السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل طلب العلم من اجل القربات. وتعبدنا به طول الحياة الى واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه حاجين مراتب التقديم. اما بعد فهذا الدرس الثامن عشر في شرح الكتاب الرابع من برنامج التعليم المستمر في سنة الثانية احدى وثلاثين بعد الاربعين والالف واثنتين وثلاثين بعد الاربعمائة والالف. وهو تعليم الاحب للعلامة فيصل ابن عبد العزيز ال مبارك رحمه الله ويليه الكتاب الخامس وهو اعلام السنة المنشورة للعلامة حافظ ابن احمد الحكمي رحمه الله تعالى ويليهما الدرس الرابع عشر في شرح كتاب شرح ورقات امام الحرمين للعلامة محمد بن محمد الحطاب الرعيني رحمه الله وقد انتهى البيان في شرح الكتاب الرابع الى قول المصنف الحديث التاسع والثلاثون نعم احسن الله اليكم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقال النووي رحمه الله تعالى الحديث التاسع والثلاثون عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ان الله تعالى تجاوزني عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه حديث حسن رواه ابن هذا والبيهقي وغيرهما قال الشيخ فيصل ال مبارك رحمهم الله الخطأ والنسيان لا اثم فيهما ورفع الاثم لا ينافي ترتب الحكم في بعض الاحكام كما لو قتل مؤمنا خطأ فعليه الدية والكفارة. ومن نام عن صلاة او نسيها فليصلها اذا ذكرها. ومن صلى محدثا ثم ذكر فعليه الاعادة ولو صلى حاملا نجاسة لا يعفى عنها ثم علم بها بعد صلاته او في اثنائها فازالها فهل يعيد صلاته ام لا؟ فيه قولان للعلماء. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه انه خلع نعليه في صلاته واتمها قال ان جبريل اخبرني ان فيهما اذى ولم يعد ولم يعد صلاته ولو تكلم في صلاته ناسيا لم تبطل ولو اكلنا لم يبطل صيامه والاكراه نوعان احدهما من لا اختيار له بالكلية ولا قدرة له على الامتناع فهذا لا اثم عليه ولا يترتب عليه عنف في يمينه عند جمهور العلماء. والنوع الثاني من اكره بضرب او غيره حتى فعل. فهذا الفعل يتعلم به التكليف فان امكنه الا يفعله فهو مختار للفعل. لكن ليس غرضه نفس الفعل بل دفع الضرر عنه فهو مختار من وجه غير مختار من وجه اخر. ولهذا اختلف الناس هل هو مكلف ام لا؟ واتفق العلماء على انه لو اكره على قتل معصية لم يصح له ان يقتله فانه انما يقتله باختياره ابتداء لنفسه من القتل. واذا اكره بغير حق على قول من الاقوال لم يترتب عليه حكم من الاحكام وكان لغوا فان كلام المكره صدر منه وهو غير راض به. فلذلك عفي عنه ولم يؤاخذ به في احكام الدنيا والاخرة. وبهذا فارق الناس والجاهل وسواء في ذلك العقود البيع والنكاح والفسوق كالخلع والطلاق والعتاق. وكذلك الايمان والنذور. وهذا قول جمهور العلماء وهو قول مالك والشافعي واحمد شرع المصنف رحمه الله تعالى يبين معاني هذا الحديث دون اشادة برتبته ولا امداه على علو فضله خلافا لما جرى عليه وكان دأبه فيما مضى من به وكأنه قل منه الاعتناء بهذا الامر فيما يستقبل من الكتاب مع ان احاديث هذا الكتاب كلها مما عظم قدره لكونها من جوامع الكلمة الصادرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن يكون لبعضها خصيصة زائدة عن كونه من جوامع الكلم بفضل لا يكون لغيره او جمع لا يوجد في سواه. كهذا الحديث فان هذا الحديث اصل في بيان الاحوال التي يرفع فيها الاثم عن العبد مما يسمى بعوارض الاهلية التي تعرض للعبد من اه الاحوال فيختلف تعلق الحكم به في الدنيا والاخرة او في احدهما فقط وما يترتب على ذلك من ضمان ونحوه. وقد انتظم في هذا الحديث بيان حكم الخطأ والنسيان والاكراه. ولما كان الخطأ والنسيان مقدمين بالذكر في الحديث مع اشتراكهما في حكمهما ذكرهما المصنف اولا فقال الخطأ والنسيان لا اثم فيهما اي لا يأثم العبد اذا وقع منه شيء خطأ او نسيانا. والخطأ حقيقته وقوع من العبد على وجه لا يقصده وقوع الشيء من العبد على وجه لا يقصده اما النسيان فهو ذهول قلب العبد. عن معلوم متقرر فيه. هو ذهول العبد عن معلوم متقرر فيه. فمن عرظ له خطأ او نسيان فلا اثم عليه فيما فعل ورفع الاثم عنه اي من جهة ربنا عز وجل فلا ينافي ذلك ترتب الحكم عليه في بعض الاحكام بان يحكم عليه بشيء ما مع كونه مخطئا او ناسيا كما لو قتل مؤمنا خطأ فعليه الدية والكفارة. ومن نام عن صلاة او نسيها فليصلها اذا ذكرها من صلى محدثا ثم ذكر فعليه الاعادة. فهذه المسائل واشباهها مما رفع فيها لكن رتب على العبد فيها حكم. ومن جملة ذلك ايضا لو صلى حامل النجاسة لا يعفى عنها. ثم علم بها بعد صلاته او في اثنائها فازالها. والنجاسة التي لا يعفى عنها هي ما يمكن للعبد ان يتنزه منه. اما ما لا يمكن للعبد ان يتنزه منه كبقية اثر الاستجمار. وشبهه فهذا مما يعفى عنه. فاذا صلى الانسان حامل النجاسة لا يعفى عنها ثم علم بها بعد الصلاة او في اثناء فازالها في الصلاة فهل يعيد صلاته؟ فيه قولان للعلماء؟ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابي بعيد الخدري عند ابي داود وغيره انه خلع نعليه نعليه في صلاته واتمها وقال ان جبريل اخبرني ان فيهما اذى اذى وهذا الحديث اختلف في وصله وارساله. وصحح ابو حاتم الرازي انه محفوظ موصولا وهو الاشبه فهو حديث ثابت. وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ صلاته جاهلا او ناسيا عن وجود نجاسة في نعله. فلما اخبره جبريل بان فيهما اذى خلعهما اولم يعد صلاته وكذلك لو تكلم في صلاته ناسيا لم تبطل ولو اكل ناسيا لم يبطل صيامه بل يتم وصيامه ثم اتبعهما بذكر حكم الاكراه بعد فراغه من بيان حكم الخطأ والنسيان والاكراه هو ارغام العبد على ما لا يريد. فاذا وجد الارغام للعبد بفعل ما لا يريد سمي اكراها. وقد جعله المصنف تبعا لابي الفرج ابن رجب في جامع العلوم والحكم وغيره نوعان احدهما من لا اختيار له بالكلية ولا قدرة له على الامتناع وذلك من كان بمنزلة الالة في يد محركها فمن كان كذلك في حال اكراهه لا اختيار له بالكلية ولا قدرة له على الامتناع. ونسمع ولا اثم عليه بالاتفاق. ولا يترتب عليه حنت في يمينه عند العلماء وهو الصحيح. والنوع الثاني من اكره بضرب او غيره. كتهديد اكيد ان حتى فعل. فهذا الفعل يتعلق به التكليف. اي خطاب الامر والنهي فان امكنه الا يفعل فهو مختار للفعل. لكن ليس غرضه نفس الفعل بل دفع الضرر عنه فهو مختار من وجه غير مختار من وجه اخر. اي انه مختار لقدرته عن الامتناع عن الفعل وغير مختار لانه مكره مرغم سيلحقه ضرر اذا امتنع منه. ولما كان متنازعا بين وجهين اختلف الناس فيه فمن اهل العلم من قال هو مكلف ومنهم من قال انه ليس مكلفا واتفق العلماء مع اختلافهم فيما مضى على انه لو اكره على قتل معصوم لم يصح له ان يقتله ان يقتله. فانه انما يقتله باختياره ابتداء لنفسه من القتل. لانه استوى امران احدهما ان يقتل والاخر ان يقتل. فاذا اريد منه ان يقتل احدا الا قتل كان الواجب عليه هو ابقاء عصمة دم غيره لانه يكون ظالما لمن له ولانه لم لم يبتدي فانه يقتل هو ففيه ذهاب نفس من احدهما. والواجب عليه الا تعدى على نفس معصومة باغراق دمها. وانما يفتديه بان يقتل. لان قتله لغيره لا يجوز ولا يصح له قتله لانه اذا قتله انما افتدى نفسه به فيحرم عليه ذلك بلي يمتنع ولو قتل فانه اذا قتل قتل ظلما. واذا قتل قتل ظالما ثم ذكر انه اذا اكره بغير حق على قول من الاقوال لم يترتب عليه حكم من الاحكام وكان لغوا. فلو اكره بغير حق على قول ما من حلف او لعن او غير ذلك فانه لا يترتب عليه حكمه ويكون لغوا ولا يؤاخذ به في احكام الدنيا والاخرة. وبهذا فارق الناس والجاهل فان الناسي والجاهل كما سلف تترتب على افعالهما بعض الاحكام. اما المكره الذي لا اختيار له فانه لا تترتب عليه احكام ولا يؤاخذ بما فعل في الدنيا ولا في الاخرة سواء ذلك في العقود كالبيع والنكاح او في الفسوخ وهي حل العقود كالخلع والطلاق والعتاق وكذلك في الايمان والنجوم وهذا قول جمهور العلماء وهو قول مالك والشافعي واحمد وهو الصحيح. ومحل الاكراه عند اهل العلم هو القول و فعل اما الاعتقاد فانه ليس محلا للاكراه وليس للانسان ان يغير اعتقاده الشك او بنفي اليقين للاكراه عليه. لانه لا يعذر به وانما وقع العذر بالاكراه فيما كان قولا وفعلا اما الاعتقاد فانه لا يجوز للعبد ان يذعن بما اكره عليه فيه بتغيير اعتقاده لان الاطلاع عليه غير ممكن. فاذا وافق مكرهه فيما اراده فانه قد فعل ذلك باختياره. نعم. احسن الله اليكم. قال النووي رحمه الله تعالى الحديث الاربع عن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال كن في الدنيا كأنك كغريب او عابر سبيل وكان ابن عمر يقول اذا امسيت فلا تنتظر الصباح واذا اصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك في مرضك ومن حياتك لموتك رواه البخاري قال المصنف رحمه الله تعالى هذا الحديث اصلا في الزهد وقصر الامل لان الغريب اذا دخل بلدة لم ينافس اهلها وعابر السبيل يكتفي باقل زاد ولا يأخذ ما يعوقه عن وطنه. وفي الحديث اغتنام الاعمال قبل فواتها قال بعضهم ترحل من الدنيا بزاد من التغاة فعمرك ايام وهن قلائل وما اقبح التفريط وفي زمن الصبا فكيف به والشيب للرأس شاعل؟ ذكر المصنف رحمه الله تعالى بيان معاني هذا الحديث مبتدئا ببيان رتبته وانه اصل في الزهد في الدنيا وقصر الامل في الحياة. لان الغريب اذا دخل بلدة لم ينافس اهلها وعابر السبيل يكتفي باقل زاد ولا يأخذ ما يعوقه عن وطنه الغريب هو المقيم بغير بلده. وعابر السبيل هو المار بغير بلده. فالمذكور في الحديث مرتبتان احداهما مرتبة الغريب والاخرى مرتبة عابر السبيل. والثانية اكمل من الاولى. لان عابر السبيل مار لا تستقر به قدم وليس في قلبه ادنى ميل للاقامة واما المقيم فانه قد ركن الى ذلك البلد الذي وطأته قدماه واستقر في استقرارا مقيدا يريد بعده ان ينزع الى بلده ويرجع اليه في الحديث كما ذكر المصنف اغتنام الاعمال الصالحة قبل فواتها. لان الاعمال الصالحة يعرض لها الفوت هو فوت الاعمال الصالحة يرجع الى احد شيئين اولهما فوات اوقاتها المقيدة بها كمن يعرض له يوم عرفة فيترك صومه فانه قد فات لذهاب وقته. والاخر صوت القدرة عليها صوت القدرة عليها. اما بالضعف واما بالموت. فان الانسان ربما يضعف ويعجز مع وعلته اذا تمادى به العمر او ينخرف عمره بالموت وتلحقه منيته فلا يمكن له ان يتدارك نفسه بالعمل الصالح. وانما يمكن تدارك العمل في وقت الامكان وهو وقت حياته واعظمها وقت الشباب. فان العبادة الممكنة التي تبقى مع العبد اذا هي عبادته في الشباب كما كانت حفصة بنت سيرين تقول يا معشر الشباب انما العبادة في الشباب لان القدرة عليها وقوة اقبال القلب انما ما تكون في زهرة الشباب فاذا اعتاد الانسان العمل الصالح في شرخه وقوته امكنه ان يبقى عادة له لان الخير عادة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فاذا عود الانسان نفسه الخير اعتادته وارتاظت عليه ثم اورد رحمه الله تعالى بيتين لطيفين في هذا المعنى هما ابي العتاهية الشاعر المعروف. رواه عنهما. الدينوري في كتاب المجال وجواهل العلم وذكرهما عنه دون اسناد ابو عمر ابن عبد البر في كتاب الاستذكار انه لينشد ترحل من الدنيا بزاد من التقى. فعمرك ايام وهن قلائل. اي ان عمرك مركب من كما روى ابو نعيم الاصبهاني في كتاب الحلية عن الحسن البصري انه قال ابن ادم انما انت اذا ذهب منك يوم ذهب منك بعضك وهذه الايام قلائل لان اعمار هذه بين الستين بين الستين والسبعين كما صح ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال قال في ثانيهما وما اقبح التفريق في زمن الصبا. فكيف به والشيب للرأس شاعل؟ اي ان التفريط في العمل الصالح في زمن القوة والنشاط واول العمر. فكيف اذا كان هذا التفريط مستمرا مع شيب شعر الرأس وامتلاءه الرأس منه حتى كأنه مشتعل به. نعم. احسن الله اليكم. الحديث الحادي والاربعون عن ابي محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة باسناد صحيح. قال الشارح رحمه الله هذا الحديث موافق لقوله تعالى فلا ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا قال يحيى ابن معاذ ليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده. وقال تعالى الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. والله غفور رحيم. فجميع المعاصي والبدع انما تنشأ من تقديمها والنفس على محبته ورسوله قال بعضهم تعصي الاله وانت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيع لو كان حبك فصادقا لاطعته ان المحب لمن يحب مطيعه. شرع المصنف رحمه الله تعالى في بيان يبين معاني هذا الحديث مبتدأ بذكر موافقة هذا الحديث اية من القرآن الكريم. فهؤلاء الايات تصدق هذا الحديث وتأييد الحديث بالقرآن كتأييد القرآن بالحديث لانهما جميعا وحي من الله سبحانه وتعالى وهذا من اكمل الوصل بين العلم المتحد مأخذه فان علم الكتاب والسنة مرجعه الى وحي الله وبعضه يصدق بعضا. فايات الكتاب يصدق بعضها بعضا. واحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يصدق بعضها بعضا. وكذلك الحديث يصدق القرآن والقرآن يصدق الحديث. فهذا الحديث موافق لقول الله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم اي تنازعوا واختلفوا فيه ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت اي ضيقا وكرها لما قضيت ويسلم تسليما بالا يبقى في قلوبهم ادنى منازعة لامر الشريعة. وتصديق هذه الاية للحديث لان معنى الحديث انه لا يؤمن احدكم حتى يكون ميله فان الهوى في هذا الحديث معناه الميل. حتى يكون ميله تبعا لما جئت به اي لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الدين. وذكر عن يحيى ابن معاذ احد العباد الصالحين انه كان يقول ليس بالصادق من ادعى الله ولم يحفظ حدوده فان صدق المحبة لله سبحانه وتعالى توجب على العبد ان يحفظ ما امره الله عز وجل به فعلا ونهيا. واورد اية اخرى موافقة للحديث. ويقوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الى اخر الاية. وهذه الاية كان الحسن البصري فيها اية المحنة اي التي امتحن الله عز وجل بها الخلق في صدق دعواهم في محبة الله عز وجل بل كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى لما كثر المدعون للمحبة طولبوا باظهار الحجة الحجة في قوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله الى تمام الاية فصدق الحب لله يقتضي اتباع ما جاء به النبي صلى الله الله عليه وسلم ثم قال المصنف فجميع المعاصي والبدع انما تنشأ من تقديم هوى النفس على محبته سبحانه ورسوله اي ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم. فانه لو كمل في قلب العبد محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم لما وقعت منه مخالفة امرهما بمعصية او بدعة او كفر فان الصادق في لا يخالف امر من احبه. ولهذا يطلع المرء على خبيئة نفسه في قدر محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم في صدق ملازمته لامرهما ومسارعته التوبة اذا وقع منه شيء على خلافه فان الانسان مطبوع على المعصية وهي واقعة من قدرا لكنه مأمور بان يندم عليها وان يتوب منها. الى الله سبحانه وتعالى مقتديا بابيه ادم عليه الصلاة والسلام. كما قال ابو العباس الحفيظ بالرسالة التدبرية من اذنب فندم فتاب فقد شابه اباه. ومن شابه اباه فما ظلم تقع منه المعصية لكنه مأمور ان يتوب الى الله عز وجل ويندم عليها. ثم اورد بيتين لطيفين مما تنازع اهل العلم في نسبتهما فهذان البيتان نسبا لجماعة منهم رابعة العدوية. وعبدالله بن المبارك واحمد بن حنبل وابو العتاهية. والاظهر والله اعلم ان الاشهر نسبتهما ان الاشهر نسبتهما الى رابعة العدوية كما ذكره عنها البيهقي في شعب الايمان وابن عساكر في تاريخ دمشق انها كانت تنشد تعصي الاله وانت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيع لو كان حبك صادقا لاضعته ان المحب لمن يحب مطيع. فهذا معنى الكلام ووقع في بعض الكتب في الشطر الثاني من البيت الاول هذا لعمري في بديع وهذا اليق لما فيه من التهكم بخلاف قول شنيع فانه مبادر ببيان حقيقة الحكم لان كذلك شناعة في القياس لكن قول هذا لعمري في القياس بديع يراد بها التهكم بان من يفعل هذا فقد قاس قياسا بديعا يتهكم به لقبح ما جاء به فحكم عنه بانه بديع مع على خلاف ذلك على وجه التهكم كما تقول لاحد انما فعلت من الصنيع حسن وانت تقصد عيبه على ما فعل متهكما به. نعم. الحديث الثاني عن انس ابن مالك رضي الله عنه انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى يا ابن ادم كما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا ابالي. يا ابن ادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن ادم لو اتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لاتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وقال حسن صحيح قال الشارح رحمه الله وفي هذا الحديث بشارة عظيمة وحلم وكرم عظيم وما لا يحصى من انواع الفضل الاحسان والرأفة والرحمة والامتنان. قال الحسن اكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم واسواقكم ومجالسكم ومجالسكم واينما كنتم فانكم ما تدرون متى تنزل المغفرة؟ وقال قتادة ان هذا القرآن على داء ودوائكم فاما دائكم فالذنوب واما دواؤكم فالاستغفار قال بعضهم استغفر الله مما يعلم الله ان الشقي لمن لا يرحم لمن احسن اليكم استغفر الله مما يعلم الله ان الشقي لمن لا يرحم الله ان الشقي لمن. ان شقي لما يرحم الله لألما لاما لا يرحم الله. ان تكسر اللام حقت لمن؟ لمن لا يرحم الله. محسوم عليكم ان الشقي لمن لا يرحم الله ما احلم الله عمن لا يراقبه. كل مسيء ولكن يحلم الله تغفر الله مما كان من زلل طوبى لمن كف عما يكره الله طوبى لمن حسنت منه سريرته. طوبى لمن ينتهي عن مما نهى الله ذكر المصنف رحمه الله تعالى معاني الحديث الثاني والاربعين من الاحاديث النووية مبتدأ ببيان ان هذا الحديث مشتمل على بشارة عظيمة وحلم وكرم عظيم من ربنا عز وجل وما لا يحصى من انواع الفضل والاحسان والرأفة والرحمة والامتنان. فان الله عز وجل امتن في هذا الحديث القدسي بذكر ثلاثة موارد عظيمة من موارد مغفرة الذنوب احدها دعاء الله سبحانه وتعالى ورجائه. وثانيها استغفار وثالثها توحيده فان هذه الموارد تجمع بحار المغفرة متلاطمة التي تفيضها الله سبحانه وتعالى على عباده متفضلا محسنا رؤوفا رحيما ممتنا عليهم. فان المرء يقلب في يومه وليلته بين خطاياه. كما جاء في حديث ابي ذر الغفاري وهو حديث الهي عند مسلم ان الله قال يا عبادي انكم تذنبون الليل والنهار فالمرء لا ينفك عن معصية ربه سبحانه وتعالى الا ان الله عز وجل يتوب عليه فيوفقه لسؤال التوبة ويحمله على طلبها ثم اذا وقعت منه غفر الله عز وجل له ذنبه وكفر عنه سيئاته وهذا من اعظم الامتنان على الخلق فان صفاء الاحوال لا يدوم ويعرض للعبد ما يغيره من العوام والعوارض والشواغل لكن رحمة الله سبحانه وتعالى واسعة فمن رجع الى الله عز وجل منيبا داعيا راجيا او مستغفرا او موحدا غفر الله عز وجل له ما كان منه كما في هذا الحديث الالهي. وما اشبه امرنا بقول مرشدكم دوام حالنا من المحال. ولطف ربنا صلاح الحال. دوام حالنا من المحال ولطف ربنا صلاح الحال. فان دوام الحال الصافية من المحال. فالانسان لابد ان يقارع الخطيئة وان يقارفها لكن لطف الله عز وجل به ورحمته له هي التي يتحقق بها صلاح امره. ثم اورد رحمه الله تعالى اثرين سلفيين عن اثنين من التابعين هما الحسن البصري وقتادة ابن دعامة السدوسي رواهما ابن ابي الدنيا في كتاب التوبة فاولهما ان الحسن قال اكثروا ومن الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم واسواقكم ومجالسكم واينما كنتم. فانكم ما تدرون متى تنزل المغفرة اي لا تعلمون متى يوافق ذلك من الله اجابة وقبولا يغفر لكم سبحانه وتعالى وكان حاله صلى الله عليه وسلم المستفيضة في السنة المنقولة عنه لهجه بالاستغفار واما الثاني فهو قول قتادة ان هذا القرآن على دائكم ودوائكم اي وقع على دائكم ودوائكم مبينا له فاما دواؤكم فالذنوب فهي العلل التي تصيب الابدان والارواح فتضعفها فهي مظعفة للارواح وربما تمادى بها اضعافها للارواح حتى انهكت الابدان. ومن الناس من يظنوا ان الذنوب تضعف الروح فقط. وليست كذلك بل المعصية تضعف الروح ثم يتبعها ضعف البدن فمن كمل ايمانه كملت قوة بدنه وفي حديث ابي هريرة في صحيح مسلم المؤمن القوي احب الى الله من المؤمن الضعيف وهو يشمل قوته في روحه وبدنه وهذه الذنوب هي داء وربما كانت تلك الذنوب مصيبة لما يقتل الانسان بما يفسد ايمانه ويبطله بالكلية كما قال ابن القيم في كتاب الفوائد الذنوب جراحات ورب جرح اصاب مقتلا. انتهى كلامه وما يدرك الانسان ذنبا فيصيب فيه مقتله من انتقاض دينه وانتفاء ايمانه بالكلية والذنوب حبالك الشيطان فانه ينصبها يصطاد بها الناس ويزينها لهم حتى اذا اقرأوها ولزموها جرهم الى الكفر بالله سبحانه وتعالى. ودواء الذنوب كما جاء مبينا في القرآن والسنة الاستغفار اي طلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى في قول الانسان اللهم اغفر لي او استغفر الله او غير او غير ذلك من الاقوال الملازمة الاستغفار وهو طلب المغفرة. فينبغي ان يلازم الانسان سؤال ربه المغفرة وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى عن شيخه مستحسنا جواب ابي الفرج ابن الجوزي رحمه الله لما سئل ايهما افضل الاستغفار ام التسبيح؟ فقال الثوب الوسخ احوج الى الصابون منه او قال الماء منه الى الطيب. فالانسان المتلطخ اياك احوج الى الاكثار من الاستغفار من الاكثار الى التسبيح لان التسبيح تنزيه مشتمل على تطييب وتعظيم اجلال لله سبحانه وتعالى. فالانسان اذا طلب المغفرة احوج منه الى التعظيم والتنزيه لذلك كان اكثر ما يلازمه النبي صلى الله عليه وسلم في مجالسه هو سؤال الله المغفرة. ثم ختم المصنف رحمه الله تعالى بابيات كلطفة ذكرها ابو الفرج ابن رجب في جامع العلوم والحكم عند هذا الحديث استغفر الله مما يعلم الله ان الشقي لمن لا يرحم الله ما احلم الله عمن لا يراقبه كل مسيء ولكن يحلم الله فاستغفر الله مما كان من زلل طوبى لمن كف عما يكره الله طوبى لمن حسنت منه سريرته طوبى لمن ينتهي عما نهى الله وبختام هذا الحديث يكون المصنف رحمه الله تعالى اتم شرح الاربعين في مباني الاسلام وقواعد الاحكام للعلامة النووي رحمه الله تعالى. ثم اتبعها بشرح الزيادة التي زادها ابو الفرج ابن رجب في كتاب جامع العلوم والحكم فان ابن رجب تمم الاربعين فصيرها خمسين حديثا. وشرح الاحاديث التي زادها وانفرد بذلك عن شراح كتاب الاربعين. فكتاب جامع العلوم والحكم له خصائص منها انه اعتنى بجمع الاحاديث الكلية الزائدة عن الاربعين النووية. فان بعض الحذاق من شراح الاربعين كالطوفي اشاروا الى انه بقي بقية وراء هذه الاربعين من الاحاديث التي تنطوي على جوامع الاحكام من مباني الاسلام وذكر الطوفي منها اشياء ثم استوعب ابن رجب رحمه الله تعالى جملة من هذه الاحاديث تمم بها عدة الاحاديث خمسين حديثا ثم شرحها رحمه الله تعالى شرحا بالغا نافعا وتبعه المصنف فشرح هذه الاحاديث وصير اسم كتابه تعليما الاحب احاديث النووي وابن رجب فجعل كتابه شرحا لاحاديثهما. وهذا من محاسن التسميات. فانه لم يزعم ان هذا شرح للاربع النووية مع انه اورد الزيادات بل جاء باسم يفصح عن انه شرح الاربعين مع زيادة ابن رجب ثم جعل شرحه بمعنى ما يدل على محبته لمن يعلمه فقال تعليم الأحب وكان رحمه الله تعالى عظيم المحبة لتلاميذه ساعيا في نفعهم مجتهدا في امدادهم بانواع العلوم وهو ممن جلس للناس فانتفع به الناس وتخرج به جماعة من الاكابر وقد كتب اليه الملك عبد العزيز بن سعود رحمه الله تعالى كتابا يستدعيه فيه ليوليه القضاء في مدينة الرياض هو من احق الناس بها بعد وفاة شيخه سعد ابن حمد ابن عسير سنة تسع واربعين بعد الثلاث مئة والالف كتب اليه الشيخ فيصل رحمه الله تعالى وكان في الجوف كتابا ذكر للملك فيه انني قد زرعت نخلا واني انتظر ثمرة. فارجو ان تمهلوني حتى ثمره فاستغرب الكتاب من فحوى الرسالة ومظمنها وظحك الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى لفوت ذلك في فهمهم وقال ان الرجل يذكر ان له تلاميذ لم يكتمل تحصيلهم فهو لا يريد ان ينتقل الى الرياض حتى يخرج اثر التحصيل عليهم وهذا اخر البيان على هذه الجملة الكتاب بالله التوفيق