قصة اللغة العربية

قصة اللغة العربية (14) الإمام الكِسائي - مقرئ القرآن الكوفي الذي اعترض على البصريين

محمد صالح

السلام عليكم ورحمة الله اهلا بكم في حلقة مهمة من حلقات قصة اللغة العربية نتحدث فيها عن الرجل الذي ابتكر طريقة تفكير اخرى في النحو علي ابن حمزة الكسائي ونتحدث عن الدافع الذي جعله يخالف قواعد العلم التي كانت قد وضعت بالفعل في مدينة البصرة - 00:00:03ضَ

هذه الحلقة مهمة وخاصة في الجزء الاخير منها عندما نحلل نظرة الكسائي للغة وهدفه من وضع علم النحو بهذه الطريقة ثم نقارنه بنظرة مدرسة البصرة لهذا اطلب منك ان تشاهدها للنهاية. خاصة قبل ان تعلق لانني لاحظت ان بعض المشاهدين يعلقون بسرعة بمجرد - 00:00:29ضَ

رؤية العنوان. وقبل ان يشاهدوا محتويات الحلقة وهذه الحلقة مهمة بشكل خاص في حلقة لاحقة سوف نتكلم بامثلة كثيرة عن الاحكام التي اختلفوا فيها اما اليوم فسوف نحلل نظرتهم لعلم النحو - 00:00:54ضَ

الكسائي هو شيخ القراء ابو الحسن علي ابن حمزة ابن عبدالله ابن بهمن ابن فيروز فارسي الاصل ينتسب الى قبيلة اسد بالولاء ولد قريبا من الكوفة في سواد العراق سنة مائة وتسعة عشر للهجرة - 00:01:13ضَ

اما لقب الكسائي فالتصق به لانه ارحم في كساء كما قال بنفسه وقيل كان يرتدي كساء وهو يقرأ الناس القرآن وقيل كان يعمل في خياطة الاكسية في اول عمره المهم ان هذا اللقب التصق به تماما وغطى على اسمه - 00:01:38ضَ

يعرف الكسائي بشكل واضح كقارئ للقرآن وكواحد من اصحاب القراءات المتواترة ولكن له بصمة كبيرة في النحو بسبب العلاقة القوية بين قراءة القرآن واتقان اللغة كما سيأتي ويحكى عنه موقف يشبه ما حدث مع سيبويه في بداية حياته - 00:01:59ضَ

فقد اخطأ في العربية وهو يتحدث امام مجموعة من العرب الفصحاء يروى انه مشي مرة كثيرا حتى عي اي تعب فقال لقد عييت بتشديد الياء فاستهجن جماعة العرب هذا وقالوا تجالسنا وانت تلحم - 00:02:21ضَ

ان كنت اردت التعب فقل اعييت. وان اردت انقطاع الحيلة والتحير في الامر فقل عييت. بالتخفيف فعزم على طلب العلم وبدأ وهو كبير في السن وفي هذا بيان للاشارة الى حرصهم على نقاء النطق العربي لدرجة استهجانهم عندما سمعوا كلمة خاطئة - 00:02:42ضَ

وكانت مدينة الكوفة من مراكز القراءات فثلاثة من اصحاب القراءات المتواترة كوفيون. وكان بها ابو حنيفة النعمان يدرس الفقه ولكنها تركت دراسة العربية حتى ذلك الوقت للبصرة الكب الكسائي على دراسة القرآن - 00:03:05ضَ

فدرس في حلقات القراء مثل سليمان بن ارقم راوي الحسن البصري وابي بكر شعبة بن عياش وسفيان بن عيينة وقرأ على حفص الدوري وعلى الليث. ثم لزم حلقة حمزة بن حبيب الزيات فقرأ عليه القرآن اربع مرات - 00:03:25ضَ

كذلك اخذ العلم عن جعفر الصادق والاعمش وغيرهم وكما نرى ان علم الكسائي الاساسي هو قراءة القرآن الكريم ولكنه رأى انه لن يبرع في القراءة الا اذا برع في معرفة لغة العرب والاعراب - 00:03:46ضَ

وفي هذا قال تلميذه ومعاصره الفراء انه تعلم النحو على كبر ولزم معاذ الهراء حتى انفذ ما عنده ولزم ايضا حلقة ابي جعفر الرئاسي. وكان من اهل العربية في الكوفة ولم يجد عندهما ما يريد - 00:04:03ضَ

فذهب الى البادية وخالط العرب وفي النهاية ذهب الى اهل العربية من علماء البصرة واخذ يتنقل بين حلقات عيسى ابن عمر وابي عمرو ابن العلاء ويونس ابن حبيب ثم التزم حلقة الخليل بن احمد الفراهيدي وهو شيخ العربية الاكبر - 00:04:22ضَ

ولفت نظره كثرة حفظ الخليل للاشعار واقوال العرب. فسأله عن ذلك. كما ذكرت في حلقات الخليل فقال له من بوادي الحجاز ونجد وتهامة فذهب الكسائي ايضا في رحلة اخرى طويلة. واخذ يكتب عنهم حتى افنى خمس عشرة قنينة حبر غير ما حفظ - 00:04:42ضَ

ولكن ما اختلف فيه الكسائي عن الخليل انه لم يكتف فقط بهؤلاء الاعراب الفصحاء. بل اخذ من جميع العرب بمن فيهم العرب الذين لا يقبل بهم الخليل وهم المقيمون في الحضر والمخالطون للاجانب. وهذا سبب كل الاختلافات - 00:05:04ضَ

فيما بعد وعندما عاد الى البصرة كان قد تمكن من لسان العرب. ورأى ان الخليل قد توفي وان يونس ابن حبيب اصبح صاحب الحلقة في مسجد البصرة فالتزم حلقته ولكنه كان يحاوره محاورة عالم لعالم - 00:05:23ضَ

وشهد له يونس بسعة علمه ثم عاد الى مدينته الكوفة وقد ازداد علمه واستعمل علمه في قراءة القرآن الكريم. لان القرآن هو محور دراسته وسبب طلبه للعربية في الاساس فكان يقرئ الناس وهم يكتبون. ودعا صيته - 00:05:41ضَ

وكان الكسائي رجلا وقورا وله هيئة عالم وحدث ان اراد الخليفة المهدي العباسي ايجاد مرب لابنه هارون الرشيد فاختبر رجلا بان قال له كيف تأمر من السواك وقال استك يا امير المؤمنين - 00:06:02ضَ

فلم يقبل به الخليفة وقال التمسوا لنا من هو افهم من ذا فقالوا هناك رجل يقال له علي ابن حمزة الكسائي من اهل الكوفة. قد قدم من البادية قريبا. فكتب الخليفة له يستجيب - 00:06:20ضَ

فلما دخل عليه قال له المهدي يا علي بن حمزة كيف تأمر من السواك؟ فقال سك يا امير المؤمنين قال له احسنت واصبت. وامر له بعشرة الاف درهم. وان يكون مربيا لاولاده. هارون الرشيد وموسى الهادي - 00:06:36ضَ

ولكن هارون الرشيد هو الذي اشتهر فيما بعد اصبح الكسائي مربيا لابناء الخليفة. وهكذا في ليلة وضحاها اصبح من علية القوم وعندما توفي المهدي وتولى الحكم ابنه الرشيد بعد فترة عهد اليه بتأديب الامين والمأمون. واتخذه جليس - 00:06:56ضَ

وصاحبا. وهكذا ازداد شأنه اكثر ورغم علمه الكبير كان يسبقه لسانه فيلحن احيانا في القراءة. روي مرة انه كان يصلي اماما بالخليفة هارون الرشيد فاعجبته قراءته فلحن لحنا لا يقع فيه طفل صغير - 00:07:18ضَ

اراد ان يقول لعلهم يرجعون فقال لعلهم يرجعون قال الكسائي بعد ذلك فوالله ما اجترأ هارون ان يقول لي اخطأت. ولم يرد عليه في الصلاة ولكنه لما سلم قال لي يا كسائي اي لغة هذه؟ - 00:07:38ضَ

فقلت يا امير المؤمنين قد يعثر الجواد وقال اما هذه فنعم وذكر الذهبي خبرا اخر روي في سير اعلام النبلاء عن خلف ابن هشام ان الكسائي قرأ على المنبر انا اكثر منك مالا بالنصب. فسألوه عن - 00:07:57ضَ

وصار في وجوههم فمحو الكلام. وقال لخلف يا خلف من يسلم من اللحن؟ ولا يطعن هذا في امامته ولا قوة لغته فقد ورد عن كثير من الائمة اخطاء مثل هذه. وكان من العلماء من يدري صناعة النحو ولا يقيم الاعراب صحيحا في كلامه - 00:08:16ضَ

الذي ذكره الحافظ ابن كثير عن العلامة صدر الدين ابن المرحل قال انه كان يحفظ المفصل في النحو للزمخشري وكان مع ذلك يلحن ولعل السبب الاساسي في هذه الاخطاء هو زلات اللسان وتأثير اللهجات ومخالطة غير الفصحاء - 00:08:38ضَ

العرب الاقدمون كانوا يتكلمون العربية السليمة سليقة بغير تفكير. اما بعد ذلك فالناس يحتاجون الى الدراسة والى طول تدريب والتفكير قبل نطق الكلمات وكان يجلس بالجامع على مقعد مرتفع يقرأ الناس القرآن حتى صارت له قراءة مشهورة متواترة - 00:08:59ضَ

وكان الرشيد يوقره ويصلي خلفه ومن الواضح ان قوة علاقته مع الخليفة قد جعلت له مكانة عالية اثرت فيما بعد في مواجهته لسيباويه سوف افرض حلقة خاصة لهذه المناظرة. ولكن لغرض هذه الحلقة اقول باختصار ان الكسائي وسيباويه اختلف - 00:09:22ضَ

في اسلوب لغوي رفضه سيبويه وقال انه خطأ على الاصول التي وضعت في البصرة فيما قال الكسائي انه يجوز. واستشهد على ذلك باعراب يدعون عرب الحطمة يعيشون قب بغداد ولم يكن سيبويه او البصريون يعتبرونهم مصدرا للغة. لانهم يخالطون الاجانب منذ زمن طويل - 00:09:46ضَ

ولكن يبدو ان مكانة الكسائي العالية اثرت عليهم فشهدوا بما يريد رغم ان الحق كان مع سيبويه. كما سنبين في الحلقة القادمة وهذه الحادثة تدعى الحادثة الزنبورية بعد هذه الحادثة بقليل توفي سيبويه - 00:10:12ضَ

وذهب الاخفش الذي تكلمنا عنه في الحلقة الماضية غاضبا الى الكسائي فصلى خلفه في المسجد ثم جلس في حلقته. وكان تلاميذ الكسائي حوله. منهم الفراء والاحمر وابن سعدان سلم عليه الاخفش وسأله مسائل كثيرة - 00:10:32ضَ

وكلما اجاب الكسائي خطأه الاخفش. قال الاخفش انه خطاءه في نحو مائة مسألة فغضب تلاميذ الكسائي وهموا ان يفتكوا بالاخفش ولم يكونوا يعرفونه ولكن الكسائي كان رجلا عاقلا وله هيبة فمنعهم - 00:10:52ضَ

ثم قال له بالله انت ابو الحسن سعيد ابن مسعدة؟ فقال نعم فقربه وعانقه واجلسه بجواره ثم قال له لي اولاد احب ان يتأدبوا بادبك وان يخرجوا على يدك وتكون لي غير مفارق - 00:11:10ضَ

اي ان الكسائي قد احتوى غضب الاخفش. خاصة بعد الموت المفاجئ والمأساوي لسيباويه وهكذا درس الاخفش كتاب سيبويه الذي يحتوي علم الخليل وسيباويه للكساء كما درسه لغيره من الكوفيين وكما اوضحنا في الحلقة الماضية كان الاخفش كثير المخالفة لسيباويه - 00:11:28ضَ

وربما يكون هذا ما حفز الكسائي لمتابعته وابتكار اسلوبه الخاص. وهو ما تطور فيما بعد الى النحو الكوفي ولا شك ان الكسائي هو المؤسس الحقيقي للنحو في الكوفة فان العلماء الذين كانوا قبله لم يتركوا علما كثيرا - 00:11:53ضَ

وكانت المدينة تنشط في علوم اخرى اما النحو فكان حتى ذلك الوقت مركزا في البصرة وقد توفي الكسائي رحمه الله عندما كان في احدى الرحلات مع هارون الرشيد واصابه المرض هو وامام الفقه محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الامام ابي حنيفة - 00:12:12ضَ

توفي كلاهما في نفس الرحلة ودفنهم الرشيد في مكان يسمى رمبويه قريبا من الري في اقليم فارس. وقال اليوم دفنت النحو واللغة والان اتكلم عن نقطة في غاية الاهمية توضح الفارق بين عقلية الخليل والبصريين من جهة وبين عقلية الكسائي - 00:12:34ضَ

اذا كان الباعث الاول عند الخليل بن احمد مؤسس النحو في البصرة هو ضبط اللغة ليتكلم بها الناس بحيث لا يصيبها خلل فان الباعث الاكبر عند الكسائي هو قراءة القرآن على لهجات العرب المختلفة. لانه في الاصل قارئ للقرآن - 00:13:02ضَ

لهذا كان يريد الحفاظ على كل اللهجات وان يعتبرها كلها صحيحة كي لا تعتبر بعض قراءات القرآن خاطئة وكان المصريون لا يعترضون على قراءات القرآن الكريم. ولكنهم لا يأخذون بلهجاتها عند وضع قواعد النحو. لتستقيم السنة - 00:13:21ضَ

على ما شاع من كلام العرب اما الكسائي فربما خشي اندثار هذه اللهجات فاعتبرها جميعا صحيحة وعمل على توسعة قواعد النحو لتأخذ بها ايضا يمكن ان نعتبر الكسائي كجامع للتحف والنوادر. فهو يريد حفظ كل ما ورد عن العرب ولهجاتهم وما ترتب على - 00:13:41ضَ

من قراءات وهذا امر جيد في قراءات القرآن. ولكن لا يمكن تطبيقه في النحو. لانه سيسبب اضطرابا هائلا وسيمنع ضبط القواعد كما سابين في حلقة النحو الكوفي فكل كلمة سيكون لها احكام كثيرة لا يمكن جمعها في قاعدة - 00:14:06ضَ

لانك لن تعدم بيتا ورد من هنا او هنا عن العرب يؤكد طريقة نطقك المختلفة لكل كلمة هذه النقطة مهمة جدا. وساعيدها لتثبت في ذهنك تعامل الكسائي مع شواد ونادر كلام العرب يختلف عن البصريين - 00:14:28ضَ

اثبت البصريون شواذ الكلام ولكنهم لم يستعملوها في النحو زكروها كطرق كلام لا تجوز فيما اثبتها الكسائي لاحتفاظ بالنادر من كلام العرب وحفظ اللهجات من الضياع واستعملها في اقرار قواعده - 00:14:49ضَ

طريقة المصريين هي الطريقة العلمية في وضع القواعد التي يجب ان تكون شاملة ومحكمة. والا فلن تكون هناك قاعدة قاعدة تحكم الكلام اما طريقة الكساء فهي كجامع التحف والنوادر والموثق للشريد والغريب من اللغة - 00:15:07ضَ

يريد ان يحافظ عليها. ولكن عندما استعملها في قواعد النحو سبب ذلك البلبلة وهناك نقطة اخرى ففي حين اكثر البصريون من التعديل المنطقي كما مر بنا كان الكسائي والكوفيون بوجه عام اقل اعتمادا منهم على هذا الاسلوب - 00:15:28ضَ

فعندما اثير نقاش حول حالات بناء واعراب كلمة اي وحدث اختلاف معقد ونقاشات كالعادة سئل فيه الكسائي فقال ببساطة اي خلقت هكذا علينا فقط ان نعرفها كما هي ولا حاجة بنا للتعليل - 00:15:51ضَ

اي ان بعض الظواهر يصعب تفسيرها ويكفي ان نصف حدوثها وان ننطقها كما نطقها العرب وبتطبيق هذه الفكرة البسيطة على المثال الذي اوردته في الحلقة الماضية عن الاخفش عندما اختلف مع سيبويه حول سبب عدم جر الفعل المضارع واتى كل منهم باسبابه المنطقية يمكن ان نقول ببساطة - 00:16:10ضَ

اننا لا نحتاج اصلا الى معرفة سبب عدم جر المضارع كل ما نحتاجه هو التحدث به كما تحدث العرب متى نرفعه بشكل صحيح؟ ومتى ننصبه؟ ومتى نجزمه ولا نحتاج الى ان نعرف اسباب العلامات - 00:16:34ضَ

فقط نحتاج الى ان نعرف كيف نطبقها بشكل صحيح ولكن الكسائي ايضا علل منطقيا في مواضع اخرى نتيجة دراسته للكتاب وتأثره بمنهج البصريين. ولكن بصورة اقل من غيره ولو اتبع الناس هذا الاسلوب من البداية لاختفى كثير من التعقيد من علم النحو - 00:16:51ضَ

على ان من تلاميذ الكسائي من اكثر من هذا الاسلوب الكلامي وخاصة تلميذه الفراء الذي كان متكلما على طريقة الاعتزال واكثر من المنطق. كما سنرى عندما نتكلم عنه هذه هي الفكرة العامة وجوهر الاختلاف بين المدرستين واسبابه - 00:17:15ضَ

ومع ان الخلاف بدأ حول طريقة استنباط الشواهد ولكنه اكتسب صورة المنافسة فيما بعد بسبب حرص كل مدينة على التفوق وبسبب الوضع السياسي الذي كان متوترا بين المدينتين ولكن هذا هو الجوهر الاصلي - 00:17:36ضَ

هكذا نكون قد تعرفنا على شخصية واسلوب الكسائي في اللغة العربية. وتأسيسه لطريقة تفكير جديدة والان استطيع الحديث في الحلقة التي ينتظرها الجميع وهي احداث المسألة الزنبورية بين سيبويه والكسائي - 00:17:54ضَ

ثم ساتبعها بحلقة عن خصائص النحو في الكوفة بوجه عام مع امثلة لانواع الخلافات شكرا لكم على متابعة هذه الحلقة لا تنسى ان تضع علامة اعجاب وان تشترك معنا على القناة كي تتابع جزءا من تاريخ لغتنا العربية - 00:18:12ضَ

واكتب التعليق الذي تراه مناسبا اسفل الحلقة شكرا لكم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - 00:18:32ضَ