كرسي المتنبي (شرح ديوان المتنبي)

كرسي المتنبي (شرح ديوان المتنبي) - حلقة (386) - أيمن العتوم

أيمن العتوم

00:45:37
الشعر

كان أبو شجاعٍ فاتِكٌ الكبير المعروف بـ (المجنون) رُوميًّا، أُخِذَ صغيرًا، وأخٌ وأُخْتٌ له من بِلادِ الرُّوم، قُربَ حِصْنٍ يُعرَفُ بذي الكِلاع، فتلعّم الخَطّ بفلسطين، وهو مِمَّن أخذه ابنُ طُغجٍ من سيّده وهو بالرّملة كُرهًا بلا ثمن، وكان ابن طُغجٍ (الإخشيدُ) هذا قد ولي الرّملة سنة 316ه من جهة الخليفة المقتدر وأقام بها حتّى سنة 318ه. فأعتقه صاحِبُه ابنُ طُغجٍ هذا، فكانَ معهم حُرًّا في عِدّة المماليك، كريمَ النّفس، حُرّ الطّبع، بعيدَ الهِمّة.
وكان في أيّام كافورٍ مُقيمًا بالفَيّوم من أعمال مصر، وهو بلدٌ كثيرُ الأمراض، لا يصحّ به جِسم، وإنّما أقامَ به أنفةً من الأَسْود، وحياءً من النّاسِ أنْ يركبَ معه. وكانَ الأَسْوَدُ يخافُه، ويُكْرِمه فَزَعًا، وفي نفسِه ما في نفسِه، فاسْتحكمتِ العِلّة في بَدَن فاتك، وأحوجَتْه إلى دُخُول مصر فَدَخَلها، ولمْ يُمكِّن أبا الطّيّبِ أنْ يَعُودَه، وفاتكٌ يسأل عنه ويُراسِلهُ بالسّلام، ثُمّ التقَيا في الصّحراء، فحملَ للوقتِ هديةً قيمتُها ألفُ دينارٍ ذهبًا، ثُمّ أتبَعها هدايا بعدَها. فقال أبو الطّيّب يمدحه في جُمادَى الآخِرة، سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثِمئة:
1.
لا خَيْلَ عِنْدَكَ تُهْدِيْهَا ولا مَالُ

فَلْيُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لَمْ تُسْعِدِ الحالُ
2.
وَاجْزِ الأَمِيْرَ الَّذِي نُعْماهُ فاجِئَةٌ

بِغَيْرِ قَوْلٍ وَنُعمَى النّاسِ أَقْوالُ
3.
فَرُبَّمَا جَزَتِ الإِحْسانَ مُولِيَهُ

خَرِيْدَةٌ مِنْ عَذَارَى الحَيِّ مِكْسَالُ
4.
وَإِنْ تَكُنْ مُحكَمَاتُ الشُّكْلِ تَمْنَعُنِي

ظُهُورَ جَرْيٍ فَلِي فِيْهِنَّ تَصْهَالُ
5.
وَمَا شَكَرْتُ لأَنَّ المَالَ فَرَّحَنِي

سِيَّانِ عِنْدِيَ إِكْثارٌ وإِقْلالُ
6.
لَكِنْ رأيتُ قَبِيْحًا أنْ يُجادِلَنا

وَأَنَّنَا بِقَضَاءِ الحَقِّ بُخَّالُ
7.
فَكُنْتَ مَنْبِتَ رَوْضِ الحَزْنِ باكَرَهُ

غَيْثٌ بِغَيْرِ سِباخِ الأرضِ هَطّالُ
8.
غَيْثٌ يُبَيِّنُ للنُّظّارِ مَوْقِعَهُ

إِنَّ الغُيُوثَ بِما تَأْتِيْهِ جُهّالُ
9.
لا يُدْرِكُ المَجْدَ إلاّ سَيِّدٌ فَطِنٌ

لِمَا يَشُقُّ على السَّادَاتِ فَعَّالُ
10.
لا وَارِثٌ جَهِلَتْ يُمْناهُ ما وَهَبَتْ

وَلا كَسُوبٌ بِغَيْرِ السَّيْفِ سَئّالُ

Download transcription
Transcriptions Hadiths Shamela