(مؤثّرات صوتيّة) - 00:00:00ضَ

السَّلامُ عليكُمْ - 00:00:20ضَ

في الحلقتينِ الماضيَتينِ بيَّنَّا أنَّ دليلَ وجودِ الخالقِ هو: كلُّ شيءٍ؛ - 00:00:21ضَ

لأنَّ وجودَ الكائناتِ وإتقانَها لا بُدَّ لهُ مِنْ خالقٍ - 00:00:26ضَ

وبيَّنَّا أنَّ هذا دليلٌ قاطعٌ لصاحبِ القلبِ والعقلِ السَّليمَيْن - 00:00:29ضَ

وذَكرْنا أنَّ نقاشَنا للشُّبُهاتِ ليسَ جُزءاً مِن الدَّليلِ، - 00:00:33ضَ

فإذا أحسَستَ بتعقيدٍ في نقاشِها، - 00:00:37ضَ

فهوَ لصُعوبةِ مَهمَّةِ تَوضيحِ الواضِحاتِ لِمَن ينُاقشُ في المُسلَّماتِ، - 00:00:40ضَ

وليسَ لأنَّ إثباتَ وُجودِ اللهِ عمليَّةٌ مُعقَّدةٌ - 00:00:44ضَ

قد يقولُ لكَ المتشَكِّكُ: أنتَ تستدِلُّ على وجودِ الخالقِ بوجودِ الكائِناتِ وإتقانِها - 00:00:48ضَ

دَعْنا قليلًا مِن إتقانِها، لماذا تَفترِضُ أنَّ وجودَ الكائِناتِ لا بُدَّ لهُ مِن مُوجِدٍ؟ - 00:00:54ضَ

هذا افتِراضٌ ليسَ عليهِ دليلٌ... - 00:00:59ضَ

صحيحٌ أنَّنا لا نَعْلم سببَ بَدْءِ الحياةِ على الأرضِ، - 00:01:01ضَ

لكِنَّ العِلْمَ قد يكشِفُ السَّبَبَ في المستقبَلِ، - 00:01:05ضَ

فَبدَلًا مِن افتراضِ وجودِ خَالقٍ -حتَّى تُريحَ نفْسَكَ مِن التَّفكيرِ- - 00:01:08ضَ

ابحَثْ عنِ السَّببِ العِلمِيِّ لبَدءِ الحياةِ - 00:01:13ضَ

نقولُ لهُ: حسنَا، سنؤَجِّلُ مَسألةَ الإتقانِ، - 00:01:17ضَ

وأنَّه لابُدَّ لهذا النِّظامِ الدَّقيقِ مِن فاعلٍ عليمٍ، قادِرٍ، حَكيمٍ - 00:01:20ضَ

سَنُناقشُ معكَ مَسألةَ الإيجادِ... - 00:01:25ضَ

قالَ اللهُ تعَالى.. - 00:01:27ضَ

"لا، ليست حُجَّة، لا تَحتجَّ عليَّ بِـ(قالَ اللهُ) وأنا لا أُقرُّ لكَ بوجودِ اللهِ أصلًا!" - 00:01:29ضَ

أنا أَحتجُّ عليكَ بالحُجَّةِ الموجودَةِ في داخلِ قولِ اللهِ - 00:01:34ضَ

أعلَمُ أنَّكَ لنْ تُقِرَّ بعِبارةِ (قالَ اللهُ)، دعْ هذهِ العبارةَ لي أنا، - 00:01:38ضَ

وناقِشني بالدَّليلِ العقليِّ الموجودِ فيمَا أعتَقدُ -أنَا- أنَّهُ قولُ اللهِ، - 00:01:43ضَ

اتَّفقنا؟ - 00:01:48ضَ

"اتَّفقنا" - 00:01:49ضَ

قالَ اللهُ تعالى: - 00:01:51ضَ

﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) - 00:01:52ضَ

أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ﴾ [القرآن 52: 36،35] - 00:01:55ضَ

"أَمْ خُلِقُوا": أنتَ أيُّها الإنسانُ مَا الَّذي خَلقَكَ؟ أيْ: مَا الَّذي أَوجدَكَ بعدَ أنْ لمْ تَكُنْ؟ - 00:01:59ضَ

مَا الاحتِمالاتُ المطرُوحَةُ؟ - 00:02:05ضَ

1- أنْ يكونَ العَدَمُ (اللَّاشيءُ) هوَ الَّذي أَوْجدَكَ - 00:02:06ضَ

2- أنْ تكونَ أنتَ أَوْجدْتَ نَفْسَكَ - 00:02:10ضَ

3- أنْ يكونَ هُناكَ مَن أَوجدَكَ - 00:02:15ضَ

القِسمانِ الأَوَّلانِ واضِحَا البُطلانِ؛ - 00:02:19ضَ

فالعَدَمُ لا يُوجِدُ شَيئاً - 00:02:22ضَ

وأنتَ -أيُّها الإنسانُ- بعدَ أنْ تُوجَدَ - 00:02:24ضَ

لا تَستطيعُ أنْ تزِيدَ في بَقائِكَ يومًا واحِدًا ولا تمنعَ هَرَمَ نَفْسِكَ ومَوتَها، - 00:02:27ضَ

هذا وأنتَ مُكتَمِلُ الجسمِ والعَقلِ؛ فكيفَ تُوجِدُ نَفْسكَ مِن عَدمٍ ابتداءً؟ - 00:02:32ضَ

فَبقِي الخِيارُ الثَّالثُ: - 00:02:38ضَ

أنَّكَ أُوجِدتَ بِسببٍ خَارجٍ عَنكَ - 00:02:39ضَ

ستقولُ: "أنَا أُوجِدتُ مِن مَنيِّ أَبي وبُويْضةِ أُمِّي" - 00:02:43ضَ

حسنٌ - 00:02:46ضَ

هذا السَّببُ بِدَورِهِ مَا الَّذي أَوجدَهُ؟ - 00:02:47ضَ

سَتقولُ: "أنتَ سَتنتَهِي إِلى آدمَ الَّذي خَلقَهُ اللهُ، وأَنا سَأقولُ لكَ: بَلْ خليَّةٌ تَطوَّرَتْ ولنْ نتَّفقَ..." - 00:02:50ضَ

لا لا لا! لا، اِنتظِرْ - 00:02:57ضَ

أيًّا كانَ تفسيرُ نَشْأةِ الجِنسِ البَشرِيِّ، - 00:02:59ضَ

في النِّهايةِ لا بُدَّ للسِّلسِلةِ أنْ تقِفَ عندَ حدٍّ مُعيَّنٍ - 00:03:02ضَ

حتَّى لَو اختَلَفنَا على هَذا الحَدِّ المعيَّنِ مَا هوَ - 00:03:06ضَ

لكنْ لا بُدَّ مِن وُجودِ هذا الحَدِّ: (نُقطَةِ البِدايةِ) - 00:03:09ضَ

لا يُمكنُ للأسبابِ أنْ تتَسلسَلَ إلى مَا لا بِدايةَ؛ هذا مُستَحيلٌ - 00:03:13ضَ

لماذا التّسلسُلُ إلى مَا لا بِدايةَ مُستَحيلٌ؟ أنَا لا أُسلِّمُ لكُم بِهذا الكلامِ - 00:03:17ضَ

هذهِ مُشكِلَتُكمْ: أنَّكمْ لا تُسلِّمونَ بِبدَهيَّاتٍ عقليَّةٍ لا تحتاجُ إِثباتًا - 00:03:22ضَ

التَّسلسُلُ مُستَحيلٌ لأنَّهُ يعنِي ألَّا يَحدُثَ شَيءٌ في النِّهايةِ - 00:03:27ضَ

كيفَ؟ - 00:03:31ضَ

لماذا التَّسلسُلُ يؤدِّي إلى أنْ لا يَحدُثَ شيءٌ؟ - 00:03:31ضَ

سأُعطيكَ مثالًا - 00:03:35ضَ

يُوضِّحُ لكَ لماذا: - 00:03:37ضَ

تصوَّرْ أنَّ لدَينا أسيرًا حُكِم بالإفراجِ عَنهُ - 00:03:39ضَ

فقالَ الجُندِيُّ الَّذي يحرُسُ هذا الأسيرَ: لنْ أُطلِقَ سَراحَهُ حتَّى يأمُرَني قائِدي - 00:03:42ضَ

وقالَ قائِدُهُ: لا يُمكنُ أنْ آمُرَ بذلكَ حتَّى يأمُرَنِي قائِدِي - 00:03:47ضَ

وقالَ قائِدُ القائِدِ مِثلَ ذلكَ... إِلى مَا لا بدايةَ، - 00:03:51ضَ

فإنَّهُ لا يُمكِنُ أنْ يُطلَقَ سَراحُ هذا الأسيرِ، - 00:03:55ضَ

فإذا وَجَدْناهُ قَد أُطلِقَ سَراحُهُ بالفِعلِ، - 00:03:58ضَ

فإنَّا نعلَمُ يقِينًا أنَّ السِّلسِلةَ وقفَتْ عندَ حَدٍّ مُعيَّنٍ؛ - 00:04:01ضَ

عندَ مَنْ أمرَ بإطلاقِ سَراحِهِ دونَ أنْ ينتظِرَ مِن غَيرهِ أمرًا بذلكَ - 00:04:05ضَ

إذا رأيتَ أحجارَ (دومِينُو) تتَهاوَى أمَامَكَ تِباعًا، - 00:04:12ضَ

وتعلمُ أنَّ كلَّ حَجرٍ لا يَسقُطُ حتَّى يسقُطَ الَّذي قَبلَهُ، - 00:04:15ضَ

فإنَّكَ تَعلمُ يَقينًا أنَّ هناكَ مَن حرَّكَ الحَجَرَ الأوَّلَ - 00:04:19ضَ

ولا يمكنُكَ أنْ تقولَ: إنَّهُ ليسَ لبَدءِ تَهاوِيها بدايةٌ - 00:04:23ضَ

ومثله تمامًا في حالتنا؛ - 00:04:27ضَ

إنْ كانَتِ الكائِناتُ لا تُوجَدُ إلَّا بشيءٍ قَبلَهَا وهكَذا إلى مَا لا بِدايةَ، فَلنْ تُوجَدَ أصلًا - 00:04:29ضَ

لكنَّ الكَائناتِ موجودةٌ - 00:04:36ضَ

فدَلَّ ذلكَ على أنَّ سِلسلةَ الأسبابِ انقطعتْ؛ وقَفَتْ عندَ سَببٍ أوَّلَ ليسَ هناكَ سببٌ قبلَهُ لوجودِهِ - 00:04:38ضَ

هذا السَّببُ الأوَّلُ، - 00:04:47ضَ

إمَّا أنْ يكونَ وجودُهُ مَسبوقًا بالعدَمِ، وإمَّا ألَّا يكونَ مَسبوقًا بالعدَمِ - 00:04:48ضَ

فإنْ كانَ مَسبوقًا بالعدَمِ، - 00:04:53ضَ

فسَيحتاجُ إلى سببٍ يُخرِجُهُ مِن العدَمِ إلى الوجُودِ، وقد أثبتْنَا أنَّهُ ليسَ لهُ سببٌ قبلَهُ - 00:04:56ضَ

يَبقَى أنَّ هذَا السَّببَ ليسَ مَسبوقًا بالعدَمِ - 00:05:04ضَ

بلْ أزَليٌّ: لا بِدايةَ لهُ، - 00:05:06ضَ

ذاتيٌّ: مَوجودٌ بنفسِهِ لا يَحتاجُ إلى غيرِهِ ليوجِدَهُ - 00:05:09ضَ

تعالَ نعودُ إلى الآياتِ: - 00:05:13ضَ

﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) - 00:05:14ضَ

أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ﴾ [القرآن 52: 36،35] - 00:05:18ضَ

مَا يَنطَبِقُ عليكَ أيُّها الإنسانُ يَنطَبِقُ على السَّماواتِ والأرضِ؛ - 00:05:22ضَ

ليسَ الجِنسُ البَشَريُّ هو مَن أوجَدَ السَّماواتِ والأرضَ بعدَ عدَمِها، - 00:05:25ضَ

ولا هيَ أوجَدَتْ نفسَها، ولا أوجَدهَا العدَمُ؛ - 00:05:30ضَ

فلا بُدَّ لها مِن خالقٍ - 00:05:34ضَ

سيقولُ المُتشَكِّكُ: حسنًا، حتَّى لو سَلَّمنا لكَ أنَّهُ لا بُدَّ مِن سببٍ -سَمِّهِ السَّببَ الأوَّلَ مثلًا- - 00:05:36ضَ

لماذا تُسمُّونَهُ (اللهَ) وتدَّعونَ لهُ صِفاتٍ كَثيرةً؟ - 00:05:42ضَ

الجوابُ: لأنَّ مَا أثبتْنَاهُ بالنِّقاشِ السَّابقِ ليسَ أنَّ هناكَ سببًا أوَّلًا فحسبُ؛ - 00:05:47ضَ

بل إيجادُ هذا السَّببِ للخَلقِ يدلُّ على أنَّهُ مُتَّصِفٌ بالقُدرةِ، والحياةِ، والإرادةِ؛ - 00:05:53ضَ

فلولا أنَّهُ حيٌّ لمَا وهبَ الحياةَ للمخلوقاتِ، ففاقِدُ الشَّيءِ لا يعطِيهِ - 00:05:59ضَ

وبإرادَتهِ أرادَ أنْ يُوجِدَ الخلقَ، وبقُدرَتهِ أنْفَذَ إرادَتَهُ - 00:06:03ضَ

وعِندما نأتي لِبيانِ إتقانِهِ لِخَلْقِهِ وتفاصيلِ هذا الخَلقِ، - 00:06:09ضَ

فَسنرى أنَّها تدلُّ على صِفاتٍ أُخرى أيضًا: - 00:06:13ضَ

كالرُّبوبيَّةِ، والعِلْمِ، والحِكمةِ، والرَّحمةِ والعَظَمةِ، والقَيُّوميَّةِ وغيرِها... - 00:06:16ضَ

ببساطةٍ، هذا الخَالقُ -بهذهِ الصِّفاتِ- هو المُسمَّى في المَنظومةِ الإسلاميَّةِ بـ(اللهِ) - 00:06:21ضَ

لذلكَ فالإيمانُ بوجودِ اللهِ ليسَ مجرَّدَ قضيَّةٍ عاطِفيَّةٍ تسليميَّةٍ؛ - 00:06:28ضَ

بل قضيَّةٌ بُرهانيَّةٌ، استِدلاليَّةٌ، عَقليَّةٌ - 00:06:33ضَ

بالإضافةِ إلى أنَّهُ قضيَّةٌ فِطريَّةٌ -كما بيَّنَّا في سلسلةِ (الأدلَّةِ الفِطريَّةِ على وجودِ اللهِ)- - 00:06:37ضَ

إيمانُنا بوجودِ اللهِ مُنطلِقٌ مِنَ استخلاصِ العِلمِ اليقينيِّ مِنَ المقدِّماتِ الضَّروريَّةِ - 00:06:42ضَ

فإنَّنا لا نقولُ: نحنُ لا نعلَمُ مَن أحدثَ الكونَ، فنفترضُ وجودَ اللهَ لحلِّ ذلكَ، لا؛ - 00:06:48ضَ

وإنَّما نقولُ: - 00:06:54ضَ

إنَّ الاستِدلالَ العَقليَّ الضَّروريَّ يَدُلُّ على أنَّ الكونَ لا بُدَّ لهُ مِن خالقٍ أزَليٍّ - 00:06:56ضَ

ليسَ لهُ خالقٌ، وعلى بعضِ صِفاتِ هذا الخَالقِ أيضًا - 00:07:01ضَ

ونحنُ لا نقولُ: - 00:07:06ضَ

إنَّا وَجدنا السِّلسلةَ في الأسبابِ تَستمرُّ إلى ما لا بِداية فرغِبْنا في وضعِ حدٍّ لها، - 00:07:07ضَ

فافترَضنا وجودَ اللهِ تكاسُلًا مِنَّا عنِ التَّفكيرِ... - 00:07:13ضَ

لا؛ وإنَّما يقومُ استِدلالُنا على استِحالةِ التَّسلسُلِ في الأسبابِ إلى ما لا بِدايةٍ - 00:07:19ضَ

لأنَّ نتيجَتَهُ الضَّروريَّةَ: انعدامُ الوجودِ أصلًا، وهو خِلافُ الحِسِّ والعقلِ - 00:07:23ضَ

وعندما يقولُ الملحدُ: العِلمُ قدْ يكشِفُ مُستقبَلًا سببَ الحياةِ، - 00:07:28ضَ

فإنَّنا نقولُ: مهما اكتشفَ العِلمُ فإنَّهُ لنْ يكشِفَ أنَّ العدمَ أوجَدَ الحياةَ، - 00:07:33ضَ

أو أنَّ الحياةَ أوجَدتْ نَفْسها، - 00:07:39ضَ

أو أنَّ سببَ الحياةِ مُتسلسِلٌ إلى ما لا بِدايةَ - 00:07:41ضَ

لا يكشِفُ العِلمُ عمَّا يُناقضُ هذهِ البَدهيَّاتِ العقليَّةَ؛ - 00:07:45ضَ

لأنَّ نقضَ البَدهيَّاتِ العقليَّةِ يؤدِّي -أصلًا- إلى إلغاءِ العِلمِ التَّجريبيِّ - 00:07:49ضَ

-كما بيَّنا في الحلقةِ الخامسةِ- - 00:07:53ضَ

في الحلقةِ القادِمةِ سنُجيبُ عن سؤالِ: حسناً، إنْ كانَ اللهُ خَلَقَ الخَلقَ، فمَن خَلقَ اللهَ؟ - 00:07:55ضَ

والسَّلامُ عليكُم ورحمَةُ اللهِ - 00:08:02ضَ

(مؤثرات صوتية) - 00:08:03ضَ