سلسلة رحلة اليقين - القناة الرسمية د. إياد قنيبي
التفريغ
فليست مشكلتُنا مع (نظريَّة التَّطوُّر) أنَّها تَنفي الخَلْق المستقلَّ للكائنات كما يظنُّ البعض - 00:00:00ضَ
لذلك فإذا قال لنا أتباع الخرافة: أنتم تنفون (نظريَّة التطوُّر) بدوافعَ دينيَّةٍ - 00:00:06ضَ
فإنَّنا نقول: صحيح - 00:00:12ضَ
أي، ليس عندك مشكلة في التَّطوُّر المُوجَّه؟ - 00:00:14ضَ
هل عندك اعتراضٌ على فكرة أن يكون الله خلَق الكائنات من أصلٍ مشتَركٍ؟ - 00:00:18ضَ
ماذا إذا ثبت في المستقبَل أنَّ نظريَّة التَّطوُّر صحيحةٌ؟ - 00:00:23ضَ
السَّلام عليكم - 00:00:33ضَ
السُّؤال الذي كان يُسْأل مع كلِّ حلقةٍ: لماذا تَفتَرضُ تَعارُض (نظريَّة التَّطوُّر) - 00:00:34ضَ
مع الإسلام؟ - 00:00:40ضَ
الآن، وبعد أن ناقشنا الموضوع نقاشًا عِلميًّا مفصَّلًا، - 00:00:41ضَ
سنُلَخِّص لكم الجواب - 00:00:45ضَ
وكما وعدناكم أنْ تكون هذه الحلقات منهجيَّةً تُرْسِي قواعد للتَّفكير، - 00:00:47ضَ
فإنَّ جوابنا في هذه الحلقة وما يليها سيتضمَّن كثيرًا من هذه القواعد بإذن الله - 00:00:52ضَ
بعض كلامنا اليوم مختصرٌ، أَشبَه بالعناوين - 00:00:59ضَ
ونُفصِّله ونَذْكر الأدلَّة عليه في الحلقات التَّالية - 00:01:03ضَ
مهمٌّ جدًّا في البداية أن نعرف: عم نتكلَّم تحديدًا - 00:01:08ضَ
لأنَّه عندما يُقال (نظريَّة التَّطوُّر) فقد أعني شيئًا، وفي بالك شيءٌ آخر - 00:01:11ضَ
(نظريَّة التَّطوُّر) لا تعني ببساطة تحدُّر الكائنات من سلفٍ مشتَرَكٍ؛ - 00:01:17ضَ
بل تحدُّرها من هذا السلف المشتَرَك بمجموع الصُّدَف؛ - 00:01:22ضَ
بلا قصدٍ من أحدٍ، ودون حاجةٍ إلى خالقٍ عليمٍ قديرٍ - 00:01:26ضَ
هذا هو القدْرُ المشترَك بين النَّظريَّة في شكلها الأوَّليِّ الذي أنتجه داروين "Darwin" - 00:01:30ضَ
وكلِّ التَّعديلات التي أُجرِيت عليها بعد ذلك إلى يومنا هذا، - 00:01:36ضَ
كما بيَّنَّا بالتَّفصيل في حلقة: (عَبَدَةُ الميكروبات) - 00:01:40ضَ
الشَّكل الأكثر انتشارًا من هذه النَّظريَّة - 00:01:44ضَ
هو القائل بأنَّ هذا التَّحدُّر من سلفٍ مشتركٍ كان بالتَّغيُّرات العشوائيَّة والانتخاب الأعمى - 00:01:47ضَ
وللاختصار: إذا قُلنا (نظريَّة التَّطوُّر) في هذه الحلقة، - 00:01:52ضَ
فالمقصود بها هذا الشَّكل الأكثر انتشارًا - 00:01:56ضَ
وهناك من أتباع النَّظريَّة من ينفي عشوائيَّة التَّغيُّرات أو عَماية الانتخاب، - 00:01:59ضَ
ومع ذلك يُصرُّ على أن (لا خالق ولا قصد) - 00:02:04ضَ
وكلُّهم في ذلك يريدون الانسجام مع أُسُسِهم المادِّيَّة في تفسير الكون والحياة، - 00:02:08ضَ
ورأينا في حلقة: (المخطوف) كيف أنَّهم لم يستطيعوا الانسجام؛ - 00:02:14ضَ
بل اضطرُّوا للقول بغيبيَّاتٍ غبيَّةٍ عِوَضًا عن الغيب الحقِّ، عن حقيقة أنه لا بُدَّ من خالقٍ - 00:02:19ضَ
هذا هو المعنى الاصطلاحيُّ لـ(نظريَّة التَّطوُّر): كائناتٌ بلا خالق - 00:02:29ضَ
وهذه هي التي قُلنا مِرارًا إنَّها خرافة. أسخف وأغبى فكرةٍ في التَّاريخ - 00:02:34ضَ
وهذه التي بيَّنَّا في الـ(24) حلقةً الماضية - 00:02:42ضَ
كَمَّ المغالطات المنطقيَّة والخداع الذي مُورِسَ لإلباسها لباس العِلْم - 00:02:45ضَ
فليست مشكلتنا مع (نظريَّة التَّطوُّر) أنَّها تنفي الخلْق المستقلَّ للكائنات كما يظنُّ البعض؛ - 00:02:51ضَ
بل مشكلتنا معها أنَّها بهذا التَّعريف تغتال العقل - 00:02:58ضَ
وتكرِّس الاستدلالات العوجاء وتُزيِّف العِلْم - 00:03:01ضَ
لذلك فإذا قال لنا أتباع الخرافة: أنتم تنفون (نظريَّة التَّطوُّر) بدوافع دينيَّةٍ - 00:03:05ضَ
فإنَّنا نقول: صحيح، - 00:03:12ضَ
ننفي خرافتكم بدوافع دينيَّةٍ لأنَّ ديننا الحقَّ يقوم على مخاطبة العقل الصَّحيح، - 00:03:14ضَ
فإذا ضاع العقل ضاع الدِّين معه - 00:03:20ضَ
ولأنَّ حِفْظ العقل من ضرورات ديننا؛ فالعقل مَنَاط التكليف - 00:03:23ضَ
بينما خرافتكم لا تَعْبُرُ إلَّا على جسر هَدمِ العقْل - 00:03:27ضَ
فوجب -وبدافع ديننا- حراسةُ العقل من خرافتكم - 00:03:31ضَ
نعم، ننفي خرافتكم بدافعٍ من ديننا - 00:03:36ضَ
لأنَّ العِلْم الطَّبيعيَّ في ديننا دالٌّ على الله، داعٍ إلى خشيته، - 00:03:39ضَ
ولا يقوم إلا على مصادر المعرفة - 00:03:44ضَ
المنبثقة من منظومة الإيمان بالخلق كما بيَّنَّا في حلقة: (المخطوف) - 00:03:47ضَ
فإذا ضاع أحدهما ضاع الآخر - 00:03:52ضَ
بينما خرافتكم لا تَعْبُر إلَّا على جسر تزوير العلم - 00:03:54ضَ
فنحن عندما نُبيِّن بُطلان خرافتكم فإننا نحفظ العقل والعِلْم والدِّين معًا - 00:03:59ضَ
طيِّب، ماذا إذا حاولنا أن نُوفِّق بين الخرافة -بصُدْفيَّتها ولا قصْدِيَّتِها- والإيمان بالخالق؟ - 00:04:05ضَ
بأن نفترض وجود دورٍ ما للخالق في نشأة الكون ونشأة الحياة وتنوُّعها - 00:04:12ضَ
لكن مع الإبقاء على العشوائيَّة والعَمَاية كأركانٍ للنَّظريَّة؟ - 00:04:20ضَ
فالجواب أنَّ هذه محاولةٌ للتَّوفيق بين أسخف فكرةٍ في التَّاريخ وأكبر حقيقةٍ في الوجود - 00:04:25ضَ
محاولةٌ للتوفيق بين الماديَّة -التي تريد استثناء الخالق تحديدًا- - 00:04:31ضَ
والمنهج الذي يقوم على الإقرار بأنَّه لا بُدَّ من خالق - 00:04:36ضَ
وسنبيِّن أنَّ أيَّة محاولة لتطعيم شجرة (داروين) بشجرة الإيمان بالخالق - 00:04:40ضَ
ستنتِج ثمارًا مشوَّهةً للغاية، - 00:04:46ضَ
منها الإلحاد في أسماء الله وصفاته، - 00:04:49ضَ
يعني تحريفها عن أصلها، مما يؤدِّي إلى الشَّكِّ في القرآن وإلى الكُفْر كنتيجةٍ نهائيَّةٍ - 00:04:51ضَ
كذلك سنبيِّن أنَّ أصحاب هذا الخلْط بين العشوائيَّة والصُدَفِيَّة؛ ووجودِ دورٍ ما للخالق - 00:04:58ضَ
يَجْترُّون خطوات (داروين) التي استطاع من خلالها اغتيال العقل وتمرير خرافته بالتَّدريج - 00:05:05ضَ
هذا هو الموقف من (نظريَّة التَّطوُّر): - 00:05:13ضَ
باطلةٌ فطرةً وعقلًا وعِلمًا، سَيَنْسْ "العلم التجريبي"، ودينًا - 00:05:16ضَ
ونُذكِّر بأنَّنا نستخدم كلمة (سَيَنْسْ) بدل العِلْم - 00:05:21ضَ
من قبيل التَّأكيد على أنَّ العِلْم ليس محصورًا بالسَّيَنْسْ القائم على المشاهدة والتَّجريب؛ - 00:05:25ضَ
بل ما يَدلُّ عليه العقل: عِلْمٌ، - 00:05:31ضَ
والخبر الصادق: عِلْمٌ، كما بيَّنَّا في حلقة (المخطوف) - 00:05:33ضَ
بعد هذا الشرح كأنِّي أرى البعض يقول: - 00:05:41ضَ
أهذه مشكلتك الكبرى مع (نظريَّة التَّطوُّر)؟ - 00:05:43ضَ
العشوائيَّة والصُدَفيَّة وأنْ لا خالق؟ - 00:05:47ضَ
لا بأس ، نحن متُّفقون معك - 00:05:49ضَ
أي ليس عندك مشكلةٌ في (التَّطوُّر المُوَجَّه)؟ - 00:05:51ضَ
ماذا تقصدون بـ(التَّطوُّر المُوَجَّه)؟ - 00:05:55ضَ
أن يكون الله طوَّر الكائنات من أصلٍ مُشتَركٍ عن قصدٍ وإرادةٍ دون عشوائيَّةٍ ولاصُدَفيَّةٍ - 00:05:57ضَ
هذا -إخواني- لمْ يَعُد تطوُّرًا - 00:06:05ضَ
ولا علاقة له بنظريَّة التَّطوُّر، التي اتَّفق أصحابها على نفي فعل الخالق فيها - 00:06:07ضَ
وعلى أنَّه: لا وجُوْدُ الكائِنَاتِ بهذا التَّنوُّعِ مقصودٌ، ولا تكامُلُها مقصودٌ، - 00:06:14ضَ
ولا أعضاؤها مقصودةٌ؛ بل صُدَفٌ في صُدَفٍ - 00:06:20ضَ
والتي تقوم على عشوائيَّة التَّغيُّرات، وعَمَاية الانتخاب، - 00:06:23ضَ
وتدَّعي أخطاء في التَّصميم نتيجة انعدام القَصْد - 00:06:26ضَ
أنت عندما تقول (نظريَّة التَّطوُّر) فهي لا تساوي (أصلًا مشتركًا) فحسب؛ - 00:06:30ضَ
بل هي تشمل هذه التَّخريفات كلَّها - 00:06:35ضَ
فعندما تقول (تطوُّرٌ مُوَجَّهٌ) من خالق؛ فهذا يعني: (لا خَلْق) بتوجيهٍ من الخالق - 00:06:38ضَ
وهي عبارةٌ متناقضةٌ ذاتيًّا - 00:06:45ضَ
وليس من الصَّواب أبدًا أن نُطَبّع مع مصطلح (نظريَّة التَّطوُّر) بهذا الشَّكل، - 00:06:48ضَ
خاصَّةً وأنَّ حرب المصطلحات مؤثِّرةٌ للغاية، - 00:06:53ضَ
وأتباعُ خرافة التَّطوُّر يعتمدون بشِدَّةٍ على التَّلاعب بالمصطلحات - 00:06:58ضَ
هذا هو الموقف من التَّطوُّر الموَجَّه، - 00:07:02ضَ
مصطلح متناقضٌ ذاتيًّا، والمتناقض باطلٌ - 00:07:05ضَ
حسنًا، لنصرف النظر عن تطوُّر مُوَجَّه - 00:07:09ضَ
هل عندك اعتراضٌ على فكرة أن يكون الله خَلَق الكائنات من أصلٍ مشتركٍ؟ - 00:07:11ضَ
دعونا نتَّفق بدايةً على أنَّنا فرغنا من موضوع التَّطوُّر - 00:07:17ضَ
أي، اتَّفقنا على جواب سؤال: هل لا بدَّ من خالق؟ وأجبنا بـ(نعم) - 00:07:21ضَ
-الجوابُ الذي تدلُّ عليه الفطرة والعقل والعِلْم- - 00:07:26ضَ
وانتقلنا إلى سؤال: كيف خَلَقَ الخالق؟ - 00:07:30ضَ
يعني قَبَرْنا كلمة (تطوُّر)، - 00:07:33ضَ
وكلُّ نقاشنا الآن لا علاقة له بها - 00:07:36ضَ
فنحن الآن نناقش كيفيَّة (الخَلْق)؛ المفهوم الذي هو ضدَّ (التَّطوُّر)، - 00:07:40ضَ
وسؤالنا: كيف حدث هذا (الخَلْق)؟ - 00:07:46ضَ
عقْلًا كلٌّ مُمكنٌ في قدرة الخالق؛ - 00:07:49ضَ
أن يُخْرِج الكائنات من أصلٍ مشتَركٍ، أو يخلق كلًّا منها خلْقًا مستقلًّا، - 00:07:51ضَ
أو يُبقي بعضها على حاله ويُنوِّع أخرياتٍ - 00:07:56ضَ
حسنًا، من ناحية السَّيَنْسْ؟ يُجيبك السَّيَنْسْ: نعتذر لعدم الاختصاص - 00:08:00ضَ
لماذا؟ - 00:08:06ضَ
لأنَّ السَّيَنْسْ مجالُ عمله رصدُ الأشياء المحسوسة وآثارِها في عالَم الشَّهادة الذي نعيشه - 00:08:07ضَ
بينما كيفيَّة التَّكوين الأوَّل للكائنات أمرٌ غيبيٌّ لا يقع تحت الحسِّ ولا المشاهدة ولا التَّجريب - 00:08:13ضَ
وُجود افتراقٍ بين العالمَيْن: عالَم الغيب وعالَم الشَّهادة، - 00:08:22ضَ
حقيقةٌ تدلُّ عليها مصادر المعرفة بما فيها السَّيَنْسْ - 00:08:26ضَ
تدلُّ على أنَّه لا بدَّ من سابقٍ للمادَّة والطَّاقة والقوانينِ التي يَدْرُسها السَّيَنْسْ - 00:08:30ضَ
سببٍ أوَّلَ يُهيمن على كلِّ شيءٍ ولا يُهيمن عليه شيء - 00:08:36ضَ
فالمادَّة والطَّاقة والقوانين؛ معانٍ وجماداتٍ: لا تَخلُق ولا تُتقن ولا تُبدع - 00:08:41ضَ
كذلك فكيفيَّة الإيجاد الأوَّل للكائنات الحيَّة أمرٌ خارجٌ عن معهود سُنن الحياة، سابقٌ لها - 00:08:47ضَ
سابقٌ لتناسل الحيوانات من ذكرٍ وأنثى؛ - 00:08:55ضَ
إذْ لا بدَّ لسلسلة الأزواج أن تنقطع عند بدايةٍ، هذا أمرٌ يَحكُم به العقل - 00:08:58ضَ
وكيفيَّة إيجاد هذه البداية أمرٌ من عالَم الغيب - 00:09:04ضَ
لكنْ، ألا نستطيع أن نستنتج من خلال تأمُّل الأحافير وتوزُّعها عبر الطَّبقات - 00:09:08ضَ
والتَّشابهات بين الكائنات وتوزُّعها جغرافيًّا - 00:09:14ضَ
والمادَّةِ الوراثيَّة: اختلافاتِها وتشابهاتِها، - 00:09:17ضَ
ألا نستطيع من خلال هذا كلِّه أن نستنتج - 00:09:20ضَ
كيف كان الخَلْق الأوَّل خَلْقًا مستقلًّا، أو من أصلٍ أو أصولٍ مشتَركةٍ؟ - 00:09:23ضَ
فالجواب -إخواني- أنَّ النَّتيجة الواحدة في هذا كلِّه - 00:09:28ضَ
قد يُتوصَّل إليها بأكثر من طريقةٍ - 00:09:32ضَ
فإذا تشابه كائنان فإنَّه يمكن عقلًا أن يكونا خُلِقا مستقلَّين متشابهين، - 00:09:35ضَ
أو أنَّ أحدهما أُخرِج من الآخر، - 00:09:41ضَ
ولا سبيل إلى حصر الاحتمالين بأحدهما من خلال السَّيَنْسْ - 00:09:44ضَ
فمن أساسيَّات العلم التَّجريبي - 00:09:49ضَ
أنَّني إن دخلْتُ المختبر واتَّبعت خطواتٍ محدَّدةً فأنتجت مركَّبًا كيميائيًّا، - 00:09:51ضَ
فإنَّ قُصارى ما يمكنني قوله هو أنَّ هذه الخطوات تؤدِّي إلى هذا المُركَّب - 00:09:57ضَ
فإذا علمْتُ أن هناك أكثر من طريقةٍ لإنتاج هذا المُركَّب الكيميائيِّ، - 00:10:02ضَ
ثمَّ رأيت المركَّب نفسه في يد غيري، - 00:10:08ضَ
فإنَّني لا أستطيع أن أحْكُم بأنَّه أنتجه بنفْس خطواتي؛ - 00:10:10ضَ
بل قد يكون أَنْتَجَه بتفاعلاتٍ أُخرى - 00:10:15ضَ
هذا مبدأٌ عِلميٌّ مسلَّمٌ ومعمولٌ به ومحلُّ اتِّفاقٍ، - 00:10:18ضَ
ولو بنى أيُّ باحثٍ مناقشة نتائجه العِلميَّة -لأيَّةِ تجربةٍ- على غير أساسه - 00:10:21ضَ
لرُفض بحْثُه واستنتاجاته. - 00:10:27ضَ
هذا في مركَّباتٍ يمكن معرفة طُرُقِ تحضيرها - 00:10:29ضَ
فكيف بالخلْق الأوَّل الغيبيِّ للكائنات المتنوِّعة؟ والذي ليس كأفعال البشر ولا يُحَدُّ بخياراتها - 00:10:32ضَ
قد تقول: حسنًا، لماذا سَمحْت لنفسك أن تنفيَ (نظريَّة التَّطوُّر) بالسَّيَنْسْ - 00:10:40ضَ
ثمَّ الآن لا تريد أن تنفي ولا تُثبت كيفيَّات الخلْق بالسَّيَنْسْ أيضًا؟ - 00:10:44ضَ
نعود فنقول -إخواني- هما سؤالان: - 00:10:50ضَ
هل لابدَّ من خالق؟ وكيف خَلَق الخالق؟ - 00:10:53ضَ
(نظريَّة التَّطوُّر) تقول: لا، لا حاجة إلى خالق - 00:10:57ضَ
فأغلقَت باب الغيب بذلك، وراحت تطلب تفسيراتٍ للحياة من عالَم الشَّهادة - 00:11:01ضَ
وقد دلَّلْنا في حلقات السِّلسلة -من بَدئِها حتَّى الآن- - 00:11:06ضَ
على بطلان هذه التفسيرات: فطرةً وعقلًا وسَيَنْسْ - 00:11:10ضَ
النَّظريَّة التَزَمَت بعالَم الشَّهادة تفسيرًا وحيدًا فألزمناها به، ونقضناها بشواهده وأدواته - 00:11:15ضَ
وبيَّنَّا أنَّ السَّيَنْسْ الذي ادَّعته بريءٌ منها، بل يهدمها من قواعدها - 00:11:22ضَ
ثمَّ دلَّلْنا على أنَّ النَّظريَّة اضطرَّت بدلًا من فتح باب الغيب الحقيقيِّ، - 00:11:27ضَ
إلى افتراض غيبيَّاتٍ بيَّنَّا غباوتها - 00:11:33ضَ
أمَّا عند قولنا بعدم اختصاص السَّيَنْسْ في بيان كيفيَّة الخلْق الأوَّل - 00:11:36ضَ
فإنَّا أجَبْنا بالفطرة والعقل والسَّيَنْسْ عن السُّؤال الأوَّل - 00:11:40ضَ
أنْ: نعم، لا بدَّ من خالقٍ - 00:11:45ضَ
دلَّتنا مصادر المعرفة هذه كلُّها -بما فيها السَّيَنْسْ- - 00:11:47ضَ
على أنَّه خالقٌ مُطلَق القدرة، مُطلَق الإرادة، - 00:11:51ضَ
وعلى أنَّ أفعاله لا تَخضَع للقوانين المادِّيَّة، - 00:11:54ضَ
بل القوانين ما هي إلا أوصافٌ لبعض أفعاله التي نراها في عالَم الشَّهادة؛ - 00:11:57ضَ
أمَّا ما يكون في الغيب فليس مجالَ السَّيَنْسْ، - 00:12:03ضَ
بل مجاله عالَمُ الشَّهادة والسُّنن الكونيَّة التي نَظَمَ الخالق الكون والحياة عليها. - 00:12:06ضَ
طيِّب، كيف نعرف إذَن؟ - 00:12:13ضَ
كيف نعرف إذا كان الخالق أخرج الكائنات من أصلٍ مشتركٍ - 00:12:15ضَ
أو خلَقَها خلْقًا مستقلًّا؟ - 00:12:19ضَ
كيف نعرف جواب هذا السؤال (الغيبيِّ)؟ - 00:12:22ضَ
هنا يتوجَّه خطابي وجوابي للمسلمين الذين يؤمنون بصِحَّة القرآن؛ - 00:12:25ضَ
لأنَّنا في هذه المحطَّة من (رحلة اليقين) - 00:12:30ضَ
لم نناقش بعدُ الأدلَّة على أنَّ القرآن من عند خالق الكون - 00:12:33ضَ
الجواب -إخواني- أن الأمور التي لا يستطيع العقل ولا السَّيَنْسْ تحديد ماهيَّتها - 00:12:37ضَ
فلا جواب عنها إلا بالخبر الصادق - 00:12:42ضَ
نحن المسلمين دلَّتنا الأدلَّة التي سنناقشها لاحقًا - 00:12:45ضَ
على أنَّ القرآن من عند الله - 00:12:49ضَ
فهو وحده سبحانه الذي يمكن أن يُعرِّفنا بكيفيِّة الخلق إن أراد - 00:12:51ضَ
هل فصَّلت الآيات في كيفيَّة الخلق للكائنات عموما؟ - 00:12:57ضَ
الجواب: لا - 00:13:00ضَ
بل وكأنَّها تشير إلى استِئْثار الله بهذا العِلم - 00:13:01ضَ
﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ [القرآن:51:18] - 00:13:05ضَ
ومع ذلك أطْلَعَنا الوحيُ على شيءٍ من هذا الغيب مثل أصل مادَّة خلْق آدم. - 00:13:09ضَ
ومن تمام حكمة الله أنَّه طمأن النَّاس إلى صِدْق هذه الأخبار الغيبيَّة من خلْق الإنسان الأوَّل - 00:13:15ضَ
بذكر شواهد من عالَم الشَّهادة يمكن الاطِّلاع عليها بالسَّيَنْسْ، كمراحل تخلُّق الجنين. - 00:13:22ضَ
قد تقول: لكن، ماذا عن قول الله تعالى: - 00:13:28ضَ
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ [القرآن:20:29] - 00:13:30ضَ
ألا ترى أن هذه الآية تُجَرِّؤُنا على اقتحام عتبة الغيب - 00:13:34ضَ
والحديث عمَّا وقع سابقًا لعالَم الشهادة، والتَّوصُّل إلى كيفيَّات الخلْق الأول - 00:13:38ضَ
بالنَّظر والسَّيَنْسْ؟ - 00:13:44ضَ
فالجواب -إخواني- أنَّ الله لا يكلِّف بمستحيلٍ، - 00:13:46ضَ
والآية لها دلالاتٌ كثيرةٌ جميلةٌ سنتناولها في حلقةٍ قادمةٍ بإذن الله - 00:13:49ضَ
فلا داعي لترك هذه الدَّلالات كلِّها - 00:13:55ضَ
وحمل الآية على هذا المعنى المخالف لقاعدةٍ محْكَمةٍ دلَّ عليها القرآن - 00:13:58ضَ
من وقوف الإنسان عند عتبة الغيب - 00:14:04ضَ
ونعود فنقول: نحن المسلمين انتَظَمَت لدينا مصادر المعرفة، ولكلٍّ منها حدوده - 00:14:07ضَ
لا نسلِّط السَّيَنْسْ على الغيب - 00:14:12ضَ
هل -مثلًا- لو وجَدْنا آثارًا لآدم -عليه السَّلام- نفسه - 00:14:15ضَ
فإننا سنستطيع أن نجدَ تفسيرًا مادِّيًّا لنشأة الحياة فيه؟ - 00:14:18ضَ
كتلة طين سُوِّيت ثُمَّ بنفخة روحٍ أصبحت تعُجُّ بالحياة - 00:14:23ضَ
كيفيَّةٌ متفرِّدةٌ سابقةٌ لسُنَّة التَّناسل من بويضاتٍ وحيَواناتٍ منويَّةٍ - 00:14:27ضَ
عيسى -عليه السلام- كان يخْلُق من الطِّين كهيئة الطَّير - 00:14:35ضَ
فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله - 00:14:38ضَ
هل لو وجدْنا آثارًا لهذه الطيور - 00:14:41ضَ
فإنه سيكون من مجال عمل السَّيَنْسْ معرفة السرِّ المادِّيِّ لتكوُّنها؟ - 00:14:44ضَ
أم أنَّ هذا سيكون عبثًا وخلْطًا؟! - 00:14:49ضَ
عندما أنكر أتباع (خرافة التَّطوُّر) هذا الفرز بين عالَم الغيب وعالَم الشَّهادة - 00:14:52ضَ
وسلَّطوا السَّيَنْسْ على كليهما، - 00:14:57ضَ
حوَّلوه إلى علْمٍ زائفٍ وجاؤوا بالأقوال المضحكة لتفسير نشأة الحياة كما رأينا. - 00:15:00ضَ
حسنًا، هل يعني النظر في الأحافير -مثلًا- لا ينفع بشيء؟ - 00:15:07ضَ
بل ينفعك في أن تتأمَّل قدرة الله - 00:15:11ضَ
الذي أوجَد الكائنات بأشكالٍ كثيرةٍ ومُعقَّدةٍ من قديم الزمان - 00:15:14ضَ
ينفعك حين ترى أنَّه لا فوق الأرض ولا تحت الأرض ولا في الحاضر ولا في الماضي - 00:15:18ضَ
أثر ٌلعشوائيَّةٍ وعَمايةٍ وتخبُّطٍ ومحاولاتٍ فاشلةٍ لإنتاج الكائنات - 00:15:24ضَ
ومن بحث عن أثرٍ لذلك ينقلب إليه البصر خاسئًا وهو حسيرٌ - 00:15:31ضَ
ينفعك أن تنظر نظر المستفيد المتفكِّر، لا نظر الرَّاجم بالغيب بلا دليل - 00:15:36ضَ
فهذه خُلاصة الموقف من كيفيَّة الخلْق: عقلًا: الخالق على كل شيءٍ قديرٌ - 00:15:42ضَ
سَيَنْسْ: عدم اختصاص - 00:15:48ضَ
شرعًا: نلتزم بالقدْر الوارد في الوحي من قرآنٍ وسنَّةٍ ثابتةٍ - 00:15:51ضَ
هل من غرضنا في (رحلة اليقين) أن نستقصي الآيات والأحاديث الواردة في بدء الخلْق - 00:15:57ضَ
لنرى إن كانت تدُلُّ على كيفيَّةٍ معيَّنةٍ؟ - 00:16:03ضَ
لا، ليس هذا من غرضنا، - 00:16:06ضَ
إذ إنه ليس من أساسيَّات بنَاء اليقين - 00:16:09ضَ
إنَّما سننبِّه في حلقةٍ قادمةٍ على خطورة تطويع الآيات لتُناسب خرافات العِلْم الزَّائف؛ - 00:16:11ضَ
لأنَّ هذا سلوكٌ منافٍ لليقين مضرٌّ به - 00:16:18ضَ
إذا استقرَّت لدينا هذه القواعد -إخواني- - 00:16:22ضَ
فإنَّنا سندرك الإشكال الواقع لدى كثيرٍ من المتكلِّمين عن السَّيَنْسْ والوحي - 00:16:25ضَ
فيما يتعلَّق بالظُّهور الأوَّل للكائنات؛ بل وفي غيرها من المواضيع - 00:16:31ضَ
كما سنرى نماذج لهم في الحلقات القادمة إن شاء الله - 00:16:36ضَ
فمنهم من يحاول إسقاط مصداقيَّة الأخبار الغيبيَّة في الوحي بالسَّيَنْسْ - 00:16:39ضَ
أو بالخرافات المنسوبة للسَّيَنْسْ - 00:16:45ضَ
ومنهم من يحاول أن يلتمس للأخبار الغيبيَّة مصداقيَّةً من السَّيَنْسْ - 00:16:48ضَ
أو الخرافات المنسوبة للسَّيَنْسْ - 00:16:53ضَ
وهذا الاتجاه، وإن كان يَظهر أنَّه تصديقٌ للوحي وللقرآن، إلَّا أنَّه باطلٌ أيضًا - 00:16:55ضَ
ومنهم من يقول: أدرِكوا الوحي بالتَّأويل قبل أن يُسقطه السَّيَنْسْ - 00:17:03ضَ
ويريدنا أن نتعامل مع آيات الوحي كأنَّها مائعة الدَّلالة، - 00:17:07ضَ
قابلة للتشكُّل بحسْب ما يستجدُّ من خرافات -حاشا كلام الله- - 00:17:11ضَ
فجعل السَّيَنْسْ حاكمًا والوحي محكومًا في مسائل غيبيَّة، - 00:17:16ضَ
لا مجال لمعرفتها إلا بالوحي - 00:17:20ضَ
وهؤلاء جميعًا -على تنوُّع اتِّجاهاتهم- تَجْمعهم ثلاث مشاكلاتٍ - 00:17:23ضَ
لم يفرِّقوا بين السَّيَنْسْ والخرافات المنسوبة إليه؛ - 00:17:28ضَ
ثم لم يقحموا السَّيَنْسْ في عالَم الغيب فحسب، بل وأقحموا هذه الخرافات في عالَم الغيب، - 00:17:33ضَ
ثم ما قَدَروا كلام الله حقَّ قَدْره - 00:17:40ضَ
﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ - 00:17:43ضَ
تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [القرآن:41:41-42] - 00:17:49ضَ
فلا يُسقطُه باطلٌ ولا يُشْهَد لصدقه بباطلٍ ولا يؤوَّل بباطلٍ، - 00:17:52ضَ
فهو كتابٌ عزيزٌ مهيمنٌ حاكمٌ غير محكومٍ، قائدٌ لا مَقودٌ - 00:17:58ضَ
﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ، وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ [القرآن:13:86-14] - 00:18:04ضَ
لا كما يريده الهازلون في تأويله وتطويعه ليناسب الخرافات - 00:18:09ضَ
فرفعوا الخرافات من مستنقعها وراموا إِنزال الوحي من عليائه ليُجسِّروا الهوَّة بينهما - 00:18:13ضَ
وإذا استقرَّ ما سبق لديك، علمْتَ أيضا أنَّ سؤال: - 00:18:20ضَ
ماذا إذا ثَبَت في المستقبَل أنَّ (نظريَّة التَّطوُّر) صحيحةٌ؟ - 00:18:24ضَ
أنَّ هذا السؤال سؤالٌ يخالف أبسط بدَهيَّات فلسفة العِلْم - 00:18:28ضَ
لأنَّ السَّيَنْسْ لن يأتي لك في الحاضر ولا في المستقبل - 00:18:33ضَ
بدليلٍ على شيءٍ من خارج نطاق بحثه، - 00:18:37ضَ
فضلًا عن أن يأتي بدليلٍ على خرافةٍ تُعارِض كلَّ مولِّدات المعْرِفة التي يقوم عليها السَّيَنْسْ - 00:18:41ضَ
هذا هو جوابنا عن سؤال: (الخَلْق الأوَّل) - 00:18:48ضَ
والسلام عليكم - 00:18:52ضَ