السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات. وتعبدنا به طول الحياة الى الممات واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحائزين مراتب التقديم. اما بعد فهذا الدرس الثالث عشر في شرح الكتاب الرابع من برنامج التعليم المستمر في سنته الاولى ثلاثين بعد الاربع مئة والالف واحدى وثلاثين بعد الاربع مئة والالف وهو كتاب تعليم الاحب للعلامة فيصل ال مبارك رحمه الله تعالى. ثم يليه الكتاب الخامس وهو اعلام السنة المنشورة حافظ ابن احمد الحكمي رحمه الله تعالى ثم يليهما الدرس التاسع من الكتاب وهو قرة العين للعلامة محمد ابن محمد الحطاب الرعيني رحمه الله تعالى ثم يليه الكتاب السادس وهو القول المنير للعلامة اسماعيل ابن عثمان الزين رحمه الله تعالى. وقد انتهى بنا البيان في اول هذه الكتب الاربعة الى الحديث الثامن والعشرين نعم. يقول واحد الاخ خالد تعبان. نعم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين اما بعد فقال النووي رحمه الله تعالى الحديث الثامن والعشرون عن ابي نجيح العرباض ابن سارية رضي الله عنه انه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون. فقلنا يا رسول الله انها موعظة مودع فاوصنا قال اوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد. فانه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ واياكم الامور فان كل بدعة ضلالة رواه ابو داوود والترمذي. وقال حديث حسن صحيح. قال الشارح رحمه الله تعالى لعل الموعظة التي اشار اليها العرباض شبيهة بما روى الامام احمد عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما انه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال انا محمد النبي الأمي ولا نبي بعدي اوتيت فواتح وخواتمه وجوامعه وعلمتكم خزنة النار وحملة العرش وتجوز لي ربي وعوفيت امتي فاسمعوا واطيعوا ما دمت فيكم فان ذهب بي فعليكم بكتاب الله فحلوا حلاله وحرموا حرامه. ذكرا رحمه الله تعالى ان هذا الحديث من احاديث الاربعين النووية موصوف بكونه موعظة والموعظة ما اكتنفها الترغيب والترهيب. كما ذكره ابو العباس ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في مدارج السالكين. فاذا صحب الامر والنهي بمرغب ومرهب سمي ذلك موعظة وافظله ما وصف بالحسن وهي موعظة الحسنة وحسنها على قدر موافقتها للكتاب والسنة. فاكمل المواعظ المواعظ المقتبسة من مشكاة الكتاب والسنة. وما احسن قول ابي زرعة الرازي رحمه الله تعالى من لم يعظه الكتاب والسنة فلا وعظه الله فانفع المواعظ واجل الزواجر من القرآن والسنة. واحق الناس بذلك طلاب العلم وسداته. فحقيقة انتفاعهم العلم هو ظهور اثر ذلك في مواعظهم بان تكون مردودة الى القرآن والسنة من كانت موعظته مبنية هذا البناء نفع وانتفع وكان وعظه ابلغ وحال الخلق معه اكمل بخلاف من غادر الكتاب والسنة وضعف وضعف اقتباسه من انوارهما فان موعظته سرعان ما يزول اثرها وتذهب ذكراها بخلاف ما له سلطان فان السلطان يوجب الثبوت في النفوس. وان السلطان الاكمل هو للقرآن والسنة فان لهما سلطانا على النفوس لا يكون بغيرهما. فمن اراد ان يعظ الناس فليتحرى في وعظه القرآن والسنة وهذه الموعظة النبوية التي اشار اليها العرباض رضي الله عنه جعلها المصنف رحمه الله تعالى شبيهة اي مشاركة لما رواه احمد عن عبدالله بن عمرو لا عمر وانما هو من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال خرج علينا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال انا محمد النبي الامي الى اخر الحديث. وفي اسناده ضعف والشبه بين الموعظتين انهما موعظة مودع لقوله في حديث العرباظ فقلنا يا رسول الله كانها موعظة مودع وقوله في حديث عبد الله ابن عمر خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما مودع والمودع هو المفارق التارك ومن يفارق غيره تاركا له فانه يبلغ في وعظه ويجتهد في نصحه. ولهذا فان نصائح الوداع اما في حال الاحتضار او في حال الفراق من بلد الى بلد هي اكمل ما يكون من النصائح والوصايا. ولهذا فان النصائح التي صدع بها النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته هي من اجل ما امر به ونهى عنه صلوات الله وسلامه عليه. كما في حديث الصلاة الصلاة وما ملكت ايمانكم وغيرها من الاحاديث التي حفظت عنه صلى الله عليه وسلم في مرض موته. وكذلك اذا وصى انسان اخر مودعا له مباركا له في وطنه فان النصيحة حينئذ تكون من ابلغ القول. وهذا يوجد العناية بما كان من هذا الجنس من المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم او المأثور عن غيره وكما ان اسم الوصية موظوع في كلام العرب لما يعظم فان موعظة المودع موضوعة في كلام العرب للابلغ. فان ابلغ ما يصدر من الانسان عند وداعه ومعنى قوله في هذا الحديث وتجوز لي ربي يعني خفف علي لان دينه الذي بعث صلى الله عليه وسلم يسر كما جاء عند البخاري من حديث ابي هريرة ان هذا الدين يسر. نعم وصلنا لكم قوله قوله اوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة هاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا والاخرة قال الحسن والله ما يستقيم الدين الا بالامراء وان جاروا. والله لما يصلح الله بهم اكثر مما يفسدون ذكر المصنف رحمه الله تعالى في بيان قوله صلى الله عليه وسلم اوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ان هاتين الكلمتين تجمعان سعادة الدنيا والاخرة. فانه يقع بهما انتظام حقوق الخلق والخالق فان القيام بما يجب لله من حق وبما يجب للخلق من حق لا يمكن الا التقوى والسمع والطاعة. ومتعلق التقوى هو الله سبحانه وتعالى في هذا الحديث. لقوله اوصيكم بتقوى الله اي اجعلوا وبينكم وبين الله تقاتا تتقون بها اي تحتمون بها سواء في فوات محبوبه او في الوقوع في مبغظه فان الانسان يتقي الله عز وجل ان لا شيئا من محبوبات الله التي امر الله بها. ويتقي الله سبحانه وتعالى في الوقوع في شيء يبغضه الله عز وجل ويكرهه ويأباه. واما السمع والطاعة فمتعلقهما الامراء وانما ترك ذلك للعلم به. فلم يأتي بهذا الحديث اوصيكم بتقوى الله واستمعوا والطاعة لامرائكم لان السمع والطاعة اذا اطلقت فمتعلقها الامير. فان السمع والطاعة تجمعان معنى البيعة فان البيعة شرعا هي عقد السمع والطاعة لولي الامر فكان معنى والسمع والطاعة يعني البيعة لولي امركم. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى كلاما عن الحسن البصري نقله عن ابن رجب في جامع العلوم والحكم انه قال والله ما يستقيم الدين الا بالامراء وان جار يعني والله لما يصلح الله بهم اكثر مما يفسدون. فلا يستقيم امر الناس الا بامير يجمعهم يرجعون اليه في تدبير امور حياتهم ومعايشهم انه اذا لم يوجد امير يأتمرون بامره انفرط حبل نظامهم ولم يمكن لهم تدبير معايشهم حتى مع الظلم. فان الامير الظالم خير من خلو الولاية من امين فانه اذا خلت الولاية من امير مدبر ولم يكن للناس رأس يرجعون اليه ويقومهم فان الامور تختلط على اربابها ويصير الناس في فوضى وهذا امر مستقر في العقول والفطر عند المسلمين وعند غيرهم. فان جميع العقلاء مجمعون على ان تدبير الدنيا لا يمكن الا بامير يأمر. كما ان تدبير الدين لا يمكن الا بعالم يعلم فاذا غاب العالم المعلم العارف بحكم الله سبحانه وتعالى جهل الناس وكذلك اذا لم يكن للناس امير يدبرهم فان امر حياتهم لا يستقيم البتة والامر فيهم كما ذكر ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى ان ملوك المسلمين لهم سيئات كبيرة ولهم حسنات كبيرة. فان طبيعة الملك والحكم التي تكون في النفوس تقتضي الاستعلاء والظلم والبطش والتعدي الا عند من رحم الله سبحانه وتعالى الا ان لملوك المسلمين ايضا حسنات كبيرة. فينبغي ان يرعى الانسان هذا الاصل وانه اصل شرعي مقرر في الدين. فليس هو من الخيار السياسي في زمن دون زمن كما يقوله بعض الناس بل هو الدين الذي تعبدنا الله سبحانه وتعالى به. ولم يتعبدنا الله ولم يتعبدنا الله سبحانه وتعالى به جاعلا متعلقه فلانا او فلانا او ال فلان او ال فلان وانما يعلم متعلقه من تأمر علينا ولو كان مما يأنف الاحرار من ولايته كما في قوله صلى الله عليه وسلم وان تأمر عليكم عبد فان العرب كانت تألف من هذا وهو من عروبة العرب الى اليوم لكن الشرع اعظم في نفوس المؤمنين مما تدعو اليه طبائع نفوسهم فان الحر ويألف من امارة الردي سواء في عرقه او في عقده او في تدبيره. لكن كمال الايمان والطاعة للرحمن سبحانه وتعالى فيوب على الانسان ان يستمسك بهذا الاصل الشرعي. نعم. احسن الله اليكم قوله فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين الى اخره الخلفاء الراشدون هم ابو بكر وعمر وعثمان هو علي رضي الله عنهم وفيه التمسك بالسنة في الاعتقادات والاعمال والاقوال والتحرير من البدع وهي ما احدث في الدين مما لا اصل له في الشريعة. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان قوله صلى الله عليه وسلم فعليكم بسنتي الخلفاء الراشدين المهديين متضمن للامر بالتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم وسنة خلفاء الراشدين وقد ذكر المصنف ان الخلفاء الراشدين هم ابو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومن جهة الوضع اللغوي والوصف الشرعي فان الرشد والهداية لا تختص بهؤلاء الخلفاء بل قد يكون في ملوك المسلمين من هو راشد مهدي كما كان معاوية بن ابي سفيان وعمر ابن عبد العزيز ابن وعمر ابن عبد العزيز رحمهما الله تعالى فانهما من الخلفاء الراشدين المهديين وكل من كان راشدا في عمله مهديا في علمه صح عليه هذا الوصف الا ان الخلفاء الراشدين المهديين المأمور باتباعهم لا يشمل كل خليفة المهدي وانما يختص بهؤلاء الاربعة. والدليل على اختصاصه بهؤلاء الاربعة ان الخلافة المرادتا شرعا هي الثلاثون سنة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. كما روى ابو داوود وغيره بسند حسن من حديث سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم انه قال خلافة النبوة ثلاثون سنة علم حينئذ ان الخلفاء الراشدين المهديين المأمور باتباعهم هم من كان في الثلاثين سنة مذكورة وهم الاربعة ويتلخص مما سبق ان الخلفاء الراشدين المهديين نوعان النوع الاول من امر باتباع سنته وهم ابو بكر وعمر وعمر عثمان وعلي رضي الله عنهم لما روى ابو داوود من حديث سفينة خلافة النبوة ثلاثون سنة والنوع الثاني الخلفاء الراشدون المهديون ممن لم يؤمر باتباع سنة والفرق بين الاولين والاخرين ظاهر فان هؤلاء الاربعة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وشهدوا التنزيل وعرفوا التأويل واطلعوا على احوال وسيرته صلى الله عليه وسلم بما لم يشاركه احد سواه ممن ولي الامر من خلفاء المسلمين وملوكهم فاختص الاتباع بهؤلاء دون غيرهم. وفي هذا الحديث كما قال المصنف الامر بالتمسك بالسنة بالاعتقادات والاعمال والاقوال. فيلزم الانسان سنة النبي صلى الله عليه وسلم ائتمارا بامره في قوله عليكم بسنتي. والسنة ها هنا يراد بها الدين والشريعة. فمعنى صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي اي عليكم بديني وشريعتي التي جئت بها من ربي. ولا يراد بها ما هو هو في معنى النفل عند الاصوليين كما ذكره ابن القيم وتلميذه ابو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى في الجامع عند هذا الحديث. كما ان في هذا الحديث التحذير من البدع. وهي ما احدث في الدين مما لا له في الشريعة وتقدم بيانه في حديث عائشة رضي الله عنها من احدث في امرنا هذا ما ليس منه مما يتميز به الصادق والكاذب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ومفارقة البدع الله عز وجل جعل اتباعه صلى الله عليه وسلم محنة الخلق في محبته. كما قال تعالى قل ان كنتم تحبون يحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فانه لما كثر المدعون للمحبة امروا باظهار الحجة حجة باتباع النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى وكان الحسن البصري رحمه الله يسمي هذه الاية غاية المحنة اي التي امتحن الله عز وجل الخلق بها ليتميز الصادق من الكاذب. ولا ريب ان من شرف المؤمن كمال اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم. فان الله عز وجل لم يتعبدنا احد من خلقه الا بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على وجه الاستقلال. واما غيره فان طاعته انما انما تكون بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. ويعظم هذا الشرف في ازمنة البدع. واوقات الجاهلية التي يقل فيها العلم بالمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن قواعد الشريعة ان القائم بالعمل عند قلة العمل به وكثرة الجهل به يعظم اجره. ولهذا فان المتبعين لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في اخر الزمان يكون لهم من الاجر والمثوبة ما لا يكون لغيرهم. ولا ينبغي ان يزهد طالب العلم في اتباع سنته صلى الله عليه وسلم والاقتداء به قلة العاملين بها. فان قلة العاملين لا تغروا العبد كما قال الفضيل ابن عياض رحمه الله تعالى لا اغتر بكثرة الهالكين ولكن انظر الى من نجا كيف نجا فلا يهولنك كثرة سماد خلق بمباعدة سنة النبي صلى الله عليه وسلم. والركون الى الذين ظلموا من اليهود والنصارى واهل البدع الضلال تحت شعارات جوفاء خداعة براقة هي زبد تذهب مع الايام. وتمسك بما مات عنه النبي صلى الله عليه وسلم وانعم بقول سعيد ابن جبير رحمه الله تعالى كل عبادة لم يتعبدها البدريون فلا تتعبد الله بها اي كل شيء من الدين لم يعرفه الجلة من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم اهل بدر فلا تتعبد الله سبحانه وتعالى بذلك وما احسن قول ابي عمرو الداني في تدري اخي اين طريق الجنة؟ طريقها القرآن ثم السنة. رزقنا الله جميعا اتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهذا اخر البيان على هذه الجملة من الكتاب وبالله التوفيق