كرسي المتنبي (شرح ديوان المتنبي)

كرسي المتنبي (شرح ديوان المتنبي) - حلقة (458) - لِهَوَى النُّفُوسِ سَرِيرَةٌ لا تُعْلَمُ

أيمن العتوم

01:32:19
الشعر

وسارَ أبو الطّيّب من الرّملة يُريدُ أنطاكيّة سنة ستٍّ وثلاثين وثلاثمئة، فنزل بطرابُلُس، وبها إسحق بن إبراهيم بن كيغلغ، وكان رجلاً جاهِلاً، وكان يُجالِسُه ثلاثةٌ من بني حيدرة، وكان بين أبي الطّيّب وأبيهم عداوةٌ قديمة، فقالوا له: ما يجبُ أنْ يتجاوزك ولم يمدحْك، وإنّما يتركُ مدحَكَ استِصغارًا لك، وجعلوا يُغرونَه به، فراسَلَه إسحق وسأله أنْ يمدحه، فاحتجّ أبو الطّيّب بيمينٍ عليه: أنّه لا يمتدحُ أحدًا إلى مُدّةٍ حَدّها، فعاقَه عن سَفَرِه ينتظرُ انقِضاء تلك المُدّة، وأخذَ عليه الطُّرُقَ وضَبَطَها، وماتَ الثّلاثة الّذين كانوا يُغرونه به في مدّة أربعين يومًا، فقال أبو الطّيّب يهجوه وهو بطرابلس. قال: ولو فارقْتُه قبلَ قولِها لم أقلْها أنفةً من اللّفظ بما فيها. قال: وأملاها على من يثق به، فلمّا ذاب الثّلج وخفّ عن لبنان، خرجَ كأنّه يُسيّر فرسه، وسار إلى دمشق فأتبعه ابن كيغلغ خيلاً ورَجلاً، فأعجزهم، وظهرت القصيدة واشتُهرت، وهي قوله:
1. لِهَوَى النُّفُوسِ سَرِيرَةٌ لا تُعْلَمُ
عَرَضًا نَظَرْتُ وَخِلْتُ أَنِّي أَسْلَمُ
2. يَا أُخْتَ مُعْتَنِقِ الفَوَارِسِ فِي الوَغَى
لَأَخُوكِ ثَمَّ أَرَقُّ مِنْكِ وَأَرْحَمُ
3. يَرْنُو إِلَيْكِ مَعَ العَفَافِ وَعِنْدَهُ
أَنَّ المَجُوسَ تُصِيْبُ فِيْمَا تَحْكُمُ
4. راعَتْكِ رَائِعَةُ البَيَاضِ بِعَارِضِي
وَلَوَ انَّها الأُوْلَى لَرَاعَ الأَسْحَمُ
5. لَوْ كَانَ يُمْكِنُنِي سَفَرْتُ عَنِ الصِّبَا
فَالشَّيْبُ مِنْ قَبْلِ الأَوَانِ تَلَثُّمُ
6. وَلَقَدْ رَأَيْتُ الحَادِثاتِ فَلا أَرَى
يَقَقًا يُمِيْتُ وَلا سَوَادًا يَعْصِمُ
7. وَالهَمُّ يَخْتَرِمُ الجَسِيْمَ نَحَافَةً
وَيُشِيْبُ نَاصِيَةَ الصَّبِيِّ وَيُهْرِمُ
8. ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِي النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ
وَأَخُو الجَهَالَةِ فِي الشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ
9. وَالنَّاسُ قَدْ نَبَذُوا الحِفَاظَ فَمُطلَقٌ
يَنْسَى الَّذِي يُولَى وَعَافٍ يَنْدَمُ
10. لا يَخْدَعَنَّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ
وَارْحَمْ شَبَابَكَ مِنْ عَدُوٍّ تَرْحَمُ
11. لا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيْعُ مِنَ الأَذَى
حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
12. يُؤْذِي القَلِيْلُ مِنَ اللِّئَامِ بِطَبْعِهِ
مَنْ لا يَقِلُّ كَمَا يَقِلُّ وَيَلْؤُمُ
13. والظُلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ
ذَا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظْلِمُ

Download transcription
Transcriptions Hadiths Shamela