سلسلة رحلة اليقين - القناة الرسمية د. إياد قنيبي

رحلة اليقين ١٠: الإيمان الأعمى الدارويني في تفسير الظواهر الفطرية

إياد قنيبي

السلام عليكم. - 00:00:12ضَ

في هذهِ الحلقة نجيب عن سؤال،: هل أيٌّ من الظَّواهر الفطريَّة ثَبت أنَّ لها أسبابًا تطوريَّة؟ - 00:00:13ضَ

أم أنَّ الملحدين والتطوّريين يؤمنون إيمانًا أعمىً يسدّون به فجواتهم المعرفيّة. - 00:00:20ضَ

أي: الملحدون حين أنكروا وجود الله، ومن ثم أنكروا أنَّ هناك فطرةً - 00:00:26ضَ

فطر الله الناس عليها، وقعوا في مأزق: أنَّهم لا يملكون تفسيرًا لأيٍّ من الظّواهر الفطريّة، - 00:00:31ضَ

كنزعة التّديّن، أو النّزعة الأخلاقيّة والشّعور بالغائيّة، والإرادة الحرَّة والغرائز. - 00:00:37ضَ

فهي ظواهرُ غيرُ ماديّةٍ في الظّاهر؛ لذا فقد بحثوا عن تفسيراتٍ ماديَّةٍ لها. - 00:00:43ضَ

وادّعوا أنَّ كلَّ هذه الظَّواهر لها أسبابٌ ماديّةٌ ضمن إطار التّطوَّر الدّاروينيِّ. - 00:00:49ضَ

فإمّا أن تكون الظَّاهرة الفطريَّة المعيَّنة ناتجةً عن جينٍ (مورِّث) معيّنٍ، أو مجموعةَ جيناتٍ(مورِّثات). - 00:00:55ضَ

وإمَّا أن تكون ناشئةً عن صفاتٍ أخرى متعلقةٍ بالجينات، انتخبتها الطبيعة، - 00:01:01ضَ

أو أنّ الظَّواهر الفطريّة، أو الظَّاهرة الفطريّة المعيّنة قد تَمّ انتخابها داروينيًا، - 00:01:08ضَ

دون أن نعرف كيف ظَهرت هذه الظّاهرة ابتداءً، لكنَّها ظهرت ثمّ انْتُخِبَت. - 00:01:13ضَ

والسّؤال: هل ادّعاؤُهم هذا عليه دليلٌ علميّ؟ - 00:01:19ضَ

أمَّا الاحتمال الثَّالث: لا نعرف كيف ظهرت، فإحالةٌ على مجهولٍ. - 00:01:22ضَ

عبارةٌ لا يَقْبلها الملحدون من المؤمنين بالله في تفسير الظّواهر. - 00:01:26ضَ

يبقى التَّفسير الذِّي يُمْكِن فحصه واختبارُ صحّتِه، هو ربطُ الظّواهر الفطريّة بالمورِّثات. - 00:01:31ضَ

حتّى تدّعي أنّ صفةً ما في كائنٍ ما لها علاقةٌ بمورِّث معيَّنٍ، - 00:01:38ضَ

فهناك طرقٌ علميّةٌ محدّدةٌ لإثبات وجود هذه العلاقة. - 00:01:43ضَ

الطّريقة الأولى: هي "إضافة مورّث" Gene Insertion، للبويضة المخصبة، - 00:01:48ضَ

أو "حذف مورَّث": "Gene Deletion"، ومتابعةُ ما إذا أدّى ذلك إلى ظهور أو اختفاءِ صفةٍ معيّنةٍ. - 00:01:53ضَ

وهذا ممكنٌ في الحيوانات، مثلَ ما يسمَّى - 00:02:00ضَ

بـ "الفئران محذوفة المورِّث" "Knockout Mice" مثلاً. - 00:02:03ضَ

لكن لم يَتّم إجراؤها في الإنسان، بالإضافة إلى أنّه يَدْخُلها عواملُ معقّدةٌ. - 00:02:06ضَ

"كالآليّات التعويضيّة" "Compensatory Mechanisms" - 00:02:11ضَ

والتّي قد تَعوّض المورِّث، المحذوف مثلًا. - 00:02:13ضَ

تبقى الطّريقة الممكنة في الإنسان هي أن تُجريَ مسحًا جينيًّا - 00:02:18ضَ

وتُثبِتَ أنّ المتّصفين بصفةٍ أو نزعةٍ معيّنة لديهم مورثُ ليس لدى الآخرين - 00:02:23ضَ

الذّين لا يمتلكون هذه الصّفة أو النّزعة، - 00:02:29ضَ

أو أنّ لديهم مورثات يحصل لها "تمْثيل"، "Expression" بشكل مختلفٍ عن الآخرين، - 00:02:32ضَ

فيما يعرف: "بالوراثة فوق الجينيّة" "Epigenetics" مثلًا. - 00:02:38ضَ

وهذه الطّريقة رَبَطت بعض الصّفات الجسميّة والأمراض بأسبابٍ جينيّةٍ. - 00:02:42ضَ

حسنٌ، نعود فنقول: الملحدون والدّاروينيّون - 00:02:47ضَ

أجْرَوْا عمليّةَ درونة Darwinization لكلِّ شيء. - 00:02:50ضَ

وكان ممّا درونوه الظَّواهرُ الفطريَّة. - 00:02:54ضَ

وهناك قائمةٌ طويلةٌ من الكتب التي قامت على هذا الأساس، مثل: - 00:02:56ضَ

(الجين الإلهي) ، - 00:03:01ضَ

(الأساس التطوّري للنّزعة الأخلاقيّة) - 00:03:03ضَ

(الأساس التّطوري للحريّة) - 00:03:06ضَ

(نظرة دارونيَّة للمَحبَّة من قِبَلِ الوالدين) - 00:03:08ضَ

(تطوُّر الرّغبة الجنسيَّة التَّزاوجيَّة) - 00:03:12ضَ

وغيرها الكثير. - 00:03:14ضَ

الآن، فلْنتجاوزْ دعوى الدّارونييّن: - 00:03:16ضَ

أن هناك صفاتٍ ظهرت بطرقٍ لا نعرفها، - 00:03:19ضَ

لكنّها انتُخِبَت؛ لأنّ عبارة (لا نعرفها) ليست عِلمًا يُخْتَبَر. - 00:03:22ضَ

يبقى الرّبطُ باالمورِّثات، - 00:03:27ضَ

فنقول: بِناءً على ما تقدّم من الطّرق العلميّة لإثبات العلاقة الجينيّة بالصّفات، - 00:03:28ضَ

هل أيٌّ من ادِّعاءات - 00:03:34ضَ

هذه المؤَلَّفَاتِ عليها دليل علميٌّ؟ - 00:03:36ضَ

هل تّم تحديد أيَّ مورّث مسؤولٍ عن أيّة نزعةٍ فطريّة؟ والجواب الصَّادم: لا. - 00:03:39ضَ

إنَّما هي ادّعاءاتٌ لا أساسَ علميًّا لها أي إيمانٌ أعمىً داروينيٌّ. - 00:03:46ضَ

فهذه المؤلّفات تتجاوز سؤال (هل يوجد سببٌ ماديٌّ بالفعل للظّاهرة الفطريّة). - 00:03:52ضَ

وتَعتبر الإجابةَ عنه محسومةً، ووجودَه حقيقةً مسلّمةً. - 00:03:58ضَ

وتنتقل إلى مواضيع مثل مناقشة فائدة وجود الظّاهرة الفطريَّة تطوريًّا، - 00:04:02ضَ

في كلامٍ إنشائيٍ عقيم. - 00:04:08ضَ

هذه الدّرونة لكل شيءٍ بلا دليل انتقدَها حتّى بعض الدّارونيين الملحدين أنفسِهم، - 00:04:10ضَ

ومنهم بروفيسور البيئة والّتطوّر الملحد الداروينيُّ - 00:04:16ضَ

جيري كوين Jerry A. Coyne، - 00:04:19ضَ

حيث في كتابه المعنون" - 00:04:20ضَ

(لماذا التطور حقيقة؟) - 00:04:21ضَ

قال كوين: "هناك ميلٌ آخذٌ في التّزايد بشكلٍ مزعجٍ - 00:04:23ضَ

من قبل علماء نفس وعلماء أحياء وفلاسفة لدرونة كل جانبٍ - 00:04:27ضَ

من الجوانب السلوكية للإنسان، لتتحوّل تلك الدّراسات إلى لعبةٍ علميَّةٍ جماعيَّة. - 00:04:32ضَ

إنّ إعادة تشكيل الطُّرق الَّتي يُحتَمَل أنّ الأشياء تطوّرت من خلالها، - 00:04:38ضَ

اعتمادًا على الخيال الواسع، ليست عِلمًا، إنّها مجرد حكايات." - 00:04:43ضَ

حسنٌ، كاستثناءٍ، نرى دين هامر Dean Hamer - 00:04:48ضَ

-وبخلاف باقي المؤلّفين- قد تكلّم عن مورِّث معيٍَّن لتفسير نزعة التّديّن لدى الإنسان. - 00:04:50ضَ

لكنَّ هامر هذا -كما سنرى- بطل الادّعاءات التّي لا دليل عليها، - 00:04:56ضَ

بل يُكَذّبها بقية الباحثين. - 00:05:01ضَ

أقام كتابه (الجين الإلهي) على دراسةٍ واحدةٍ مدّعاة، لم يَنشرها ولم تَتكرر نتائجُها - 00:05:03ضَ

مع أيّ باحثٍ بعده حاول تكرارها، كما نصّ كارل زيمر Carl Zimmer. - 00:05:10ضَ

حتّى أن بعض الملحدين أنفسِهم سخروا من ادّعاءاته قائلين: لا يوجد إله ولا مورِّث إلهي. - 00:05:15ضَ

والحقيقة أنَّ الذّين يدّعون، أنّه يمكن العثور على مورِّث معيّن مرتبطٍ بنزعةٍ فطريَّةٍ معيَّنة - 00:05:22ضَ

هؤلاء إمَّا أّنهم جاهلون بعلم المورَّثات جهلًا مخزيًا، - 00:05:29ضَ

مهما حملوا من ألقاب الدَّكتوراه - 00:05:34ضَ

أو أنّهم يُخادِعون جمهورهم. - 00:05:36ضَ

فمعلوماتُنا من سنوات عن ارتباط المورَّثات بالصّفاتِ أنّه أعقد بكثيرٍ مما كنَّا نظنُّ، - 00:05:38ضَ

كما في هذه الورقة العلميَّة المنشورة في مجلة (نيتشر) Nature المعروفة، عام 2008، - 00:05:45ضَ

والتّي تُبيّن أنَّ فكَّ الشّيفرة الوراثيّة في - 00:05:49ضَ

مشروع هيومان جينوم (المادة الوراثية الإنسانية) Human Genome Project - 00:05:52ضَ

خيّب آمالنا. - 00:05:54ضَ

حيث وجدنا أنّه حتّى الصِّفات الجسميَّة، - 00:05:55ضَ

كطول القامة والأمراضِ العقليَّة (بالإنجليزية) كانفصام الشخصية - 00:05:58ضَ

-والتّي يظهر أنّ لها ارتباطًا بالوراثة- - 00:06:01ضَ

حتَّى هذه لا يمْكِن عَزْوها إلى مورِّث، ولا حتَّى إلى مجموعة مورّثات معيّنةٍ، - 00:06:04ضَ

وأنّ الأمر أعقدُ بكثيرٍ ممَّا كان يُدرَّس في المدارس والجامعات. - 00:06:10ضَ

وتنصّ دراساتٌ أخرى على أنَّ صفةً سلوكيّةً واحدةً - 00:06:15ضَ

قد تكون مرتبطةً بآلاف المورِّثات، التّي يسهم كلٌّ منها في هذه الصّفة إسهامًا طفيفًا. - 00:06:18ضَ

وتعترف الدّراسات -مع ذلك- بعدم القدرة على تحديد هذه المورَّثات المُفْتَرَضة. - 00:06:26ضَ

هذا إن سلّمنا لهم بأنّ هناك ارتباطًا أصلًا. - 00:06:31ضَ

فالموضوع من الواضح أنَّه شديد التّعقيد والغُموض. - 00:06:35ضَ

ومع ذلك، يأتي أمثال هامر ليقولوا لك: - 00:06:39ضَ

الجينُ الإلهيُّ... - 00:06:42ضَ

وترى في الإعلام الغربي، عناوين مثل: - 00:06:43ضَ

هذا المورّث المحدّد [قد] يقرر، - 00:06:45ضَ

إذا ما كنت ستصوّت لصالح الجمهورييّن أو الدِّيمقراطييّن. - 00:06:49ضَ

في تسطيحٍ للموضوع واستسخافٍ واستغفالٍ لعقول الناس. - 00:06:53ضَ

وإن كنًا لا نستغرب أن تمرَّ هذه الادّعاءات - 00:06:59ضَ

المضحكة على عقول بعض الشَّباب البعيد عن الأجواء العلميَّة، - 00:07:01ضَ

فمن العجيب حقًا أن يتداولها أشخاصٌ لديهم أدنى مبادئ البحث العلميِّ - 00:07:05ضَ

أو أطباءُ أو طلابٌ في المجال الطبّيِّ والحيويِّ. - 00:07:11ضَ

وقبل أن أتابع أودّ أن أقول: - 00:07:15ضَ

لا أرَى مانعًا من الناحيّة النظريّة من أن يخلُق الله -تعالى- - 00:07:17ضَ

في الإنسان مورِّثات تعين على تكوين النّزعات الفطريَّة. - 00:07:20ضَ

وقد بيّنا في الحلقة الرّابعة من السِّلسلة - 00:07:24ضَ

لماذا إنْ وُجد هذا يُعدُّ دليلًا آخر على وجود الخالق وعظمته؟. - 00:07:27ضَ

لكنّ المَعِيبَ بالتأكيد، المَعِيبُ جدًا - 00:07:34ضَ

أن يُقِيمَ المادّيون تفسيرَهم للظّواهر الفطريّة - 00:07:38ضَ

على أساس وجود هذه المورِّثات، أو على طرقٍ تطوريّةٍ لم تكتشف بعد كبديلٍ عن وجود الخالق، - 00:07:42ضَ

وهم لا يملكون دليلًا عليها، فينفون ما قامت الأدلّةُ كلُّها عليه، بحجّة ما لا دليل عليه. - 00:07:49ضَ

المَعِيبُ هو أن ينكر علينا الملحدون إيمانَنا الغيبيَّ بوجود الله وقد دلت الأدلة عليه، - 00:07:56ضَ

بينما لا يجدون حرجًا من الإيمان الغيبيِّ، - 00:08:03ضَ

بوجود هذه المورِّثات أو التّفسيرات التّي لم تُكْتَشف بعد، ولا دليل لهم عليها. - 00:08:06ضَ

المَعِيبُ هو أن يدَّعيَ الملحدون - 00:08:13ضَ

أنَّ إيماننا بوجود الخالق هو من قبيل سدِّ الفجوات المعرفيَّة، - 00:08:15ضَ

أي أنَّنا لا نعرف سبب بعض الظَّواهر؛ فنفترض وجودَ الله لتفسيرها. - 00:08:20ضَ

وهذا ليس صحيحًا في المنظومة العَقَديّةِ الإسلاميَّة. - 00:08:26ضَ

بينما الملحدون يمارسون هذا الإيمان الأعمى الداروينيِّ - 00:08:30ضَ

لتفسير ظواهر فشِلت ماديَّتُهم في تفسيرها. - 00:08:34ضَ

نفَوْا وجود الخالق، فكان لا بدَّ من بديل، البديلِ الماديُّ، - 00:08:38ضَ

الذّي ينفي الرّوح والفطرة فبَنَوْا على هذا البديل قصورًا ومزاعم وقصصًا. - 00:08:42ضَ

وألّفوا كتبًا وأقاموا محاضراتٍ، على لا شيء، - 00:08:48ضَ

على وهمٍ كبير. - 00:08:52ضَ

فهل هناك إيمانٌ أعمى أكثرُ من هذا! هل هناك تأجير عقلٍ أكثرُ من هذا! - 00:08:54ضَ

هل هناك تحيزٌ علميّ وأحكام مسبقةٌ، أكثرُ من هذا! - 00:09:00ضَ

هذه التُّهم التِّي يرمون بها المسلمين. - 00:09:05ضَ

هل هناك من هو أولى من هؤلاء الملحدين والدَّارونيّين بها! - 00:09:07ضَ

يدَّعون خصومةً بين الإسلام والواقع وخصومةً بين الإسلام والعِلم التَّجريبيِّ، - 00:09:12ضَ

مع أنَّ في قولهم مثلًا: "لا إرادةَ حرةَ لدى الإنسان، بل تحرِّكه المورِّثات" - 00:09:17ضَ

تتجلَّى قمّة المصادمة للواقع، الذّي يفرض أنّ الإنسان لديه إرادةٌ حرةٌ، مهما أنكروا. - 00:09:23ضَ

ويتجلّى عدم احترام العِلم التّجريبيِّ في دعاوى المورِّثات بلا دليلٍ. - 00:09:30ضَ

وهذا كلّه، ضريبة معاندة الأدّلة الفطريّة على وجود الله -تعالى-. - 00:09:36ضَ

اقتربنا بهذا من نهاية الحديث عن الأدّلة الفطريّة، - 00:09:41ضَ

ولا نريد أن نستطْرد كثيرًا ونبتعد عن الموضوع. - 00:09:45ضَ

لكن نَوَدُّ أن نذكر مثالًا للتّضليل الذّي يمارسه الملحدون والدّارونّيون، باسم العلم، - 00:09:48ضَ

وهو تبْرير الشّذوذ الجنسيِّ بادّعاء وجود أساس جينيٍّ له. - 00:09:54ضَ

لنرى مثالًا أخيرًا، من ضرائب التَّنكُّر لفطريَّة الغرائز البشريَّة. - 00:10:00ضَ

ومحاولةِ تفسيرِها تفسيرًا ماديًّا بحتًا. - 00:10:05ضَ

وهو ما سنناقشه في الحلقة القادمة بإذن الله. - 00:10:08ضَ

والسّلام عليكم ورحمة الله. - 00:10:11ضَ