السَّلام عليكم - 00:00:06
نَعُود إليكم يا كِرام لِنَسير في رحلة اليقين. - 00:00:07
المحطَّة الرَئيسَة التَّالية هي مناقشة أصلُ الإنسان: - 00:00:10
تَطَوُّر، أمْ تَطوير، أمْ خلقٌ مباشر؟ - 00:00:14
قبْل الوُصول إلى هذه المحطَّة، - 00:00:18
سنعرض لكم حلقاتٍ تُلخِّص بعض المفاهيم المُهمَّة، - 00:00:20
نافعة للمتابعين من البداية، - 00:00:24
وللمُنضمِّين الجُدُد لرحلة اليقين. - 00:00:26
تُعينك على فهمٍ معمَّقٍ للعلاقة - 00:00:30
بين العِلْم، والعلم التجريبي، والإيمان، والغيب، - 00:00:33
وتُجِيب عن استفساراتٍ مُؤرِّقةً للكثيرين - 00:00:36
سننشر هذه الحلقات المركَّزة بشكلٍ مُتَتابع، - 00:00:40
ثم نطبِّقها على أصل الإنسان كدراسة حالة (case study) - 00:00:44
بإذن الله - 00:00:48
حلقة اليوم هي مناقشةٌ لمقولةٍ شائعة، - 00:00:49
خلاصتها: (لا تخلطوا الإيمان بالعلم التجريبي) - 00:00:53
فالإيمان يَقُوم على قناعاتٍ غيبيَّة؛ - 00:00:57
بينما العلم التجريبي يقوم على علومٍ مادِّيَّة. - 00:01:00
دعونا نناقش هذه العبارات. - 00:01:04
هل بالفعل العلم التجريبي مادِّي، ويجب عدم خلطه بالإيمان؟ - 00:01:07
إذن نحن في حلقة اليوم نحاول أن نرسم - 00:01:12
العلاقة بين الإيمان بالخالقيَّة، والمادِّيَّة، والعلم التجريبي. - 00:01:15
دعونا بدايةً نُعرِّف مصطلحات. - 00:01:20
الإيمان بالخالقيّة: هو الإيمان بأنَّ هناك خالقًا خَلَق الكون والحياة. - 00:01:23
المادِّيَّة: تعني استثناء الغيب - 00:01:29
-أيَّ شيءٍ خارج إطار المادَّة-، - 00:01:31
استثناؤه تمامًا من تفسير الكون والحياة، بما في ذلك استثناء وجود خالق للكون والحياة. - 00:01:33
والعلم التجريبي يعني العِلم التَّجريبي الرَّصدي؛ - 00:01:41
لا أختصره بالعِلم - 00:01:44
لأنَّنا سنبرهن على أنَّ العلم التجريبي ليس الشَّكل الوحيد للعِلم، - 00:01:45
فالعِلم أعم والعلم التجريبي شكلٌ من أشكاله. - 00:01:50
العلم التجريبي يشمل الاختراعات والاكتشافات النَّافعة للإنسان - 00:01:53
في الصحَّة، والاتصالات، والنقل، والعمران، وغير ذلك. - 00:01:57
تعالوا نر على ماذا يعتمد العلم التجريبي، - 00:02:02
ثُمَّ نر هل هذه الأشياء التي يَعتمِد عليها - 00:02:04
موجودة في منهج الإيمان بالخالقيَّة، أم في المادِّيَّة؟ - 00:02:07
لنحكم على العبارات التي ذكرناها. - 00:02:12
أوَّلًا: لا شكَّ أن العلم التجريبي يعتمد على العقل - 00:02:15
العقل الذي يحلِّل المعلومات، يستنتج، يتوقَّع، يربط، يصوغ الفَرَضيَّات، - 00:02:19
يحكم على أشياء بالصِحَّة والبطلان. - 00:02:26
ثانيًا: العلم التجريبي يعتمد على مُسَلَّمات، بَدَهِيَّات: - 00:02:28
أمور لا يختلف عليها العقلاء. - 00:02:32
هذه البَدَهِيَّات ينطلق منها العقل في الرَّبط، والتَّوقع، والاستنتاج؛ - 00:02:35
ولذلك تُسَمَّى الضَّرورات العقليَّة أو الأوَّليَّات العقلية. - 00:02:40
مِثْل ماذا؟ - 00:02:45
مثل مبدأ السببيَّة: أنَّ كلَّ شيءٍ حادث له سبب. - 00:02:46
يعني كلُّ شيءٍ وُجِدَ بعد أن لم يكن موجودًا لا بد أن يكون له سبب. - 00:02:50
كلَّما رأيت في العلم التجريبي كلمة (لماذا؟)، فأنت تبحث عن السَّبب. - 00:02:57
يعني (ما السَّبب لحصول كذا وكذا؟) - 00:03:02
كلَّما رأيت كلمة آليَّة (mechanism)؛ - 00:03:05
فهي وصفٌ للسَّبب. - 00:03:07
في علم الأدوية مثلًا -والذي هو مجالي الأصلي- - 00:03:09
ما هي استخدامات دواءٍ معيَّن؟ - 00:03:12
نعرفها إذا وجدنا أنَّ هذا الدواء كان سببًا للشفاء - 00:03:14
في هذه الاستخدامات والأمراض. - 00:03:18
حسنًا، كيف يعمل هذا الدواء؟ - 00:03:21
ما هي الآليَّة لعمله الـ(mechanism)؟ - 00:03:23
هنا نبحث كيف تسبَّب هذا الدواء في الشفاء؟ - 00:03:26
لماذا تَحْدث الأعراض الجانبيَّة الفلانيَّة من هذا الدواء؟ - 00:03:30
نبحث عن السَّبب لنتجنَّب هذه الأعراض. - 00:03:33
لماذا تتداخل هذه الأدوية مع أدويةٍ أخرى (interactions)؟ - 00:03:36
نبحث عن الآليَّة -أي السَّبب- لهذا التداخل. - 00:03:40
العلوم في مجملها بحثٌ عن علاقاتٍ سببيَّة، - 00:03:44
ونحن ننطلق من قناعةٍ مسبقة، بَدَهِيَّة، مُسَلَّمة، - 00:03:48
أنّه لا بدَّ لكلِّ شيءٍ حادث في هذا الكون من سبب. - 00:03:53
ونضحك إذا قِيلَ لنا في الجواب عن أيٍّ من هذه الأسئلة: - 00:03:59
"هكذا حصل بلا سبب". - 00:04:03
بل نوقن أنَّ هناك سببًا ونسعى في اكتشافه. - 00:04:05
ثالثًا: العلم التجريبي يعتمد على تراكُم المعرفة؛ - 00:04:09
أي على ما يُخبِر به الباحثون قبلنا - 00:04:12
من نتائج أبحاثهم واكتشافاتهم. - 00:04:15
لا يمكن لأي باحثٍ أن يعيد كل شيءٍ من البداية تمامًا - 00:04:18
(from the scratch). - 00:04:23
ليس عليه أن يعيد اكتشاف ما تَمَّ اكتشافه، - 00:04:24
بل يبني على إخبار الباحثين السابقين عن نتائجهم، - 00:04:27
مع مراعاة آليات التأكد من مدى موثوقية هذه الأخبار - 00:04:31
-يعني هذه النتائج- - 00:04:36
وأنها (reproducible)، أي قابلةٌ للإنتاج مرةً أخرى. - 00:04:38
أيُّ بحثٍ علمي جديد فإنه يقوم بخطوة مراجعة ما تم نشره (literature review) - 00:04:42
لِيُبيِّن أين وصل العلم التجريبي؛ - 00:04:48
ما الذي أَخْبر به الباحثون السابقون؟ - 00:04:50
فيبني عليه ويستفيد منه. - 00:04:53
ثم قد يُبيِّن ما هي المعلومات الناقصة التي لم يجربها أو يبحث فيها الآخرون - 00:04:55
ليجربها هذا البحث الجديد ويضيف إلى البناء المعرفي. - 00:05:01
رابعًا: العلم التجريبي يعتمد على الحِسّ، - 00:05:05
والذي يُدخِل مدخلات إلى هذه المنظومة المعرفيَّة. - 00:05:08
الحِسّ قد يرصد الأشياء وقد يرصد آثارها، - 00:05:11
فمِن تفاعل الحِسِّ مع العقل والبَدَهيِّات، - 00:05:16
يستنتج الإنسان وجود هذه الأشياء من آثارها، وإن لم تكن مرصودة بذاتها. - 00:05:19
سؤال يا كرام: حتى الآن، هل هناك عاقلٌ يخالف فيما ذكرناه؟ - 00:05:25
هل هناك عاقل يُنكر اعتماد العلم التجريبي على هذه الأشياء الأربعة؟ - 00:05:31
إذن دعونا نسميها مصادر العلم التجريبي: - 00:05:36
العقل، والمُسلَّمات البَدَهيَّة مثل أن لكل شيءٍ حادث في الكون سببا، - 00:05:39
والخبر: يعني الأبحاث السابقة، - 00:05:46
والحِسّ والذي يشمل رصد الأشياء أو رصد آثارها. - 00:05:49
العلم التجريبي ينتج عن تفاعل هذه العناصر الأربعة. - 00:05:53
أهذه المصادر الأربعة التي يعتمد عليها العلم التجريبي - 00:05:57
موجودةٌ يا تُرى لدى منهج الإيمان بالخالقيَّة أم لدى المادِّيَّة؟ - 00:06:01
تعالوا نر. - 00:06:06
أولًا: بالنسبة للعقل، - 00:06:07
الإيمان بالخالقية يعني الإيمان بأنَّ الكون والحياة والإنسان - 00:06:09
مخلوقاتٌ من خالقٍ كامل الصفات، - 00:06:14
أوجدها عن علمٍ وحكمة، - 00:06:17
وأعطى الإنسان عقلًا موثوقًا مهيَّئًا لاكتشاف الحقائق، - 00:06:19
وبالتالي يمكن الاعتماد على هذا العقل في التحليل، والاستنتاج، - 00:06:23
والحكم على الأشياء أنَّها صحيحة أو خاطئة، - 00:06:28
فيمكن استخدامه في إنتاج العلم التجريبي. - 00:06:32
في المقابل، المادِّيَّة ترفض هذه المقدِّمة - 00:06:35
(أنَّ الكون والحياة والإنسان هي مخلوقاتٌ لخالق)، - 00:06:39
وتفترض المادِّيَّة بديلًا عن ذلك أنَّها نتيجة الصُّدفة. - 00:06:42
كما في هذه الورقة مثلًا عن تاريخ العلم التجريبي الغربي، - 00:06:47
والتي تضع عنوان: افتراضات العلم الغربي عبر تطوره التاريخي، - 00:06:50
ثم تذكر من هذه الافتراضات أن العالَم المادِّي - 00:06:56
متجمِّعٌ بالصُّدفة من أصغر وحدةٍ فيزيائيَّةٍ فيه إلى أكبر التركيبات والعلاقات. - 00:06:59
إذن فحسب المادِّيَّة، الدماغ وأدوات الإدراك جاءت بالصُّدفة - 00:07:07
وبالتَّالي فالعقل جاء بالصُّدفة - 00:07:12
دون قصدٍ من أحد. - 00:07:15
حسنًا كيف أثق بعقلٍ جاء بالصُّدفة أن يدلَّني على الحقائق؟ - 00:07:16
كيف أثق باستنتاجاته وتحليلاته وفهمه - 00:07:23
إذا كان جاء بالصُّدفة ولم يُهَيَّأ أصلًا لاكتشاف حقائق الأشياء؟ - 00:07:27
بل ليس مُصمَّمًا، ولا مخلوقًا بقصدٍ أصلًا! - 00:07:32
هذا السُّؤال وحده كافٍ في إثبات القطيعة التامَّة بين المادِّيَّة والعلم التجريبي. - 00:07:37
واسمحوا لي أن أركِّز على هذه النُّقطة - 00:07:44
لأنَّها كافيةٌ في بيان تفاهة المادِّيَّة. - 00:07:47
بدايةً: قد تُفاجأُ إذا علمتَ أنَّ داروين "Darwin" نفسه - 00:07:50
طعن في مصداقية العقل، - 00:07:54
حيث قال في مراسلاته مع ويليام غراهام "William Graham": - 00:07:56
"ينتابني دائمًا شكٌّ فظيع حول ما إذا كانت قناعات عقل الإنسان، - 00:07:59
والذي بدوره تطوَّر من عقول حيوانات أدنى، تتمتَّع بأيَّة قيمة أو تستحقُّ أدنى ثقة." - 00:08:05
وستجد مثل كلامه هذا في ملحق كتابه - 00:08:15
(أصل الأنواع طبعة Ontario: Broadview) - 00:08:18
حيث يصف عقل الإنسان بأنَّه تَطوَّر عن عقلٍ كعقل أدنى حيوان وعليه يُشكِّك في مصداقيته. - 00:08:21
طبعًا عندما تسمع هذا الكلام لداروين، ستتصوَّر أنَّه كان صادقًا مع نفسه، - 00:08:29
يُبدِي حيرته هذه أمام الناس في سبيل الوصول إلى الحقّ. - 00:08:34
في الواقع، دارون كان يقول هذه العبارات - 00:08:39
على سبيل إنكار أن يكون للكون والحياة خالق. - 00:08:41
يقول: "الإنسان إذا نظر إلى الكون والكائنات الحيَّة فلا يمكن لعقله - 00:08:46
إلا أن يُقِرَّ بأنَّه لا بُدَّ لها من خالق، - 00:08:50
وأنَّه يستحيل عقلًا أن تأتي هذه كلها بالصُّدفة. - 00:08:53
لكن، لماذا نُصدِّق عقولنا وقد تطورت بالصُّدفة عن عقول كائناتٍ أدنى؟". - 00:08:56
حسنًا يا داروين، لماذا تشكِّك في صدق العقل عندما يدلُّك على وجود الخالق فقط؟ - 00:09:03
لماذا لا تشكِّك في عقلك عندما جاء بسيناريوهاتك - 00:09:09
عن التطوُّر الصُّدفي الأعمى؟ - 00:09:13
إذا كان عقلك غير موثوق فلا تصدقه في أي شيء. - 00:09:15
ليس لك أن تصدِّقه في شيءٍ وتكذِّبه في آخر. - 00:09:19
قد يقول قائل: يا أخي ما لي وما لداروين ومقولات داروين القديمة. - 00:09:23
مر على وفاة دارون حوالي قرن ونصف. - 00:09:27
حسنًا ماذا إذا علمت أنَّ كثيرًا من كبار المادِّيِّين بعده نَصُّوا على نفس النتيجة، - 00:09:30
أن العقل لا يمكن تصديقه والوثوق به لمعرفة الحقيقة. - 00:09:36
وسآتي لكم بمقاطع موثَّقة - 00:09:42
من محاضرة الدكتور سامي العامري - 00:09:44
(الداروينية حجةٌ للإلحاد أم حجةٌ عليه؟). - 00:09:46
[هل تعرف فرانسيس كريك (Francis Crick)؟ - 00:09:50
البيولوجي الشهير جدًّا، والملحد الشهير جدًّا، - 00:09:52
وهو حاصل على جائزة نوبل. - 00:09:55
هذا رجل من أشدِّ الملاحدة تطرُّفًا. - 00:09:57
يقول في كتابه (The Astonishing Hypothesis) - 00:10:02
يقول بالحرف الواحد: - 00:10:05
"لم تتطوَّر أدمغتنا المتقدِّمة للغاية تحت ضغط اكتشاف الحقائق العلمية - 00:10:07
ولكن فقط لتمكيننا من أن نكون أذكياء بما يكفي للبقاء على قيد الحياة".] - 00:10:12
تعالوا نر كلام علماء من رؤوس الماديين لا زالوا أحياء. - 00:10:18
يقول الفيلسوف جون غري "John Gray" - 00:10:24
بهذه العبارة: "إذا كانت نظرية دارون - 00:10:28
في الانتقاء الطبيعي صحيحةً، - 00:10:32
فإنَّ العقل البشري يخدم النجاح التطوري، وليس الحقيقة." - 00:10:33
وكذلك عالم النفس الملحد ستيفن بينكر "Steven Pinker" في كتابه - 00:10:39
(كيف يعمل العقل). - 00:10:43
يقول: "أدمغتنا شُكِّلت للمُلاءمة - 00:10:45
-يعني على مبدأ البقاء للأصلح أو الأكثر ملاءمةً للطبيعة- "وليس للحقيقة. - 00:10:48
أدمغتنا شُكِّلت للملاءمة وليس للحقيقة، - 00:10:52
(not for truth) - 00:10:56
أحيانًا تكون الحقيقة تكيُّفيَّة، ولكن أحيانًا أخرى لا تكون كذلك." - 00:10:58
يعني أثناء تطوُّرنا عن كائناتٍ أدنى، - 00:11:03
تطوَّرت عقولنا بما يكشف الحقيقة أحيانًا - 00:11:06
ويساعد على البقاء. - 00:11:09
وأحيانًا أخرى، نشأت لدينا أوهام ساعدتنا على التكيُّف مع الطبيعة. - 00:11:11
أوهام مخالفة للحقيقة، لكنها بقيت لدينا في عقولنا لأنها حقَّقت لنا البقاء. - 00:11:16
وهو ما يؤكده أيضًا دوكينز في جلسته مع كراوس "Krauss" - 00:11:23
وهما يحاولان إقناع الناس بأنَّ الكون أوجد نفسه بنفسه من لاشيء. - 00:11:27
طبعا البداهة العقلية جاءت مما كان ضروريا لبقائنا في أفريقيا. - 00:11:32
كان عليهم أن يعيشوا، أن يعرفوا كيف يصطادون جواميس البافلو، كيف يجدون نبع ماء - 00:11:40
كيف يتسلفون شجرة عندما يهاجمهم أسد أو ما شابه - 00:11:45
وبالتالي فالانتخاب الطبيغي لم يشكل عقولنا أبدا لنفهم نظرية الكم أو النظرية النسبية - 00:11:49
إنه حقيقة لإنجاز مدهش للعقل البشري أن يكون بعض البشر على الأقل قادرين على الفهم - 00:12:00
إذًا ببساطة يريد دوكينز أن يقول لك: - 00:12:09
إذا رأيت كلامنا عن كونٍ أوجد نفسه بنفسه - 00:12:11
وما شابه مُصادمًا لعقلك، فهذا لأنَّ عقلك تطوَّر فقط بالمقدار الذي يسمح لك بالبقاء - 00:12:15
كباقي البهائم، لا لِيدركَ الحقائق. - 00:12:22
فعليك أن تثق بمن تطوَّر عقلهم أكثر بدرجةٍ سمحت لهم أن يفهموا - 00:12:25
ما لم تفهمه أنت من نظريات، - 00:12:29
وبالتالي يستنتجوا عن الكون والحياة ما تظنُّه أنت جنونًا أو مصادمًا للعقل. - 00:12:31
سُئل أحد المروجين للإلحاد مات ديلاهنتي "Matt Dillahunty"، - 00:12:37
كيف تستطيع أن تثق بعقلك وأنت تؤمن أنه جاء صدفة بلا تصميم؟ - 00:12:41
هل تثق بعقلك لمجرد أن هذا العقل الذي جاء بالصُّدفة أخبرك أن تثق به؟ - 00:12:48
انظر إلى التخبُّط والتهرُّب في جواب هذا الملحد والذي سنضعه لكم في التعليقات. - 00:12:55
قد يقول أحد المادِّيِّين يا أخي ما لي وما لهؤلاء كلّهم لست ملزما بكلامهم ولا يمثُّلني، - 00:13:00
أنا مادِّي ومع ذلك أحترم العقل وأثق به. - 00:13:06
آها. - 00:13:10
نحن نأتي بكلام هؤلاء لأنَّهم يصرِّحون بما ينتج حتمًا عن المادِّيَّة، واستثناء وجود خالقٍ - 00:13:11
خَلقَ العقل عن حكمة. - 00:13:17
هذا ما ستؤدِّي إليه المادِّيَّة حتمًا، - 00:13:19
فهؤلاء المادِّيُّون ببساطة حاولوا الانسجام - 00:13:22
مع أسسهم المادِّيَّة فخرجوا بهذه النتائج الملغية للعقل. - 00:13:26
أنت عندما تقول أنا ماديّ ومع ذلك أثق بالعقل، أثق بعقلي ولا أقبل كلام هؤلاء، - 00:13:31
فأنت ببساطة تتنكَّر لمادِّيَّتك ولا تنسجم معها. - 00:13:37
ثقتك بعقلك ليس لها أي أساس، اضطررتَ أن تسرق ثقتك هذه من منهج الإيمان بالخالقية. - 00:13:42
فالذي يقول أنه مادِّي هو أمام أحد خيارين: - 00:13:50
إما أن يلتزم بأسسه المادِّيَّة وبالتالي يصل لنفس النتيجة التي وصلها هؤلاء، - 00:13:54
أنه لا قيمة لعقله، - 00:14:01
وإما أن يتنكر لمادِّيَّته حتى يستطيع أن يستخدم عقله ويثق به. - 00:14:02
أنتم يا إخواني متصورين ما معنى هذا الكلام؟ - 00:14:08
متصوِّرين كمِ الطرح المادِّي بائس ومنهار من أساسه؟ - 00:14:11
يعني حينما يبدأ أحد معك بمقدمة أنه: - 00:14:15
استثن لي وجود خالق ونحن نتكلم في االعلم التجريبي، - 00:14:18
فقل له: على أيِّ أساسٍ ستناقشني؟ - 00:14:21
سيقول: العقل. - 00:14:24
قل له: كيف جاء هذا العقل؟ ما دام لا خالق عنده - 00:14:26
سيقول: بالصُّدف، والطَّفرات العشوائيَّة، والانتخاب الأعمى. - 00:14:30
قل له: كيف ستثق بعقلك هذا إذن؟ - 00:14:34
عقلك هذا لا قيمة له، ولا لأحكامه، ولا استنتاجاته، - 00:14:37
ولا تحليلاته، ولا تفسيراته. - 00:14:42
عقلٌ غير موثوق لا يستحقُّ أن أناقشه. - 00:14:44
تصوَّر أنَّك تقبَّلت فكرة أن هناك طائرة تشكَّلت بمجموع الصُّدف دون أن يقصد أحدٌ صنعها، - 00:14:48
فهل أنت مستعدٌّ بعد ذلك أن تطير فيها؟ - 00:14:54
ونحن نسمع كيف يمكن لأدنى خلل في صناعة الطَّائرة أن يؤدِّي إلى سقوطها وتحطمها. - 00:14:57
هل تتصوَّرون بعد ذلك يا كرام ما معنى عقل تشكل بالصُّدف دون قصد؟ - 00:15:03
وبالتالي إلغاء قيمة العقل في الدلالة على الحقيقة. - 00:15:09
إذن فالمادية التي تستثني وجود خالق عليمٍ حكيمٍ من تفسير الكون والحياة - 00:15:13
تهدم قيمة العقل ومصداقيته تمامًا، - 00:15:19
وبالتالي تهدم قيمة الاستنتاجات، والتأمُّلات، والتحليلات - 00:15:23
التي يمارسها العقل في إنتاج العلم التجريبي. - 00:15:27
وهذا وحده كافٍ في إثبات أن العلم التجريبي لا يمكن أبدًا وصفه بأنه ماديّ، - 00:15:31
فهو يحتاج العقل الذي لا قيمة له إلا في منهج الإيمان بالخالقيَّة. - 00:15:37
مضحكٌ جدًّا أن يُوصَف العلم التجريبي بعد ذلك بأنه مادي. - 00:15:43
هل نكتفي بهذا القدر؟ لا. - 00:15:47
دعونا نتابع ونتكلَّم عن المصدر الثَّاني للعلم التجريبي! - 00:15:49
الأمور المُسَلَّمة البَدَهيَّة، مثل أن كلَّ شيءٍ في الكون والحياة له سبب. - 00:15:53
في العلم التجريبي، العقل يحلِّل المدخلات الحسِّية بناءً على مُسَلَّماتٍ بَدَهيَّة، - 00:15:59
فيخرج بالنتائج. - 00:16:03
تريد أن تعرف سبب حصول سرطانٍ ما؟ - 00:16:05
ممكن تأخذ عيِّنات من بعض المرضى المصابين بهذا السرطان، - 00:16:07
تحلِّلها، تكتشف فيها أشكال من الخلل، - 00:16:12
لكن ليس شرطًا أنَّ كلَّ هذه الاعتلالات تسبَّبت في حصول السرطان؛ - 00:16:15
لأنَّ الاقتران لا يعني التسبُّب بالضَّرورة. - 00:16:19
(correlation does not imply causation) - 00:16:22
كما بينَّا. - 00:16:24
فماذا تعمل؟ - 00:16:25
تصمِّم تجارب تجرِّب فيها إحداث واحدة واحدة من هذه الاعتلالات على حدة مثلًا - 00:16:27
وترى أيها السَّبب، وهكذا، - 00:16:31
ونستخدم عقولنا في هذا كلِّه. - 00:16:33
لكن، لماذا نفترض أساسًا أنَّ السرطان له سبب؟ - 00:16:36
لا، هذه مسلَّمةٌ بدهيَّة؛ - 00:16:39
ضرورة انطلق العقل منها - 00:16:42
مثلها مثل المسلَّمات الرياضيَّة أنَّ 1 + 1 = 2. - 00:16:44
هذه ليست أشياء يثبتها العقل - 00:16:49
بل هي مقدماتٌ بدهيَّة ضروريَّة ينطلق منها العقل. - 00:16:51
حسنًا، تعالوا نر. - 00:16:56
في منهج الإيمان بالخالقيَّة هذه المسلَّمات البدهيَّة هي من إيجاد خالقٍ حكيمٍ عليمٍ - 00:16:58
أعطى كلَّ شيءٍ خَلْقه ثمَّ هدى. - 00:17:05
هذه المسلمات موثوقةٌ ويُعْتَمَد عليها. - 00:17:08
بِغَضِّ النظر هل ستعتبرها جزءًا من العقل، من الفطرة، أو من العقل الفطري - 00:17:12
كما يسمِّيه البعض. - 00:17:17
المهم أنها جزءٌ من تكوين كلِّ إنسانٍ سويٍ غير مجنون. - 00:17:19
حسنًا، في المادِّيَّة، هل هذه البَدَهيَّات موثوقة ويمكن الاعتماد عليها؟ - 00:17:23
لا؛ لأنها اعتقاد إنسانٍ جاء نتيجة الصُّدفة، - 00:17:28
اعتقاده بها جاء نتيجة الصُّدفة والتغيُّرات العشوائيَّة والانتخاب الأعمى. - 00:17:33
وحتى الذين يقولون إنَّها نتيجة استقراءٍ للمدخلات الحسِّية، - 00:17:38
هذا الاستقراء يتم بالعقل الذي لا يُعْتَمَد عليه في معرفة الحقيقة - 00:17:42
حسب المادِّيَّة وهو كذلك استقراءٌ ناقص. - 00:17:46
يقول دوكنز عن فكرة أن الكون أوجد نفسه بنفسه من لاشيء: - 00:17:49
[هذا يعارض بالفعل البدهيات - 00:17:53
لكن كما قلت سابقا - 00:17:56
لا يمكنك الاعتماد على البدهيات - 00:17:58
لو كان بإمكانك فعل الأشياء بالبدهيات لما احتجنا إلى فيزيائيين] - 00:18:00
وكذلك البروفيسور ريتشارد ليونتون "Richard Lewontin" - 00:18:03
الذي قال ما خلاصته: "أن التزامنا بالمادية يحتِّم علينا قبول ادِّعاءاتٍ - 00:18:06
تبدو سخيفةً متعارضةً مع البَدَهيَّات؛ - 00:18:12
لأن علينا أن لا نسمح لأيِّ قدمٍ إلهيةٍ بالولوج من الباب" - 00:18:15
يعني يجب استثناء فكرة وجود خالقٍ من العلم التجريبي، - 00:18:20
حتى وإن أدَّى ذلك لأقوالٍ مصادمةٍ للبَدَهيَّات، - 00:18:24
كما بيَّنَّا النُقُولات عنه وعن غيره في حلقة (إله فجوات الملحدين). - 00:18:28
بهذا المنطق الذي ذكرناه للمادِّيِّين يُسَدُّ باب العِلم، - 00:18:34
ويمكن أن يُجاب عن أيِّ سؤالٍ عن السَّبب والآليَّة بجواب: - 00:18:38
هذا المرض حدث بلا سبب، هذا التَّفاعل ليس له آليَّة. - 00:18:42
وقد بيَّنَّا في حلقة (كيف يهدم الإلحاد العقل والعِلم) - 00:18:46
إلى أين وصل إنكار الضَّرورات العقليَّة، - 00:18:50
وكيف أدَّى إلى القول بعدم وجود حقائق موضوعيَّة للأشياء. - 00:18:53
يعني حتى كلمة "حقائق علمية" لا يعود لها أيَّة قيمة بإنكار الضرورات العقلية. - 00:18:58
وبهذا رأينا كيف أنَّ المصدر الثاني للعلم التجريبي، - 00:19:04
ألا وهو الضرورات العقليَّة، ينهدم تمامًا في المادِّيَّة، - 00:19:07
ولا يسلم إلَّا بالإقرار بالخالقيَّة. - 00:19:11
المصدر الثالث لللعلم التجريبي هو أخبار الباحثين الآخرين. - 00:19:14
في منهج الإيمان بالخالقيّة، الخبر معتبرٌ بعد التحقُّق من صحَّته بالوسائل المناسبة. - 00:19:18
فإذا تضافرت أخبار الباحثين السابقين على نتيجةٍ معيَّنة، - 00:19:25
بما يجعل الكذب أو الخطأ فيها مستبعدًا، - 00:19:30
فإنَّ هذه النَّتيجة يُعْتَمد عليها ونستطيع أن نبني عليها - 00:19:33
ونوظفها في اكتشاف إضافةٍ جديدةٍ للعلم التجريبي. - 00:19:37
لكن لحظة، حتى إن كانت النتيجة صادقةً ودقيقة، لماذا أعتمد عليها؟ - 00:19:42
أليس من الممكن أن أقوم بنفس التجربة تمامًا، وبنفس الظروف تمامًا، - 00:19:47
وأحصل على نتيجة مختلفة لأنه ليس هناك قوانين ولا نظام ولا سُنَنيَّة؟ - 00:19:53
الجواب نعم؛ - 00:19:59
لأن الخالق الحكيم العليم جعل الكون يسير حسب سننٍ كونيَّة وقوانين ثابتة، - 00:20:01
بحيث تسلك الأشياء سلوكًا مشابهًا إذا وضعت في الظروف نفسها، - 00:20:07
وبالتالي أستفيد من علوم الآخرين وأبني عليها، - 00:20:11
ويصبح من السفاهة أن أشكِّك فيها - 00:20:14
وأعيد كلَّ شيء من الصفر قبل أن أضيف إضافة جديدة. - 00:20:17
أمَّا حسب المادِّيَّة، فلا يمكن التصديق إلا بالمحسوس بشكلٍ مباشر، - 00:20:21
وبما أني لم أقم بهذه التجارب بنفسي فلا يمكنني الاعتماد على أخبار الآخرين، - 00:20:26
بل عليَّ أن أقوم بها وأرى نتائجها بنفسي. - 00:20:32
طبعًا ليس هذا ما يقوم به المجتمع العلمي في الحقيقة؛ - 00:20:35
بعض التجارب المهمة قد تتناقلها آلاف الأبحاث، وتحيل عليها، - 00:20:39
وتستشهد بها مع أن الذين باشروها بأنفسهم واحد، أو اثنان، أو ثلاثة. - 00:20:44
أيضًا، حسب المادِّيَّة فلا ضمانة لثبات السنن وانتظامها ووجود قوانين - 00:20:50
ما دام الكون والحياة نتيجة الصُّدفة - 00:20:55
من أصغر شيءٍ فيهما إلى أكبر شيءٍ كما تفترض المادِّيَّة. - 00:20:57
لذلك إذا قمت أنت بتجربة وخرجت بمشاهدة، فمشاهداتك وتجاربك لا تعنيني - 00:21:02
ولا يمكن الاستفادة منها ولا البناء عليها. - 00:21:08
إذ ما الذي يضمن لي أنِّي لو أعَدْت تجربتك فسأخرج بالمشاهدات نفسها؟ - 00:21:12
هذا الادِّعاء يفترض أن هناك سننًا، قوانين، انتظامًا، - 00:21:17
وصدف المادِّيَّة لا تؤدي إلى أيِّ شيء من هذا. - 00:21:22
وبالتالي، فأخبار الآخرين عن تجاربهم ومشاهداتهم لا قيمة لها - 00:21:25
مهما كانوا موثوقين ومهما تكرَّرت مشاهداتهم. - 00:21:30
وبالتالي فلا مجال لتراكميَّة المعرفة - 00:21:35
ولا معنى للإحالة على الأبحاث السابقة (citations)، - 00:21:38
وقائمة المراجع (references) في أسفل كل بحث. - 00:21:42
ستقول: لكن ليس هذا ما يفعله العلماء المادِّيُّون، - 00:21:45
بل هم مقِرُّون بوجود قوانين ونظام. - 00:21:48
مرَّةً أخرى، المادِّيَّة نتيجتها الحتمية عدم وجود نظام ولا قوانين، - 00:21:51
فالصُّدف والعشوائية والعمى أبعد ما تكون عن النظام والقوانين. - 00:21:57
فالمادِّيُّ الذي يؤمن بوجود نظام وقوانين - 00:22:01
هو إنَّما يقول بلسانه أنه مادِّي ثم يتناقض مع نفسه عند التطبيق - 00:22:04
ويضطرُّ للسَّرقة من منهج الإيمان بالخالقيَّة. - 00:22:10
إذن، رأينا كيف تلغي المادِّيَّة المصدر الثالث للعلم التجريبي - 00:22:13
ألا وهو الخبر والذي لا قيمة له إلا في منهج الإيمان بالخالقيَّة. - 00:22:16
بقي المصدر الرابع للعلم التجريبي - 00:22:21
ألا وهو الحِسّ. - 00:22:23
قلنا أنَّ الحِسّ يرصد الأشياء ويرصد آثارها، - 00:22:24
وبتفاعل الحِسّ مع مصادر العلم التجريبي الأخرى - 00:22:28
يجزم الإنسان بوجود أشياء وإن لم يرها. - 00:22:31
فإذا رأيت إنسانًا يمسك طرف سلك فيُصْعَق ويسقط ميتًا، - 00:22:35
فإني أجزم بوجود كهرباء في السلك من أثرها وإن لم أرها. - 00:22:40
عندما أرى حركة أوراق الشجر وأستطيع التنفس، - 00:22:44
فإنني أستنتج وجود الهواء وإن لم أره؛ إذ لو عُدِم هذا الهواء لاختنقت. - 00:22:48
الأمواج الكهرومغناطيسية وُظِّفَت في الاتصالات وإن لم نرها، لكن نوقن بها من آثارها. - 00:22:53
الحرارة، الجسيمات الذَّرِّية، - 00:23:00
تركيب المواد الكيميائيَّة الذي نستنتجه من سلوك هذه المادَّة - 00:23:03
وإن لم نرها لكن من أثرها في التفاعلات والتحاليل - 00:23:06
وغيرها الكثير. - 00:23:10
أمَّا في منهج الإيمان بالخالقيَّة، فإن أعظم ما يُسْتدَلُّ عليه من آثاره - 00:23:11
هو وجود الخالق الذي يدلُّ الكون والحياة على وجوده، وعلى بعض صفاته. - 00:23:17
أمَّا المادِّيَّة، فقد تظنُّون أنَّه بقي لها هذا المصدر من مصادر العلم التجريبي سليمًا، - 00:23:23
فما نسمعه هو أنَّ المادِّيَّة تقوم على الإيمان بالمحسوسات؛ - 00:23:29
فلا بُدَّ أنَّ الحسَّ له قيمةٌ في المادِّيَّة. - 00:23:33
تعالوا نرى... - 00:23:36
المادِّيَّة ستقف مع الحسِّ أمام أحد خيارين: - 00:23:38
الخيار الأول: أن ترفض التصديق بوجود الأشياء من آثارها - 00:23:41
وتقول: بل أصدِّق بما أراه، أسمعه، ألمسه، - 00:23:46
وحينئذٍ ستلغي كل العلم التجريبي القائم على آثار الأشياء. - 00:23:50
والأهَمُّ من ذلك أنَّ المادِّيَّة أعطبت مصادر العلم التجريبي الأخرى، - 00:23:54
فلم يعد للحس أيَّةُ قيمة؛ - 00:23:59
لأنَّ العلم التجريبي لا ينتج من مجرَّد إبصار الأشياء وسماعها ولمسها. - 00:24:01
فالإنسان ليس مجرَّد آلةِ مسح، ولا كاميرا تلتقط الصُّور وحسب. - 00:24:06
بل لا بُدَّ من إعمال العقل بعد ذلك وفق ضروراتٍ عقليَّة لإنتاج العلم التجريبي. - 00:24:10
والخيار الثاني أمام المادِّيَّة مع الحس: أنْ تقبل بالاستدلال على أشياء من آثارها، - 00:24:15
كما هي الممارسة العلميَّة الحقيقيَّة. - 00:24:21
وحينئذٍ، فما المبرِّر العقليُّ الحقيقيّ لأن تنكر ما الكون كلُّه والحياة كلُّها آثارٌ دالَّةٌ عليه، - 00:24:24
ألا وهو وجود خالقٍ عليمٍ حكيم. - 00:24:34
بناء على ما سبق يا كرام، لا يَصِحُّ أبدًا وصف العلم التجريبي بأنَّه مادِّي؛ - 00:24:38
فهذا وصفٌ مضحكٌ جدًّا. - 00:24:43
ليس هناك شيءٌ اسمه علوم مادِّيَّة في الحقيقة، - 00:24:46
إن كنت تقصد أنَّها علوم تقوم على أسس ماديّة تستثني الغيب، - 00:24:49
فالمادِّيَّة لا تؤدِّي إلا إلى العدميَّة؛ - 00:24:54
لأنَّها تُلغي مصادر العلم. - 00:24:57
فالقواسم المشتركة بين الأبحاث العلمية هي: - 00:24:59
استنتاج وتحليل عقلّي، - 00:25:03
الانطلاق من ضروراتٍ عقليَّة، - 00:25:05
رصد علاقاتٍ سببيَّة، - 00:25:06
اعتماد أخبار آخرين بعد التوثُّق من مصداقيتها بناءً على أبحاثهم، - 00:25:09
افتراض أنَّ كلَّ شيءٍ يسير بنظام، حِسّ، تجريب، - 00:25:14
استنتاج وجود أشياء من رصد آثارها، - 00:25:18
وهذه كلُّها لا قيمة لها إلا في منهج الإيمان بالخالقيَّة - 00:25:20
الذي تسلم فيه مصادر العلم التجريبي هذه وتتناسق فيما بينها. - 00:25:26
لذلك فعبارة "لا تخلطوا الإيمان بالعلم التجريبي" - 00:25:31
عبارةٌ مضحكةٌ لشِدَّة جهلها، - 00:25:34
فالعلم التجريبي ابن الإيمان لا يستغني عنه أبدًا. - 00:25:37
نحن كثيرًا ما نردِّدْ "الإيمان لا يتعارض مع العلوم التجريبية، - 00:25:41
الإيمان يدعو إلى طلب العلوم التجريبية"، - 00:25:45
لكن إخواني، العلاقة بين العلم التجريبي والإيمان أعمق بكثيرٍ من ذلك، - 00:25:47
فالعلوم التجريبية لا وجود لها أصلًا - 00:25:52
لولا مصادر العِلم المستندة إلى الإيمان بالخالقيّة. - 00:25:56
إذن أيُّها الأحبَّة، من أهمِّ النقاط التي أثبتناها اليوم: - 00:26:01
أنَّ المادِّيَّة تلغي قيمة العقل، - 00:26:05
وأنَّ العلم التجريبي الـ (science) - 00:26:08
يعتمد فيما يعتمد على أخبار الباحثين الآخرين بعد التوثق من صحتها. - 00:26:11
وأنَّ الالعلم التجريبي هو ابن الإيمان بالخالقيَّة. - 00:26:16
لكن، كيف ندَّعي ذلك وكثيرٌ من العلماء المعاصرين ملحدون أو ماديون؟ - 00:26:21
ثم نحن نعيب على المادِّيَّة أنها تستثني الغيب من تفسير الكون والحياة، - 00:26:27
يعني يا إياد تريدنا أن نُجِيب عن أيِّ سؤالٍ علمي بِأنَّه هكذا أراد الخالق وحسب؟ - 00:26:31
لا داعي للبحث والاستكشاف؟ - 00:26:37
لاحظوا يا كرام، المأمول من هذه الحلقات أن تمثل ثورةً فكرية - 00:26:40
تخلصنا من مفاهيم مشوَّشة ومعتقدات باطلة، - 00:26:44
وتُحِل محلَّها بناءً فكريًا، مرتبًا، مبنيَّا على الدليل العلميّ. - 00:26:47
لذلك ستلاحظون أنها ستثير لديكم في البداية الكثير من التساؤلات. - 00:26:53
سنعتمد أسلوب فكرة واحدة لكلّ حلقة، - 00:26:58
وستلاحظون أنَّ هذه التساؤلات يُجابُ عنها شيئًا فشيئًا بإقناعٍ بإذن الله. - 00:27:01
وسنبدأ في الحلقة القادمة بالسؤال الأوَّل من هذه الأسئلة فتابعونا، - 00:27:08
والسلام عليكم ورحمة الله. - 00:27:13
Transcription
السَّلام عليكم - 00:00:06
نَعُود إليكم يا كِرام لِنَسير في رحلة اليقين. - 00:00:07
المحطَّة الرَئيسَة التَّالية هي مناقشة أصلُ الإنسان: - 00:00:10
تَطَوُّر، أمْ تَطوير، أمْ خلقٌ مباشر؟ - 00:00:14
قبْل الوُصول إلى هذه المحطَّة، - 00:00:18
سنعرض لكم حلقاتٍ تُلخِّص بعض المفاهيم المُهمَّة، - 00:00:20
نافعة للمتابعين من البداية، - 00:00:24
وللمُنضمِّين الجُدُد لرحلة اليقين. - 00:00:26
تُعينك على فهمٍ معمَّقٍ للعلاقة - 00:00:30
بين العِلْم، والعلم التجريبي، والإيمان، والغيب، - 00:00:33
وتُجِيب عن استفساراتٍ مُؤرِّقةً للكثيرين - 00:00:36
سننشر هذه الحلقات المركَّزة بشكلٍ مُتَتابع، - 00:00:40
ثم نطبِّقها على أصل الإنسان كدراسة حالة (case study) - 00:00:44
بإذن الله - 00:00:48
حلقة اليوم هي مناقشةٌ لمقولةٍ شائعة، - 00:00:49
خلاصتها: (لا تخلطوا الإيمان بالعلم التجريبي) - 00:00:53
فالإيمان يَقُوم على قناعاتٍ غيبيَّة؛ - 00:00:57
بينما العلم التجريبي يقوم على علومٍ مادِّيَّة. - 00:01:00
دعونا نناقش هذه العبارات. - 00:01:04
هل بالفعل العلم التجريبي مادِّي، ويجب عدم خلطه بالإيمان؟ - 00:01:07
إذن نحن في حلقة اليوم نحاول أن نرسم - 00:01:12
العلاقة بين الإيمان بالخالقيَّة، والمادِّيَّة، والعلم التجريبي. - 00:01:15
دعونا بدايةً نُعرِّف مصطلحات. - 00:01:20
الإيمان بالخالقيّة: هو الإيمان بأنَّ هناك خالقًا خَلَق الكون والحياة. - 00:01:23
المادِّيَّة: تعني استثناء الغيب - 00:01:29
-أيَّ شيءٍ خارج إطار المادَّة-، - 00:01:31
استثناؤه تمامًا من تفسير الكون والحياة، بما في ذلك استثناء وجود خالق للكون والحياة. - 00:01:33
والعلم التجريبي يعني العِلم التَّجريبي الرَّصدي؛ - 00:01:41
لا أختصره بالعِلم - 00:01:44
لأنَّنا سنبرهن على أنَّ العلم التجريبي ليس الشَّكل الوحيد للعِلم، - 00:01:45
فالعِلم أعم والعلم التجريبي شكلٌ من أشكاله. - 00:01:50
العلم التجريبي يشمل الاختراعات والاكتشافات النَّافعة للإنسان - 00:01:53
في الصحَّة، والاتصالات، والنقل، والعمران، وغير ذلك. - 00:01:57
تعالوا نر على ماذا يعتمد العلم التجريبي، - 00:02:02
ثُمَّ نر هل هذه الأشياء التي يَعتمِد عليها - 00:02:04
موجودة في منهج الإيمان بالخالقيَّة، أم في المادِّيَّة؟ - 00:02:07
لنحكم على العبارات التي ذكرناها. - 00:02:12
أوَّلًا: لا شكَّ أن العلم التجريبي يعتمد على العقل - 00:02:15
العقل الذي يحلِّل المعلومات، يستنتج، يتوقَّع، يربط، يصوغ الفَرَضيَّات، - 00:02:19
يحكم على أشياء بالصِحَّة والبطلان. - 00:02:26
ثانيًا: العلم التجريبي يعتمد على مُسَلَّمات، بَدَهِيَّات: - 00:02:28
أمور لا يختلف عليها العقلاء. - 00:02:32
هذه البَدَهِيَّات ينطلق منها العقل في الرَّبط، والتَّوقع، والاستنتاج؛ - 00:02:35
ولذلك تُسَمَّى الضَّرورات العقليَّة أو الأوَّليَّات العقلية. - 00:02:40
مِثْل ماذا؟ - 00:02:45
مثل مبدأ السببيَّة: أنَّ كلَّ شيءٍ حادث له سبب. - 00:02:46
يعني كلُّ شيءٍ وُجِدَ بعد أن لم يكن موجودًا لا بد أن يكون له سبب. - 00:02:50
كلَّما رأيت في العلم التجريبي كلمة (لماذا؟)، فأنت تبحث عن السَّبب. - 00:02:57
يعني (ما السَّبب لحصول كذا وكذا؟) - 00:03:02
كلَّما رأيت كلمة آليَّة (mechanism)؛ - 00:03:05
فهي وصفٌ للسَّبب. - 00:03:07
في علم الأدوية مثلًا -والذي هو مجالي الأصلي- - 00:03:09
ما هي استخدامات دواءٍ معيَّن؟ - 00:03:12
نعرفها إذا وجدنا أنَّ هذا الدواء كان سببًا للشفاء - 00:03:14
في هذه الاستخدامات والأمراض. - 00:03:18
حسنًا، كيف يعمل هذا الدواء؟ - 00:03:21
ما هي الآليَّة لعمله الـ(mechanism)؟ - 00:03:23
هنا نبحث كيف تسبَّب هذا الدواء في الشفاء؟ - 00:03:26
لماذا تَحْدث الأعراض الجانبيَّة الفلانيَّة من هذا الدواء؟ - 00:03:30
نبحث عن السَّبب لنتجنَّب هذه الأعراض. - 00:03:33
لماذا تتداخل هذه الأدوية مع أدويةٍ أخرى (interactions)؟ - 00:03:36
نبحث عن الآليَّة -أي السَّبب- لهذا التداخل. - 00:03:40
العلوم في مجملها بحثٌ عن علاقاتٍ سببيَّة، - 00:03:44
ونحن ننطلق من قناعةٍ مسبقة، بَدَهِيَّة، مُسَلَّمة، - 00:03:48
أنّه لا بدَّ لكلِّ شيءٍ حادث في هذا الكون من سبب. - 00:03:53
ونضحك إذا قِيلَ لنا في الجواب عن أيٍّ من هذه الأسئلة: - 00:03:59
"هكذا حصل بلا سبب". - 00:04:03
بل نوقن أنَّ هناك سببًا ونسعى في اكتشافه. - 00:04:05
ثالثًا: العلم التجريبي يعتمد على تراكُم المعرفة؛ - 00:04:09
أي على ما يُخبِر به الباحثون قبلنا - 00:04:12
من نتائج أبحاثهم واكتشافاتهم. - 00:04:15
لا يمكن لأي باحثٍ أن يعيد كل شيءٍ من البداية تمامًا - 00:04:18
(from the scratch). - 00:04:23
ليس عليه أن يعيد اكتشاف ما تَمَّ اكتشافه، - 00:04:24
بل يبني على إخبار الباحثين السابقين عن نتائجهم، - 00:04:27
مع مراعاة آليات التأكد من مدى موثوقية هذه الأخبار - 00:04:31
-يعني هذه النتائج- - 00:04:36
وأنها (reproducible)، أي قابلةٌ للإنتاج مرةً أخرى. - 00:04:38
أيُّ بحثٍ علمي جديد فإنه يقوم بخطوة مراجعة ما تم نشره (literature review) - 00:04:42
لِيُبيِّن أين وصل العلم التجريبي؛ - 00:04:48
ما الذي أَخْبر به الباحثون السابقون؟ - 00:04:50
فيبني عليه ويستفيد منه. - 00:04:53
ثم قد يُبيِّن ما هي المعلومات الناقصة التي لم يجربها أو يبحث فيها الآخرون - 00:04:55
ليجربها هذا البحث الجديد ويضيف إلى البناء المعرفي. - 00:05:01
رابعًا: العلم التجريبي يعتمد على الحِسّ، - 00:05:05
والذي يُدخِل مدخلات إلى هذه المنظومة المعرفيَّة. - 00:05:08
الحِسّ قد يرصد الأشياء وقد يرصد آثارها، - 00:05:11
فمِن تفاعل الحِسِّ مع العقل والبَدَهيِّات، - 00:05:16
يستنتج الإنسان وجود هذه الأشياء من آثارها، وإن لم تكن مرصودة بذاتها. - 00:05:19
سؤال يا كرام: حتى الآن، هل هناك عاقلٌ يخالف فيما ذكرناه؟ - 00:05:25
هل هناك عاقل يُنكر اعتماد العلم التجريبي على هذه الأشياء الأربعة؟ - 00:05:31
إذن دعونا نسميها مصادر العلم التجريبي: - 00:05:36
العقل، والمُسلَّمات البَدَهيَّة مثل أن لكل شيءٍ حادث في الكون سببا، - 00:05:39
والخبر: يعني الأبحاث السابقة، - 00:05:46
والحِسّ والذي يشمل رصد الأشياء أو رصد آثارها. - 00:05:49
العلم التجريبي ينتج عن تفاعل هذه العناصر الأربعة. - 00:05:53
أهذه المصادر الأربعة التي يعتمد عليها العلم التجريبي - 00:05:57
موجودةٌ يا تُرى لدى منهج الإيمان بالخالقيَّة أم لدى المادِّيَّة؟ - 00:06:01
تعالوا نر. - 00:06:06
أولًا: بالنسبة للعقل، - 00:06:07
الإيمان بالخالقية يعني الإيمان بأنَّ الكون والحياة والإنسان - 00:06:09
مخلوقاتٌ من خالقٍ كامل الصفات، - 00:06:14
أوجدها عن علمٍ وحكمة، - 00:06:17
وأعطى الإنسان عقلًا موثوقًا مهيَّئًا لاكتشاف الحقائق، - 00:06:19
وبالتالي يمكن الاعتماد على هذا العقل في التحليل، والاستنتاج، - 00:06:23
والحكم على الأشياء أنَّها صحيحة أو خاطئة، - 00:06:28
فيمكن استخدامه في إنتاج العلم التجريبي. - 00:06:32
في المقابل، المادِّيَّة ترفض هذه المقدِّمة - 00:06:35
(أنَّ الكون والحياة والإنسان هي مخلوقاتٌ لخالق)، - 00:06:39
وتفترض المادِّيَّة بديلًا عن ذلك أنَّها نتيجة الصُّدفة. - 00:06:42
كما في هذه الورقة مثلًا عن تاريخ العلم التجريبي الغربي، - 00:06:47
والتي تضع عنوان: افتراضات العلم الغربي عبر تطوره التاريخي، - 00:06:50
ثم تذكر من هذه الافتراضات أن العالَم المادِّي - 00:06:56
متجمِّعٌ بالصُّدفة من أصغر وحدةٍ فيزيائيَّةٍ فيه إلى أكبر التركيبات والعلاقات. - 00:06:59
إذن فحسب المادِّيَّة، الدماغ وأدوات الإدراك جاءت بالصُّدفة - 00:07:07
وبالتَّالي فالعقل جاء بالصُّدفة - 00:07:12
دون قصدٍ من أحد. - 00:07:15
حسنًا كيف أثق بعقلٍ جاء بالصُّدفة أن يدلَّني على الحقائق؟ - 00:07:16
كيف أثق باستنتاجاته وتحليلاته وفهمه - 00:07:23
إذا كان جاء بالصُّدفة ولم يُهَيَّأ أصلًا لاكتشاف حقائق الأشياء؟ - 00:07:27
بل ليس مُصمَّمًا، ولا مخلوقًا بقصدٍ أصلًا! - 00:07:32
هذا السُّؤال وحده كافٍ في إثبات القطيعة التامَّة بين المادِّيَّة والعلم التجريبي. - 00:07:37
واسمحوا لي أن أركِّز على هذه النُّقطة - 00:07:44
لأنَّها كافيةٌ في بيان تفاهة المادِّيَّة. - 00:07:47
بدايةً: قد تُفاجأُ إذا علمتَ أنَّ داروين "Darwin" نفسه - 00:07:50
طعن في مصداقية العقل، - 00:07:54
حيث قال في مراسلاته مع ويليام غراهام "William Graham": - 00:07:56
"ينتابني دائمًا شكٌّ فظيع حول ما إذا كانت قناعات عقل الإنسان، - 00:07:59
والذي بدوره تطوَّر من عقول حيوانات أدنى، تتمتَّع بأيَّة قيمة أو تستحقُّ أدنى ثقة." - 00:08:05
وستجد مثل كلامه هذا في ملحق كتابه - 00:08:15
(أصل الأنواع طبعة Ontario: Broadview) - 00:08:18
حيث يصف عقل الإنسان بأنَّه تَطوَّر عن عقلٍ كعقل أدنى حيوان وعليه يُشكِّك في مصداقيته. - 00:08:21
طبعًا عندما تسمع هذا الكلام لداروين، ستتصوَّر أنَّه كان صادقًا مع نفسه، - 00:08:29
يُبدِي حيرته هذه أمام الناس في سبيل الوصول إلى الحقّ. - 00:08:34
في الواقع، دارون كان يقول هذه العبارات - 00:08:39
على سبيل إنكار أن يكون للكون والحياة خالق. - 00:08:41
يقول: "الإنسان إذا نظر إلى الكون والكائنات الحيَّة فلا يمكن لعقله - 00:08:46
إلا أن يُقِرَّ بأنَّه لا بُدَّ لها من خالق، - 00:08:50
وأنَّه يستحيل عقلًا أن تأتي هذه كلها بالصُّدفة. - 00:08:53
لكن، لماذا نُصدِّق عقولنا وقد تطورت بالصُّدفة عن عقول كائناتٍ أدنى؟". - 00:08:56
حسنًا يا داروين، لماذا تشكِّك في صدق العقل عندما يدلُّك على وجود الخالق فقط؟ - 00:09:03
لماذا لا تشكِّك في عقلك عندما جاء بسيناريوهاتك - 00:09:09
عن التطوُّر الصُّدفي الأعمى؟ - 00:09:13
إذا كان عقلك غير موثوق فلا تصدقه في أي شيء. - 00:09:15
ليس لك أن تصدِّقه في شيءٍ وتكذِّبه في آخر. - 00:09:19
قد يقول قائل: يا أخي ما لي وما لداروين ومقولات داروين القديمة. - 00:09:23
مر على وفاة دارون حوالي قرن ونصف. - 00:09:27
حسنًا ماذا إذا علمت أنَّ كثيرًا من كبار المادِّيِّين بعده نَصُّوا على نفس النتيجة، - 00:09:30
أن العقل لا يمكن تصديقه والوثوق به لمعرفة الحقيقة. - 00:09:36
وسآتي لكم بمقاطع موثَّقة - 00:09:42
من محاضرة الدكتور سامي العامري - 00:09:44
(الداروينية حجةٌ للإلحاد أم حجةٌ عليه؟). - 00:09:46
[هل تعرف فرانسيس كريك (Francis Crick)؟ - 00:09:50
البيولوجي الشهير جدًّا، والملحد الشهير جدًّا، - 00:09:52
وهو حاصل على جائزة نوبل. - 00:09:55
هذا رجل من أشدِّ الملاحدة تطرُّفًا. - 00:09:57
يقول في كتابه (The Astonishing Hypothesis) - 00:10:02
يقول بالحرف الواحد: - 00:10:05
"لم تتطوَّر أدمغتنا المتقدِّمة للغاية تحت ضغط اكتشاف الحقائق العلمية - 00:10:07
ولكن فقط لتمكيننا من أن نكون أذكياء بما يكفي للبقاء على قيد الحياة".] - 00:10:12
تعالوا نر كلام علماء من رؤوس الماديين لا زالوا أحياء. - 00:10:18
يقول الفيلسوف جون غري "John Gray" - 00:10:24
بهذه العبارة: "إذا كانت نظرية دارون - 00:10:28
في الانتقاء الطبيعي صحيحةً، - 00:10:32
فإنَّ العقل البشري يخدم النجاح التطوري، وليس الحقيقة." - 00:10:33
وكذلك عالم النفس الملحد ستيفن بينكر "Steven Pinker" في كتابه - 00:10:39
(كيف يعمل العقل). - 00:10:43
يقول: "أدمغتنا شُكِّلت للمُلاءمة - 00:10:45
-يعني على مبدأ البقاء للأصلح أو الأكثر ملاءمةً للطبيعة- "وليس للحقيقة. - 00:10:48
أدمغتنا شُكِّلت للملاءمة وليس للحقيقة، - 00:10:52
(not for truth) - 00:10:56
أحيانًا تكون الحقيقة تكيُّفيَّة، ولكن أحيانًا أخرى لا تكون كذلك." - 00:10:58
يعني أثناء تطوُّرنا عن كائناتٍ أدنى، - 00:11:03
تطوَّرت عقولنا بما يكشف الحقيقة أحيانًا - 00:11:06
ويساعد على البقاء. - 00:11:09
وأحيانًا أخرى، نشأت لدينا أوهام ساعدتنا على التكيُّف مع الطبيعة. - 00:11:11
أوهام مخالفة للحقيقة، لكنها بقيت لدينا في عقولنا لأنها حقَّقت لنا البقاء. - 00:11:16
وهو ما يؤكده أيضًا دوكينز في جلسته مع كراوس "Krauss" - 00:11:23
وهما يحاولان إقناع الناس بأنَّ الكون أوجد نفسه بنفسه من لاشيء. - 00:11:27
طبعا البداهة العقلية جاءت مما كان ضروريا لبقائنا في أفريقيا. - 00:11:32
كان عليهم أن يعيشوا، أن يعرفوا كيف يصطادون جواميس البافلو، كيف يجدون نبع ماء - 00:11:40
كيف يتسلفون شجرة عندما يهاجمهم أسد أو ما شابه - 00:11:45
وبالتالي فالانتخاب الطبيغي لم يشكل عقولنا أبدا لنفهم نظرية الكم أو النظرية النسبية - 00:11:49
إنه حقيقة لإنجاز مدهش للعقل البشري أن يكون بعض البشر على الأقل قادرين على الفهم - 00:12:00
إذًا ببساطة يريد دوكينز أن يقول لك: - 00:12:09
إذا رأيت كلامنا عن كونٍ أوجد نفسه بنفسه - 00:12:11
وما شابه مُصادمًا لعقلك، فهذا لأنَّ عقلك تطوَّر فقط بالمقدار الذي يسمح لك بالبقاء - 00:12:15
كباقي البهائم، لا لِيدركَ الحقائق. - 00:12:22
فعليك أن تثق بمن تطوَّر عقلهم أكثر بدرجةٍ سمحت لهم أن يفهموا - 00:12:25
ما لم تفهمه أنت من نظريات، - 00:12:29
وبالتالي يستنتجوا عن الكون والحياة ما تظنُّه أنت جنونًا أو مصادمًا للعقل. - 00:12:31
سُئل أحد المروجين للإلحاد مات ديلاهنتي "Matt Dillahunty"، - 00:12:37
كيف تستطيع أن تثق بعقلك وأنت تؤمن أنه جاء صدفة بلا تصميم؟ - 00:12:41
هل تثق بعقلك لمجرد أن هذا العقل الذي جاء بالصُّدفة أخبرك أن تثق به؟ - 00:12:48
انظر إلى التخبُّط والتهرُّب في جواب هذا الملحد والذي سنضعه لكم في التعليقات. - 00:12:55
قد يقول أحد المادِّيِّين يا أخي ما لي وما لهؤلاء كلّهم لست ملزما بكلامهم ولا يمثُّلني، - 00:13:00
أنا مادِّي ومع ذلك أحترم العقل وأثق به. - 00:13:06
آها. - 00:13:10
نحن نأتي بكلام هؤلاء لأنَّهم يصرِّحون بما ينتج حتمًا عن المادِّيَّة، واستثناء وجود خالقٍ - 00:13:11
خَلقَ العقل عن حكمة. - 00:13:17
هذا ما ستؤدِّي إليه المادِّيَّة حتمًا، - 00:13:19
فهؤلاء المادِّيُّون ببساطة حاولوا الانسجام - 00:13:22
مع أسسهم المادِّيَّة فخرجوا بهذه النتائج الملغية للعقل. - 00:13:26
أنت عندما تقول أنا ماديّ ومع ذلك أثق بالعقل، أثق بعقلي ولا أقبل كلام هؤلاء، - 00:13:31
فأنت ببساطة تتنكَّر لمادِّيَّتك ولا تنسجم معها. - 00:13:37
ثقتك بعقلك ليس لها أي أساس، اضطررتَ أن تسرق ثقتك هذه من منهج الإيمان بالخالقية. - 00:13:42
فالذي يقول أنه مادِّي هو أمام أحد خيارين: - 00:13:50
إما أن يلتزم بأسسه المادِّيَّة وبالتالي يصل لنفس النتيجة التي وصلها هؤلاء، - 00:13:54
أنه لا قيمة لعقله، - 00:14:01
وإما أن يتنكر لمادِّيَّته حتى يستطيع أن يستخدم عقله ويثق به. - 00:14:02
أنتم يا إخواني متصورين ما معنى هذا الكلام؟ - 00:14:08
متصوِّرين كمِ الطرح المادِّي بائس ومنهار من أساسه؟ - 00:14:11
يعني حينما يبدأ أحد معك بمقدمة أنه: - 00:14:15
استثن لي وجود خالق ونحن نتكلم في االعلم التجريبي، - 00:14:18
فقل له: على أيِّ أساسٍ ستناقشني؟ - 00:14:21
سيقول: العقل. - 00:14:24
قل له: كيف جاء هذا العقل؟ ما دام لا خالق عنده - 00:14:26
سيقول: بالصُّدف، والطَّفرات العشوائيَّة، والانتخاب الأعمى. - 00:14:30
قل له: كيف ستثق بعقلك هذا إذن؟ - 00:14:34
عقلك هذا لا قيمة له، ولا لأحكامه، ولا استنتاجاته، - 00:14:37
ولا تحليلاته، ولا تفسيراته. - 00:14:42
عقلٌ غير موثوق لا يستحقُّ أن أناقشه. - 00:14:44
تصوَّر أنَّك تقبَّلت فكرة أن هناك طائرة تشكَّلت بمجموع الصُّدف دون أن يقصد أحدٌ صنعها، - 00:14:48
فهل أنت مستعدٌّ بعد ذلك أن تطير فيها؟ - 00:14:54
ونحن نسمع كيف يمكن لأدنى خلل في صناعة الطَّائرة أن يؤدِّي إلى سقوطها وتحطمها. - 00:14:57
هل تتصوَّرون بعد ذلك يا كرام ما معنى عقل تشكل بالصُّدف دون قصد؟ - 00:15:03
وبالتالي إلغاء قيمة العقل في الدلالة على الحقيقة. - 00:15:09
إذن فالمادية التي تستثني وجود خالق عليمٍ حكيمٍ من تفسير الكون والحياة - 00:15:13
تهدم قيمة العقل ومصداقيته تمامًا، - 00:15:19
وبالتالي تهدم قيمة الاستنتاجات، والتأمُّلات، والتحليلات - 00:15:23
التي يمارسها العقل في إنتاج العلم التجريبي. - 00:15:27
وهذا وحده كافٍ في إثبات أن العلم التجريبي لا يمكن أبدًا وصفه بأنه ماديّ، - 00:15:31
فهو يحتاج العقل الذي لا قيمة له إلا في منهج الإيمان بالخالقيَّة. - 00:15:37
مضحكٌ جدًّا أن يُوصَف العلم التجريبي بعد ذلك بأنه مادي. - 00:15:43
هل نكتفي بهذا القدر؟ لا. - 00:15:47
دعونا نتابع ونتكلَّم عن المصدر الثَّاني للعلم التجريبي! - 00:15:49
الأمور المُسَلَّمة البَدَهيَّة، مثل أن كلَّ شيءٍ في الكون والحياة له سبب. - 00:15:53
في العلم التجريبي، العقل يحلِّل المدخلات الحسِّية بناءً على مُسَلَّماتٍ بَدَهيَّة، - 00:15:59
فيخرج بالنتائج. - 00:16:03
تريد أن تعرف سبب حصول سرطانٍ ما؟ - 00:16:05
ممكن تأخذ عيِّنات من بعض المرضى المصابين بهذا السرطان، - 00:16:07
تحلِّلها، تكتشف فيها أشكال من الخلل، - 00:16:12
لكن ليس شرطًا أنَّ كلَّ هذه الاعتلالات تسبَّبت في حصول السرطان؛ - 00:16:15
لأنَّ الاقتران لا يعني التسبُّب بالضَّرورة. - 00:16:19
(correlation does not imply causation) - 00:16:22
كما بينَّا. - 00:16:24
فماذا تعمل؟ - 00:16:25
تصمِّم تجارب تجرِّب فيها إحداث واحدة واحدة من هذه الاعتلالات على حدة مثلًا - 00:16:27
وترى أيها السَّبب، وهكذا، - 00:16:31
ونستخدم عقولنا في هذا كلِّه. - 00:16:33
لكن، لماذا نفترض أساسًا أنَّ السرطان له سبب؟ - 00:16:36
لا، هذه مسلَّمةٌ بدهيَّة؛ - 00:16:39
ضرورة انطلق العقل منها - 00:16:42
مثلها مثل المسلَّمات الرياضيَّة أنَّ 1 + 1 = 2. - 00:16:44
هذه ليست أشياء يثبتها العقل - 00:16:49
بل هي مقدماتٌ بدهيَّة ضروريَّة ينطلق منها العقل. - 00:16:51
حسنًا، تعالوا نر. - 00:16:56
في منهج الإيمان بالخالقيَّة هذه المسلَّمات البدهيَّة هي من إيجاد خالقٍ حكيمٍ عليمٍ - 00:16:58
أعطى كلَّ شيءٍ خَلْقه ثمَّ هدى. - 00:17:05
هذه المسلمات موثوقةٌ ويُعْتَمَد عليها. - 00:17:08
بِغَضِّ النظر هل ستعتبرها جزءًا من العقل، من الفطرة، أو من العقل الفطري - 00:17:12
كما يسمِّيه البعض. - 00:17:17
المهم أنها جزءٌ من تكوين كلِّ إنسانٍ سويٍ غير مجنون. - 00:17:19
حسنًا، في المادِّيَّة، هل هذه البَدَهيَّات موثوقة ويمكن الاعتماد عليها؟ - 00:17:23
لا؛ لأنها اعتقاد إنسانٍ جاء نتيجة الصُّدفة، - 00:17:28
اعتقاده بها جاء نتيجة الصُّدفة والتغيُّرات العشوائيَّة والانتخاب الأعمى. - 00:17:33
وحتى الذين يقولون إنَّها نتيجة استقراءٍ للمدخلات الحسِّية، - 00:17:38
هذا الاستقراء يتم بالعقل الذي لا يُعْتَمَد عليه في معرفة الحقيقة - 00:17:42
حسب المادِّيَّة وهو كذلك استقراءٌ ناقص. - 00:17:46
يقول دوكنز عن فكرة أن الكون أوجد نفسه بنفسه من لاشيء: - 00:17:49
[هذا يعارض بالفعل البدهيات - 00:17:53
لكن كما قلت سابقا - 00:17:56
لا يمكنك الاعتماد على البدهيات - 00:17:58
لو كان بإمكانك فعل الأشياء بالبدهيات لما احتجنا إلى فيزيائيين] - 00:18:00
وكذلك البروفيسور ريتشارد ليونتون "Richard Lewontin" - 00:18:03
الذي قال ما خلاصته: "أن التزامنا بالمادية يحتِّم علينا قبول ادِّعاءاتٍ - 00:18:06
تبدو سخيفةً متعارضةً مع البَدَهيَّات؛ - 00:18:12
لأن علينا أن لا نسمح لأيِّ قدمٍ إلهيةٍ بالولوج من الباب" - 00:18:15
يعني يجب استثناء فكرة وجود خالقٍ من العلم التجريبي، - 00:18:20
حتى وإن أدَّى ذلك لأقوالٍ مصادمةٍ للبَدَهيَّات، - 00:18:24
كما بيَّنَّا النُقُولات عنه وعن غيره في حلقة (إله فجوات الملحدين). - 00:18:28
بهذا المنطق الذي ذكرناه للمادِّيِّين يُسَدُّ باب العِلم، - 00:18:34
ويمكن أن يُجاب عن أيِّ سؤالٍ عن السَّبب والآليَّة بجواب: - 00:18:38
هذا المرض حدث بلا سبب، هذا التَّفاعل ليس له آليَّة. - 00:18:42
وقد بيَّنَّا في حلقة (كيف يهدم الإلحاد العقل والعِلم) - 00:18:46
إلى أين وصل إنكار الضَّرورات العقليَّة، - 00:18:50
وكيف أدَّى إلى القول بعدم وجود حقائق موضوعيَّة للأشياء. - 00:18:53
يعني حتى كلمة "حقائق علمية" لا يعود لها أيَّة قيمة بإنكار الضرورات العقلية. - 00:18:58
وبهذا رأينا كيف أنَّ المصدر الثاني للعلم التجريبي، - 00:19:04
ألا وهو الضرورات العقليَّة، ينهدم تمامًا في المادِّيَّة، - 00:19:07
ولا يسلم إلَّا بالإقرار بالخالقيَّة. - 00:19:11
المصدر الثالث لللعلم التجريبي هو أخبار الباحثين الآخرين. - 00:19:14
في منهج الإيمان بالخالقيّة، الخبر معتبرٌ بعد التحقُّق من صحَّته بالوسائل المناسبة. - 00:19:18
فإذا تضافرت أخبار الباحثين السابقين على نتيجةٍ معيَّنة، - 00:19:25
بما يجعل الكذب أو الخطأ فيها مستبعدًا، - 00:19:30
فإنَّ هذه النَّتيجة يُعْتَمد عليها ونستطيع أن نبني عليها - 00:19:33
ونوظفها في اكتشاف إضافةٍ جديدةٍ للعلم التجريبي. - 00:19:37
لكن لحظة، حتى إن كانت النتيجة صادقةً ودقيقة، لماذا أعتمد عليها؟ - 00:19:42
أليس من الممكن أن أقوم بنفس التجربة تمامًا، وبنفس الظروف تمامًا، - 00:19:47
وأحصل على نتيجة مختلفة لأنه ليس هناك قوانين ولا نظام ولا سُنَنيَّة؟ - 00:19:53
الجواب نعم؛ - 00:19:59
لأن الخالق الحكيم العليم جعل الكون يسير حسب سننٍ كونيَّة وقوانين ثابتة، - 00:20:01
بحيث تسلك الأشياء سلوكًا مشابهًا إذا وضعت في الظروف نفسها، - 00:20:07
وبالتالي أستفيد من علوم الآخرين وأبني عليها، - 00:20:11
ويصبح من السفاهة أن أشكِّك فيها - 00:20:14
وأعيد كلَّ شيء من الصفر قبل أن أضيف إضافة جديدة. - 00:20:17
أمَّا حسب المادِّيَّة، فلا يمكن التصديق إلا بالمحسوس بشكلٍ مباشر، - 00:20:21
وبما أني لم أقم بهذه التجارب بنفسي فلا يمكنني الاعتماد على أخبار الآخرين، - 00:20:26
بل عليَّ أن أقوم بها وأرى نتائجها بنفسي. - 00:20:32
طبعًا ليس هذا ما يقوم به المجتمع العلمي في الحقيقة؛ - 00:20:35
بعض التجارب المهمة قد تتناقلها آلاف الأبحاث، وتحيل عليها، - 00:20:39
وتستشهد بها مع أن الذين باشروها بأنفسهم واحد، أو اثنان، أو ثلاثة. - 00:20:44
أيضًا، حسب المادِّيَّة فلا ضمانة لثبات السنن وانتظامها ووجود قوانين - 00:20:50
ما دام الكون والحياة نتيجة الصُّدفة - 00:20:55
من أصغر شيءٍ فيهما إلى أكبر شيءٍ كما تفترض المادِّيَّة. - 00:20:57
لذلك إذا قمت أنت بتجربة وخرجت بمشاهدة، فمشاهداتك وتجاربك لا تعنيني - 00:21:02
ولا يمكن الاستفادة منها ولا البناء عليها. - 00:21:08
إذ ما الذي يضمن لي أنِّي لو أعَدْت تجربتك فسأخرج بالمشاهدات نفسها؟ - 00:21:12
هذا الادِّعاء يفترض أن هناك سننًا، قوانين، انتظامًا، - 00:21:17
وصدف المادِّيَّة لا تؤدي إلى أيِّ شيء من هذا. - 00:21:22
وبالتالي، فأخبار الآخرين عن تجاربهم ومشاهداتهم لا قيمة لها - 00:21:25
مهما كانوا موثوقين ومهما تكرَّرت مشاهداتهم. - 00:21:30
وبالتالي فلا مجال لتراكميَّة المعرفة - 00:21:35
ولا معنى للإحالة على الأبحاث السابقة (citations)، - 00:21:38
وقائمة المراجع (references) في أسفل كل بحث. - 00:21:42
ستقول: لكن ليس هذا ما يفعله العلماء المادِّيُّون، - 00:21:45
بل هم مقِرُّون بوجود قوانين ونظام. - 00:21:48
مرَّةً أخرى، المادِّيَّة نتيجتها الحتمية عدم وجود نظام ولا قوانين، - 00:21:51
فالصُّدف والعشوائية والعمى أبعد ما تكون عن النظام والقوانين. - 00:21:57
فالمادِّيُّ الذي يؤمن بوجود نظام وقوانين - 00:22:01
هو إنَّما يقول بلسانه أنه مادِّي ثم يتناقض مع نفسه عند التطبيق - 00:22:04
ويضطرُّ للسَّرقة من منهج الإيمان بالخالقيَّة. - 00:22:10
إذن، رأينا كيف تلغي المادِّيَّة المصدر الثالث للعلم التجريبي - 00:22:13
ألا وهو الخبر والذي لا قيمة له إلا في منهج الإيمان بالخالقيَّة. - 00:22:16
بقي المصدر الرابع للعلم التجريبي - 00:22:21
ألا وهو الحِسّ. - 00:22:23
قلنا أنَّ الحِسّ يرصد الأشياء ويرصد آثارها، - 00:22:24
وبتفاعل الحِسّ مع مصادر العلم التجريبي الأخرى - 00:22:28
يجزم الإنسان بوجود أشياء وإن لم يرها. - 00:22:31
فإذا رأيت إنسانًا يمسك طرف سلك فيُصْعَق ويسقط ميتًا، - 00:22:35
فإني أجزم بوجود كهرباء في السلك من أثرها وإن لم أرها. - 00:22:40
عندما أرى حركة أوراق الشجر وأستطيع التنفس، - 00:22:44
فإنني أستنتج وجود الهواء وإن لم أره؛ إذ لو عُدِم هذا الهواء لاختنقت. - 00:22:48
الأمواج الكهرومغناطيسية وُظِّفَت في الاتصالات وإن لم نرها، لكن نوقن بها من آثارها. - 00:22:53
الحرارة، الجسيمات الذَّرِّية، - 00:23:00
تركيب المواد الكيميائيَّة الذي نستنتجه من سلوك هذه المادَّة - 00:23:03
وإن لم نرها لكن من أثرها في التفاعلات والتحاليل - 00:23:06
وغيرها الكثير. - 00:23:10
أمَّا في منهج الإيمان بالخالقيَّة، فإن أعظم ما يُسْتدَلُّ عليه من آثاره - 00:23:11
هو وجود الخالق الذي يدلُّ الكون والحياة على وجوده، وعلى بعض صفاته. - 00:23:17
أمَّا المادِّيَّة، فقد تظنُّون أنَّه بقي لها هذا المصدر من مصادر العلم التجريبي سليمًا، - 00:23:23
فما نسمعه هو أنَّ المادِّيَّة تقوم على الإيمان بالمحسوسات؛ - 00:23:29
فلا بُدَّ أنَّ الحسَّ له قيمةٌ في المادِّيَّة. - 00:23:33
تعالوا نرى... - 00:23:36
المادِّيَّة ستقف مع الحسِّ أمام أحد خيارين: - 00:23:38
الخيار الأول: أن ترفض التصديق بوجود الأشياء من آثارها - 00:23:41
وتقول: بل أصدِّق بما أراه، أسمعه، ألمسه، - 00:23:46
وحينئذٍ ستلغي كل العلم التجريبي القائم على آثار الأشياء. - 00:23:50
والأهَمُّ من ذلك أنَّ المادِّيَّة أعطبت مصادر العلم التجريبي الأخرى، - 00:23:54
فلم يعد للحس أيَّةُ قيمة؛ - 00:23:59
لأنَّ العلم التجريبي لا ينتج من مجرَّد إبصار الأشياء وسماعها ولمسها. - 00:24:01
فالإنسان ليس مجرَّد آلةِ مسح، ولا كاميرا تلتقط الصُّور وحسب. - 00:24:06
بل لا بُدَّ من إعمال العقل بعد ذلك وفق ضروراتٍ عقليَّة لإنتاج العلم التجريبي. - 00:24:10
والخيار الثاني أمام المادِّيَّة مع الحس: أنْ تقبل بالاستدلال على أشياء من آثارها، - 00:24:15
كما هي الممارسة العلميَّة الحقيقيَّة. - 00:24:21
وحينئذٍ، فما المبرِّر العقليُّ الحقيقيّ لأن تنكر ما الكون كلُّه والحياة كلُّها آثارٌ دالَّةٌ عليه، - 00:24:24
ألا وهو وجود خالقٍ عليمٍ حكيم. - 00:24:34
بناء على ما سبق يا كرام، لا يَصِحُّ أبدًا وصف العلم التجريبي بأنَّه مادِّي؛ - 00:24:38
فهذا وصفٌ مضحكٌ جدًّا. - 00:24:43
ليس هناك شيءٌ اسمه علوم مادِّيَّة في الحقيقة، - 00:24:46
إن كنت تقصد أنَّها علوم تقوم على أسس ماديّة تستثني الغيب، - 00:24:49
فالمادِّيَّة لا تؤدِّي إلا إلى العدميَّة؛ - 00:24:54
لأنَّها تُلغي مصادر العلم. - 00:24:57
فالقواسم المشتركة بين الأبحاث العلمية هي: - 00:24:59
استنتاج وتحليل عقلّي، - 00:25:03
الانطلاق من ضروراتٍ عقليَّة، - 00:25:05
رصد علاقاتٍ سببيَّة، - 00:25:06
اعتماد أخبار آخرين بعد التوثُّق من مصداقيتها بناءً على أبحاثهم، - 00:25:09
افتراض أنَّ كلَّ شيءٍ يسير بنظام، حِسّ، تجريب، - 00:25:14
استنتاج وجود أشياء من رصد آثارها، - 00:25:18
وهذه كلُّها لا قيمة لها إلا في منهج الإيمان بالخالقيَّة - 00:25:20
الذي تسلم فيه مصادر العلم التجريبي هذه وتتناسق فيما بينها. - 00:25:26
لذلك فعبارة "لا تخلطوا الإيمان بالعلم التجريبي" - 00:25:31
عبارةٌ مضحكةٌ لشِدَّة جهلها، - 00:25:34
فالعلم التجريبي ابن الإيمان لا يستغني عنه أبدًا. - 00:25:37
نحن كثيرًا ما نردِّدْ "الإيمان لا يتعارض مع العلوم التجريبية، - 00:25:41
الإيمان يدعو إلى طلب العلوم التجريبية"، - 00:25:45
لكن إخواني، العلاقة بين العلم التجريبي والإيمان أعمق بكثيرٍ من ذلك، - 00:25:47
فالعلوم التجريبية لا وجود لها أصلًا - 00:25:52
لولا مصادر العِلم المستندة إلى الإيمان بالخالقيّة. - 00:25:56
إذن أيُّها الأحبَّة، من أهمِّ النقاط التي أثبتناها اليوم: - 00:26:01
أنَّ المادِّيَّة تلغي قيمة العقل، - 00:26:05
وأنَّ العلم التجريبي الـ (science) - 00:26:08
يعتمد فيما يعتمد على أخبار الباحثين الآخرين بعد التوثق من صحتها. - 00:26:11
وأنَّ الالعلم التجريبي هو ابن الإيمان بالخالقيَّة. - 00:26:16
لكن، كيف ندَّعي ذلك وكثيرٌ من العلماء المعاصرين ملحدون أو ماديون؟ - 00:26:21
ثم نحن نعيب على المادِّيَّة أنها تستثني الغيب من تفسير الكون والحياة، - 00:26:27
يعني يا إياد تريدنا أن نُجِيب عن أيِّ سؤالٍ علمي بِأنَّه هكذا أراد الخالق وحسب؟ - 00:26:31
لا داعي للبحث والاستكشاف؟ - 00:26:37
لاحظوا يا كرام، المأمول من هذه الحلقات أن تمثل ثورةً فكرية - 00:26:40
تخلصنا من مفاهيم مشوَّشة ومعتقدات باطلة، - 00:26:44
وتُحِل محلَّها بناءً فكريًا، مرتبًا، مبنيَّا على الدليل العلميّ. - 00:26:47
لذلك ستلاحظون أنها ستثير لديكم في البداية الكثير من التساؤلات. - 00:26:53
سنعتمد أسلوب فكرة واحدة لكلّ حلقة، - 00:26:58
وستلاحظون أنَّ هذه التساؤلات يُجابُ عنها شيئًا فشيئًا بإقناعٍ بإذن الله. - 00:27:01
وسنبدأ في الحلقة القادمة بالسؤال الأوَّل من هذه الأسئلة فتابعونا، - 00:27:08
والسلام عليكم ورحمة الله. - 00:27:13