التفريغ
كلمات قرأتها منذ سنوات في كتاب للدكتور عماد الدين خليل. ونقلتها في هذا الكتاب واقرأها عليكم. يقول في كتابه وماذا بعد الموت الح علي السؤال وانا اشهد في مقبرة قصية خارج المدينة مواراة التراب على اربع جثث لعائلة - 00:00:00ضَ
واحدة اغتالتها يد اثيمة في منتصف ليلة سوداء واختفت عن الانظار. واذ كنت واذ كانت جثث الموتى قادمة من مدينة اخرى غير مدينتنا في صناديق اكبر حجما لم يألفها حفار قبورنا فقد اضطرهم ذلك الى - 00:00:20ضَ
بذل جهد اضافي استغرق اكثر من ساعتين لتوسيع الحفر كي تصلح لالتقام الصناديق الاربع ودخل الليل وكانت الريح المغبرة تسفي كآبة وشحوبا. انا اريدكم ان تعيشوا معي ومع الدكتور عماد الدين خليل الكاتب العراقي المعروف. اريدكم ان تعيشوا معي هذه اللحظات. ان تكونوا مكانه وتشعروا شعوره وتتنفس تلك - 00:00:40ضَ
التي تحيط به ودخل الليل وكانت الرياح المغبرة تسفي كآبة وشحوبا. وعندما غادرنا فكان مخلفين القبور الاربعة الطرية وحدها في الصحراء المطربة التفت ورائي. عبر زجاج ادركت معنا ان يبقى الانسان وحده جثة مغروزة في رمال الصحراء. والح علي السؤال ما - 00:01:10ضَ
ماذا بعد الموت؟ في هذا الموقف العاطفي يتحرك العقل يهتز الوجدان تنطلق الروح الى عوالم اخرى اكبر من الدائرة الضيقة التي يعيش فيها الانسان في مكتبه بين الكتب والمقالات الاكاديمية يناقش قضية تتعلق - 00:01:40ضَ
باصل الوجود ومآل الوجود ومعنى الحياء. والح علي السؤال ماذا بعد الموت؟ ان يسأل الانسان نفسه وهو جالس في بيته بين اهله واطفاله يأكل طعاما لذيذا او يشاهد برنامج مسليا او يستلقي مرتاحا على سريره الدافئ. او يتبادل الحوار الشيق مع اصدقائه في ناد او مقهى - 00:02:00ضَ
ومن حولهم تتمخض حركة الحياة الدائمة عن الامل والبلادة والمتعة والنسيان. ليس كمن يسأل نفسه ذاك الذي يعيش في تلك الاجواء الناعمة الرخوة السهلة المعتادة الرتيبة. ذاك عقل يفكر بمنطق - 00:02:30ضَ
يختلف عن العقل الذي يفكر. يقول ليس كمن يسأل نفسه وهو يلتفت فجأة في اعماق الظلام. الى قبر من جديد وحيد نبت قبل دقائق في قلب الصحراء وغادره اقرب اصدقائه واشد محبيه. هذا - 00:02:50ضَ
قلب هذا العقل الذي يتدبر يفكر يحس يتوهج. يهتز يتشظى. يسيل يتبخر هذا القلب الذي يتفاعل مع تلك اللحظة الحارة الشديدة. وهو ينظر الى الخلف ينظر الى جثة وراءه. مغروزة في الرمال. ترى لو ان دينا من السماء لم - 00:03:10ضَ
ينزل ودخل في عقول الناس على مدار التاريخ خرافة الملحدين والعدميين. من انه لا حياة بعد هذه الموت لا بعثا ولا حسابا ولا جزاء. وان نهاية الانسان المطلقة تجيء عندما يسكت قلبه عن الخفقان - 00:03:40ضَ
ويوارى التراب لكي ما يلبث ان يأكله الدود ويتحول بعد قليل الى تراب يستعد لاستقبال الحفلات الجديدة من التراب الذي لا يكف عن الانقطاع. لو حدث وان تحقق هذا هذا هو التصور العدمي. التصور - 00:04:00ضَ
الالحادية تصور عدمي يعدم قيمة الحياة. يعدم قيمة ما بعد الحياة. يعدم قيمة ما قبل الحياة الانسان يعيش واقعا هدريا. الحياة الكون ليس الا طاقة ومادة يسبحان بغير حكمة ولا هدف ولا مبدأ معقول. لو حدث وان تحقق هذا ماذا سيكون شعور الانسان - 00:04:20ضَ
وهو يقف في المقبرة يشهد دفن صديق او قريب. ماذا سيكون شعوره؟ وهو يلتفت بعد دقائق الى الجثة المواراة وقد خنقها التراب وتركت وحدها في الصحراء. ان اي مسلم لا - 00:04:50ضَ
بفترته وبداهته ويقينه وايمانه ان يتصور موقفا عدميا كهذا. انه بمجرد تصوره يحس بالاختناق. ويستنفر كل طاقاته النفسية للخلاص من واستنشاق الهواء الصافي النقي. انه لا يفرق ابدا بين كابوس لا يرحم يدهمه في المنام - 00:05:10ضَ
وبين احساس عدمي قاتم يمر بخاطره في المقبرة. ان هذا الجو المهيب في هذه المقبرة حيث الجثث يواريها التراب ثم يأتي عليها الليل فيخيم عليها بظلامه الشديد القاتم هذه الوحشة اذا اضفت اليها معنى ان يقتل الانسان ظلما. معنى ان تقتل عائلة ظلما - 00:05:40ضَ
هل تستطيع ان تتصور هذا المعنى العدمي؟ هذه الطاقة والمادة المضطربة التي تأتي وتذهب دون غاية كما يقول ريتشارد دوكنز في كلمته الشهيرة نحن الا لسنا الا الات لانتاج الدي ان ايه الحمض النووي. ثم لا شيء - 00:06:10ضَ
هل من الممكن ان تتصور هذا المعنى العدمي القاتم المظلم الداكن الفارغ؟ وانت في مقبرة وقد شهدت دفن جثث اربعة ابرياء. اغتالتهم يد ظالمة حمراء. هل تستطيع ان تتصور هذا المعنى؟ بقلبك باحساسك بوجدانك بعقلك الذي يراه - 00:06:30ضَ
هذا الكون العظيم يتمخض عن عدم. اكثر من هذا ان المسلم يستمد من موقف الفراق هذا ثقة اكبر بعقيدته التي منحته الامل الكبير بالبعث والنشور والحساب وبدينه الذي علمه ودائما ان الموت ليس سوى نقلة. نقلة فحسب الى دار اخرى غير هذه الدار. والى حياة - 00:07:00ضَ
الاخرى غير هذه الحياة. وهذا المعنى العظيم هو من اهم المعاني التي غفل عنها الذين تناولوا قضية الشر عندما حصروا معنى الوجود في حياة دنيا ضيقة. ثم قالوا ان الوجود لا يشف الا - 00:07:30ضَ
عن اللا معنى والعبث لكنهم لم يتفكروا لم ينظروا لم يتصوروا ان تكون هذه حياة مجرد فصل في كتاب اعظم. لو فعلوا ذلك لادركوا ان لهذه الشرور معنى وانها تقع في قصة - 00:07:50ضَ
كبرى خاتمتها العدل بافضل معانيه وارقى معانيه والرحمة في ابهى صورها يقول ويتملكه احساس عميق بالرثاء والاحتقار لكل اولئك الذين سعوا الى تزييف الحياة وبترها باعتقادهم ان الانسان يحيا مرة واحدة فحسب. ثم يأكله الدود ويلفه التراب ولا شيء. وراء ذلك - 00:08:10ضَ
وما اكثر الذين ذهبوا الى المقابر لتشييع صديق او قريب. وهم لا يملكون ايمانا ولا يقينا. واذا بنازلة الموت واذا بنازلة الموت وبمشهد حصر الميت بين جدران الحفرة الاربع واهالة التراب عليه تحرك افئدتهم - 00:08:40ضَ
الميت وتهز عقولهم الكسول وتغسل عن نفوسهم الصدئة ما علق بها من رين وغبار فيغادرون المكان هم اشد ايمانا واعمق يقينا. هذا الموقف في الحقيقة يردك الى نفسك يردك الى صورتك الاولى - 00:09:00ضَ
يردك الى المعنى الواضح الجليل الحياة. انه يبعدك عن السفسطة التي يتناولها ويغرق فيها العدم والالحاد. انه لا يحرك فيك عاطفة ساذجة. وانما يثقل نفسك ترى الدنيا على حقيقتها وترى رغبة العقل الاكيدة الشديدة. في استخراج معنى معقول من هذه الحياة - 00:09:20ضَ
المادية التي لا بد ان يكون لها معنى اكبر من طاقة سابحة ومادة عابثة. وفرق واي فرق بين انسان مؤمن يرجع من المقبرة وهو يحمل املا كبيرا وبين انسان ملحد يخنقه المشرق - 00:09:50ضَ
المحزن ويزيده كآبة وضياعا. ثم ماذا عن العدل الالهي عن العدل النهائي لقد اغتيل اربعة من الابرياء اب وام وطفلان وليس بمستبعد ان يفلت القتلة من طائلة القصاص وما قيمة الحياة؟ وما قيمة الانسان نفسه؟ لو ترك مصيره هكذا معلقا على عدل ارضي لا يملك - 00:10:10ضَ
في معظم الاحيان الاداة المضمونة لتحقيق لتحققه ونفاذه. ان الاسلام ذلك الدين القيم يمنحنا الجواب في الحالتين ولو لم يكن الدين سوى هذا الجواب لكان في ذلك وحده الدافع الاكبر الالتزامه - 00:10:40ضَ
معايشته وتعشقه والتشبث به حتى اخر لحظة من حياتنا التي يعلمنا الايمان انها لن تنقطع ولن تزول ولن يضيع حق من حقوقها بالصدفة او العبث او الفوضى. ان ايمانك يحمل معنى عظيم لو تجاوزنا كل معاني الايمان كل دلالاته الكبرى كل الحكم التي يؤول اليها كل - 00:11:00ضَ
المنافع التي نجتنيه منها لو كان الايمان فقط يعني ان يعطيك معنى لهذه الحياة. معنى لا يرتاح له قلبك وترتاح له لكان حريا بكل انسان ان يتشبث بهذا الدين وان يتعشقه ويلتزمه لانه - 00:11:30ضَ
يخرج هذا الوجود من اللا معنى الى المعنى الذي يرضاه العاقل. جربوا بانفسكم ذلك صدقه ليس في بيوتكم ونواديكم ولكن في المقابر لحظة مواراة جثة صديق او قريب التفت اليها بعد دقائق من - 00:11:50ضَ
مغادرتكم المكان وحيدة مهملة منقطعة في الصحراء. امن الممكن ان تكون هذه هي نهاية وانا اعلق هنا واقول هذه التجربة لا تحمل فقط نداء من الفطرة. انها ايضا تعبير عن مجموع - 00:12:10ضَ
المنطبعة في الذات والتي من اهمها ان الامر العظيم الهائل لا يتمخض عن عدم. جربوا بانفسكم جربوا بانفسكم ان تعيشوا هذه اللحظات بقلوب منفتحة وعقول منفتحة عيشوا لحظة الموت موت - 00:12:30ضَ
مظلوم في هذا الكون الهائل المعقد الجميل المبدع. جربوا بانفسكم هذه اللحظة لا تجربوها وراء المكان لا تجربوها وانتم سائرون في في الملاهي. جربوها وانتم في المقابر. عيشوا اللحظة وستهزكم اللحظة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته - 00:12:50ضَ