السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات وتعبدنا به طول الحياة الى الممات اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى آله وصحبه الحائزين مراتب التقديم. اما بعد فهذا الدرس الثاني عشر في شرح الكتاب الرابع من برنامج التعليم المستمر في سنته الاولى ثلاثين بعد الاربعمائة والالف واحدى وثلاثين بعد الاربعمائة والالف. وهو كتاب تعليم الاحب للعلامة فيصل ال مبارك رحمه الله. ويليه الكتاب الخامس وهو اعلام السنة المنشورة للعلامة حافظ الحكمي رحمه الله. ثم يليهما الدرس الثامن في شرح الكتاب السادس وهو قرة العين العلامة محمد بن محمد الرعينية رحمه الله تعالى ويليه الكتاب السابع وهو القول المنير للعلامة اسماعيل ابن الزين رحمه الله تعالى وقد انتهى بنا البيان في الكتاب الاول الى قول المصنف رحمه الله تعالى الحديث السادس والعشرون. نعم. احسن الله اليكم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين. قال النووي رحمه الله تعالى الحديث السادس والعشرون عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل سلامة من الناس عليه صدقة. كل يوم تطمع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة. وتعين الرجل في دابته تحمله عليها او ترفع له عليها متاعه صدقة. والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة وبكل خطوة تمشيها الى الصلاة صدقة وتميط الاذى عن الطريق صدقة. رواه البخاري ومسلم. قال الشانح رحمه الله تعالى السلى ما هي المفاصل والاعضاء؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم خلق الله ابن ادم على ستين ثلاثمئة مفصل وفي حديث ابي ذر عند مسلم يصبح على كل سلامى احدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وقال في اخره ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من يركعهما من الضحى. قال ابن دقيق ان يكفي من هذه الصدقات عن هذه الاعضاء ركعتان فان الصلاة عمل لجميع اعضاء الجسد. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ثم لتسألن يومئذ عن النعيم صحة الابدان والاسماع والابصار يسأل الله العباد في فيما استعملوها وهو اعلم بذلك منهم. وهو قوله تعالى والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا. ذكر المصنف رحمه الله تعالى جملة لطيفة في ايضاح معنى الحديث السادس والعشرين وهو تابع في اصل معناه للحديث المتقدم. ولذلك لم يقدم بين يديه ما يدل على مرتبته اكتفاء بما سبق منه في نظيره وهو الحديث السابق اذ قال فيه في هذا الحديث فضيلة تسبيح وسائل الاذكار والامر بالمعروف الى اخر ما قال. فان المعاني التي دلت على شرف المتقدم هي موجودة في هذا الحديث وهما حديثان متقاربان وابتدأ رحمه الله تعالى في ايضاح معاني هذا الحديث بقوله السلامى هي المفاصل والاعضاء تلامى في الاصل هي اسم للمفصل. وتجمع على سلاميات بالف وتاء في اخرها. وتسمى بها الاعضاء لكونها تابعة فاصل فهو من جهة التوسع في الاسم باعتباره الاتباع والا فاصل الاختصاص بالمفاصل ومفردها سلامى. وعدتها في ابن ادم هي ستون وثلاثمائة مفصل كما صح بذلك الخبر عند مسلم عن عائشة رضي الله عنها وهو الذي ساق المصنف ها هنا ووقع في حديث ابي ذر للغفار عند مسلم يصبح على كل سلامى صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة. ثم قال في اخره ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى اي يجزئ عنه في الصدقات المتعلقة المتعلقة بمفاصله ان يركع ركعتين من الضحى فاذا ركع ركعتين يكون قد ادى صدقة يومه والانسان يتصدق عن يومه وعن سنته. فاما صدقة يومه فهي الركعتان اللتان يركعهما من الضحى. واما صدقة سنده فهي صدقة الفطر. التي الانسان بعد الفراغ من شهر الصيام في كل سنة. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى كلاما منقولا عن ابن دقيق العيد يبين وجه اجزاء الركعتين عن هذه الصدقات قال قال ابن دقيق العيد ان يكفي من هذه الصدقات عن هذه الاعضاء ركعتان فان الصلاة عمل لجميع اعضاء الجسد اي اذا صلى الانسان فانه يكون مستعملا في صلاة ركعتين جميع هذه المفاصل فتتحرك هذه المفاصل بحركته في اداء الصلاة. وتتحقق حينئذ الصدقة التي امر عن كل مفصل منها. وقد ذكر هذا المعنى جماعة منهم. النووي رحمه الله تعالى في في شرحه صحيحه مسلم وسبق ان ما ينقل عن ابن دقيق العيد في ايضاح معاني الاربعين فهو مأخوذ من ينسب اليه وليس له. ومن اراد ان ينقل منه فينبغي ان يقول وقال ابن دقيق العيد في الشرح المنسوب اليه على الاربعين. لانه قد اشتهر بهذه النسبة. وهذا الكتاب ليس له فانه ينقل عن اناس خلقوا بعد ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى. وابن دقيق العيد لا يصح ذكره بقولهم قال ابن دقيق لان هذا من ذكر المضاف واسقاط المضاف اليه ومثل هذا لا يصح لغة وقد شاع هذا باثرة في كتب المعتنين بنشر التآريف السابقة فتجد احدهم ينقل عنه فيقول قال ابن وهذا غلط في اسمه فلابد من ذكر ما اضيف اليه فيقال قال قال ابن دقيق عيدي كما لا يصح ان تقول قال ابن القيم وانما يصح ان تقول قال ابن قيم الجوزية اي مدير المدرسة المسماة بالجوزية او تحذف المضاف اليه وتقول قال ابن القيم فتعوضه عنه بالالف واللام. وها هنا لا لا يصوغ التعويض فلا تقول قال ابن الدقيق وانما قال ابن دقيق العيد وهو سمي به لانه رؤيا يوم يوم العيد او غيره لابسا ثوبا وطيلسان ابيض. فشبه بدقيق العيد اي البر الذي يخرج والدقيق الذي يخرج في العيد في زكاة الفطر لبياضه. فقيل ابن العيد ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى اثرا عن ابن عباس رواه ابن جرير في تفسيره والبيهقي في شعب الايمان وهو من النسخة التفسيرية المشهورة واسنادها جيد من رواية علي ابن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ثم لتسألن يومئذ عن النعيم فقال صحة الابدان والاسماع والابصار. يسأل الله العباد فيما استعملوها وانما خصت هؤلاء الثلاث بالذكر لانها موارد العلم ومداخله ان الله سبحانه وتعالى جعل لنا السمع والابصار والافئدة لنعقد ما امرنا الله سبحانه وتعالى به. وذكر صحة الابدان مشيرا بالكل الى الجزء. فان انه اراد بالبدن هنا القلب لانه استدل بقوله تعالى ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا ان يقع السؤال عنه والمحاسبة عليه. والمراد ان من نعم الله سبحانه وتعالى على العبد ما دعه من صحة قلبه وسمعه وبصره وهي من اعظم الانعام الذي يجيه الله سبحانه وتعالى على العبد فالعبد مأمور بالصدقة عن الات بدنه وذلك التسبيح والتهليل والتكبير او بما يقوم مقام تلك الصدقات الركعتين من الضحى وهو مسؤول عن ذلك يوم القيامة. نعم احسن الله اليكم. قال النووي رحمه الله تعالى الحديث السابع والعشرون. عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البر حسن الخلق والاثم ما حاك في نفسك وكرهت ان يطلع عليه الناس. رواه مسلم وعن وابسة ابن معبد رضي الله عنه قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جئت تسأل عن البر قلت نعم قال استفتي قلبك البر مطمأنت اليه النفس واطمأن اليه القلب والاثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر. وان افتاك الناس سواك توك حديث حسن رويناه في مسندي الامامين احمد بن حنبل والدارمي باسناد حسن قال الشارح رحمه الله الله تعالى حسن الخلق هو الاخلاق الحميدة كالانصاف والرفق والعدل والاحسان. والاثم هو ما اثر في القلب ضيقا وحرجا ونفورا وكراهية وهذا يرجع اليه عند الاشتباه. وقال ابن مسعود رضي الله عنه ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله وما رآه المؤمنون قبيحا فهو عند الله قبيح. قوله وان افتاك الناس وافتوك هذا انما يكون اذا كانت الفتوى بمجرد ظن من غير دليل شرعي ذكر المصنف رحمه الله تعالى بيان معاني الحديث السابع والعشرين واستفتح ذلك بذكر معنى حسن الخلق ذكر ان حسن الخلق هو الاخلاق الحميدة. وهذا على المعنى الخاص للخلق المختص بالمعاملة. فان ان الخلق يقع في الشرع على معنيين اثنين. احدهما الدين كله. ومنه قوله تعالى وانك لعلى خلق عظيم. اي دين عظيم. كما ذكره مجاهد وغيره والاخر معنى خاص وهو المعاملة والمعاشرة مع الخلق واقتصر المصنف عليه وبينه بقوله هو الاخلاق الحميدة كالانصاف والرفق والعدل والاحسان والمذكور في الحديث يشمل المعنيين جميعا. فالبر يكون حسن الخلق باعتبار المعنى العامي والخاص معا. وحينئذ فان البر يطلق في الشرع على اثنين احدهما عام وهو اسم لجميع الطاعات الباطنة والظاهرة والاخر خاص وهو الاحسان الى الخلق في المعاملة ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى حد الاثم فقال هو ما اثر في القلب ضيقا وحرجا ونفورا وكراهية. وهذا الحد اقتصر فيه على ما ورد في الحديث الثاني دون ما ورد في الحديث الاول. والنبي صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين حد الاثم وبينه بامرين اولهما كراهية اطلاع الناس عليه فما كرهت ان يطلع الناس عليه فهو اثم. فهو اثم. والثاني في النفس وتردد في الصدر. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان هذا يرجع اليه عند الاشتباه. ومقصوده بقوله هذا يعني ما يقع في القلب من النفور والضيق والحرج. ويسمى بحواجز القلوب والمراد بحواجز القلوب اي ما تحوزه القلوب ويقع فيها والوارد عن الصحابة والتابعين واتباعهم الرجوع الى ما تحوزه القلوب ان ذلك امر مستقر عندهم. الا ان متعلقه هو تحقيق مناط الحكم فقط لا اثبات الحكم بذلك على وجه الاستقلال. فيرجع الى حواز القلوب في تحقيق مناط القلب باعتبار الحكم دون اثبات الحكم برأسه. فلا يستفتى القلب في اثبات لشيء او حرمته. وانما يستفتى في وجود مناط التحريم او الحل فمثلا لا يستفتى القلب في تحريم صيد التمساح او حله بل يرجع الى الادلة الشرعية. ولكن يستفتى القلب في حق من ان اصاب صيدا واشتبه عليه هل مات برميته؟ او مات بسبع ان عدا عليه ثم وجده بعده. فمثل هذا يرجع اليه في تحقيق مناطق الحكم. هل هو هذا ام ذاك ويتبين به الحل والحرمة حينئذ. فالقلب لا تثبت باستفتائه الاحكام. وان ما يتبين بالرجوع اليه وجود مناط الحكم الشرعي ام عدمه ويشترط في الرجوع الى حواجز القلوب في تحقيق مناطق الحكم ان يكون ذلك في بحق من استكمل ايمانه واستقام دينه وسلم من سلطان الشهوة والشبهة فمن ان كان كذلك فانه يرجع في تحقيق مناط الحكم الى قلبه. اما من يكون مغلوبا بسلطان شهوته او مقهورا بجبروت شبهته فانه لا يجوز له ان يعول على حكم قلبه ثم اورد المصنف رحمه الله تعالى ما صح عن ابن مسعود عند احمد وغيره انه قال ما رآه المؤمنون فهو عند الله حسن وما رآه المؤمنون قبيحا فهو عند الله قبيح. وهذا مما يستدل به على الرجوع الى حوازي القلوب في تحقيق الاحكام. فاهل الايمان الذين اذا كمل ايمانهم وحسن اسلامهم اذا حكموا في تحقيق مناطق حكم اخذ به سواء حسنا او قبحا كما ان هذا الاثر يستدل به ايضا على حجية الاجماع. وهو صالح لهذا وذاك وقد روي مرفوع عن ولاء يصح ثم ختم المصنف رحمه الله تعالى ببيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم وان افتاك الناس وافتوك فقال هذا انما يكون اذا كانت الفتوى بمجرد ظن من غير دليل شرعي. اي اذا كان مفتيه الذي افتاه انما يفتيه بظن تابع لشهوته او شبهته دون دليل شرعي فانه حينئذ لا يأبه بكلام من افتاه وانما يرجع الى قلبه اذا حاك ذلك في نفسه وتردد في صدره فهو اثم وان افتاه الناس باهوائهم على خلاف وانما استبعد الاخذ بفتوى الناس واشير الى ضعفها وقوع الكراهية والنفور في قلب العبد المؤمن. فان قلب العبد المؤمن اذا نفر من شيء وتردد فيه في نفسه فانه ينظر الى كلام الناس بعين التهمة فان اكثر الخلق همج كما قال علي رضي الله عنه في اثره المعروف في وصيته لكمير بن زياد رحمه الله تعالى وهذا اخر البيان على هذه الجملة من الكتاب وبالله التوفيق