السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات وتعبدنا به طول الحياة الى الممات. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم. وعلى آله وصحبه الحائزين مراتب التقديم. اما بعد فهذا الدرس الحادي عشر من الكتاب الرابع من برنامج التعليم المستمر في سنته الاولى سنة ثلاثين بعد الاربع مئة والالف واحدى وثلاثين بعد الاربع مئة والالف وهو كتاب تعليم الاحب للعلامة فيصل ال مبارك رحمه الله ثم يتلوه كتاب اعلام السنة المنشورة للعلامة حافظ الحكمي رحمه الله تعالى ثم يليهما درس السابع من الكتاب السادس وهو قرة العين العلامة محمد الحطاب الرعيني رحمه الله على ثم يليه الكتاب السابع وهو القول المنير للعلامة اسماعيل ابن عثمان الزين رحمه الله تعالى وقد انتهى بنا البيان الى في الكتاب الاول وهو تعليم الاحب للحديث الرابع والعشرين. نعم. احسن الله اليك بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا. وعلى اله وصحبه اجمعين. قال النووي رحمه الله تعالى الحديث الرابع والعشرون عن ابي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل انه قال يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته وبينكم محرما فلا تظالموا. يا عبادي كلكم ضال الا من هديته فاستهدوني اهدكم. يا عبادي كلكم بيع الا من اطعمته فاستطعموني اطعمكم. يا عبادي كلكم عار الا من كسوته فاستكسوني اكسكم. يا عبادي انكم تخطئون بالليل والنهار وانا اغفر الذنوب جميعا. فاستغفروني اغفر لكم. يا عبادي انكم لن تبلغوا كيف تضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني؟ يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى برجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي لو ان اولكم واخركم وان انسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي لو ان اولكم اولكم واخركم وانسكم وجنكم. قاموا في صعيد واحد فسألوني فاعطيت كل واحد مسألته. ما نقص ذلك من ما عندي الا كما ينقص المخيط اذا ادخل البحر. يا عبادي انما هي اعمالكم احصيها لكم ثم اوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه. رواه مسلم. قال الشارح رحمه الله تعالى هذا حديث جليل شريف وهو من الاحاديث القدسية التي يرويها النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل ابتدأ المصنف رحمه الله تعالى بيان هذا الحديث بذكر رتبته بان ذكر رتبة الشيء تحمل النفوس موسى على التشوف اليه. فبين رحمه الله تعالى ان هذا حديث جليل شريك وهدان الوصفان متعلقان بالمعنى وقد غلب على المتأخرين اتباع الاحاديث بقولهم حديث شريف وهذا الوصف لا يفيد ثبوتا ولا ضعفا وانما فيه اشارة الى جلالة المعنى واكمل الاحاديث شرفا هي الاحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فما ثبت نقلا عن النبي صلى الله عليه وسلم مع جلالة معناه فانه يقال في مثله حديث وكل الاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم جليلة الا انها متفاضلة فكما يقطع بوقوع التفاضل بين سور القرآن الكريم. فيقال الفاتحة هي افضل القرآن الكريم. فكذلك يقال مثله في احاديث النبي صلى الله عليه وسلم. فان جوامع الكلم من حديثه صلى الله عليه وسلم مقدمة على غيرها وهي ما قل لفظه وعظم معناه. كحديث انما الاعمال بالنيات المتفقة عليه او حديث الدين النصيحة الذي رواه مسلم. فمثل هذه الاحاديث يقال في حديث شريف وهي اولى بهذا الوصف من غيرها من الاحاديث الثابتة التي لا تشاركها جلالة المعنى فضلا عن الاحاديث التي لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الوصف قديم قد استعمله جماعة من الحفاظ كابي نعيم الاصبهاني رحمه الله تعالى. ثم تزايد استعماله حتى غلب على غيره عند المتأخرين. فصار اكثر الاوصاف التي تطلق على الحديث قولهم حديث شريف وهذا الحديث من شرفه انه من الاحاديث القدسية والاحاديث القدسية هي الاحاديث التي تضاف الى الله سبحانه وتعالى. وتسمى بالاحاديث القدسية والاحاديث الالهية والاحاديث الربانية. فتسميتها بالاحاديث القدسية هي من اضافتها الى وصف التقديس وهو التعظيم لله سبحانه وتعالى. واضافتها الى الالهية نسبة الى اسمه الله. وكذلك اضافتها الى الربانية. هي من اضافتها الى اسمه الرب سبحانه وتعالى فما كان من الاحاديث مرويا عن الله عز وجل قيل فيه حديث قدسي او الهي او رباني وهذه الاحاديث قدسية قد ذكر المصنف رحمه الله تعالى حقيقتها فقال التي يرويها النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل. فهي من الاحاديث التي اخبر النبي صلى الله عليه وسلم انها عن الله عز وجل. فيأتي في سياق الاسناد ما يدل على ذلك كما في هذا الحديث فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل. فهي رواية من النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل. وهي تشارك القرآن في ان القرآن كلام الله. وكذلك هذه الاحاديث القدسية هي كلام الله سبحانه وتعالى الا لفظا ومعنى. اما القول بانها من الله سبحانه وتعالى معنى ومن النبي صلى الله عليه وسلم لفظا فانه مبني على عقيدة الاشاعرة الذين يقولون ان كلام الله معنى قائم بذاته. يعبر عنه بالفاظ تدل عليه. ومن هذا الجنس عندهم الاحاديث الالهية فانها معنى قائم بالله عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الالفاظ التي اخبرنا صلوات الله وسلامه عليه. فكلاهما عن الله عز وجل لفظا ومعنى لكن بينهما فروقا يحصل بها التمييز بين هذا وذاك. فان القرآن متعبد بلفظه واما هذه الاحاديث فلا يتعبد بلفظها الا ما كان ذكرا. فان كان لامر خارج عن حقيقة الكلام كقوله ذكرا صار التعبد لاجل هذا العارض. كما ان التحدي انما وقع بالقرآن الكريم فهو الذي يتعلق به الافحام عند الخصام مع العرب بخلاف هذه الاحاديث الالهية ولبعض المتأخرين رسالة نفيسة في الفرق بين الاحاديث الالهية والقرآن الكريم وحديث النبي صلى الله عليه وسلم طبعت منسوبة الى ابن القيم رحمه الله تعالى ولا تصح نسبتها اليه وانما هي لاحد العلماء المتأخرين ممن لم يوقف على اسمه لكنها ليست جزما من كلام ابي عبد الله ابن القيم رحمه الله تعالى نعم احسن الله اليكم قوله يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يعني ان الله سبحانه وتعالى منع نفسه من الظلم لعباده وحرمه عليهم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ما ما افادته هذه الجملة من تحريم الظلم وذلك ان الله منع نفسه من الظلم لعباده وحرمه عليهم وفي ذلك تعظيم لجناية الظلم. فان الظلم استفيد تحريمه من احداهما ان الله عز وجل حرمه على نفسه مع كونه قادرا عليه مالكا للخلق لكنه جعله محرما على نفسه. والجهة الثانية انه سبحانه وتعالى امر الخلق ان يتعبدوا له بتحريم الظلم. وقد اختلف اهل العلم رحمهم الله تعالى في حقيقة الظلم ولهم في ذلك كلام طويل. وهذه المسألة من مضايق الانظار. والمختار ان الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه كما اختاره ابو العباس ابن تيمية الحفيد وتلميذه ابن القيم وقد بسط ابو العباس ابن تيمية كلامهم مميزا منتقدا له في شرح حديث ابي ذر الغفاري رسالة مفردة من رسائله رحمه الله تعالى. ومن قواعد الامر والنهي ان الامر والنهي الذي يقترن به ما يزيد عن دلالته يكون اقوى في المطالبة فالامر الذي يطالب به النبي صلى الله عليه وسلم والخلق اشد مطالبة مما يطالب به الخلق وحدهم فيكون هذا تعظيما للامر كما في قوله تعالى يا ايها النبي اتق الله وقوله تعالى يا ايها الناس اتقوا ربكم فان الامر بوشر به النبي صلى الله عليه وسلم ثم رد ثانية للخلق تعظيما للمأمور به وكذلك النهي. اذا قرن به ما يدل على تعظيمه كان اقوى في تحريمه كما في هذا الحديث. فان الله سبحانه وتعالى اخبر عن حرمته فقال وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. وقرن هذا بما يدل على تأكيد حرمته بقوله اني حرمت الظلم على نفسي. نعم احسن الله اليكم. قوله يا عبادي كلكم ضال الا من هديته فاستهد فاستهدوني اهدكم. هذا يقتضين جميع الخلق مفتقرون الى الله تعالى في جلب مصالحهم ودفع مضادهم في امور دينهم ودنياهم. وفيه ان الله تعالى يحب ان يسأله العباد ويستغفروه وفيه ان ملكه لا يزيد بطاعة الخلق ولا ينقص بمعصيتهم. وان خزائنه لا تنقض لا تنفذ ولا تنقص وان ما اصاب العبد من خير فمن فضل الله تعالى وما اصابه من شر فمن نفسه وهواه. ذكر المصنف رحمه الله على ثلاث فوائد تستفاد من قوله تعالى يا عبادي كلكم ضال الا من هديته. الاولى التحقيق افتقار الخلق الى الله سبحانه وتعالى. لانهم ضلال لا يخرجون من هذا الضلال الا بهداية الله سبحانه وتعالى لهم. وذكر الهداية ذكر لاشد مظاهر فان اشد مظاهر الافتقار التي تتبدى من المخلوق الضعيف افتقاره الى هداية الله سبحانه وتعالى فافتقاره الى الهداية اعظم من افتقاره الى الطعام والشراب. والله سبحانه وتعالى يقول في تحقيق هذا الاتقار يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله. فالمخلوق مفتقر الى ربه سبحانه وتعالى. واعظم مظاهر فقره افتقاره الى هداية الله سبحانه وتعالى له. والفائدة الثانية ان الله تعالى يحب ان يسأله العباد ويستغفروه كما قال فاستهدوني اهدكم. اي اسألوني الهداية اطلبوها مني اهدكم واوفقكم اليها. والدليل على طلب السؤال الالف والسين والتاء. فان الالف والسين والتاء في اصل وضعها دالة على الطلب فكأن معنى قوله فاستهدوني اي اطلبوا مني الهداية والله سبحانه وتعالى يحب ان يسأله العباد ويستغفروه. وفي الصحيحين من حديث ابي هريرة في حديث التنزل الالهي في الثلث الاخر من الليل ان الله سبحانه وتعالى يقول من يدعوني فاستجيب له. من يستغفرني كيف اغفر له؟ من يسألني فاعطيه. وهذا دال على محبة الله سبحانه وتعالى. لعباده ان يسألوا ويستملحوا منه سبحانه وتعالى. وانما احب الله عز وجل هذا لانه ابراز لحقيقة في عبوديتهم وتألههم لله عز وجل. فان عابد الله حقا والمتأله له صدقا هو الذي يديم سؤال الله سبحانه وتعالى فالذي يقرع باب سؤاله في كل لحظة ويرد طلبه مرة بعد مرة هو ممعن في التأله والتعبد لله سبحانه وتعالى يحقق للمقصود الاعظم من خلقه وهو عبادة الله عز وجل والفائدة الثالثة ان ملك الله عز وجل لا تزيده طاعة الطائعين ولا تنقصه معصية العاصين وان خزائن الله سبحانه وتعالى لا تنفد اي لا تنقضي ولا تنقص فلا تغيير وانما اصاب العبد من خير فمن فضل الله وما اصابه من شر فمن نفسه وهواه. لان الملك كله بيد الله. كما قال الله سبحانه وتعالى تبارك الذي بيده الملك. فتمام ملكه سبحانه وتعالى موجب الا يزيد بطاعة طائع ولا ينقصا بمعصية عاص. نعم. احسن الله اليكم. الحديث الخامس والعشرون عن ابي ذر رضي الله عنه ايضا ان ناسا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذهب اهل الدثور بالاجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول اموالهم. قال اوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟ ما تصدقون بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وامر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع احدكم صدقة قالوا يا رسول الله ايأتي احدنا شهوته ويكون له فيها اجر قال ارأيتم لو لو وضعها في حرام اكان عليه وزر؟ فكذلك اذا وضعها في الحلال كان له اجر. رواه مسلم. قال رحمه الله تعالى في هذا الحديث فضيلة التسبيح وسائر الاذكار والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واحضار النية الصادقة مباحات وان له في ذلك اجرا اذا نوى اعفاف نفسه او غير ذلك من المقاصد الحسنة. ذكر المصنف رحمه الله تعالى من فوائد هذا الحديث فضيلة التسبيح وسائر الاذكار كما قال والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واحضار النية الصادقة في المباحات. وان له في ذلك اجرا اذا نوى اعفاف نفسه او غير ذلك من المقاصد الحسنة وهذا الذي ذكره المصنف اخيرا من احضار النية في المباحات ومنها نية اتيان لزوجه اذا نوى اعفاف نفسه او غير ذلك من المقاصد الحسنة لا تؤخذ من الحديث مباشرة بل ظاهر الحديث ان العبد يؤجر على المباح. ففي الحديث وفي بضع احدكم صدقة. اي في اتيانه اهل قالوا يا رسول الله ايأتي احدنا شهوته ويكون له فيها اجر؟ قال ارأيتم لو وضعها في حرام اكان عليه وزر؟ فكذلك اذا وضعها في الحلال كان له اجر. فظاهر الحديث ان ذلك لا يتعلق بنية. فالمتعلق الفعل فاذا وضعها في حلال كان له اجر واذا وضعها في حرام كان عليه وزر اما ما يتعلق بالحرام فان العمل فيه كاف عن النية فانه يكون له وزر بذلك. واما في الحلال فان انه يفتقر الى النية فهذا من الاحاديث المطلقة التي تحمل على الاحاديث المقيدة المفيدة انه لا ثواب في النيات لا ثواب في المباحات الا بنية صالحة فيثاب العبد على اتيان مباح اذا كان له نية صادقة صالحة فيه. ومن ذلك في النكاح اذا نوى اعفاف نفسه او غير ذلك من المقاصد الحسنة كاعفاف زوجه او ابتغاء الولد او غير ذلك من المقاصد الحسنة. فالعمل المباح المجرد عن نية لا يثاب عليه العبد وانما يثاب عليه العبد اذا اقترن بنية صالحة نعم اسأل الله اليكم وفيه ان الصدقة تكون بغير المال من جميع انواع فعل المعروف والاحسان. وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا من كان له مال فليتصدق من ماله ومن كان له قوة فليتصدق من قوته ومن كان له علم فليتصدق من علمه ذكر المصنف رحمه الله تعالى من فوائد الحديث ايضا ان الصدقة تكون بغير المال من جميع انواع فعل المعروف والاحسان. فالصدقة شرعا اسم جامع بجميع انواع المعروف والاحسان وهي نوعان اثنان النوع الاول صدقة مالية وهي ما كان من المال على اختلاف انواعه والنوع الثاني صدقة غير مالية. يندرج فيها جميع انواع المعروف والاحسان التي يفعلها العبد ومنها في الحديث التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واتيان المرء اهله بنية صالحة فكل هذه تسمى صدقات. وهي صدقات غير مالية واورد المصنف رحمه الله تعالى حديثا يصدق هذا المعنى وهو ما روي عن ابن عمر مرفوعا من كان له مال فليتصدق من ماله الى اخره. وهذا الحديث رواه ابن مردويه في تفسيره. باسناد ضعيف كما ذكره الحافظ ابو الفرج ابن رجب في جامع العلوم والحكم. ورواه هناد ابن السري في كتاب الزهد عن زيد ابن مرسلا وهذا اخر البيان على هذه الجملة من الكتاب وبالله التوفيق