التفريغ
السَّلامُ عليكم - 00:00:21ضَ
كنتُ في صِغَري وأنا مُستَلقٍ على سريري قبلَ النَّومِ أَتَسَاءَلُ: - 00:00:22ضَ
أَلَيسَ لِكُلِّ شيءٍ خَالِقٌ؟ - 00:00:25ضَ
فمَنْ خَلقَ اللهَ؟ - 00:00:28ضَ
ثمَّ أُحِسُّ بأنَّ هذا السُّؤالَ حرامٌ لا يخطرُ ببالِ أحدٍ مِن حولي - 00:00:29ضَ
كَبُرتُ فعرَفتُ أَنَّ هذا السُّؤَالَ يتساءَلهُ الكثيرونَ - 00:00:33ضَ
بَل، وعرفتُ أنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قد نَصَّ على أَنَّ كثيرينَ سيسألونهُ - 00:00:36ضَ
وأرشدَ إلى طَرِيقةِ التَّعامُلِ مع هذا السُّؤالِ - 00:00:42ضَ
بدايةً، ما مَنشَأُ هذا السُّؤالِ؟ - 00:00:45ضَ
مَنشَؤهُ أَنَّنا نظُنُّ القاعدةَ كَالتَّالي: (لكلِّ شيءٍ مُسبِّبٌ، ولكلِّ مَوجودٍ خَالِقٌ) - 00:00:48ضَ
بينما القاعدةُ الصَّحيحَةُ هي: (لكلِّ شيءٍ حَادِثٍ مُسبِّبٌ، ولكلِّ مَخْلُوقٍ خَالِقٌ) - 00:00:55ضَ
لكلِّ شيءٍ حادِثٍ مُسبِّبٌ - 00:01:03ضَ
(حادِثٌ) أي له بدايةٌ، وُجِدَ بعد أَن لم يكن مَوجودًا - 00:01:05ضَ
فكلُّ ما له بدايةٌ، لا بُدَّ له مِن مُسبِّبٍ أخرجهُ مِن العَدَمِ إلى الوجودِ - 00:01:09ضَ
أحدَثَهُ بعد أَن لم يكنْ - 00:01:15ضَ
ما الَّذي أَنبتَ النَّبْتَة؟ المطرُ - 00:01:18ضَ
حسنًا، ما الَّذي أَنزلَ المطرَ؟ السَّحابُ - 00:01:20ضَ
وما الَّذي كَوَّنَ السَّحابَ؟ البُخارُ المتصاعِدُ - 00:01:22ضَ
حسنًا، ومِن أينَ جاءَ هذا البُخارُ؟ مِن البحارِ - 00:01:25ضَ
ومَن أَوجدَ البحارَ؟ اللهُ - 00:01:28ضَ
ومَن أَوجدَ اللهَ؟ ليس له مُوجِدٌ؛ - 00:01:30ضَ
لأَنَّه السَّببُ الأَوَّلُ - 00:01:33ضَ
أي ليس له مُسبِّبٌ - 00:01:35ضَ
حسنًا، لِماذَا؟ - 00:01:38ضَ
لأنَّك لو افترضتَ أنَّه أَوجدَهُ خَالِقٌ، فستسألُ ومَن أَوجدَ خالِقَ الخالِقِ؟ - 00:01:40ضَ
وهكذا إلى ما لا بدايةٍ - 00:01:46ضَ
وهذا يُؤَدِّي إلى تسلسُلِ الأَسبابِ ويُسَمَّى أيضًا (تسلسُلَ الفاعِلينَ) - 00:01:49ضَ
وهو مُستحِيلٌ عقلًا؛ - 00:01:53ضَ
لأَنَّ نتِيجتَهُ أَن لا يحصلَ خَلْقٌ أَصلًا -كما بَيَّنا في الحلقةِ الماضيةِ- - 00:01:55ضَ
وضربْنا له مثالَ الأسيرِ الَّذي لا يُطْلَقُ سَراحُهُ حتَّى يتلقَّى الجُنديُّ أَمرًا مِن قائدِه، - 00:01:59ضَ
والقائدُ مِن قائدِهِ وهكذا إلى ما لا بدايةٍ، فلا يُحرَّرُ الأَسيرُ - 00:02:05ضَ
فإذا رأَيناهُ أُطلِقَ سَراحُهُ عَلِمنَا أَنَّ السِّلسلةَ وَقفتْ عند مَن أَعطى الأَمرَ - 00:02:10ضَ
دُونَ أَنْ يَتلقَّى أَمرًا مِن أَحدٍ أَعلى مِنهُ رُتبةً - 00:02:16ضَ
مثالٌ آخرُ يُوَضِّحُ استحالةَ التَّسلسُلِ في الأَسبابِ إلى ما لا بِدايةٍ: - 00:02:19ضَ
إذا دخلتَ بَيتًا، ونظرتَ مِن بابٍ فيهِ، فرأيتَ وراءهُ ثُرَيَّا مُعلَّقةً بِسلسلَةٍ - 00:02:23ضَ
لكنَّكَ لم ترَ مِن أين تبدأُ هذه السِّلسلَةُ، - 00:02:29ضَ
فإنَّكَ تَجزمُ بأنَّ لها بدايةً في السَّقفِ وإلَّا لَسقطتْ وما بقِيتْ مُعلَّقةً - 00:02:31ضَ
ولن تَتقبَّلَ فِكرةَ أَنَّ السِّلسلةَ قد تكونُ مُمتدَّةً إلى ما لا بدايةٍ - 00:02:37ضَ
لذلكَ فسؤالُ (مَن خَلَقَ الخَالِقَ؟) سُؤَالٌ خَطَأٌ؛ لأَنَّهُ يُخالِفُ العَقلَ - 00:02:41ضَ
لأَنَّ العقلَ يَقتضي أَنَّهُ إذا كان الكَونُ مَخلُوقًا فلا بُدَّ مِن وُجودِ خالِقٍ غَيرِ مَخلُوقٍ - 00:02:47ضَ
سؤالٌ خطأٌ؛ لأَنَّهُ لا بُدَّ -عَقلًا- مِن سببٍ أَوَّلٍ، - 00:02:52ضَ
فعندما تقولُ: مَن خالِقُ السَّبَبِ الأَوَّلِ؟ - 00:02:56ضَ
فإنَّهُ لم يَعُدْ أَوَّلًا - 00:02:59ضَ
بل أَصبحَ سببًا ثانيًا - 00:03:00ضَ
إذن، فقانونُ السَّببيَّةِ يُطبَّقُ على الأُمورِ الحَادثةِ فقط - 00:03:02ضَ
إذا دخلتَ غُرفتكَ، ورأيتَ سريركَ قد تَغيَّرَ مَكانهُ فإنَّكَ تقولُ: مَن غَيَّرَ مكانَ السَّريرِ؟ - 00:03:08ضَ
لأنَّ تغيُّرَ مكانِهِ أَمرٌ حادِثٌ - 00:03:13ضَ
بينما إذا دخلتَ غُرفتكَ، ولم تر مكانَ السَّريرِ تغيَّرَ، فإنَّكَ لا تَسألُ مَن أَبقى السَّرِيرَ مكانَهُ؟ - 00:03:16ضَ
لأَنَّ بقاءَهُ مكانَهُ ليس أمرًا حادِثًا حتَّى يكُونَ له محدِثٌ - 00:03:22ضَ
واللهُ تعالى -بما أَنَّهُ السَّببُ الأوَّلُ- فليس حادِثًا حتَّى يكُونَ له مُحدِثٌ - 00:03:26ضَ
بل هو خارِجٌ عن إطارِ المادَّةِ التَّي خلَقها وغيرُ مَحكُومٍ بقوانينِها - 00:03:32ضَ
إذا رأيتَ دُميةً تُحرَّكُ بخُيوطٍ، وعلِمتَ أَنَّ هناكَ مِن خلفِ السِّتارِ إنسانًا يُحرِّكُها، - 00:03:37ضَ
فهل مِن المَقبولِ أَنْ تَسأَلَ: ومَن يُحرِّكُ خُيوطَ هذا الإِنسانِ؟ - 00:03:44ضَ
إذا رأيتَ رغِيفَ خُبزٍ وعلِمتَ أنَّهُ لا بُدَّ للخبز مِن خبَّازٍ، - 00:03:49ضَ
فهل تَسأَلُ: ومَن خبزَ الخبَّازَ؟ - 00:03:52ضَ
لا بالتأكيد، بل هو سؤالٌ مُضحِكٌ وخاطِئٌ! - 00:03:55ضَ
لماذا؟ لأنَّهُ طبَّقَ تَعميمًا في غيرِ مكانِهِ - 00:03:58ضَ
وكذلكَ فالخَلقُ صِفةٌ مُلازِمةٌ للمَخلُوقِينَ، فلا تُعمَّمُ على الخالِقِ - 00:04:02ضَ
فسؤالُ (مَن خَلَقَ اللهَ؟) سُؤَالٌ خَاطِئٌ - 00:04:08ضَ
مثل سُؤالِ: ما طُولُ الضِّلعِ الرَّابعِ في المثلَّثِ؟ - 00:04:11ضَ
وهو كأَنَّكَ تقُولُ: مَن خَلَقَ الَّذي لا خالِقَ لَهُ؟ - 00:04:15ضَ
أو مَن الَّذي سَبَقَ الَّذي لا شيءَ قَبلَهُ؟ - 00:04:19ضَ
فالجَوَابُ: الخالِقُ ليس له خالِقٌ؛ لأنَّهُ لو كان له خالِقٌ، لكانَ مَخلُوقًا لا خالِقًا - 00:04:23ضَ
لذا فهذا السُّؤالُ ليس مُحرِجًا - 00:04:30ضَ
ولا خافتِ الشَّريعةُ مِن أنْ يَخطرَ ببالِ النَّاسِ - 00:04:33ضَ
بل أخبرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- سلَفًا بأنَّهُ سيُسأَلُ - 00:04:35ضَ
وأَرشدنا إلى التَّعامُلِ معهُ - 00:04:39ضَ
إلى ماذا أَرشدَنا؟ - 00:04:41ضَ
في الحدِيثِ الَّذي رواهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ أَنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قالَ: - 00:04:43ضَ
«يَأْتي الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ كَذَا، مَن خَلَقَ كَذَا، حتَّى يَقُولَ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ - 00:04:47ضَ
فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ» (صحَّحه البخاريُّ ومسلم) - 00:04:54ضَ
"ولْينتَهِ" أي ينتَهي عَن الاسترسَالِ والاستمرَارِ مع هذه السِّلسلةِ مِن التَّساؤلاتِ بعد هذا الحَدِّ - 00:04:58ضَ
هل هذا حَجْرٌ على العَقلِ وتَعطيلٌ للعقلِ؟ - 00:05:05ضَ
أبدًا؛ بل هو الموقفُ العقليُّ الصَّحِيحُ - 00:05:09ضَ
لماذا؟ لأَنَّ هذا السُّؤالَ: (مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟) - 00:05:12ضَ
هو -كما بَيَّنَّا- سؤالٌ يُخالِفُ البدهيَّاتِ العقليَّةَ - 00:05:15ضَ
والبدهيَّاتُ العقليَّةُ هي الَّتي يَنطَلقُ منها الإنسانُ في الاستِدلالِ - 00:05:20ضَ
لا أنَّهُ يَطلُبُ لها أدلَّةً عليها حتَّى يستَمِرَّ في سِلسلةِ البَرهَناتِ والتَّعليلاتِ - 00:05:24ضَ
أي أنَّ الَّذي يسأَلُ هذا السُّؤالَ كأنَّ عليهِ أَن يقولَ: ما الَّذي أفعلُهُ؟! - 00:05:30ضَ
أَنا أُخالِفُ العلُومَ الفِطرِيَّةَ الضَّروريَّةَ - 00:05:33ضَ
إذَن فَلْأقِفْ عند هذا الحَدِّ وإلَّا فإنِّي أُهدِرُ عَقلِي - 00:05:36ضَ
لذلكَ فَفي الحَدِيثِ الآخَرِ - 00:05:40ضَ
وَجَّهَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مَن يَأتِيهِ هذا السَّؤُالُ إلى أَنْ يقولَ: - 00:05:41ضَ
«اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لم يَلِدْ، ولم يُولَدْ، ولم يَكُنْ له كُفُوًا أَحَدٌ» (حسَّنه الألبانيُّ) - 00:05:46ضَ
أي: أَنا آمنتُ بأنَّ اللهَ ليس حادِثًا كالحوادثِ - 00:05:51ضَ
لم يُولَدْ لِتَكُونَ لَهُ بِدَايَةٌ أَصْلًا، وليس أحدٌ مُكافِئًا لَهُ - 00:05:55ضَ
فهو تعالى بَائِنٌ عَن خَلقِهُ - 00:05:59ضَ
ليس مَخلُوقًا مثلهُم لِيكُونَ لَهُ خَالِقٌ، - 00:06:02ضَ
لذا فهذا السُّؤالُ غيرُ صحيحٍ أَصلًا - 00:06:05ضَ
لكِنَّ السُّؤَالَ يَهجُمُ عليَّ، وأنا أَعلمُ أنَّهُ غيرُ صحيحٍ! - 00:06:08ضَ
لا عليك - 00:06:12ضَ
إِذَنْ فهو وَسوَاسٌ تتعاملُ معهُ كما تتعاملُ مع وَسوَاسِ الطَّهارَةِ والوُضوءِ والصَّلاةِ؛ - 00:06:12ضَ
أنتَ إنْ كُنتَ مُصَابًا بِالوَسوَاسِ فإنَّ الشَّيطانَ يُحدِثُ لديكَ شَكًّا - 00:06:19ضَ
غسَلتَ يدَكَ أَم لَم تَغسِلها؟ - 00:06:22ضَ
نوَيتَ الصَّلاةَ أَم لم تَنوِ؟ - 00:06:24ضَ
كَبَّرتَ تَكبيرًا صحيحًا أَم لم تُكَبِّر؟ - 00:06:26ضَ
مع أنَّها -كُلَّها- تكونُ أمورًا حِسِّيَّةً يقينيَّةً لا تحتاجُ بَرهَنةً ولا استِدلالًا - 00:06:29ضَ
ومع ذلكَ فأَنتَ تَشُكُّ فِيها - 00:06:35ضَ
ما الحَلُّ في هذه الحالةِ؟ - 00:06:37ضَ
هل تَلجَأُ إلى البَرهَنةِ والاستِدلَالِ؟ - 00:06:38ضَ
لا، بل تَستَعِيذ باللهِ مِن الشَّيطِانِ الَّذي يُوَسوِسُ لَكَ - 00:06:41ضَ
وتنتهي عَن التَّفكيرِ في الشُّكوكِ الَّتي يُثيرُها - 00:06:45ضَ
وهكذا في حالَةِ سُؤَالِ: (مَن خَلَقَ اللهَ؟) - 00:06:48ضَ
وقد علِمتَ أنَّهُ سؤالٌ يُخالِفُ ضَرورَاتِ العَقلِ - 00:06:51ضَ
خِتَامًا، سُؤَالُ: (مَن خَلَقَ اللهَ؟) يسألهُ المُلحِدُونَ أَيضًا اعتِراضًا على إِيمانِنا باللهِ؛ - 00:06:55ضَ
لأنَّهُم لا يتقبَّلونَ فكرةَ أَنْ يكَونَ اللهُ أزَليًّا بلا بدايةٍ - 00:07:02ضَ
قلْ لِلمُلحدِ الَّذي يَعتَرِضُ عليكَ بهذا الاعتراضِ: هل تُؤمِنُ بأنَّ الكَونَ له بدايةٌ؟ - 00:07:07ضَ
فإنْ قالَ: نَعم، فلا بُدَّ لهذا الكونِ الحادِثِ مِن مُحدِثٍ بِالبَديهَةِ العقليَّةِ الواضحةِ - 00:07:12ضَ
وإِن قالَ: لا، بلْ هو أزَليٌّ - 00:07:18ضَ
فقُل لهُ: تَعتَرِضُ على أزَليَّةِ اللهِ، وتقولُ بأزَليَّةِ الكَونِ؟! - 00:07:20ضَ
إِذَن، فَأَنتَ لا تَعترِضُ على مَبدأ الأزَليَّةِ بحَدِّ ذاتهِ، - 00:07:25ضَ
لكنَّكَ تَعترِضُ على أزَليَّةِ خالقٍ - 00:07:28ضَ
أَوجَدَ الكَونَ بعِلْمٍ، وإرادةٍ، وحِكمَةٍ وقُدرَةٍ تَظهرُ آثارُها في كُلِّ شَيءٍ، - 00:07:31ضَ
وتقولُ بأزَليَّةِ كَونٍ، هكذا بلا مُوجِدٍ - 00:07:37ضَ
كَونٍ لا إِرادةَ له ولا عِلمَ ولا حِكمةَ - 00:07:40ضَ
ثُمَّ ذَرهُم في طُغيانِهِم يَعمَهُونَ - 00:07:44ضَ
والسَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ - 00:07:46ضَ