السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات وتعبدنا به طول الحياة من واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه الحامدين مراتب التقديم. اما بعد فهذا السادس عشر في شرح الكتاب الرابع من برنامج التعليم المستمر في الثانية احدى وثلاثين بعد الاربعمائة ايها الالب واثنتين وثلاثين بعد اربعمائة والالف. وهو كتاب تعليم الاحب للعلامة فيصل ابن عبد العزيز ال مبارك رحمه الله. ويليه الكتاب الخامس وهو اعلام السنة المنشورة العلامة حافظ بن احمد الحكمي رحمه الله تعالى ثم يليهما الدرس الثاني عشر من الكتاب جاء من كتابه السادس وهو قرة العين للعلامة محمد ابن محمد الحطاب الرعيني رحمه الله تعالى وقد انتهى البيان في الكتاب الاول منهن الى الحديث التالت والثلاثين. نعم. احسن الله اليكم. الحمد لله رب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد. فقال النووي رحمه الله تعالى الحديث الثالث والثلاث عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال اموال قوم دماءهم لكن البينة على المدعي واليمين وعلى من انكر حديث حسنا رواه البيهقي وغيره هكذا واصله في الصحيحين قال المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث اصل عظيم من اصول الاحكام والبينة هي ما ابان الحق. فيحكم الحاكم للمدعى عليه او بشهادة رجلين او رجل وامرأتين او رجل او رجل ويمين مدعي ويمين المنكر. وبيمين الرد بعلمه اذا لم يتهم وعدى به رضي الله عنه ان رجلين اختصما في ناقة فقال كل واحد منهما نتجت هذه الناقة عندي واقام ما بينة فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يده رواه الدارغني وكان شريف والياس بن معاوية يحكمان في الاموال المتنازع فيها بمجرد القرائن الدالة على صدق احد المتداعين. وقضى شريح في اولادهم الرجل تداعاها امرأة كل منهما تقول هي ولد زرتي. قال شريح القها مع هذه فان هي قرت ودرت واستغفر واستقرت فهي لها وان فرت وهرت وبارت فليس لها وروي عن انه حلف المدعين مع بينته ان شهوده شهدوا بحق. قال اسحاق اذا استراد الحاكم وجب ذلك. وقال ابن عباس بالمرأة المشاهدة على الرضاع انها تستحلف. وقال ابو زناد كان عمر ابن عبد العزيز. قال قال عمر بن عبدالعزيز يرد الى اهلها بغير البينة القاطعة. وذكر القاضي ان الاموال المغصوبة معه الطريق واللصوص يكتفى من مدعيها وانه ظاهر كلام احمد والله اعلم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة شرح الحديث والثلاثين من الاحاديث الاربعين النووية. وابتدأه ببيان قدره. فان الاطلاع على شرف حديث ما توجب العناية به فذكر من شرف هذا الحديث وعلو مقامه انه اصل عظيم من اصول الاحكام اي التي يحتاج اليها في فصل الخصومات فهي من احاديث القضاء. ثم شرع رحمه الله تعالى يبين ما يحتاج اليه من جمل المعاني فذكر ان البينة هي ما ابان الحق فهي عند الفقهاء اسم لكل ما يبين به الحق ويظهر سميتا لانها تظهر الحق وتبينه. فكل من درج في هذا المعنى سمي سواء كان ساجدا او يمينا او غير ذلك. فذكر رحمه الله تعالى من توابع البينة ان الحاكم يحكم باقرار المدعى عليه. والمدعى عليه هو المطالب الذي عليه الحق. او بشهادة عليه او رجل وامرأتين او رجل ويمين ويمين المدعي اي المطالب بالحق المدعي له يمين المنكر اي منكر الدعوة التي عليه. سيحمله القاضي على ان يحلف يمينا يبرئ بها نفسه بيمينه الرد اي اليمين التي ترد على المدعي اذا نزل عنها المدعى عليه. وبعلمه اي بعلم القاضي اذا الم يتهم في ذلك وانما ذكر المصنف رحمه الله تعالى هذا لان ظاهر الحديث ان البينة على المدعي وان اليمين على من انكر وليس هذا مطردا بل باعتبار القرائن والاحوال التي تحف بالقضية المدعى عليها كما يدل عليه مجموع الادلة المذكورة فيها وكما هو مكشوف في المطولات عند الفقهاء كتاب دعاوى والبينات فلا يطرد كون البينة مما يطالب بها المدعي ولا ان اليمين تكون على المدعى عليه بل بحسب ما تدعو اليه القضية. واورد في تصديق ذلك حديثا واثارا فاما الحديث فحديث جابر رضي الله عنه ان رجلين اختصما في ناقة الحديث رواه الدارقطني وضعفه ابن حجر في بلوغ المرام ثم اورد جملة من الاثار عن جماعة من القضاة منهم صريح النقاط والياس ابن معاوية انهما كانا يحكمان في الاموال المتنازع فيها بمجرد الدالة على احد المتداعيين. فلا يقترض كونه اليمين على البينة على ذلك بل يحصن بالقرائن وقضى شيخ للقاضي في اولاد هرة تداعى امرأة تداعتها امرأتان كل منهما تقل هي ولد هرة فقال شريف القها مع هذه اي القها مع هذه الهرة من الهرتين المتنازع عليها فان هي قرت وتتدرج فهي لها ان ان ثبتت ومالت اليها امها والتقت لها فهي ابنتها وان فرت تحرك يعني صوتت بصوتها وبارت وخرجت من عندها فليس لها. وذكر ايضا ما رومي عن علي رضي الله عنه انه حل المدعي مع بينته ان جهوده ترد بحق ثم نقل عن اسحاق وهو ابن راهويه اذا استراب الحاكم وجب ذلك اي اذا وقع في قلبه غيبة من قضية ما وجب عليه ان يفعل كما فعل علي في قضائه. وقال ابن عباس بالمرأة الشاهدة رمضان انها تستحلف اي توثقة في شهادتها. وقال ابو الزناد عبد الله بن لثوان كان عمر ابن عبد العزيز يرد المظالم الى اهله لا بغير البينة القاطعة اي بالبينة المظنون بها فلا تكون قاطعة واضحة بينة بل تكون مضمونة فيحكم للغالب رحمه الله وذكر القاضي يعني ابايعنا الفضاء فانه المراد بلقب القاضي عند الحنابلة ان الاموال المنصوبة مع قطاع الطريق والنصوص يكتفى بالمدعيها انها له بالصفة كاللقطة فاذا وصفها فانها تكون له وهذا ظاهر كلام الامام احمد رحمه الله تعالى ومقصوده في جبر هذه الجملة ان المعمول به دون طرد كون البينة على المدعي ولا كون اليمين على المدعى عليه. نعم احسن الله اليكم. الحديث الرابع والثلاثون عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان رواه مسلم قال المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث يدل على وجوب تغيير المنكر بحسب القدرة قال الامام احمد اما التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح. وقال ابن دقيق العيد ولا يشترط في الامر بالمعروف والناهي عن المنكر ان يكون كامل الحال ولا يختص باصحاب الولاية بل ذلك ثابت لاحاد المسلمين. وانما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وما ينهى عنه فان كان من المأمور فان كان من الامور الظاهرة مثل الصلاة والصوم والزنا وشرب الخمر ونحو ذلك فكل المسلمين علماء بها وان كان من دقائق الافعال والاقوال فذلك للعلماء. وقال الامام احمد الناس محتاجون الى مجاراة الولد. الامر بالمعروف الى غلظة الا رجل معلن بالفسق فلا حرمة له. وقال ايضا يأمر بالرفق فان اسمعوه ما يكره ولا يغضب فان اسمعوه لا يكره لا يغضب يكون يريد ان ينتصر لنفسه. وفي سنن ابي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اذا عملت الخطيئة في الارض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. لم يقدم رحمه الله تعالى بين يدي بيانه معاني هذا الحديث ما يفصح عن رتبته مع جلالة هذا الحديث وكونه اصلا من اصول الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في انكار المنكر والعناية باصول الحديث تمييز ما ترد اليه الابواب من احاديث النبي صلى الله عليه وسلم. فان من تتبع سنته صلى الله عليه وسلم وجد في احاديثه اصولا كبارا ترجع اليها جمهرة حديثه. كما قيل في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام الذي رواه الشيخان عن ابي هريرة رواه مسلم وحده عن عمر انه ام السنة كما ان الفاتحة ام القرآن لان احاديث النبي صلى الله عليه ترجع معانيها الى ذلك الاحاديث. وقولوا مثل هذا في نظائره من ابواب الشرع فانه قل ان يوجد باب الا وله من احاديث النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث هو عماد باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهو اجل الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في انكار المنكرات. وهو يدل على وجوب تغيير المنكر كما قال المصنف رحمه الله بحسب القدرة. اي بحسب قدرة العبد على تغييره فان كان قادرا بيده غيره بيده وان لم يستطع بيده فبلسانه وان لم يستطع فبقلبه وتغيير القلب كما تقدم هو كراهته للمنكر وبغضه اياه. ولا يلزم من ذلك تمعر الوجه. فيكفي وجود في القلب فاذا وجد بغض المنكر وقراءته ونكرة النفس منه في قلب العبد كفاه ذلك في حصول الواجب عليه. واما الوجه وتحديق العينين وغير ذلك من الاحوال الظاهرة فليست من جملة مسمى حقيقة الانكار في القلب ثم نقل كلاما عن الامام احمد قال التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح اي ان المقصود بالتغيير باليد هو انكار المنكر بتحويله باليد كأن يخرق طبلا او يكسر عودا او نحو ذلك اذا كانت له قدرة على انكاره ليس بالسيف والسلاح فليس اشهار السيف والسلاح لاحد الا بولي الامر. ولاجل هذا ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى انه لا يجوز للانسان اتفاقا ان يرد الصائل اذا كان هو ولي الامر. فاذا كان الصائل هو ولي الامر لم يجلس لانه اما ان يأخذ بعدل فينصت واما ان يأخذ بظلم فيؤزر وحسابه على الله سبحانه وتعالى واما غيره من قال على مالك او نفسك او نحو ذلك من الخلق للانسان ان ينفعه بما يستطيع على ما هو معروف عند الفقهاء رحمهم الله تعالى ثم نقل كلاما عن ابن دقيقه العيد من الشرح المنسوب اليه عن الاربعين النووية وهو شرح لا تصح نسبته لابن دقيق العيد وانما هو لبعض المتأخرين. وذكر فيه انه لا يشترط في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ان يكون كامل الحال ولا يخص لاصحاب الولاية بل ذلك ثابت لاحاد المسلمين. اي فيما يفطرون عليه فيأمرون وينهون فيما علموه وقدروا عليه واما ما خفي عليهم من دقائق الاحوال والاقوال والافعال فهذا يوكل الى اهله من العلماء والمحتسبين على انكار المنكرات ثم نقل عن الامام احمد ان الناس محتاجون الى مجاراة ورفق الامر بالمعروف بلا غلظة الا رجل معلن في فسق ولا حرمة له فاذا اراد الانسان ان يأمر بمعروف او ينهى عن منكر فليستعمل المجاراة والرفق مع الناس فان الرفق ما كان في حين ولا نزع من شيء الا كان كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح ولا يغلط باحد الا لمن اعلن الفسق به ودعا اليه فهذا لا حرمة له. الا انه لا يؤخذ من حقه الا على قدر ما استبيح شرعا منه. فالمستباح شرعا عما يحكم به ذبح شره وقطع بلاء منكره واما ما زاد عن ذلك فانه لا يجوز لانه باقية له حرمة الاسلام فما كان لا يقتصد بانكار منكره والتنفيذ عنه فانه لا يجوز للانسان ان يستطيل عليه بقول او فعل ثم نقل عن الامام احمد انه قال يأمر بالرفق فان اسمعوه ما يكره لا يغضب اي اذا اسمعه من انكر عليه كلاما فلا ينبغي له ان لانه يخشى ان يكون انتصارا للنفس وهذا معنى قوله يكون يريد ان ينتصر لنفسه اي انه ينقلب من غضب لله الى غضبه للنفس وهذا من دقائق الاحوال التي ينبغي ان يراعيها الامر بالمعروف والناهي عن المنكر وانه يأمر لله وينها لله؟ لا يريد بذلك عصبية لنفسه ولا جنسه ولا بلده ولا غير ذلك. بل حامله على ذلك امتثاله الامر وقد اكثر المصنف رحمه الله تعالى بالنقل عن الامام احمد في هذا الباب تبعا ابن رجب في جامع العلوم والحكم ذلك ان الامام احمد له كلام كثير نافع في باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وللخلاني رحمه الله تعالى كتاب مفرد في الامر بالمعروف والنهي يعني منكر المروية عن الامام احمد وهو كتاب حسن ينبغي مطلعته وتفهم ما فيه من احوال الامام احمد وسيرته بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم ختم المصنف رحمه الله تعالى شرح هذا الحديث بحديث عزاه الى سنن ابي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا عملت الخطيئة في الارض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها وهذا الحديث اسناد ضعيف وفيه نكارة. نعم. احسن الله اليكم. الحديث الخامس والثلاثون عن ابي هريرة هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحاسدوا ولا تنابحوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله اخوانا. المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه. ولا يحقره تقوى ها هنا ويشير الى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام دمه ماله وعرضه رواه مسلم. قال المصنف رحمه الله تعالى العمل بهذا الحديث من اعظم الاسباب الموصلة للتآلف بين المسلمين التي الشحناء اختصر المصنف رحمه الله تعالى في بيان معنى هذا الحديث على ذكر الاثر المترتب اكتفاء بشهرة معانيه. فبين ان العمل بهذا الحديث من اعظم الاسباب الموصلة للتآلف بين المسلمين وقلة الشحناء اخذا له من قوله صلى الله عليه وسلم وكونوا عباد الله اخوانا. فان هذه الجملة لها معنيان احدهما ان ذلك خبر بما تؤول اليه حال اذا تركوا التحاسد والتناجس والتباغض والتدابر ولم يدع بعضهم على بيع بعض. فانهم يكونون عبادا لله اخوانا والثاني ان هذه الجملة انشاء تضمنوا الامر بذلك فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم وكونوا عباد الله اخوانا امر لهم بان يكونوا اخوانا فيه فهي جملة تشتمل على معنى جديد من الامر بذلك. والحديث صالح لهذا وهذا فان ترك ما سبق يؤول الى كون المؤمنين اخوانا متحابين في الله. كما انهم بان يكونوا عبادا لله متآخين فيه. نعم. احسن الله اليكم. الحديث السادس والثلاثون عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كرب من كرب يوم القيامة ومن يسر على محسن يسر الله عليه في الدنيا والاخرة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله سهل الله له فتنته وما اجتمع قوم في بيت من اسوة الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا دخلت عليهم السكينة الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده. ومن به عمله ليسرق به نسبه احدا لهم قال المصنف رحمه الله تعالى هذا حديث عظيم جامع لانواع من العلوم والقواعد والاداب وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم او مال او معاونة او اشارة لمصلحة او نصيحة او غير ذلك وفيه ان الجزاء من جنس العمل وان السعي في طلب اي سبب لدخول الجنة وفيه فضل الجلوس في المساجد وتلاوة القرآن مدارسته بطمأنينة ووقار وعن انس انه قال كانوا اذا صلوا الغداة قعدوا حلقا حلقا يقرأون القرآن الفرائض والسنن ويذكرون الله تعالى وفيه ان الجزاء على الاعمال لا على الانسان. قال بعضهم لعمرك ما الانسان الا فلا تترك التقوى اتكالا على النسب. لقد رفع الاسلام سلمان فارس. وقد وضع الشرك النسيب ابا لهب اتجه المصنف رحمه الله تعالى بيان معاني هذا الحديث في الاشارة الى رتبته وفضله. فذكر ان هذا الحديث حديث عظيم جامع لانواع من العلوم والقواعد والاداب. ثم ذكر مما تضمنه من المعاني ان فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم او مال او معاونة او اشارة لمصلحة او او غير ذلك. وقد اشار النبي صلى الله عليه وسلم الى قضاء حوائجهم بقوله من نفس عن مؤمن كربة وبقوله ومن يسر على معسر فان هذه تندرج في ظمن حوائج المسلمين. وفيه ان اذا جاء من جنس العمل فمن عمل عملا وقع جزاؤه مناسبا له. فمن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والاخرة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة فوضع الجزاء مناسبا للعمل الذي عمله العامل فاستحق عليه الجزاء المذكور. وتخلف في الجملة الاولى ذكر التنفيس في كرب الدنيا. فان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الجملتين الاخيرتين يسر الله وعليه بالدنيا والاخرة وستره الله في الدنيا والاخرة. وقال في الاولى نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ولم شيئا من كرب الدنيا. وانما وقع كذلك تعظيما لثوابه. فان كرب الدنيا لا تعد شيئا عند كرب يوم القيامة فاخر الثواب الى يوم القيامة تعظيما له. فتنفيس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة يساوي تنفيس كل كرب الدنيا التي تكون على العبد في الدنيا. ثم ذكر ان مما يضمنه هذا الحديث من المعاني ان السعي في طلب العلم سبب لدخول الجنة لانه طريق موصل اليها. وفي ذلك يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة عند ذكر هذا الحديث كفى بالعلم شرفا ان يكون طريقا موصلا الى الجنة وهذا الطريق يجوز ان يكون حسيا ويجوز ان يكون معنويا وهو كذلك. فان من اخذ بالعلم وتشاغل به فان ذلك عبادة تقربه الى الله سبحانه وتعالى وهو كذلك باعتبار المعاني يوصل ويفتي الى الجنة وفيه فضل الجلوس في المساجد وتلاوة القرآن ومدارسته بطمأنينة ووقار. وبيان ان افضل ما يكون ذلك في المسجد. فان تلاوة القرآن ومدارسته وتلاوته في المسجد اجتماع عليه في ذلك افضل من الاجتماع عليه في مدرسة او كلية او بيت او غير ذلك. ومن يقال في العلم فان الاجتماع على العلم في المساجد اعظم فضلا واكبر بركة من الاجتماع عليه في غيره وربما فاتت بركة العلم اذا نقل العلم من المساجد فانه يغلب على الناس اذا خرج العلم من ان لا يجتمعوا عليه الا لاجل حظوظ نفوسهم من دنيا او منصب او جاه او غير ذلك. اما المساجد فانه لا يطلب فيها دنيا ولا جاه ولا منصب. وهذا يجب على العبد ان يكون عضو اعتنائه باخذ العلم في المساجد فيكون هو الاصل وما عداهم فهو تابع مساعد لا ينبغي ان يهمله الانسان لما جرت عليه رسوم الخلق وعوائدهم من اخذ العلم في المدارس والمعاهد والكليات واشباهها ثم ذكر ما رواه ابو يعلى الموصلي في مسنده نادى فيه ضعف عن انس ابن مالك قال كانوا اذا صلوا غداة قعدوا حلقا حلقا الى اخره. ومراده بقوله كانوا اي اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا وان كان ضعيفا الرواية في هذا الاثر عن انس الا ان ذلك مستفيض من احوالهم كما في اخبار عبد الله بن مسعود بالكوفة او اقبال ابي الدرداء في الشام فانهم كانوا يجلسون للعلم والقرآن بعد صلاة الفجر وهي اعظم وقت في اغتنام العلم والاستفادة ثم قال وفيه ان الجزاء عن الاعمال لا على الانساب لقوله صلى الله عليه وسلم فيه ومن بطأ به عمله لم يوسع به نسبه اي من قصر به عمله فكان بطيئا في سيره به لم يسرع به نسبه فلم يستوجب تختمه بالمقام بسبب نسبه ثم ختم بالبيتين المشهورين ولم يسمي قائلهما. وقد ذكر فيما رواه عنه الخطيب في الفقيه والمتفقه ان البيتين من شعر علي ابن ابي طالب رضي الله عنه احسن الله اليكم. الحديث السابع والثلاثون. عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى انه قال ان الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحزن فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة. وان هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة وان هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وان هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة. رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الاحرف. فانظر يا اخي وفقنا الله واياك. لهذه الحروب رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف فانظر يا اخي وفقنا الله واياك الى عظيم بالله تعالى وتأمل هذه الالفاظ وقوله عند اشارة الى الاعتناء بها وقوله كاملة للتأكيد وشدة وقالت السيئة التي هم بها ثم تركها كتبها الله عنده حسنة كاملة فاكدها بكاملة وان عملها كتبها سيئة واحدة فاكد تقليلها بواحدة ولم يؤكدها بكاملة فلله الحمد والمنة سبحانه لا نحصي ثناء عليه وبالله التوفيق قال المصنف رحمه الله تعالى هذا حديث شريف عظيم بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم مقدار ما تفضل به الله عز وجل على خلقه من تضعيف الحسنات وتقدير السيئات. زاد مسلم بعد قوله وان هم بها لها كتبها الله سيئة واحدة او محاها ولا يهلك على الله الا هالك. قال ابن مسعود ويل لمن غلب واحدة عشراته قال العلماء وحداته عشرة. احسن الله اليكم. قال ابن مسعود ويل لمن طلب وحداته عشراته. قال العلماء ان السيئة تعظم احيانا بشرف الزمان او المكان. وقد تضاعف بشرف فاعلها وقوة معرفته كما قال تعالى بينة يضاعف لها العذاب ضعفا وكان ذلك على الله يسيرا. ومن يقنط من وتعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما. ذكر المصنف رحمه الله تعالى بهذه الجملة بيان معاني الحديث السابع والثلاثين مبتدأ بذكر رتبة هذا الحديث ومقامه فقال هذا حديث فريق عظيم. وانما شرف هذا الحديث وعظم لما فيه من بيان كتابة الحسنات السيئات وقد بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم بما رواه عن ربه عز وجل مقدار ما تفضل به الله عز وجل على خلقه من تضعيف الحسنات وتقليل السيئات. فان الله يضاعف الحسنات ويقلل السيئات بهذه الامة وهذا من معاني فضلها فان من معاني فضل هذه الامة كما جاء في الاحاديث انها تعمل قليلا وتؤجر كثيرا ومن اجلها الكثير مضاعفة الحسنات ومقابل ذلك ان الله عز وجل يقلل السيئات. ثم ذكر كمسلم بعد قوله وان هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة وهي او محاها. فاما ان تكتب عليه السيئات واحدة او الله سبحانه وتعالى بموجب اوجب نحوها كان يتبعها الانسان بحسنة من جنسها او من غيرها او يتصدق بصدقة او يدعو بدعاء او يشفع له احد الى اخر انواع المافيات للذنوب والخطايا ولا يهلك على الله الا هالك. وهذه اشارة الى شدة فوت الخير له. فانه لا يهلك ممن فضل الله سبحانه وتعالى الا من وجب عليه الهلاك وكتب عليه الخسران. ثم اورد ما رواه ابن المبارك في الزهد من طريقه ابن الجليل الطبري في تفسيره بسند ضعيف جدا عن ابن مسعود انه قال ويل لمن غلب وحداته عشرات والمقصود سيئاته حسناته. فان السيئات لا تضاعف. اما الحسنات فهي المخصوصة بالمضاعفة يضاعفها الله عز وجل عشر حسنات الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة بحسب ما يقترن بقلب عاملها من الايمان واليقين والعلم ثم ذكر ما تقرر عند اهل العلم ان السيئة تعظم اي في قدرها وكميتها اي في قدرها وكيفيتها لا بعددها وكميتها. فان العدد والكمية سيئة واحدة لا تتغير واما القدر والكيفية فربما عرض للسيئة ما يعظمها كشرف الزمان او المكان كما قال تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم. فمن يقع منه هم جازم بالمعصية البلد الحرام وعد بعذاب اليم بالنظر الى شرف المكان. ومثله شرف الزمان كرمضان او غيره من ازمنة فاضلة وقد تضاعف بشرف فاعلها وقوة معرفته. فاذا كان من اهل الامامة في الدين والولاية فيه ثم وقعت منه خطيئة وسيئة فانه ربما ظوعفت كيفية فكانت منه مستقطعة عند الله سبحانه وتعالى. وهذا من المعاني التي ربما تقارن المعصية فتكبرها. فتكون كبيرة وان كانت في الاصل صغيرة فان الفقهاء رحمهم الله تعالى ذكروا ان الصغيرة قد يقارنها تكون به كبيرة فمما ذكروه اصرار فاعليها عليها ودوامه بالاقامة على مواقعة ومنها شرف فاعلها ومنها شرف الزمان الذي فعلت فيه وهذا يوجب على العبد ان يتوقى من فعل المعاصي والسيئات وغيرها وكبيرها قليلها وكثيرها خوفا ان تجره الى ما هو اعظم له واشد لكن وهذا اخر التقرير على هذه الجملة من الكتاب