الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقال المصنف رحمنا الله واياه والامر النفسي بالشيء نهي عن ضده بمعنى ان تعلق الامر بالشيء هو عين تعلقه بالكف عن ضده واحدا كانت ضده كضد السكون الذي هو الحركة او اكثر كضد القيام الذي هو القعود والاتكاء والاستلقاء فالطلب له تعلق واحد بامرين هما فعل الشيء والكف عن ضده فباعتبار الاول هو امر وباعتبار الثاني هو نهي وقيل ان الامر بالشيء ليس عين النهي عن ضده ولكن يتضمنه وقيل ليس عينه ولا يتضمنه وعزاه صاحب جمع الجوامع المصنف. واما مفهوم الامر والنهي فلا نزاع في تغايلهما وكذا لا نزاع في ان الامر اللفظي ليس عين النهي اللفظي. والاصح انه لا يتضمنه. وقيل يتضمنه فإذا قيل اسكن فكأنه قال لا تتحرك لأنه لا يتحقق السكون الا بالكف عن التحرك واما النهي النفسي عن الشيء فقيل انه مؤمن ضده فان كان واحدا فواضح وان كان اكثر وان كان اكثر كان امرا بواحد من غي تعيين. وقيل ان النهي النفسي ليس امرا بالضد قطعا. واما النهي اللفظي فليس الامر اللفظي قطعا ولا يتضمنه على الاصح. وقيل يتضمنه. فاذا قال لا تتحرك كانه قال اسكن لانه لا يتحقق ترك التحرك الا بالسكون. ذكر المصنف رحمه الله تعالى مسألة ان من المسائل المشهورة عند الاصوليين جعلها متوسطة في الذكر بين مباحث والنهي لتعلقها بهما معا. وهي مسألة هل الامر بالشيء نهي عن ضده النهي عن الشيء امر بضده ام لا؟ والضد عندهم يراد به المخالف ولا يراد به حقيقة الضد. فان الضدين هما اللذان لا يجتمعان وقد يرتفعان. كالحرمة والوجوب. فان الشيء لا يكون وواجبا في الوقت نفسه. فهما لا يجتمعان وقد يرتفعان. فيخلو الشيء منهما بان لا يحكم عليه بوجوب ولا حرمة فليحكم عليه باستحباب او اباحة او غير ذلك. واما المتخالفان هما الشيئان اللذان قد يرتفعان وقد يجتمعان. فقد يوجدان وقد يرتفعان بالكلية وهذا هو المراد عندهم بالضج. وهذه المسألة اما غمض امره لغموض منزعه. فان هذه المسألة مبنية على اصل من ابواب الكلام عند الاشاعرة وهو ما يعتقدونه في كلام الله عز وجل انه معنا قائم بذات الله. وهذا المعنى القائم بذات الله عز وجل هو شيء واحد عبر عنه بالسريانية فصار التوراة وعبر عنه بالعربية فصار القرآن. وتفرع عن هذا الاصل مسائل عدة في اصول الفقه وغيرها بها وقد صرح المصنف برد المسألة الى ذلك بقوله والامر النفسي الاعلامي بانه يخرج عن ذلك الامر اللفظي. وهم يطلقون ولا لكن اطلاقهم الجأ حذاقهم الى التفريق بين الامر النفسي والامر اللفظي لعدم امكان ذلك عقلا فالاقتضاء العقلي يرد ما قرروه فلما كان الاقتضاء العقلي مبطل بما قرروه نزعوا الى التفريق بين الامر النفسي والامر اللفظي. ومرادهم باللفظ الصيغة الدالة على فهم مثلا يجعلون الامر بشيء معنى معنى قائما بالله عز وجل ثم يجعلون الصيغة ثم يجعلون ما دل عليه صيغة مخبرة عنه. فمثلا يقولون ان الامر بالصلاة معنى قائم بذات الله عز وجل عبر عنه بقوله تعالى تارة اقم الصلاة وتارة لقوله تعالى اقيموا الصلاة. وغير ذلك. فلما كان المعنى فلما كان الكلام معنى قائما بذات الله سبحانه وتعالى قالوا الامر بالشيء نهي عن ضده. قال الشارح ان تعلق الامر بالشيء هو عين تعلقه بالكف عن ضده. واحدا كانت ضدك ضد السكون الذي هو الحركة او اكثر ضد القيام الذي هو القعود والاتكاء والاستلقاء. ثم بين هذا بقوله فالطلب له تعلق واحد بامرين. هما فعل الشيء والكف عن فباعتبار الاول هو امر وباعتبار الثاني هو نهي. اي ان المعنى الموجود في ذات الرب وتعالى واحد. ان عبر عنه بما يدل على الامر من صيغته سمي امرا. وان عبر عنه بما يدل على النهي من صيغته سمي نهيا. وهذا باطل لما تقرر ان كلام الله عز وجل ليس معنى قائما بذاته بل ان الله عز وجل يتكلم بحرف وصوت. ولذلك فان اهل السنة اذا اطلقوا الصيغة يريدون بها الامر نفسه واما هم فانهم لا يريدون بالصيغة انها الامر. وانما هي الالة التي اخبرت ذلك الامر فالسني اذا قال ان صيغة الامر افعل مراده ان الامر هو افعل. واما هم فاذا قالوا صيغة الامر افعل قال فلا يريدون ان نهى الامر بل ان الامر معنى قائم بذات الله عز وجل عبر عنه بصيغة دالة عليه هي الامر. وحينئذ فان الامر والنهي باعتبار تعلقه بذات الله عز وجل واحد لانهم ينفون الحرف والصوت عن الله عز وجل في كلامه. واما المثبتة من اهل السنة وغيرهم فانهم يقولون كما صحت بذلك الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الله تكلم بحرف وصوت وعند ذلك فانه لا يكون الامر هو عين النهي. لان الامر له حرفه وصوته والنهي له حرفه وصوته الذي يفترقان به. ثم اورد المصنف قولا اخر لهم قال وقيل ان الامر بالشيء ليس عين النهي عن ضده ولكن يتضمنه. فهو ليس عين الشيء ولكنه متضمن له. فهذا يتضمن هذا وذاك يتضمن ذاك كما ذكر نظيره في النهي وقيل ليس عينه ولا يتضمنه وعزاه صاحب جمع الجوامع للمصنف اي الجويني رحمه الله تعالى بل الجويني قول اخر خلاف قوله المذكور في كتاب الورقات فان كلامه في الورقات دال على ان الامر بالشيء نهي عن ضده وانه هو عينه وقوله الاخر انه ليس عينه ولا يتضمنه. الا ان ما اختاره الجويني ليس جار على طريقة اهل السنة لانه ممن يقول بالكلام النفسي. واما اهل السنة الذين يقولون بان القرآن بحرف فانهم يقولون ان الامر له صيغته وله دلالته والنهي له صيغته ودلالته ولذلك فانهم يختارون في هذه المسألة ان الامر بالشيء نهي عن ضده لزوما ان يلزموا من صدور الامر النهي عن ضده. فهو ليس عينه ولا يتضمنه وانما يلزم منه. فاذا صدر الامر كان ذلك نهيا عن ضده من جهة اللزوم والاقتضاء العقلي. واختار هذا جماعة من المحققين منهم ابو العباس ابن تيمية الحفيد في رسالة له وتلميذه ابن القيم في كتابه الفوائد ومدارج السالكين ومحمد الامين الشنقيطي في مذكرته في اصول الفقه وهذه المسألة من المسائل الشائكة في اصول الفقه من بنائها على اصل من اصول علم الكلام عند الاشاعرة بحيث غمض ذلك على كثير من المتكلمين فيها من اهل السنة وهي من المسائل التي يقال فيها ان النار تحت كما ذكره الامين الشنقيطي في مذكرته عند هذا الموضع. فتحقيق القول في هذه المسألة ان الامر الشيء نهي عن ضده من جهة اللزوم والاقتضاء العقلي. ثم قال الشارح واما مفهوم الامر والنهي فلا نزاع في تغايرهما وكذلك لا نزاع في ان الامر اللفظي ليس عين النهي اللفظي. وهذا اعلام بان ما سبق متعلق بالامر النفسي. اما مفهوم الامر والنهي اي ما يفهم من الامر. وما يفهم من النهي فلا نزاع في للمفهومين لان كل مفهوم يقع في نفس الانسان بمعنى لا يكون للاخرين. وكذلك لا نزاع في ان امرا لفظيا اي الصيغة التي تدل عليه ليس عين النهي اللفظي. ثم اورد مقابلها وهو النهي عن الشيء امر بظده وهي مبنية على المسألة السابقة. واذا كان ما سبق مبنيا على اقتضاء واللزوم العقلي فحينئذ فان القول الصحيح في المسألة الثانية كما اختاره المحققون السابقون ابن تيمية وابن القيم ومحمد الامين الشنقيطي ان النهي عن الشيء امر بضده اذا كان واحدا. وامر بواحد اذا كان الضد متعددا. ان النهي عن الشيء امر بضده اذا كان واحدا وامر بواحد من اضداده اذا كان متعددا وبهذا يقع تحقيق القول في المسألة. وتعرف ان قول اهل السنة فيها انه ليس متعلقا الامر والنهي النفسي. وانما متعلق بالامر والنهي. ايش؟ اللفظ. لان اهل السنة لا الامر والنهي النفسي ويقولون ان الله تكلم بحرف وصوت. والحرف والصوت تنشأ منها الالفاظ والاقوال فحينئذ يكون تحقيق هذه المسألة عندهم ان الامر بالشيء نهي عن ضده وان النهي عن الشيء امر بضده اذا كان واحدا. وبواحد من اضضاده اذا كان متعددا وبهذا ينتهي التقرير على هذه الجملة من الكتاب وبالله التوفيق