سلسلة رحلة اليقين - القناة الرسمية د. إياد قنيبي

رحلة اليقين ١٤: الله غيب. هل معناه أن وجوده غير يقيني ؟

إياد قنيبي

السلام عليكم - 00:00:20ضَ

من المفاهيم الخاطئة والخطيرة، أنَّ كون الإيمان غيبيًا - 00:00:22ضَ

يعني أنَّه شيءٌ غير يقينيٍّ - 00:00:25ضَ

ليس أكيدًا - 00:00:27ضَ

احتمالٌ كبيرٌ جدًا - 00:00:28ضَ

لكن لا تستطيع أن تقول: مائةً بالمائة - 00:00:29ضَ

يقولون لك: لا أحد يستطيع أن يجزم بصحَّة ما لديه وخطأ الطرف الآخر؛ - 00:00:32ضَ

لأنَّه غيبٌ في النهاية - 00:00:37ضَ

وترى مَن يطبِّق ذلك حتَّى على المسألة الكبرى؛ - 00:00:41ضَ

على وجود الله تعالى - 00:00:44ضَ

ويقول: "الإيمان هو أن تؤمن بشيءٍ - 00:00:45ضَ

دون وجود كلِّ الأدلَّة الحاسمة والقاطعة عليه، - 00:00:48ضَ

الإيمان يحتاج إلى (بالانجليزية) قفزة إيمان؛ - 00:00:51ضَ

أي إلى شيءٍ لا يمكن البرهنة عليه بشكلٍ قطعيٍّ، - 00:00:55ضَ

الإيمان - 00:00:58ضَ

يحتاج هذه القفزة الشجاعة في الفراغ" - 00:00:59ضَ

ومثل هذه العبارات - 00:01:02ضَ

التي تجعل الإيمان بوجود الله وبالغيب عمومًا - 00:01:04ضَ

أمرًا حَدْسِيًّا، تخمينيًّا، لا قطعيًّا يقينيًّا - 00:01:07ضَ

تجعله أمرًا بغلبة الظنِّ، احتماله كبيرٌ - 00:01:12ضَ

لكنَّه دون الـ(100%) - 00:01:15ضَ

فهل الإيمان بوجود الله - 00:01:18ضَ

هو كذلك فعلًا في المنظومة الإسلاميَّة؟ - 00:01:19ضَ

يقينًا لا؛ - 00:01:23ضَ

بل الإيمان بوجود الله - 00:01:24ضَ

هو إيمانٌ بما تدلُّ الأدلة عليه - 00:01:25ضَ

بشكلٍ قطعيٍّ حاسمٍ لا يقبل الشكَّ ولا التردُّد - 00:01:28ضَ

وكونه غيبًا - 00:01:33ضَ

لا يعني أبدًا أنَّه لا يمكن الجزم به - 00:01:34ضَ

غيبٌ لا يساوي مبهمًا أو غامضًا، - 00:01:37ضَ

ولا يعني أنَّ الإيمان بالله - 00:01:41ضَ

هو موقفٌ عاطفيٌّ تسليميٌّ محضٌ؛ - 00:01:42ضَ

بل هو موقفٌ برهانيٌّ، استدلاليٌّ، فطريٌّ، عقليٌّ - 00:01:45ضَ

الإيمان بوجود الله - 00:01:49ضَ

هو إيمانٌ يدلُّك عليه العقل والفطرة - 00:01:50ضَ

دون أنْ يمنعك مرض القلب أو اتِّباع الهوى - 00:01:53ضَ

والغريب أنَّ هذه المسألة - 00:01:56ضَ

-التي هي أَوْلى بدَهيِّات الإسلام- - 00:01:57ضَ

ليست واضحةً عند بعض مَن يتصدَّى لمحاربة الإلحاد - 00:01:59ضَ

إنْ كان الإيمان بالله - 00:02:03ضَ

عند بعض أتباع الأديان الأخرى - 00:02:04ضَ

قد اختلط بصورة مشوَّهة عن الله تعالى وصفاته - 00:02:06ضَ

ممَّا جعل أتباع هذه الأديان يحتاجون القفزَ - 00:02:10ضَ

في الفراغ، والتسليمَ غير المستَنِد إلى العقل، - 00:02:13ضَ

فنحن لا نحتاجه في الإسلام -والحمد لله- - 00:02:16ضَ

هذه الحلقة للمسلمين - 00:02:19ضَ

وهي أيضًا للمتشكِّكين - 00:02:21ضَ

الذين قد يظنُّون أنَّنا ندعوهم - 00:02:22ضَ

إلى الإيمان الحَدْسيِّ العاطفيِّ التسليميِّ؛ - 00:02:25ضَ

بل نحن ندعوهم إلى إيمانٍ فطريٍّ عقليٍّ مُبرْهَنٍ - 00:02:27ضَ

كما أنَّ التسليم الذي ندعو الناس إليه ليس - 00:02:32ضَ

في مسألة وجود الله، - 00:02:34ضَ

التسليم ليس هنا؛ - 00:02:35ضَ

بل التسليم هو في أمورٍ في تفاصيل الإسلام - 00:02:37ضَ

المبنيَّة على إيمانٍ فطريٍّ عقليٍّ مُبرْهَنٍ - 00:02:40ضَ

القرآن الذي ندعو إليه يقول: - 00:02:44ضَ

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [القرآن 15:49] - 00:02:46ضَ

أي: آمنوا إيمانًا يشمل التصديق الجازم - 00:02:52ضَ

الذي لا يُخالطه شكٌّ، وليس غلبة ظنٍّ، - 00:02:56ضَ

ولا إيمانًا احتياطيًّا، ولا إيمانًا اعتباطيًّا - 00:02:59ضَ

نؤمن هكذا مع أنَّنا نرى - 00:03:02ضَ

أنَّ الأدلة على وجود الله غير قطعَّيةٍ؛ - 00:03:04ضَ

بل المنظومة الإسلامية تنصُّ على - 00:03:06ضَ

أنَّ وجود الله -عزَّ وجلَّ- هو الحقيقة الكبرى - 00:03:09ضَ

بل الله نَفْسُه هو الحقُّ - 00:03:12ضَ

﴿ذالكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [القرآن 62:22] - 00:03:13ضَ

ولشدَّة بداهة وجود الله تعالى - 00:03:19ضَ

فإنَّ القرآن - 00:03:21ضَ

لا يجعل هذه القضية محور أدلَّته ومناقشاته؛ - 00:03:22ضَ

بل يدلِّل على شيءٍ زائدٍ عن مجرَّد الوجود - 00:03:25ضَ

كالتوحيد وصفات الله تعالى - 00:03:28ضَ

أمَّا الوجود نفسُهُ فقضيَّةٌ محسومةٌ - 00:03:31ضَ

(قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [القرآن 14: 10] - 00:03:34ضَ

آيةٌ تتضمَّن الدليل الفِطريَّ والدليل العقليَّ - 00:03:38ضَ

أفي الله شكٌّ؟ - 00:03:41ضَ

أيْ هل في وجوده شكٌّ؟ - 00:03:43ضَ

أو هل في وحدانيَّته شكٌّ؟ - 00:03:44ضَ

فوجوده و وحدانيته - 00:03:46ضَ

أمرٌ فطريٌّ مغروسٌ في النفس لا يُشكُّ فيه، - 00:03:48ضَ

والبرهانُ العقليُّ أنَّه - 00:03:52ضَ

فاطرُ السماوات والأرض؛ - 00:03:53ضَ

فكلُّ ما في الكون يدلُّ صحيحَ العقل - 00:03:55ضَ

سليمَ القلب على وجود الخالق - 00:03:59ضَ

في مُحاجَجَةِ موسى لفرعون - 00:04:01ضَ

﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ - 00:04:03ضَ

قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾ [القرآن 26: 23-24] - 00:04:06ضَ

أيْ: بالنظر إلى هذه الكائنات - 00:04:11ضَ

فإن ربّ العالمين أَعْرَفُ مِن أنْ يُنكَر، وأظهرُ مِن أنْ يُشكَّ فيه - 00:04:13ضَ

"إنْ كنتم موقنين" - 00:04:17ضَ

أي: إنْ كنتم مِن أهل اليقين بأيِّ شيءٍ - 00:04:19ضَ

فإنَّ اليقين بهذا الربِّ أَوْلى مِن كلِّ يقينٍ - 00:04:22ضَ

وإنْ قلتم: "لا يقينَ لنا بشيءٍ"، فأنتم كاذبون؛ - 00:04:25ضَ

فكلُّ إنسانٍ لا بدَّ له مِن يقينٍ بأمورٍ بَدَهيَّة ضروريَّةٍ... - 00:04:29ضَ

إلى أنْ قال فرعون: - 00:04:34ضَ

﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [القرآن 27:26] - 00:04:36ضَ

فردَّ عليه موسى: - 00:04:39ضَ

﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [القرآن 28:26] - 00:04:40ضَ

أي: إنْ أنكرتم اللهَ فأنتم أَوْلى بوصف الجنون؛ - 00:04:45ضَ

لأنَّكم سُلِبتُم العقلَ النافعَ، - 00:04:49ضَ

فالعقل ما هو؟ - 00:04:51ضَ

هو في الأساس علومٌ ضروريَّةٌ مثل مبدأ السببيَّة - 00:04:52ضَ

وهي تدلُّ على الخالق سبحانه - 00:04:56ضَ

فإنْ كان لكم يقينٌ عَرَفتُم اللهَ، - 00:04:58ضَ

وإنْ كان لكم عقلٌ عرَفْتُم اللهَ، - 00:05:00ضَ

بنفس المعنى أيضًا - 00:05:03ضَ

تأمَّل معي مَطلع سورة الجاثية: - 00:05:04ضَ

﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ - 00:05:07ضَ

وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ - 00:05:11ضَ

واختلاف اللّيل والنّهار - 00:05:17ضَ

وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا - 00:05:19ضَ

وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ - 00:05:24ضَ

تِلْكَ آيَاتُ اللَّـهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّـهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [القرآن 45: 3-6] - 00:05:28ضَ

نفسُ المفاهيم التي في حوار موسى لفرعون؛ - 00:05:36ضَ

(يوقنون) - 00:05:39ضَ

فالذي عنده يقينٌ فأَوْلى اليقينِ - 00:05:40ضَ

اليقينُ بالله وبآياته الكونيَّة - 00:05:42ضَ

(يعقلون) - 00:05:45ضَ

فمَن عنده عقلٌ فلن ينكر ربَّه، - 00:05:46ضَ

ولن تكون عنده مشكلة في أن يؤمن بالغيب - 00:05:48ضَ

وحينئذٍ - 00:05:52ضَ

﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [القرآن 3:45] - 00:05:53ضَ

﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّـهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [القرآن 6:45] - 00:05:57ضَ

فالذي لا يؤمن بالله وآياته الكونيَّة - 00:06:01ضَ

مع شدَّة ظهورها فأَوْلى به ألَّا يؤمن بشيءٍ؛ - 00:06:03ضَ

لأنَّ الله وآياته أَظْهَر ما يمكن أن يؤمن به إنسانٌ - 00:06:07ضَ

﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [القرآن 21:51] - 00:06:13ضَ

﴿لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [القرآن 10: 67] - 00:06:16ضَ

فالذي لا يؤمن بالله - 00:06:18ضَ

كأنَّه ما أبصَرَ ولا سَمِع ولا أحسَّ ولا عَقِل - 00:06:20ضَ

وقال تعالى: - 00:06:23ضَ

﴿قُلْ فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [القرآن 6: 147] - 00:06:25ضَ

لله الحُجَّة الدَّالَّةُ على صِدق كلامه - 00:06:29ضَ

(البالغة) - 00:06:32ضَ

أيْ: الواصِلة إلى ما قُصِدت لأجله، - 00:06:33ضَ

وهو أن يُغلَب الخصم وتَبْطُل حُجَّته - 00:06:35ضَ

هذا كلُّه في إثبات صفات الله تعالى - 00:06:38ضَ

ووحدانيَّته وتفاصيلَ مِن دِينِه - 00:06:41ضَ

فكيف بثُبوتِ وجود الله تعالى نفسِه؟ - 00:06:43ضَ

أليس أوَّل اليقين؟ وأَوْلى اليقين؟ - 00:06:46ضَ

في الحلقات القادمة -بإذن الله- - 00:06:49ضَ

سنزيدُ في التبيان: - 00:06:51ضَ

لماذا وجودُ الله تعالى أَوْلى بَدَهيَّةٍ عقليَّةٍ؟ - 00:06:53ضَ

والسلام عليكم ورحمة الله - 00:06:56ضَ