعالى الحديث التاسع عشر. نعم. احسن الله اليكم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا المسلمين قال النووي رحمه الله تعالى الحديث التاسع عشر عن ابي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال يا غلام اني اعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك. اذا سألت فاسأل الله. واذا استعنت فاستعن بالله. واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك. وان اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وفي رواية غير الترمذي احفظ الله تجده امامك. تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. واعلم ان ما اخطأك لم كن ليصيبك وما اصابك لم يكن ليخطئك واعلم ان النصر مع الصبر. وان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسر راء قال الشارح رحمه الله تعالى هذا الحديث يتضمن يتضمن وصايا عظيمة وقواعد من اهم امور الدين قوله احفظ الله يحفظك اي احفظ حدوده وحقوقه يحفظك في دينك ودنياك قال بعض السلف من حفظ الله في صباه حفظه الله في كبره. قوله احفظ الله تجده تجاهك اي امامك ومعناه ان من حفظ حدود الله وراعى حقوقه وجد الله معه في كل احواله. قال الله تعالى ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. وهذه معية خاصة. وقال تعالى اجر من احسن عملا. قال قتادة من يتق الله يكن معه. ومن يكن معه ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب والحارس الذي لا ينام والهادي الذي لا يضل. ابتدأ المصنف رحمه الله تعالى بيان معاني هذا الحديث بذكر رتبته. فبين عظم مقامه بقوله هذا الحديث تضمنوا وصايا عظيمة وتقدم ان اسم الوصية موضوع في لسان العرب للامر ظن فكل ما جاء موصوفا بهذا النعت في الكتاب والسنة هو امر عظيم كما انه يتضمن قواعد كلية من اهم امور الدين مما يتعلق احكام الخبرية والطلبية على حد سواء. ومن كمال كلام المتكلم جلالة ما يتضمنه وهذا الحديث يتضمن قواعد مختلفة منها ما يرجع الى خطاب الخبر ومنها ما يرجع الى الخطاب الطلبي ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى بيان جملتين اثنتين هما قوله صلى الله عليه وسلم رضي الله يحفظك وقوله احفظ الله تجده تجاهك. فان هاتين الجملتين عملا وجزاء. فاما العمل فهو حفظ الله. واما الجزاء فهو المذكور في قوله يحفظك وقوله تجده تجاهك والمراد بحفظ الله سبحانه وتعالى فسره المصنف بقوله احفظ حدوده حقوقه وهذا بعض ما يتعلق بحفظ الله عز وجل فان المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم احفظ الله اي احفظ امر الله عز وجل. وامر الله عز وجل نوعان احدهما امره القدري. وحفظه يكون بالتجمل بالصبر وعدم الجزع والتسخط والاخر امره الشرعي. وحفظه يكون بتصديق قدر وامتثال الطلب فعلا وتركا وحفظه يكون بتصديق الخبر وامتثال الطلب فعلا وتركا وهذا مشتمل على القدر الواجب اللازم من حفظ امر الله سبحانه وتعالى. ووراء هذا الواجب قدر زائد في كل نوع من نوعي امره عز وجل. واما الجزاء فان كما تقدم مذكور في قوله صلى الله عليه وسلم يحفظك وفي قوله تجده تجاهك اي امامك كما قال المصنف. وهذا الجزاء مركب من مقامين اثنين احدهما مقام الوقاية فيقي الله العبد كلما يضره والاخر مقام العناية فيهيئ الله سبحانه وتعالى للعبد كل ما ينفعه وقوله صلى الله عليه وسلم تجده تجاهك يختص بمقام العناية واما قوله يحفظك فهو يشمل هذا وهذا. فان وجدان الله عز وجل الا تجاه العبد هو من جملة ما يندرج في حفظه سبحانه وتعالى لعبده فيكون الحفظ اعم من وجدان العبد ربه تجاهه وكل ذلك من معية الله عز وجل الخاصة لعباده. فان معية الله عز وجل للخلق نوعان احدهما معيته العامة للخلق جميعا بالعلم والاحاطة والاخر معيته الخاصة وهي لعباده المؤمنين بالوقاية والرعاية وهذا المقام العظيم من اعظم ابواب الفقه لمدارك الاسماء والصفات فان من اعظم المطالب القلبية تحصيل معية الله سبحانه وتعالى لعبده معية خاصة فيتطلب العبد الاعمال التي تقربه الى الله عز وجل حتى يكون معه برعايته ونصره واحاطته. وبذلك يتفاضل الخلق فان معيته العامة تكون للمؤمن والكافر والبر والفاجر لكن معيتهم خاصة تكون لكلص عباده من المؤمنين. نعم احسن الله اليكم. قوله تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. هذه معرفة خاصة. قال النبي صلى الله عليه وسلم من سره ان يستجيب الله له عند الشدائد عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء. وقد قال الله تعالى فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا. قال ينجيه من كل كرب في الدنيا اخرة ذكر المصنف رحمه الله تعالى بيان معنى جملة ثانية من جمل الحديث هي قوله صلى الله عليه وسلم تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. وقال في افتتاح بيانه هذه معرفة خاصة اي من الله عز وجل لعبده فانها هي المرادة في هذه الجملة. ومعرفة الله عبده نوعان اثنان احدهما معرفة عامة. بعلمه به واطلاعه عليه والاخر معرفة خاصة برعايته وتأييده. وهي المطلب الاعظم. من معرفة الله عز وجل عبده. واورد المصنف رحمه الله تعالى مما يتعلق بهذه المعرفة حديثا ضعيفا وهو قوله صلى الله عليه وسلم من سره ان يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء وهو ان كان ضعيف السند الا ان معناه صحيح لان معرفة الله عز وجل بعبده انما تتزايد وتعظم بحسب معرفة عبدي ربه فاذا كان العبد مرضا بدعاء الله مقبلا عليه في حال سعته ورخائه فان الله عز وجل يكون عونا له ونصيرا اذا حلت به الشدائد. ومن منزلة العبد من ربه بحسب منزلة ربه منه. كما قال ابن القيم رحمه الله الله تعالى معرفة الله لعبده بحسب ايمانه. فمن زاد ايمانه لك معرفة الله له. ومن نقص ايمانه كانت معرفة الله كذلك. وقال بعضه السلف اذا اردت ان تعرف ما لك عند الله فانظر ما لله عندك. وقال قرف بن العلاء بالشخير فيما رواه ابو نعيم الاصبهاني في كتاب الحلية سند صحيح من صفى صفي له ومن خلط خلط عليه. اي اذا صف الانسان اعماله لله عز وجل فكان متعرفا ربه بالاعمال الصالحات فان الله عز وجل يعرفه وينجده اذا استغاث به سبحانه وتعالى. وفي هذا ابن الجوزي مكررا قاعدة نفيسة في صدر فصل له. في صيد الخاطر يقول تصفية احوال على قدر تصفية الاعمال انتهى كلامه. اي ان صفاء احوال العبد وكمالا على قدر احسانه لاعماله اخلاصا ومتابعة واورد المصنف رحمه الله تعالى مما يندرج في بيان هذه الجملة ما رواه الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا قال ينجيه من كل كرب في الدنيا والاخرة فان حقيقة المخرج وجود الفرجة والسعة له. فاذا اتقى العبد ربه جعل الله عز وجل له فرجا وسعة في كل امر يضيق به. نعم. احسن الله اليكم. قوله واذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله هذا منتزع من قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين فان السؤال هو دعاؤه والرغبة اليه والدعاء هو العبادة. وخرج ابن ابي الدنيا من حديث ابي عبيدة ابن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه ان رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان بني فلان اغاروا علي فذهبوا بابني وابلي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ان ال محمد كذا وكذا اهل بيت ما لهم مد من طعام او صاع فسل الله عز وجل. فرجع الى امرأته وقالت ما قال لك؟ فاخبرها؟ فقالت نعم ما رد عليك من طعام او صاع صاع معطوفة على مد احسن الله اليكم ما لهم مد من طعام او صاع فاسأل الله عز وجل. فرجع الى امرأته وقالت ما قال لك. فاخبرها فقالت نعم ما رد عليك فما لبث ان رد الله عليه ابنه وابله اوفر ما كانت فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره اذا منبر فحمد الله واثنى عليه وامر الناس بمسألة الله بمسألة الله عز وجل والرغبة اليه والرغبة وقرأ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. وقال وهب بن منبه لرجل كان يأتي الملوك ويحك تأتي من يغلق عنك بابه. ويظهر لك فقره ويواري عنك غناه. وتدع من لك بابه نصف الليل ونصف النهار يظهر لك غناه ويقول ادعوني استجب لك. ذكر المصنف رحمه الله تعالى بيان جملة اخرى من حديث ابن عباس وهي قوله صلى الله عليه وسلم اذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله وبين ان هذا منتزع من قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين ومقصوده بقوله رحمه الله تعالى منتزع من قوله تعالى اي عائد الى معناه فان النبي صلى الله عليه عليه وسلم يتبع الوحي الذي اوحي اليه من القرآن واحاديثه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا هي بيان لمعانيه. وقد صنف بعض قدماء المغاربة. من الحفاظ عجيبا شرح فيه سنن ابي عبد الرحمن النسائي بالايات القرآنية فهو قد اختط في بيان معاني الاحاديث ذكرى الاي الموافقة لمعناها تصديقا وايضاحا وشرحا. وهذا من احسن مدارك العلم. وقل من الحديث من يعاني هذه الصنعة بتوثيق الصلة بين القرآن والسنة. فان المفسرين له عناية بذكر الاحاديث التي تفسر القرآن فكتبهم مشحونة بذلك اما روح الاحاديث فانه يندر ان تجد من يعتني بذكر اية القرآن الكريم التي تبين معاني حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع قوة الصلة بين الكتاب والسنة وكونهما وحيا من عز وجل فمن احسن مآخذ العلم رعاية هذا والتفطن له. وهو نافع في حل اشكالات ورفع قوامض مشكلات ومن ادام النظر في الوحيين وجد صدق ذلك ان ما يراه رأي عين والقرن بين العبادة والاستعانة في الاية والحديث بمناسبة جليلة. وسبق ان ذكرت لكم ان من سنن الكلام رعاية الاقتران. فان الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يقرنان بين لفظ واخر الا لوجود صلة وثيقة بينهما. والامر بالعبادة مع الاستعانة وجهه ان العبادة هي الحكمة التي خلق من اجلها الخلق. فان الله خلق الخلق ليعبدوه ولا قدرة لهم على العبادة الا بعون الله عز وجل فهو فهم مفتقرون الى عونه. كما قال الشاعر اذا لم يكن من الله عون للفتى فاول ما يجني عليه اجتهاده. وقال الاخر اذا لم يكن عون من الله للفتى اتته الرزايا من وجوه الفوائد ثم ذكر المصنف ان سؤال الله هو دعاؤه والرغبة اليه والدعاء هو العبادة. وهذه الجملة صحت من حديث النعمان بن بشير في السنن ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى حديثا عظيما في سؤال الله عز وجل وهو حديث ابي عبيدة ابن عبد الله ابن مسعود ان رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم امر الرجل ان يسأل الله فقال له فاسأل الله عز وجل ثم وقع ما وقع للرجل من رد ابنه وابله عليه ثم ما كان من امر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمسألة الله عز وجل والرغبة اليه. وهذا الحديث قد رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الايمان وغيرهما من حديث ابي عبيدة ابن عبد الله ابن مسعود عن ابيه عبد الله ابن مسعود موصولا بذكر ابيه باسناد حسن غريب وقد حسنه جماعة من اهل العلم لكن من قواعد التعليل ان الحديث الذي يخرج عن اصول الاسلام بسند مشهور فان فيه علة فهذا الحديث روي بسند كوفي ولم يوجد هذا الحديث في الكتب المشهورة كالاصول الستة او مسند احمد او الدارمي او معاجم الطبراني على سعتها وانما وجد في مثل مستدرك الحاكم وغيره فمن مشى مع هذا الظاهر جعل الحديث حسنا واعمالها هذه القاعدة التي ذكرت لك تورث في قلبك توجها الى معرفة علة الحديث. قد ختم احد الاخوان تخريجا على احاديث هذا الكتاب فمشى على الظاهر. لكن لما كان متقررا ما ذكرت لكم من قاعدة فبعدت بالنفس ان يكون هذا الحديث مع جلالة معناه والافتقار اليه وكونه اصلا في الامر بسؤال الله عز وجل تخلو منه اصول الاسلام ومن قواعد التعليل مفارقة الحديث لاصول الاسلام الكبار. كما ذكر ذلك ابن الجوزي في الموضوعات والسيوط في الراوي وهذا الحديث له علة والصواب فيه الارسال كما اخرجه ابن ابي دنيا في كتاب الفرج بعد الشدة ثم وقفت بعد ذلك على اعلان الدارقطني رحمه الله تعالى له كلام مختصر قال فيه والصحيح المرسل وهو المعتمد فالمحفوظ في هذا الحديث انه حديث مرسل والمرسل من جملة حديث الضعيف ثم اتبعه المصنف باثر موقوف عن وهب ابن المنبه رواه في الزهد ان وهبا قال لرجل كان يأتي الملوك ويحك تأتي من يغلق عنك بابه ويظهر لك كفقره ويواسي عنك غناه وتدع من يبتعد لك بابه نصف الليل ونصف النهار. يظهر لك غناه ويقول ادعني استجب لك وهذا من ابلغ النصح. فان الملوك يحتجبون عن الخلق. ولا يبادرون واما الله سبحانه وتعالى فهو يتودد الى الخلق في امرهم بسؤاله ووعده باجابة دعائهم واغناء فقرهم وسد حاجتهم. وما احسن ابي العتاهية العنزي في بيت شهير له اذ قال الله يغضب ان تركت سؤاله وبني ادم حين يسأل يغضب. فهذا حال الخلق. فانهم حريصون على بقاء ما في ايديهم. واذا سئلوا شيئا والح السائل عليهم ربما غضبوا. اما الله عز وجل فانه يتودد الى الخلق ويأمرهم بسؤاله ويعدهم باجابتهم فما احسن قوله الله يغضب ان تركت سؤاله وبني ادم وبني ادم حين يسأل يغضب. نعم. احسن الله اليك قوله واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك. وان اجتمعوا على الا ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك. فيه الايمان بالقدر. قوله رفعت الاقلام الصحف هذا كناية عن تقدم كتابة المقادير والفراغ منها. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ان اول ما خلق الله القلم ثم قال له اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن الى يوم القيامة قوله واعلم ان النصر مع الصبر ذكر المصنف رحمه الله تعالى فيما سلف بيان جمل تتعلق وباثبات القدر. فالجملة الاولى المبتدأة بقوله صلى الله عليه وسلم واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك الى قوله الا بشيء قد كتبه الله عليك فيها الايمان بالقدر وان الله سبحانه وتعالى قدر الامور تقديرا كما قال سبحانه وتعالى ان كل شيء خلقناه بقدر ثم اتبعه بجملة اخرى وهي قوله ورفعت الاقلام وجفت الصحف. وهذه الجملة يراد بها ثبوت المقادير. الله سبحانه وتعالى قد فرغ من مقادير الخلق فقد قدرها وعلمها وكتبها ثم هو سبحانه وتعالى يخلقها وله النافذة في امظائها. فاشير بقوله رفعت الاقلام وجفت الصحف الى ثبوت مقادير الخلق ثم اورد المصنف رحمه الله تعالى الحديث الذي رواه ابو داوود والترمذي وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اول ما خلق الله القلم ثم قال له اكتب فجرأتيه في تلك الساعة بما هو كائن الى يوم القيامة والمراد اثبات كتابة المقادير بقلم القدر الذي امره الله سبحانه وتعالى بكتابتها فكتب كما امره الله سبحانه وتعالى. وهذه الاولية هل هي مطلقة او مقيدة قولان لاهل العلم كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية والناس مختلفون في القلم الذي كتب القضاء به من الديان هل كان قبل العرش ام هو بعده؟ قولان لابي قولان عند ابي العلى الهمداني يعني ان ابا العلاء الهمداني وهو احد اهل العلم باعتقاد من اهل السنة ذكر اختلاف اهل السنة في اول مخلوق على قولين اثنين احدهما ان المتقدمة هو العرش والاخر ان المتقدم هو قلم القضاء الذي كتبت به المقادير. والصحيح ان الاول مطلقا هو العرش ولذلك قال ابن القيم في تتمة هذه الابيات قال ايش؟ حر والحق ان العرش قبل لانه كان ايش لانه قبل الكتابة كان مدعم الاركان دعم الاركان والصواب ما اختاره ابن القيم رحمه الله تعالى ان العرش مخلوق قبل القلم. نعم. احسن الله اليكم. قوله واعلم ان النصر مع هذا موافق لقوله تعالى الصابرين قال بعض السلف كلنا يكره الموت والم الجراح ولكن نتفاضل بالصبر وقال بعضهم الحياة هي الرضا والقناعة. قال الحسن الرضا عزيز ولكن الصبر معول المؤمن معول. معول المؤمن قوله وان الفرج مع الكرب هذا يشهد له قول الله تعالى وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنط وينشر رحمته قوله وان مع العسر يسرا. هذا منتزع من قوله تعالى سيجعل الله بعد عسره يسرا ذكر المصنف رحمه الله تعالى بيان جمل متقاربة في مقصدها هي قوله صلى الله عليه عليه وسلم واعلم ان النصر مع الصبر هو ذكر انه موافق لقوله تعالى كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين. والشاهد من الآية قوله والله مع الصابرين. فإنهم لما صبروا نصروا. ثم اورد قول بعض السلف ولم يسمه كلنا يكره الموت والم الجراء. ولكن تفاضلوا بالصبر. ولما الا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن بني بني المهلب وكانوا من شجعان العرب عن الشجاعة فقالوا يا امير المؤمنين الشجاعة صبر ساعة. اي ان هذا المقام الذي شهر به من الشجاعة انما نالوه بالصبر. ثم مما اورد قول بعض السلف ايضا الحياة الطيبة هي الرضا والقناعة. وهذا مروي عن الحسن البصري عند ابن جرير بنحو هذا اللفظ فانه قال الحيات الطيبة القناعة. ثم ذكر قول الحسن الرضا عزيز ولكن الصبر معول المؤمن. وعزو هذه الكلمة الى الحسن اصلي موجود في كلام ابي العباس ابن تيمية في مواضع وتلميذه ابي عبد الله ابن القيم وحفيده بالتلمذة ابي الفرج ابن رجب في فتح الباري لكنها لم توجد مسندة عنه وانما ما اويت في الكتب المسندة عن عمر بن عبدالعزيز. فقد رواها عنه هناد بن السري. في كتاب الزهد وعبد الله بن احمد في زوائد الزهد لابيه انه قال الرضا عزيز ولكن الصبر معول المؤمن ان هذه الجملة من كلام عمر ابن عبد العزيز ولعله وقع انتقال ذهن الى الحسن البصري ثم شاعت نسبتها اليه وهذا يوجد في جملة من الاثار. ومعنى قول الحسن الرضا عزيز اي انه شاق على النفوس قل من يحوزه ويوجد معه. ولكن اكثر الخلق انما يتلقون المصائب النازلة بالصبر فالمؤمنون يعولون عليه. فان تلقي المصائب النازلة له ثلاث مقامات له ثلاثة مقامات اولها الصبر وهو واجب وتانيها الرضا وهو مستحب وثالثها الشكر وهو مستحب فاذا نزلت بالعبد مصيبة عليه الصبر فاذا كمل ايمانه ورزق الرضا فذلك مقام اعظم. واذا تهيأ له ان يرتقي الى الشكر فذلك مقام اعظم واعظم. ثم ختم ببيانه معنى قوله صلى الله عليه وسلم وان الفرج الكرب وان مع العسر يسرا فذكر ان الجملة الاولى منتزعة من اية وان الجملة الثانية منتزعة من اية اخرى وهذا من مآخذ العلم التي ذكرت انفا انه تنبغي رعايتها في تصديق الاحاديث النبوية بالايات القرآنية. واذا كان طالب العلم مدمن النظر مرسل الفكر في مثل هذا المأخذ. قويت ملك في الجمع بين النصوص وتصديق بعضها ببعض وهذا من اعظم العلم واجله. فاعظم ان تعرف ما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ومواضع دلالة قول كل من كل منهما على الاخر فان معرفة الفاظ الشرع اولى من معرفة الفاظ الخلق هذا اخر البيان على هذه الجملة من هذا الكتاب وهذا الحديث وهو حديث ابن عباس قد افرده جماعة بالشرح والايضاح ومن اجل الكتب في ايضاحه كتاب مشكاة الاقتباس. لابي الفرج ابن رجب الله تعالى انه كتاب عظيم ينبغي ان يقرأه طالب العلم اكثر من مرة