سلسلة رحلة اليقين - القناة الرسمية د. إياد قنيبي
السَّلامُ عليكُم - 00:00:00ضَ
يُحكَى أَنَّّ رَجُلاً لبِسَ لِباس العُلماء - 00:00:01ضَ
ثُمَّ جاء إلى قَريةٍ وقال للنّاس: اسألوني فيما شِئتم وأنا أُجيبُكم - 00:00:03ضَ
وبالفِعل، ما سُئِل سُؤالًا إلاّ أجاب، وبشيءٍ من التفصيل - 00:00:08ضَ
حتَّى شكَّ الناس أنَّه يُؤلِّف أيَّ جَوابٍ من عندِه - 00:00:12ضَ
فقالوا: تعالَوا نسأله عن شيءٍ افتراضيّ نَخترِعُه ، وَلْنُسمِّه (الخُنْفُشَار) - 00:00:15ضَ
فَجاؤوهُ، وقالوا: عالِمَنا الجَليل، ما قولك في الخُنْفُشار؟ - 00:00:21ضَ
فقال: نَعَم، الخُنْفُشَار نباتٌ يَطلُع في أطراف جِبالِ اليمن، - 00:00:25ضَ
إذا أَكلَته الإبلُ انعقدَ لَبنُها، - 00:00:31ضَ
حتّى قال الشاعر اليمنيُّ الكبيرُ: - 00:00:33ضَ
لقد عقَدَتْ محبَّتُكم فُؤادي كما عَقدَ الحليبَ الخُنْفُشَارُ - 00:00:36ضَ
من سيستطيع أن يُثبِت خَطأ نَظَريّة هذا الشّيخ (الخُنْفُشاريّ)؟ - 00:00:42ضَ
من سيستطيع أن يَذهَب إلى أطرافِ جِبال اليمن كلِّها - 00:00:46ضَ
ويُثْبِتَ أنّ الخُنْفُشَار غَيْر موجود؟ - 00:00:49ضَ
من سيستطيع أن يَنفِي أن يكون هذا الاسم الذي ألَّفَه أهلُ القرية - 00:00:52ضَ
موجودًا بالفعل بالصُّدفة؟ - 00:00:56ضَ
أنا ما أخبرتُ أحدًا بهذه القِصّة إلاّ ضَحِك - 00:00:59ضَ
ولكن الغريب أنّ كثيرين يقرأون قِصّةً مشابهةً تمامًا ولا يضحكون - 00:01:01ضَ
إنَّها قصّةُ داروين في كتابه (أصْلُ الأنواع) - 00:01:07ضَ
تَحْت عِنوان: "حوْل عَدَم اكتمال السِجلّ الأُحْفوري" - 00:01:09ضَ
فتابِعوا مَعَنا - 00:01:13ضَ
(مؤثرات صوتية) - 00:01:14ضَ
ادَّعى داروين أنّ نَظَريّته تَتطلَّب ظُهورَأنواعِ الكائنات - 00:01:21ضَ
بِشكلٍ تدريجيٍّ بطيءٍ جدًّا - 00:01:24ضَ
وأنْ تَكُون طبقاتُ الأرض مليئةً بعددٍ لا حَصْرَ له من الكائنات الانتقالية - 00:01:27ضَ
وأنا أقولُ: (ادّعى) لأنّنا بيَّنّا بالتَّفصيل في حَلَقة (من سَرَق المَليُون) - 00:01:33ضَ
أَنَّ عِبَارة (لا حَصْر لها) قاصرةٌ عن وصْف العَدَد الخَيَاليّ الفَلَكيّ - 00:01:38ضَ
الّذي سيَنتُجُ دُوْن أن يَتَحوّل كائنٌ إلى كائنٍ آخر. - 00:01:42ضَ
على كلٍّ فَلْنَفترِض أنّه يُمْكن -بعددٍ لا حَصْر له من الكائناتِ الانتقاليّة- - 00:01:46ضَ
أنْ تَتَحقّّقَ خيالاتُ داروين. - 00:01:51ضَ
هذا يعني أنّ الكائنات سَتَظهر في طبقات الأرض بتدرّج - 00:01:53ضَ
وليس بشكلٍ فُجائيّ - 00:01:59ضَ
لأنّ ظُهورها بشكل فُجائيّ يعني أنَّها لَمْ تَتَطوَّر عن شيءٍ قَبْلها، - 00:02:01ضَ
لذلك قال داروين في الفَصْل العاشر مِنْ كتابه (أصلُ الأنواع): - 00:02:06ضَ
"إذا ظَهرَت بالفعل أنواعٌ كثيرةٌ من الكائنات للحياة في وقْت واحد - 00:02:09ضَ
فإنّّ هذا سيكون قاتلًا لنَظَريَّة التطوُّر بالانتقاء الطبيعيّ". - 00:02:15ضَ
بتَعبِيره: - 00:02:19ضَ
Would be fetal to the theory of" evolution through natural selection" - 00:02:20ضَ
حسنا يا داروين، أنت تَعْلم مِن أيّامِك أنَّ أنواعاً كثيرةً ظهرت فجأةً - 00:02:24ضَ
بَدءًا مِن طَبَقات العَهْد الكَامْبِري - 00:02:28ضَ
وتَعْلمُ أنَّ هذه الظّاهرة تَكرَّرت في طَبَقات أخرى - 00:02:30ضَ
حيثُ نرى أنواعًا عديدة تَظْهرُ فجأةً في نفسِ الطَّبقة - 00:02:34ضَ
غيْرَ مسبوقةٍ بكائناتٍ وسيطة -على حدِّ تعبيرِك - 00:02:38ضَ
أَقرَّ داروين أنَّ هذه الصُّعوبة تُواجهُ نَظَريَّته - 00:02:43ضَ
بَدَل أن يُقِرَّ بأنَّها حقيقةٌ تَهدِم خُرافَته - 00:02:47ضَ
وذَكَر أنّ بَعْض أَقْرانه اعتَرَض عليه بهذه الحقيقة - 00:02:50ضَ
تُرى هل أَقَرّ داروين من قَبِيل الموضوعيَّة والنَّزاهة كما يَظُنّ البعض؟ - 00:02:54ضَ
أم ليُمارِس بعدها (خُنْفُشاريَّته) المعتادة؟ - 00:02:59ضَ
تعالوا نرى - 00:03:02ضَ
حَضْرةَ العالِمِ الكبير داروين، أين الخُنْفُشار؟ - 00:03:04ضَ
أين الكائنات الانتقاليّة التي لا حَصْر لها - 00:03:07ضَ
والتي تَسبِق ظهورَ أنواعٍ كثيرة من الكائنات دَفعةً واحدة في طبقةٍ من الطبقات؟ - 00:03:09ضَ
يُجيبك داروين: - 00:03:16ضَ
"نحن نَجْهل طبقات الأرض فيما وراء حدود أمريكا وأوروبا" - 00:03:17ضَ
يعني، رُبَّما توجد الكائنات الانتقاليّة التي لا حصْر لها -حسْب داروين - 00:03:22ضَ
والتي تعجُّ بها طبقات الأرض- هناك - 00:03:25ضَ
في أطراف جبال اليمن، والصين وموزمبيق، وهونولولو، والواقواق - 00:03:28ضَ
يقول لك داروين: "نَحْن ننسى كم العالم فسيح، - 00:03:32ضَ
فقد يكون الذي حصل تاريخيًّا هو أن الكائنات تطوّرت تدريجيًّا - 00:03:36ضَ
"else where" في مكان ما - 00:03:40ضَ
في مكان ما، وبالصُدْفة -بطريقةٍ ما- - 00:03:41ضَ
انتقلت نُسَخٌ من بعض الكائنات إلى أرض أمريكا وأوروبا - 00:03:45ضَ
ومؤكدٌ -إخواني- حتّى يُضبَط هذا التصوُّر (السيناريو)- - 00:03:49ضَ
علينا أن نفترض أنّ هذه الكائنات - 00:03:52ضَ
-لسببٍ ما- لَمْ تُتَابع عمليّة التطوُّر - 00:03:54ضَ
في أرض أمريكا وأوروبا، بل استمر التطوُّر خارج أمريكا وأوروبا - 00:03:57ضَ
وكُلَّ فترةٍ تنتقل نُسَخٌ من كائناتٍ أخرى -بطريقة ما- إلى أمريكا وأوروبا ولا تَتَطوَّر - 00:04:01ضَ
وبالتالي فطبقات الأرض في مكان ما خارج أمريكا وأوروبا - 00:04:08ضَ
يجب أن تَعُجَّ بالكائنات الانتقاليّة - 00:04:12ضَ
بِمِثل هذا التصوُّر (السيناريو) الواهي جدا تَفْهم قول داروين في خِتام مُنَاقشته - 00:04:15ضَ
"أنَّنا لا نمتلك إلاّ ما يُشبه المجلَّد الأخير لتاريخ السِجلّ الأُحْفوريّ - 00:04:20ضَ
محدوداً بِبلدين أو ثلاثة - 00:04:25ضَ
ومن هذا المجلّد لم يُحفظ إلاّ فصلٌ واحد - 00:04:27ضَ
ومن هذا الفصل لم تُحفَظ إلاّ سطورٌ قليلة من بعض صفحاته" - 00:04:30ضَ
حسنا يا داروين، إذا قبِلنا تفسيرك هذا للطبقات العليا - 00:04:35ضَ
فما ردُّك على طبقاتِ العهْد الكامبري السَحِيقة العَمِيقةِ في الأرض، - 00:04:38ضَ
هذه الطبقات ظهرت فيها أنواعٌ من الكائنات فجأةً أيضا، فيما يُعرف بـ(الانفجار الكامبري) - 00:04:42ضَ
دون وجود (كائناتٍ انتقاليّة لا حصْر لها) تحْتها - 00:04:48ضَ
فلا يُتصوَّر أن تُوجَد لهذه الكائناتِ كائناتٌ انتقاليّة سبقتها في مكان ما؛ - 00:04:53ضَ
لأنّها أعمقُ الطّبقات عمليًّا وليس تحتها طبقاتٌ ذات شأن. - 00:04:59ضَ
يقول لك داروين: - 00:05:04ضَ
"رُبَّما قبل أن تترسّبَ طبقاتُ العهد الكامبري السحيقة العميقة في الأرض، - 00:05:06ضَ
رُبَّما كانت هناك فتراتٌ من الزمن طويلةٌ جداً بطول الزمن - 00:05:11ضَ
من العهد الكامبري حَتَّى الآن أو أَطْول، وهذه الفترات كانت تعُجُّ بالكائنات الحيّة" - 00:05:15ضَ
- لكن يا داروين هل يُعقَل أنَّ هذه الفتراتِ الزمنية الطويلة - 00:05:21ضَ
كانت تَعُجُّ بالكائنات الحيّة المتنوِّعة ولم نجد من هذه الكائنات شيئًا يُذكَر؟ - 00:05:26ضَ
- هل تستطيع أن تُثبِت خطئي؟ - 00:05:32ضَ
هل نَزلْتَ عميقاً، وثَقَبتَ الأرض - 00:05:33ضَ
إلى أن وَصَلتَ إلى النّاحية الثانية من الكرة الأرضية، - 00:05:36ضَ
لتُثبتَ أنَّه ليس هناك طبقاتٌ كهذه؟ - 00:05:39ضَ
- بصراحة، لا - 00:05:42ضَ
- إذًا، اسْكت - 00:05:44ضَ
بل ولَدَى داروين رَدٌّ ثالثٌ، يقول لك فيه: - 00:05:45ضَ
- "رُبَّما في الزّمان السَحِيق كانت الظُروف البيئيّةُ عنيفةً - 00:05:49ضَ
بحيث أنتجت تَغيّراتٍ سريعة في الكائنات الحيّة؛ - 00:05:53ضَ
فلم يَلحَق السّجلّ الأحفوريّ أن يحتفِظ بالكائنات الوسيطة". - 00:05:56ضَ
إذًا، أحالَك داروين على المجهولِ جغرافيًّا خارج حدود أمريكا وأوروبا في مكانٍ ما، - 00:06:02ضَ
وعلى المجهول في أعماق الأرض وعلى المجهول في عُمْق التّاريخ، - 00:06:09ضَ
ولسان حاله: - 00:06:14ضَ
(أتحدّاك أن تُثبت خطأ نظريّتي) - 00:06:15ضَ
إذًا، أحالك داروين على المجهول جغرافيًّا - 00:06:17ضَ
خارج حدود أمريكا وأوروبا في مكان ما - 00:06:21ضَ
وإلى المجهول في أعماق الأرض وإلى المجهول في عُمْق التّاريخ - 00:06:24ضَ
ولسان حاله: - 00:06:29ضَ
"أتحدّاك أن تُثبت خطأ نظريّتي". - 00:06:31ضَ
النّاسُ يضحكون من العالِم (الخُنْفُشاري) الذي أحالَ على أطراف جبال اليمن، - 00:06:34ضَ
في نبتة غير موجودة، - 00:06:38ضَ
ولا يَضحكون من داروين الذي يُحيل على مَجاهيل الزّمان والمكان، - 00:06:40ضَ
في كائنات يقولُ هو أنّه يجب أن تكون لا حصر لها، - 00:06:44ضَ
وأن تَعُجَّ بها طبقات الأرض كلّها، - 00:06:48ضَ
بل وأن تمتلئَ بها الحياة على سطح الأرض. - 00:06:51ضَ
لا عَجَب، فنُكتة داروين قد وُضع قبلها - 00:06:55ضَ
كلمة (بالإنجليزية) نظرية - 00:06:58ضَ
إذًا، فبمِثل هذا اللّفّ والدوران عالَج داروين قضيةَ السّجلِّ الأُحفوري - 00:07:00ضَ
في 11 ألف و 660 كلمةً من كتابه (أصل الأنواع)، - 00:07:05ضَ
ليخلُص في آخر هذا الفصل إلى عبارته: "بهذا المنطق، فإنّ الصّعوبات - 00:07:09ضَ
التي تمّ نِقاشها أعلاه، تَتَضاءل بشكل كبير أو أنّها تختفي تمامًا". - 00:07:15ضَ
تختفي. - 00:07:21ضَ
تختفي كما يُخفِي الساحر الأشياء بعصاه السحريّة. - 00:07:22ضَ
هذا درسٌ جيّدٌ جدًّا -إخواني- لمن يظنُّ أنّ داروين كان عالمًا موضوعيًّا يَعترف - 00:07:27ضَ
في كتابه بالصّعوبات التي تواجه نظريّته. - 00:07:32ضَ
فرقٌ بين عالمٍ يطرح نظريّةً مُتماسكة، لها أساسٌ تقومُ عليه، - 00:07:35ضَ
ثمّ يَعترفُ بنقاط الضّعف، ويناقشُها بموضوعيَّة، - 00:07:40ضَ
وفي المقابل من يطرح خًرَافات، - 00:07:43ضَ
ثمّ يَنزِع فتيل الاعتراض بتهزيل الحقائق المًصَادمةِ لخًرَافاته - 00:07:46ضَ
والالتفافِ عليها. - 00:07:51ضَ
فقد تعامل داروين أوّلاً مع الكائنات كلُعبةٍ مَعجًونيَّة، - 00:07:53ضَ
ثمّ أحال على مجاهيل الزّمان والمكان تصوُّرات (سيناريوهات) مُضحِكة عند التحقيق، - 00:07:57ضَ
ثم خَلُصَ إلى أنّ مناقشته هذه حَلَّت الإشكال بشكلٍ كامل، أو شبه كامل. - 00:08:02ضَ
لكن لاحظوا إخواني أنّه كان في خنفشاريّة داروين ثَغرة. - 00:08:08ضَ
من المستحيل الوصول إلى أعماقِ أعماقِ الأرض ومن المستحيل العودة إلى الزّمان السّحيق، - 00:08:13ضَ
لكن ليس مستحيلًا أن نبحثَ عن الكائنات الانتقاليّة خارج أمريكا وأوروبا. - 00:08:21ضَ
وبالفعل، انطلق أتباع داروين بحثًا عن هذه الكائنات التي تَكلّم عنها أستاذهم، - 00:08:27ضَ
عن (الخُنْفُشار)، - 00:08:34ضَ
لِيُثبتوا صِحَّةَ تنبّؤات عالِمِهم الكبير. - 00:08:35ضَ
مَهمَّةٌ لا بُدَّ وأن تكون ليست بالصّعبة جدًّا؛ لأنّ طبقاتٍ من الأرض في مكان ما - 00:08:38ضَ
يجب أن تعُجّ بخُنْفُشار داروين، وإنْ خَلَت منه أميركا وأوروبا لأسبابٍ مجهولة. - 00:08:44ضَ
في الوقت الذي كان أبطالُ الأفلام، ورسوم الكرتون - 00:08:49ضَ
يبحثُ أحدُهم عن أمِّه في كلِّ مكان، أو عن الكنز المفقود، أو عن بطلةِ الفيلم - 00:08:52ضَ
أنفق أتباع داروين 170 عامًا في البحث عن الخُنْفُشار في كلّ مكان. - 00:08:58ضَ
وصلوا في رِحلتهم هذه إلى الصّين فما وجدوا غيرَ عِظامٍ مُلَفّقةٍ مُلَزّقةٍ - 00:09:03ضَ
سَمَّوها حَفريّة الأركيورابتور (Archaeoraptor)، - 00:09:08ضَ
والتي ما لبِثت أنْ تَبيَّن أنّها مُزَيَّفة، كما شرحنا في حلقة (نظريّة البانكيك) - 00:09:11ضَ
وصلوا فيها أُثيوبيا في عُمق إفريقيا فوجدوا فيها بقايا عظامٍ تَهَشَّمتْ أجزاءٌ - 00:09:16ضَ
منها تحت أيديهم، فكادت قلوبهم تَتَهشَّم معها وسارعوا إلى لَمْلَمَتها، وسَمُّوها - 00:09:22ضَ
حفريّة آردي (Ardi) - 00:09:28ضَ
و اعتبروها أهمَّ اكتشافاتِ القرن في عالم تطوُّر الإنسان، - 00:09:29ضَ
وأيقونةً من أيقونات تطوِّر الإنسان الكبرى. - 00:09:33ضَ
ثمّ عادت كُبْريات مجلاّتهم مثل نيتشر "Nature"، وسَيَنْس "Science" - 00:09:37ضَ
وكِبار مواقعهم مثْل سَيَنتيفك أميركان "Scientific American" - 00:09:41ضَ
فشكَّكَت في أن يكون لـ (آردي) أيَّة علاقة بالإنسان أصلاً، - 00:09:43ضَ
وهم الآن مختلفون في تفسيرها. - 00:09:48ضَ
ولك أخي أن تَتَصوَّر حَجْم المأساة والوَضع المُزري لأتباع الخُرافة - 00:09:51ضَ
عندما يحتفلون ببقايا حفريّةٍ مُهترِئة، وينشرون أبحاثًا كثيرةً عنها - 00:09:56ضَ
ثُمَّ يختلفون حَوْلها، مع أنَّ خُرافَتهم تَتَطلَّبُ أعدادًا - 00:10:03ضَ
لا حَصْر لها من المراحل الانتقاليّة، حتّى لو تنازلنا لهم كثيرًا - 00:10:07ضَ
وغيرُها من القِصَص البائسة التي ذَكَرنا عدداً منها في حلقة - 00:10:14ضَ
(في سبيل الخُرافة) - 00:10:18ضَ
ومع ذلك كلِّه لا زال ريتشارد دوكينز يقول "بأنّ التّطوّر لا بدّ وأن يكون قد حصل - 00:10:20ضَ
وأنّ علينا أن نحفرَ بحثًا عن الكائنات الانتقاليّة في مكان ما آخر" - 00:10:25ضَ
"on the other side of the mountain" على النّاحية الأخرى من الجبل - 00:10:31ضَ
تذكّروا الخنفشار الذي في أطراف جبال اليمن - 00:10:36ضَ
إذًا، أين خنفشارك يا داروين؟ - 00:10:41ضَ
لَمْ نجده خارج أوروبا وأمريكا بأعدادٍ لا حَصْر لها كما عشَّمتنا - 00:10:44ضَ
كانت هذه ثغرةً لا أقول في نظريّة دارون، بل في خنفشاريّة نظريّته، - 00:10:49ضَ
ثغرةٌ تَعلَّم منها أتباعُه، فسَعوا إلى سدّ الثّغرات من بعده. - 00:10:54ضَ
لذلك عندما تسمع أنّ العلماء من بَعْد داروين يسدُّون الثّغرات، - 00:10:58ضَ
فهذا صحيح، - 00:11:02ضَ
لكنّهم لا يسدُّون ثغرات النَّظريّةٍ بل يسدّون ثغرات خُنفشاريّة النَّظريّة، - 00:11:04ضَ
يعني يحاولون (خَنْفشة) التّنبّؤات بحيث لا يتكرّرالإحراج الذي أوقعهم فيه داروين - 00:11:09ضَ
فيما يتعلّق بالحفريات خارج أمريكا وأوروبا. - 00:11:15ضَ
فعندما ترى فرانسيس كريك ثُمَّ ريتشارد دوكينز - 00:11:18ضَ
يقولان لك: - 00:11:20ضَ
"ربّما كائناتٌ فضائيّة، هي التي بَذَرت بذْرة الحياة على الأرض" - 00:11:41ضَ
فهُم، لم يحيلوك على أطراف جبال اليمن، ولا على خارج أمريكا وأوروبا في مكان ما، - 00:11:45ضَ
بل على أطراف الكون، - 00:11:50ضَ
وما أدراك؟ - 00:11:52ضَ
ألا يمكن أن تكون الكائنات الفضائيّة التي بَذَرَت الحياة، - 00:11:53ضَ
تبعد عنّا (تريليونات) السّنوات الضوئيّة في زاوية ما من زوايا الكون؟ - 00:11:56ضَ
هل تستطيع أن تُثبت خلاف ذلك؟ - 00:12:02ضَ
فلا تستغربوا إن قال أتباع داروين في المستقبل أنّ التّطوّر حصل في كوكبٍ آخر، - 00:12:05ضَ
ثمّ جاءتنا الكائنات -التي نعرف- بالأطباق الفضائيّة، - 00:12:10ضَ
وبَقِيَت الكائنات في الكوكب X، يعُجّ بأعدادٍ -لا حصر لها- منها - 00:12:14ضَ
ثمّ تتطوّر الخنفشاريّة وتدخل عالم الفيزياء والفلك، لتنقل الخنفشار - 00:12:20ضَ
لا إلى أطراف جبال اليمن، ولا إلى أطراف الكون، - 00:12:26ضَ
بل إلى خارج الكون كله. - 00:12:29ضَ
حتّى يقول لك هوكينغ: - 00:12:31ضَ
- هناك أكوانٌ لا حصر لها، ممّا يُفسّر - 00:12:32ضَ
الضّبط الدّقيق في معايير كَوْننا الفيزيائية - 00:12:35ضَ
- لكن أين هذه الأكوان يا هوكينغ؟ - 00:12:38ضَ
- هل خَرَجْتَ من كوننا لتثبت أنّ نظريّتي خطأ؟ وأنّه ليست هُناك أكوانٌ متعددة؟ - 00:12:41ضَ
- حسنًا، كيف نراها بالعلم التجريبيّ؟ - 00:12:47ضَ
- في المستقبل، ربّما الثّقب الأسود سينقلنا إلى هذه الأكوان الأخرى. - 00:12:50ضَ
إحالةٌ على مجهول المستقبل، كما أحالوا على مجهول الماضي. - 00:12:55ضَ
بل وهذه المرّة خارج حدود الكون كلّه. - 00:12:58ضَ
إذًا إخواني، هذا هو أسلوب الخَنْفَشة، - 00:13:01ضَ
الإحالة على المجهول الذي لا يمكن التحقق منه، - 00:13:04ضَ
أسلوبٌ يستخدمه أتباع الخُرَافات كثيرًا وفي مجالاتٍ كثيرةٍ، - 00:13:08ضَ
فانتبهوا له في مناقشاتكم. - 00:13:12ضَ
والسلامُ عليكُم. - 00:13:15ضَ
Transcription
السَّلامُ عليكُم - 00:00:00ضَ
يُحكَى أَنَّّ رَجُلاً لبِسَ لِباس العُلماء - 00:00:01ضَ
ثُمَّ جاء إلى قَريةٍ وقال للنّاس: اسألوني فيما شِئتم وأنا أُجيبُكم - 00:00:03ضَ
وبالفِعل، ما سُئِل سُؤالًا إلاّ أجاب، وبشيءٍ من التفصيل - 00:00:08ضَ
حتَّى شكَّ الناس أنَّه يُؤلِّف أيَّ جَوابٍ من عندِه - 00:00:12ضَ
فقالوا: تعالَوا نسأله عن شيءٍ افتراضيّ نَخترِعُه ، وَلْنُسمِّه (الخُنْفُشَار) - 00:00:15ضَ
فَجاؤوهُ، وقالوا: عالِمَنا الجَليل، ما قولك في الخُنْفُشار؟ - 00:00:21ضَ
فقال: نَعَم، الخُنْفُشَار نباتٌ يَطلُع في أطراف جِبالِ اليمن، - 00:00:25ضَ
إذا أَكلَته الإبلُ انعقدَ لَبنُها، - 00:00:31ضَ
حتّى قال الشاعر اليمنيُّ الكبيرُ: - 00:00:33ضَ
لقد عقَدَتْ محبَّتُكم فُؤادي كما عَقدَ الحليبَ الخُنْفُشَارُ - 00:00:36ضَ
من سيستطيع أن يُثبِت خَطأ نَظَريّة هذا الشّيخ (الخُنْفُشاريّ)؟ - 00:00:42ضَ
من سيستطيع أن يَذهَب إلى أطرافِ جِبال اليمن كلِّها - 00:00:46ضَ
ويُثْبِتَ أنّ الخُنْفُشَار غَيْر موجود؟ - 00:00:49ضَ
من سيستطيع أن يَنفِي أن يكون هذا الاسم الذي ألَّفَه أهلُ القرية - 00:00:52ضَ
موجودًا بالفعل بالصُّدفة؟ - 00:00:56ضَ
أنا ما أخبرتُ أحدًا بهذه القِصّة إلاّ ضَحِك - 00:00:59ضَ
ولكن الغريب أنّ كثيرين يقرأون قِصّةً مشابهةً تمامًا ولا يضحكون - 00:01:01ضَ
إنَّها قصّةُ داروين في كتابه (أصْلُ الأنواع) - 00:01:07ضَ
تَحْت عِنوان: "حوْل عَدَم اكتمال السِجلّ الأُحْفوري" - 00:01:09ضَ
فتابِعوا مَعَنا - 00:01:13ضَ
(مؤثرات صوتية) - 00:01:14ضَ
ادَّعى داروين أنّ نَظَريّته تَتطلَّب ظُهورَأنواعِ الكائنات - 00:01:21ضَ
بِشكلٍ تدريجيٍّ بطيءٍ جدًّا - 00:01:24ضَ
وأنْ تَكُون طبقاتُ الأرض مليئةً بعددٍ لا حَصْرَ له من الكائنات الانتقالية - 00:01:27ضَ
وأنا أقولُ: (ادّعى) لأنّنا بيَّنّا بالتَّفصيل في حَلَقة (من سَرَق المَليُون) - 00:01:33ضَ
أَنَّ عِبَارة (لا حَصْر لها) قاصرةٌ عن وصْف العَدَد الخَيَاليّ الفَلَكيّ - 00:01:38ضَ
الّذي سيَنتُجُ دُوْن أن يَتَحوّل كائنٌ إلى كائنٍ آخر. - 00:01:42ضَ
على كلٍّ فَلْنَفترِض أنّه يُمْكن -بعددٍ لا حَصْر له من الكائناتِ الانتقاليّة- - 00:01:46ضَ
أنْ تَتَحقّّقَ خيالاتُ داروين. - 00:01:51ضَ
هذا يعني أنّ الكائنات سَتَظهر في طبقات الأرض بتدرّج - 00:01:53ضَ
وليس بشكلٍ فُجائيّ - 00:01:59ضَ
لأنّ ظُهورها بشكل فُجائيّ يعني أنَّها لَمْ تَتَطوَّر عن شيءٍ قَبْلها، - 00:02:01ضَ
لذلك قال داروين في الفَصْل العاشر مِنْ كتابه (أصلُ الأنواع): - 00:02:06ضَ
"إذا ظَهرَت بالفعل أنواعٌ كثيرةٌ من الكائنات للحياة في وقْت واحد - 00:02:09ضَ
فإنّّ هذا سيكون قاتلًا لنَظَريَّة التطوُّر بالانتقاء الطبيعيّ". - 00:02:15ضَ
بتَعبِيره: - 00:02:19ضَ
Would be fetal to the theory of" evolution through natural selection" - 00:02:20ضَ
حسنا يا داروين، أنت تَعْلم مِن أيّامِك أنَّ أنواعاً كثيرةً ظهرت فجأةً - 00:02:24ضَ
بَدءًا مِن طَبَقات العَهْد الكَامْبِري - 00:02:28ضَ
وتَعْلمُ أنَّ هذه الظّاهرة تَكرَّرت في طَبَقات أخرى - 00:02:30ضَ
حيثُ نرى أنواعًا عديدة تَظْهرُ فجأةً في نفسِ الطَّبقة - 00:02:34ضَ
غيْرَ مسبوقةٍ بكائناتٍ وسيطة -على حدِّ تعبيرِك - 00:02:38ضَ
أَقرَّ داروين أنَّ هذه الصُّعوبة تُواجهُ نَظَريَّته - 00:02:43ضَ
بَدَل أن يُقِرَّ بأنَّها حقيقةٌ تَهدِم خُرافَته - 00:02:47ضَ
وذَكَر أنّ بَعْض أَقْرانه اعتَرَض عليه بهذه الحقيقة - 00:02:50ضَ
تُرى هل أَقَرّ داروين من قَبِيل الموضوعيَّة والنَّزاهة كما يَظُنّ البعض؟ - 00:02:54ضَ
أم ليُمارِس بعدها (خُنْفُشاريَّته) المعتادة؟ - 00:02:59ضَ
تعالوا نرى - 00:03:02ضَ
حَضْرةَ العالِمِ الكبير داروين، أين الخُنْفُشار؟ - 00:03:04ضَ
أين الكائنات الانتقاليّة التي لا حَصْر لها - 00:03:07ضَ
والتي تَسبِق ظهورَ أنواعٍ كثيرة من الكائنات دَفعةً واحدة في طبقةٍ من الطبقات؟ - 00:03:09ضَ
يُجيبك داروين: - 00:03:16ضَ
"نحن نَجْهل طبقات الأرض فيما وراء حدود أمريكا وأوروبا" - 00:03:17ضَ
يعني، رُبَّما توجد الكائنات الانتقاليّة التي لا حصْر لها -حسْب داروين - 00:03:22ضَ
والتي تعجُّ بها طبقات الأرض- هناك - 00:03:25ضَ
في أطراف جبال اليمن، والصين وموزمبيق، وهونولولو، والواقواق - 00:03:28ضَ
يقول لك داروين: "نَحْن ننسى كم العالم فسيح، - 00:03:32ضَ
فقد يكون الذي حصل تاريخيًّا هو أن الكائنات تطوّرت تدريجيًّا - 00:03:36ضَ
"else where" في مكان ما - 00:03:40ضَ
في مكان ما، وبالصُدْفة -بطريقةٍ ما- - 00:03:41ضَ
انتقلت نُسَخٌ من بعض الكائنات إلى أرض أمريكا وأوروبا - 00:03:45ضَ
ومؤكدٌ -إخواني- حتّى يُضبَط هذا التصوُّر (السيناريو)- - 00:03:49ضَ
علينا أن نفترض أنّ هذه الكائنات - 00:03:52ضَ
-لسببٍ ما- لَمْ تُتَابع عمليّة التطوُّر - 00:03:54ضَ
في أرض أمريكا وأوروبا، بل استمر التطوُّر خارج أمريكا وأوروبا - 00:03:57ضَ
وكُلَّ فترةٍ تنتقل نُسَخٌ من كائناتٍ أخرى -بطريقة ما- إلى أمريكا وأوروبا ولا تَتَطوَّر - 00:04:01ضَ
وبالتالي فطبقات الأرض في مكان ما خارج أمريكا وأوروبا - 00:04:08ضَ
يجب أن تَعُجَّ بالكائنات الانتقاليّة - 00:04:12ضَ
بِمِثل هذا التصوُّر (السيناريو) الواهي جدا تَفْهم قول داروين في خِتام مُنَاقشته - 00:04:15ضَ
"أنَّنا لا نمتلك إلاّ ما يُشبه المجلَّد الأخير لتاريخ السِجلّ الأُحْفوريّ - 00:04:20ضَ
محدوداً بِبلدين أو ثلاثة - 00:04:25ضَ
ومن هذا المجلّد لم يُحفظ إلاّ فصلٌ واحد - 00:04:27ضَ
ومن هذا الفصل لم تُحفَظ إلاّ سطورٌ قليلة من بعض صفحاته" - 00:04:30ضَ
حسنا يا داروين، إذا قبِلنا تفسيرك هذا للطبقات العليا - 00:04:35ضَ
فما ردُّك على طبقاتِ العهْد الكامبري السَحِيقة العَمِيقةِ في الأرض، - 00:04:38ضَ
هذه الطبقات ظهرت فيها أنواعٌ من الكائنات فجأةً أيضا، فيما يُعرف بـ(الانفجار الكامبري) - 00:04:42ضَ
دون وجود (كائناتٍ انتقاليّة لا حصْر لها) تحْتها - 00:04:48ضَ
فلا يُتصوَّر أن تُوجَد لهذه الكائناتِ كائناتٌ انتقاليّة سبقتها في مكان ما؛ - 00:04:53ضَ
لأنّها أعمقُ الطّبقات عمليًّا وليس تحتها طبقاتٌ ذات شأن. - 00:04:59ضَ
يقول لك داروين: - 00:05:04ضَ
"رُبَّما قبل أن تترسّبَ طبقاتُ العهد الكامبري السحيقة العميقة في الأرض، - 00:05:06ضَ
رُبَّما كانت هناك فتراتٌ من الزمن طويلةٌ جداً بطول الزمن - 00:05:11ضَ
من العهد الكامبري حَتَّى الآن أو أَطْول، وهذه الفترات كانت تعُجُّ بالكائنات الحيّة" - 00:05:15ضَ
- لكن يا داروين هل يُعقَل أنَّ هذه الفتراتِ الزمنية الطويلة - 00:05:21ضَ
كانت تَعُجُّ بالكائنات الحيّة المتنوِّعة ولم نجد من هذه الكائنات شيئًا يُذكَر؟ - 00:05:26ضَ
- هل تستطيع أن تُثبِت خطئي؟ - 00:05:32ضَ
هل نَزلْتَ عميقاً، وثَقَبتَ الأرض - 00:05:33ضَ
إلى أن وَصَلتَ إلى النّاحية الثانية من الكرة الأرضية، - 00:05:36ضَ
لتُثبتَ أنَّه ليس هناك طبقاتٌ كهذه؟ - 00:05:39ضَ
- بصراحة، لا - 00:05:42ضَ
- إذًا، اسْكت - 00:05:44ضَ
بل ولَدَى داروين رَدٌّ ثالثٌ، يقول لك فيه: - 00:05:45ضَ
- "رُبَّما في الزّمان السَحِيق كانت الظُروف البيئيّةُ عنيفةً - 00:05:49ضَ
بحيث أنتجت تَغيّراتٍ سريعة في الكائنات الحيّة؛ - 00:05:53ضَ
فلم يَلحَق السّجلّ الأحفوريّ أن يحتفِظ بالكائنات الوسيطة". - 00:05:56ضَ
إذًا، أحالَك داروين على المجهولِ جغرافيًّا خارج حدود أمريكا وأوروبا في مكانٍ ما، - 00:06:02ضَ
وعلى المجهول في أعماق الأرض وعلى المجهول في عُمْق التّاريخ، - 00:06:09ضَ
ولسان حاله: - 00:06:14ضَ
(أتحدّاك أن تُثبت خطأ نظريّتي) - 00:06:15ضَ
إذًا، أحالك داروين على المجهول جغرافيًّا - 00:06:17ضَ
خارج حدود أمريكا وأوروبا في مكان ما - 00:06:21ضَ
وإلى المجهول في أعماق الأرض وإلى المجهول في عُمْق التّاريخ - 00:06:24ضَ
ولسان حاله: - 00:06:29ضَ
"أتحدّاك أن تُثبت خطأ نظريّتي". - 00:06:31ضَ
النّاسُ يضحكون من العالِم (الخُنْفُشاري) الذي أحالَ على أطراف جبال اليمن، - 00:06:34ضَ
في نبتة غير موجودة، - 00:06:38ضَ
ولا يَضحكون من داروين الذي يُحيل على مَجاهيل الزّمان والمكان، - 00:06:40ضَ
في كائنات يقولُ هو أنّه يجب أن تكون لا حصر لها، - 00:06:44ضَ
وأن تَعُجَّ بها طبقات الأرض كلّها، - 00:06:48ضَ
بل وأن تمتلئَ بها الحياة على سطح الأرض. - 00:06:51ضَ
لا عَجَب، فنُكتة داروين قد وُضع قبلها - 00:06:55ضَ
كلمة (بالإنجليزية) نظرية - 00:06:58ضَ
إذًا، فبمِثل هذا اللّفّ والدوران عالَج داروين قضيةَ السّجلِّ الأُحفوري - 00:07:00ضَ
في 11 ألف و 660 كلمةً من كتابه (أصل الأنواع)، - 00:07:05ضَ
ليخلُص في آخر هذا الفصل إلى عبارته: "بهذا المنطق، فإنّ الصّعوبات - 00:07:09ضَ
التي تمّ نِقاشها أعلاه، تَتَضاءل بشكل كبير أو أنّها تختفي تمامًا". - 00:07:15ضَ
تختفي. - 00:07:21ضَ
تختفي كما يُخفِي الساحر الأشياء بعصاه السحريّة. - 00:07:22ضَ
هذا درسٌ جيّدٌ جدًّا -إخواني- لمن يظنُّ أنّ داروين كان عالمًا موضوعيًّا يَعترف - 00:07:27ضَ
في كتابه بالصّعوبات التي تواجه نظريّته. - 00:07:32ضَ
فرقٌ بين عالمٍ يطرح نظريّةً مُتماسكة، لها أساسٌ تقومُ عليه، - 00:07:35ضَ
ثمّ يَعترفُ بنقاط الضّعف، ويناقشُها بموضوعيَّة، - 00:07:40ضَ
وفي المقابل من يطرح خًرَافات، - 00:07:43ضَ
ثمّ يَنزِع فتيل الاعتراض بتهزيل الحقائق المًصَادمةِ لخًرَافاته - 00:07:46ضَ
والالتفافِ عليها. - 00:07:51ضَ
فقد تعامل داروين أوّلاً مع الكائنات كلُعبةٍ مَعجًونيَّة، - 00:07:53ضَ
ثمّ أحال على مجاهيل الزّمان والمكان تصوُّرات (سيناريوهات) مُضحِكة عند التحقيق، - 00:07:57ضَ
ثم خَلُصَ إلى أنّ مناقشته هذه حَلَّت الإشكال بشكلٍ كامل، أو شبه كامل. - 00:08:02ضَ
لكن لاحظوا إخواني أنّه كان في خنفشاريّة داروين ثَغرة. - 00:08:08ضَ
من المستحيل الوصول إلى أعماقِ أعماقِ الأرض ومن المستحيل العودة إلى الزّمان السّحيق، - 00:08:13ضَ
لكن ليس مستحيلًا أن نبحثَ عن الكائنات الانتقاليّة خارج أمريكا وأوروبا. - 00:08:21ضَ
وبالفعل، انطلق أتباع داروين بحثًا عن هذه الكائنات التي تَكلّم عنها أستاذهم، - 00:08:27ضَ
عن (الخُنْفُشار)، - 00:08:34ضَ
لِيُثبتوا صِحَّةَ تنبّؤات عالِمِهم الكبير. - 00:08:35ضَ
مَهمَّةٌ لا بُدَّ وأن تكون ليست بالصّعبة جدًّا؛ لأنّ طبقاتٍ من الأرض في مكان ما - 00:08:38ضَ
يجب أن تعُجّ بخُنْفُشار داروين، وإنْ خَلَت منه أميركا وأوروبا لأسبابٍ مجهولة. - 00:08:44ضَ
في الوقت الذي كان أبطالُ الأفلام، ورسوم الكرتون - 00:08:49ضَ
يبحثُ أحدُهم عن أمِّه في كلِّ مكان، أو عن الكنز المفقود، أو عن بطلةِ الفيلم - 00:08:52ضَ
أنفق أتباع داروين 170 عامًا في البحث عن الخُنْفُشار في كلّ مكان. - 00:08:58ضَ
وصلوا في رِحلتهم هذه إلى الصّين فما وجدوا غيرَ عِظامٍ مُلَفّقةٍ مُلَزّقةٍ - 00:09:03ضَ
سَمَّوها حَفريّة الأركيورابتور (Archaeoraptor)، - 00:09:08ضَ
والتي ما لبِثت أنْ تَبيَّن أنّها مُزَيَّفة، كما شرحنا في حلقة (نظريّة البانكيك) - 00:09:11ضَ
وصلوا فيها أُثيوبيا في عُمق إفريقيا فوجدوا فيها بقايا عظامٍ تَهَشَّمتْ أجزاءٌ - 00:09:16ضَ
منها تحت أيديهم، فكادت قلوبهم تَتَهشَّم معها وسارعوا إلى لَمْلَمَتها، وسَمُّوها - 00:09:22ضَ
حفريّة آردي (Ardi) - 00:09:28ضَ
و اعتبروها أهمَّ اكتشافاتِ القرن في عالم تطوُّر الإنسان، - 00:09:29ضَ
وأيقونةً من أيقونات تطوِّر الإنسان الكبرى. - 00:09:33ضَ
ثمّ عادت كُبْريات مجلاّتهم مثل نيتشر "Nature"، وسَيَنْس "Science" - 00:09:37ضَ
وكِبار مواقعهم مثْل سَيَنتيفك أميركان "Scientific American" - 00:09:41ضَ
فشكَّكَت في أن يكون لـ (آردي) أيَّة علاقة بالإنسان أصلاً، - 00:09:43ضَ
وهم الآن مختلفون في تفسيرها. - 00:09:48ضَ
ولك أخي أن تَتَصوَّر حَجْم المأساة والوَضع المُزري لأتباع الخُرافة - 00:09:51ضَ
عندما يحتفلون ببقايا حفريّةٍ مُهترِئة، وينشرون أبحاثًا كثيرةً عنها - 00:09:56ضَ
ثُمَّ يختلفون حَوْلها، مع أنَّ خُرافَتهم تَتَطلَّبُ أعدادًا - 00:10:03ضَ
لا حَصْر لها من المراحل الانتقاليّة، حتّى لو تنازلنا لهم كثيرًا - 00:10:07ضَ
وغيرُها من القِصَص البائسة التي ذَكَرنا عدداً منها في حلقة - 00:10:14ضَ
(في سبيل الخُرافة) - 00:10:18ضَ
ومع ذلك كلِّه لا زال ريتشارد دوكينز يقول "بأنّ التّطوّر لا بدّ وأن يكون قد حصل - 00:10:20ضَ
وأنّ علينا أن نحفرَ بحثًا عن الكائنات الانتقاليّة في مكان ما آخر" - 00:10:25ضَ
"on the other side of the mountain" على النّاحية الأخرى من الجبل - 00:10:31ضَ
تذكّروا الخنفشار الذي في أطراف جبال اليمن - 00:10:36ضَ
إذًا، أين خنفشارك يا داروين؟ - 00:10:41ضَ
لَمْ نجده خارج أوروبا وأمريكا بأعدادٍ لا حَصْر لها كما عشَّمتنا - 00:10:44ضَ
كانت هذه ثغرةً لا أقول في نظريّة دارون، بل في خنفشاريّة نظريّته، - 00:10:49ضَ
ثغرةٌ تَعلَّم منها أتباعُه، فسَعوا إلى سدّ الثّغرات من بعده. - 00:10:54ضَ
لذلك عندما تسمع أنّ العلماء من بَعْد داروين يسدُّون الثّغرات، - 00:10:58ضَ
فهذا صحيح، - 00:11:02ضَ
لكنّهم لا يسدُّون ثغرات النَّظريّةٍ بل يسدّون ثغرات خُنفشاريّة النَّظريّة، - 00:11:04ضَ
يعني يحاولون (خَنْفشة) التّنبّؤات بحيث لا يتكرّرالإحراج الذي أوقعهم فيه داروين - 00:11:09ضَ
فيما يتعلّق بالحفريات خارج أمريكا وأوروبا. - 00:11:15ضَ
فعندما ترى فرانسيس كريك ثُمَّ ريتشارد دوكينز - 00:11:18ضَ
يقولان لك: - 00:11:20ضَ
"ربّما كائناتٌ فضائيّة، هي التي بَذَرت بذْرة الحياة على الأرض" - 00:11:41ضَ
فهُم، لم يحيلوك على أطراف جبال اليمن، ولا على خارج أمريكا وأوروبا في مكان ما، - 00:11:45ضَ
بل على أطراف الكون، - 00:11:50ضَ
وما أدراك؟ - 00:11:52ضَ
ألا يمكن أن تكون الكائنات الفضائيّة التي بَذَرَت الحياة، - 00:11:53ضَ
تبعد عنّا (تريليونات) السّنوات الضوئيّة في زاوية ما من زوايا الكون؟ - 00:11:56ضَ
هل تستطيع أن تُثبت خلاف ذلك؟ - 00:12:02ضَ
فلا تستغربوا إن قال أتباع داروين في المستقبل أنّ التّطوّر حصل في كوكبٍ آخر، - 00:12:05ضَ
ثمّ جاءتنا الكائنات -التي نعرف- بالأطباق الفضائيّة، - 00:12:10ضَ
وبَقِيَت الكائنات في الكوكب X، يعُجّ بأعدادٍ -لا حصر لها- منها - 00:12:14ضَ
ثمّ تتطوّر الخنفشاريّة وتدخل عالم الفيزياء والفلك، لتنقل الخنفشار - 00:12:20ضَ
لا إلى أطراف جبال اليمن، ولا إلى أطراف الكون، - 00:12:26ضَ
بل إلى خارج الكون كله. - 00:12:29ضَ
حتّى يقول لك هوكينغ: - 00:12:31ضَ
- هناك أكوانٌ لا حصر لها، ممّا يُفسّر - 00:12:32ضَ
الضّبط الدّقيق في معايير كَوْننا الفيزيائية - 00:12:35ضَ
- لكن أين هذه الأكوان يا هوكينغ؟ - 00:12:38ضَ
- هل خَرَجْتَ من كوننا لتثبت أنّ نظريّتي خطأ؟ وأنّه ليست هُناك أكوانٌ متعددة؟ - 00:12:41ضَ
- حسنًا، كيف نراها بالعلم التجريبيّ؟ - 00:12:47ضَ
- في المستقبل، ربّما الثّقب الأسود سينقلنا إلى هذه الأكوان الأخرى. - 00:12:50ضَ
إحالةٌ على مجهول المستقبل، كما أحالوا على مجهول الماضي. - 00:12:55ضَ
بل وهذه المرّة خارج حدود الكون كلّه. - 00:12:58ضَ
إذًا إخواني، هذا هو أسلوب الخَنْفَشة، - 00:13:01ضَ
الإحالة على المجهول الذي لا يمكن التحقق منه، - 00:13:04ضَ
أسلوبٌ يستخدمه أتباع الخُرَافات كثيرًا وفي مجالاتٍ كثيرةٍ، - 00:13:08ضَ
فانتبهوا له في مناقشاتكم. - 00:13:12ضَ
والسلامُ عليكُم. - 00:13:15ضَ
سلسلة رحلة اليقين - القناة الرسمية د. إياد قنيبي