السلام عليكم. - 00:00:12
في هذهِ الحلقة نجيب عن سؤال،: هل أيٌّ من الظَّواهر الفطريَّة ثَبت أنَّ لها أسبابًا تطوريَّة؟ - 00:00:13
أم أنَّ الملحدين والتطوّريين يؤمنون إيمانًا أعمىً يسدّون به فجواتهم المعرفيّة. - 00:00:20
أي: الملحدون حين أنكروا وجود الله، ومن ثم أنكروا أنَّ هناك فطرةً - 00:00:26
فطر الله الناس عليها، وقعوا في مأزق: أنَّهم لا يملكون تفسيرًا لأيٍّ من الظّواهر الفطريّة، - 00:00:31
كنزعة التّديّن، أو النّزعة الأخلاقيّة والشّعور بالغائيّة، والإرادة الحرَّة والغرائز. - 00:00:37
فهي ظواهرُ غيرُ ماديّةٍ في الظّاهر؛ لذا فقد بحثوا عن تفسيراتٍ ماديَّةٍ لها. - 00:00:43
وادّعوا أنَّ كلَّ هذه الظَّواهر لها أسبابٌ ماديّةٌ ضمن إطار التّطوَّر الدّاروينيِّ. - 00:00:49
فإمّا أن تكون الظَّاهرة الفطريَّة المعيَّنة ناتجةً عن جينٍ (مورِّث) معيّنٍ، أو مجموعةَ جيناتٍ(مورِّثات). - 00:00:55
وإمَّا أن تكون ناشئةً عن صفاتٍ أخرى متعلقةٍ بالجينات، انتخبتها الطبيعة، - 00:01:01
أو أنّ الظَّواهر الفطريّة، أو الظَّاهرة الفطريّة المعيّنة قد تَمّ انتخابها داروينيًا، - 00:01:08
دون أن نعرف كيف ظَهرت هذه الظّاهرة ابتداءً، لكنَّها ظهرت ثمّ انْتُخِبَت. - 00:01:13
والسّؤال: هل ادّعاؤُهم هذا عليه دليلٌ علميّ؟ - 00:01:19
أمَّا الاحتمال الثَّالث: لا نعرف كيف ظهرت، فإحالةٌ على مجهولٍ. - 00:01:22
عبارةٌ لا يَقْبلها الملحدون من المؤمنين بالله في تفسير الظّواهر. - 00:01:26
يبقى التَّفسير الذِّي يُمْكِن فحصه واختبارُ صحّتِه، هو ربطُ الظّواهر الفطريّة بالمورِّثات. - 00:01:31
حتّى تدّعي أنّ صفةً ما في كائنٍ ما لها علاقةٌ بمورِّث معيَّنٍ، - 00:01:38
فهناك طرقٌ علميّةٌ محدّدةٌ لإثبات وجود هذه العلاقة. - 00:01:43
الطّريقة الأولى: هي "إضافة مورّث" Gene Insertion، للبويضة المخصبة، - 00:01:48
أو "حذف مورَّث": "Gene Deletion"، ومتابعةُ ما إذا أدّى ذلك إلى ظهور أو اختفاءِ صفةٍ معيّنةٍ. - 00:01:53
وهذا ممكنٌ في الحيوانات، مثلَ ما يسمَّى - 00:02:00
بـ "الفئران محذوفة المورِّث" "Knockout Mice" مثلاً. - 00:02:03
لكن لم يَتّم إجراؤها في الإنسان، بالإضافة إلى أنّه يَدْخُلها عواملُ معقّدةٌ. - 00:02:06
"كالآليّات التعويضيّة" "Compensatory Mechanisms" - 00:02:11
والتّي قد تَعوّض المورِّث، المحذوف مثلًا. - 00:02:13
تبقى الطّريقة الممكنة في الإنسان هي أن تُجريَ مسحًا جينيًّا - 00:02:18
وتُثبِتَ أنّ المتّصفين بصفةٍ أو نزعةٍ معيّنة لديهم مورثُ ليس لدى الآخرين - 00:02:23
الذّين لا يمتلكون هذه الصّفة أو النّزعة، - 00:02:29
أو أنّ لديهم مورثات يحصل لها "تمْثيل"، "Expression" بشكل مختلفٍ عن الآخرين، - 00:02:32
فيما يعرف: "بالوراثة فوق الجينيّة" "Epigenetics" مثلًا. - 00:02:38
وهذه الطّريقة رَبَطت بعض الصّفات الجسميّة والأمراض بأسبابٍ جينيّةٍ. - 00:02:42
حسنٌ، نعود فنقول: الملحدون والدّاروينيّون - 00:02:47
أجْرَوْا عمليّةَ درونة Darwinization لكلِّ شيء. - 00:02:50
وكان ممّا درونوه الظَّواهرُ الفطريَّة. - 00:02:54
وهناك قائمةٌ طويلةٌ من الكتب التي قامت على هذا الأساس، مثل: - 00:02:56
(الجين الإلهي) ، - 00:03:01
(الأساس التطوّري للنّزعة الأخلاقيّة) - 00:03:03
(الأساس التّطوري للحريّة) - 00:03:06
(نظرة دارونيَّة للمَحبَّة من قِبَلِ الوالدين) - 00:03:08
(تطوُّر الرّغبة الجنسيَّة التَّزاوجيَّة) - 00:03:12
وغيرها الكثير. - 00:03:14
الآن، فلْنتجاوزْ دعوى الدّارونييّن: - 00:03:16
أن هناك صفاتٍ ظهرت بطرقٍ لا نعرفها، - 00:03:19
لكنّها انتُخِبَت؛ لأنّ عبارة (لا نعرفها) ليست عِلمًا يُخْتَبَر. - 00:03:22
يبقى الرّبطُ باالمورِّثات، - 00:03:27
فنقول: بِناءً على ما تقدّم من الطّرق العلميّة لإثبات العلاقة الجينيّة بالصّفات، - 00:03:28
هل أيٌّ من ادِّعاءات - 00:03:34
هذه المؤَلَّفَاتِ عليها دليل علميٌّ؟ - 00:03:36
هل تّم تحديد أيَّ مورّث مسؤولٍ عن أيّة نزعةٍ فطريّة؟ والجواب الصَّادم: لا. - 00:03:39
إنَّما هي ادّعاءاتٌ لا أساسَ علميًّا لها أي إيمانٌ أعمىً داروينيٌّ. - 00:03:46
فهذه المؤلّفات تتجاوز سؤال (هل يوجد سببٌ ماديٌّ بالفعل للظّاهرة الفطريّة). - 00:03:52
وتَعتبر الإجابةَ عنه محسومةً، ووجودَه حقيقةً مسلّمةً. - 00:03:58
وتنتقل إلى مواضيع مثل مناقشة فائدة وجود الظّاهرة الفطريَّة تطوريًّا، - 00:04:02
في كلامٍ إنشائيٍ عقيم. - 00:04:08
هذه الدّرونة لكل شيءٍ بلا دليل انتقدَها حتّى بعض الدّارونيين الملحدين أنفسِهم، - 00:04:10
ومنهم بروفيسور البيئة والّتطوّر الملحد الداروينيُّ - 00:04:16
جيري كوين Jerry A. Coyne، - 00:04:19
حيث في كتابه المعنون" - 00:04:20
(لماذا التطور حقيقة؟) - 00:04:21
قال كوين: "هناك ميلٌ آخذٌ في التّزايد بشكلٍ مزعجٍ - 00:04:23
من قبل علماء نفس وعلماء أحياء وفلاسفة لدرونة كل جانبٍ - 00:04:27
من الجوانب السلوكية للإنسان، لتتحوّل تلك الدّراسات إلى لعبةٍ علميَّةٍ جماعيَّة. - 00:04:32
إنّ إعادة تشكيل الطُّرق الَّتي يُحتَمَل أنّ الأشياء تطوّرت من خلالها، - 00:04:38
اعتمادًا على الخيال الواسع، ليست عِلمًا، إنّها مجرد حكايات." - 00:04:43
حسنٌ، كاستثناءٍ، نرى دين هامر Dean Hamer - 00:04:48
-وبخلاف باقي المؤلّفين- قد تكلّم عن مورِّث معيٍَّن لتفسير نزعة التّديّن لدى الإنسان. - 00:04:50
لكنَّ هامر هذا -كما سنرى- بطل الادّعاءات التّي لا دليل عليها، - 00:04:56
بل يُكَذّبها بقية الباحثين. - 00:05:01
أقام كتابه (الجين الإلهي) على دراسةٍ واحدةٍ مدّعاة، لم يَنشرها ولم تَتكرر نتائجُها - 00:05:03
مع أيّ باحثٍ بعده حاول تكرارها، كما نصّ كارل زيمر Carl Zimmer. - 00:05:10
حتّى أن بعض الملحدين أنفسِهم سخروا من ادّعاءاته قائلين: لا يوجد إله ولا مورِّث إلهي. - 00:05:15
والحقيقة أنَّ الذّين يدّعون، أنّه يمكن العثور على مورِّث معيّن مرتبطٍ بنزعةٍ فطريَّةٍ معيَّنة - 00:05:22
هؤلاء إمَّا أّنهم جاهلون بعلم المورَّثات جهلًا مخزيًا، - 00:05:29
مهما حملوا من ألقاب الدَّكتوراه - 00:05:34
أو أنّهم يُخادِعون جمهورهم. - 00:05:36
فمعلوماتُنا من سنوات عن ارتباط المورَّثات بالصّفاتِ أنّه أعقد بكثيرٍ مما كنَّا نظنُّ، - 00:05:38
كما في هذه الورقة العلميَّة المنشورة في مجلة (نيتشر) Nature المعروفة، عام 2008، - 00:05:45
والتّي تُبيّن أنَّ فكَّ الشّيفرة الوراثيّة في - 00:05:49
مشروع هيومان جينوم (المادة الوراثية الإنسانية) Human Genome Project - 00:05:52
خيّب آمالنا. - 00:05:54
حيث وجدنا أنّه حتّى الصِّفات الجسميَّة، - 00:05:55
كطول القامة والأمراضِ العقليَّة (بالإنجليزية) كانفصام الشخصية - 00:05:58
-والتّي يظهر أنّ لها ارتباطًا بالوراثة- - 00:06:01
حتَّى هذه لا يمْكِن عَزْوها إلى مورِّث، ولا حتَّى إلى مجموعة مورّثات معيّنةٍ، - 00:06:04
وأنّ الأمر أعقدُ بكثيرٍ ممَّا كان يُدرَّس في المدارس والجامعات. - 00:06:10
وتنصّ دراساتٌ أخرى على أنَّ صفةً سلوكيّةً واحدةً - 00:06:15
قد تكون مرتبطةً بآلاف المورِّثات، التّي يسهم كلٌّ منها في هذه الصّفة إسهامًا طفيفًا. - 00:06:18
وتعترف الدّراسات -مع ذلك- بعدم القدرة على تحديد هذه المورَّثات المُفْتَرَضة. - 00:06:26
هذا إن سلّمنا لهم بأنّ هناك ارتباطًا أصلًا. - 00:06:31
فالموضوع من الواضح أنَّه شديد التّعقيد والغُموض. - 00:06:35
ومع ذلك، يأتي أمثال هامر ليقولوا لك: - 00:06:39
الجينُ الإلهيُّ... - 00:06:42
وترى في الإعلام الغربي، عناوين مثل: - 00:06:43
هذا المورّث المحدّد [قد] يقرر، - 00:06:45
إذا ما كنت ستصوّت لصالح الجمهورييّن أو الدِّيمقراطييّن. - 00:06:49
في تسطيحٍ للموضوع واستسخافٍ واستغفالٍ لعقول الناس. - 00:06:53
وإن كنًا لا نستغرب أن تمرَّ هذه الادّعاءات - 00:06:59
المضحكة على عقول بعض الشَّباب البعيد عن الأجواء العلميَّة، - 00:07:01
فمن العجيب حقًا أن يتداولها أشخاصٌ لديهم أدنى مبادئ البحث العلميِّ - 00:07:05
أو أطباءُ أو طلابٌ في المجال الطبّيِّ والحيويِّ. - 00:07:11
وقبل أن أتابع أودّ أن أقول: - 00:07:15
لا أرَى مانعًا من الناحيّة النظريّة من أن يخلُق الله -تعالى- - 00:07:17
في الإنسان مورِّثات تعين على تكوين النّزعات الفطريَّة. - 00:07:20
وقد بيّنا في الحلقة الرّابعة من السِّلسلة - 00:07:24
لماذا إنْ وُجد هذا يُعدُّ دليلًا آخر على وجود الخالق وعظمته؟. - 00:07:27
لكنّ المَعِيبَ بالتأكيد، المَعِيبُ جدًا - 00:07:34
أن يُقِيمَ المادّيون تفسيرَهم للظّواهر الفطريّة - 00:07:38
على أساس وجود هذه المورِّثات، أو على طرقٍ تطوريّةٍ لم تكتشف بعد كبديلٍ عن وجود الخالق، - 00:07:42
وهم لا يملكون دليلًا عليها، فينفون ما قامت الأدلّةُ كلُّها عليه، بحجّة ما لا دليل عليه. - 00:07:49
المَعِيبُ هو أن ينكر علينا الملحدون إيمانَنا الغيبيَّ بوجود الله وقد دلت الأدلة عليه، - 00:07:56
بينما لا يجدون حرجًا من الإيمان الغيبيِّ، - 00:08:03
بوجود هذه المورِّثات أو التّفسيرات التّي لم تُكْتَشف بعد، ولا دليل لهم عليها. - 00:08:06
المَعِيبُ هو أن يدَّعيَ الملحدون - 00:08:13
أنَّ إيماننا بوجود الخالق هو من قبيل سدِّ الفجوات المعرفيَّة، - 00:08:15
أي أنَّنا لا نعرف سبب بعض الظَّواهر؛ فنفترض وجودَ الله لتفسيرها. - 00:08:20
وهذا ليس صحيحًا في المنظومة العَقَديّةِ الإسلاميَّة. - 00:08:26
بينما الملحدون يمارسون هذا الإيمان الأعمى الداروينيِّ - 00:08:30
لتفسير ظواهر فشِلت ماديَّتُهم في تفسيرها. - 00:08:34
نفَوْا وجود الخالق، فكان لا بدَّ من بديل، البديلِ الماديُّ، - 00:08:38
الذّي ينفي الرّوح والفطرة فبَنَوْا على هذا البديل قصورًا ومزاعم وقصصًا. - 00:08:42
وألّفوا كتبًا وأقاموا محاضراتٍ، على لا شيء، - 00:08:48
على وهمٍ كبير. - 00:08:52
فهل هناك إيمانٌ أعمى أكثرُ من هذا! هل هناك تأجير عقلٍ أكثرُ من هذا! - 00:08:54
هل هناك تحيزٌ علميّ وأحكام مسبقةٌ، أكثرُ من هذا! - 00:09:00
هذه التُّهم التِّي يرمون بها المسلمين. - 00:09:05
هل هناك من هو أولى من هؤلاء الملحدين والدَّارونيّين بها! - 00:09:07
يدَّعون خصومةً بين الإسلام والواقع وخصومةً بين الإسلام والعِلم التَّجريبيِّ، - 00:09:12
مع أنَّ في قولهم مثلًا: "لا إرادةَ حرةَ لدى الإنسان، بل تحرِّكه المورِّثات" - 00:09:17
تتجلَّى قمّة المصادمة للواقع، الذّي يفرض أنّ الإنسان لديه إرادةٌ حرةٌ، مهما أنكروا. - 00:09:23
ويتجلّى عدم احترام العِلم التّجريبيِّ في دعاوى المورِّثات بلا دليلٍ. - 00:09:30
وهذا كلّه، ضريبة معاندة الأدّلة الفطريّة على وجود الله -تعالى-. - 00:09:36
اقتربنا بهذا من نهاية الحديث عن الأدّلة الفطريّة، - 00:09:41
ولا نريد أن نستطْرد كثيرًا ونبتعد عن الموضوع. - 00:09:45
لكن نَوَدُّ أن نذكر مثالًا للتّضليل الذّي يمارسه الملحدون والدّارونّيون، باسم العلم، - 00:09:48
وهو تبْرير الشّذوذ الجنسيِّ بادّعاء وجود أساس جينيٍّ له. - 00:09:54
لنرى مثالًا أخيرًا، من ضرائب التَّنكُّر لفطريَّة الغرائز البشريَّة. - 00:10:00
ومحاولةِ تفسيرِها تفسيرًا ماديًّا بحتًا. - 00:10:05
وهو ما سنناقشه في الحلقة القادمة بإذن الله. - 00:10:08
والسّلام عليكم ورحمة الله. - 00:10:11
التفريغ
السلام عليكم. - 00:00:12
في هذهِ الحلقة نجيب عن سؤال،: هل أيٌّ من الظَّواهر الفطريَّة ثَبت أنَّ لها أسبابًا تطوريَّة؟ - 00:00:13
أم أنَّ الملحدين والتطوّريين يؤمنون إيمانًا أعمىً يسدّون به فجواتهم المعرفيّة. - 00:00:20
أي: الملحدون حين أنكروا وجود الله، ومن ثم أنكروا أنَّ هناك فطرةً - 00:00:26
فطر الله الناس عليها، وقعوا في مأزق: أنَّهم لا يملكون تفسيرًا لأيٍّ من الظّواهر الفطريّة، - 00:00:31
كنزعة التّديّن، أو النّزعة الأخلاقيّة والشّعور بالغائيّة، والإرادة الحرَّة والغرائز. - 00:00:37
فهي ظواهرُ غيرُ ماديّةٍ في الظّاهر؛ لذا فقد بحثوا عن تفسيراتٍ ماديَّةٍ لها. - 00:00:43
وادّعوا أنَّ كلَّ هذه الظَّواهر لها أسبابٌ ماديّةٌ ضمن إطار التّطوَّر الدّاروينيِّ. - 00:00:49
فإمّا أن تكون الظَّاهرة الفطريَّة المعيَّنة ناتجةً عن جينٍ (مورِّث) معيّنٍ، أو مجموعةَ جيناتٍ(مورِّثات). - 00:00:55
وإمَّا أن تكون ناشئةً عن صفاتٍ أخرى متعلقةٍ بالجينات، انتخبتها الطبيعة، - 00:01:01
أو أنّ الظَّواهر الفطريّة، أو الظَّاهرة الفطريّة المعيّنة قد تَمّ انتخابها داروينيًا، - 00:01:08
دون أن نعرف كيف ظَهرت هذه الظّاهرة ابتداءً، لكنَّها ظهرت ثمّ انْتُخِبَت. - 00:01:13
والسّؤال: هل ادّعاؤُهم هذا عليه دليلٌ علميّ؟ - 00:01:19
أمَّا الاحتمال الثَّالث: لا نعرف كيف ظهرت، فإحالةٌ على مجهولٍ. - 00:01:22
عبارةٌ لا يَقْبلها الملحدون من المؤمنين بالله في تفسير الظّواهر. - 00:01:26
يبقى التَّفسير الذِّي يُمْكِن فحصه واختبارُ صحّتِه، هو ربطُ الظّواهر الفطريّة بالمورِّثات. - 00:01:31
حتّى تدّعي أنّ صفةً ما في كائنٍ ما لها علاقةٌ بمورِّث معيَّنٍ، - 00:01:38
فهناك طرقٌ علميّةٌ محدّدةٌ لإثبات وجود هذه العلاقة. - 00:01:43
الطّريقة الأولى: هي "إضافة مورّث" Gene Insertion، للبويضة المخصبة، - 00:01:48
أو "حذف مورَّث": "Gene Deletion"، ومتابعةُ ما إذا أدّى ذلك إلى ظهور أو اختفاءِ صفةٍ معيّنةٍ. - 00:01:53
وهذا ممكنٌ في الحيوانات، مثلَ ما يسمَّى - 00:02:00
بـ "الفئران محذوفة المورِّث" "Knockout Mice" مثلاً. - 00:02:03
لكن لم يَتّم إجراؤها في الإنسان، بالإضافة إلى أنّه يَدْخُلها عواملُ معقّدةٌ. - 00:02:06
"كالآليّات التعويضيّة" "Compensatory Mechanisms" - 00:02:11
والتّي قد تَعوّض المورِّث، المحذوف مثلًا. - 00:02:13
تبقى الطّريقة الممكنة في الإنسان هي أن تُجريَ مسحًا جينيًّا - 00:02:18
وتُثبِتَ أنّ المتّصفين بصفةٍ أو نزعةٍ معيّنة لديهم مورثُ ليس لدى الآخرين - 00:02:23
الذّين لا يمتلكون هذه الصّفة أو النّزعة، - 00:02:29
أو أنّ لديهم مورثات يحصل لها "تمْثيل"، "Expression" بشكل مختلفٍ عن الآخرين، - 00:02:32
فيما يعرف: "بالوراثة فوق الجينيّة" "Epigenetics" مثلًا. - 00:02:38
وهذه الطّريقة رَبَطت بعض الصّفات الجسميّة والأمراض بأسبابٍ جينيّةٍ. - 00:02:42
حسنٌ، نعود فنقول: الملحدون والدّاروينيّون - 00:02:47
أجْرَوْا عمليّةَ درونة Darwinization لكلِّ شيء. - 00:02:50
وكان ممّا درونوه الظَّواهرُ الفطريَّة. - 00:02:54
وهناك قائمةٌ طويلةٌ من الكتب التي قامت على هذا الأساس، مثل: - 00:02:56
(الجين الإلهي) ، - 00:03:01
(الأساس التطوّري للنّزعة الأخلاقيّة) - 00:03:03
(الأساس التّطوري للحريّة) - 00:03:06
(نظرة دارونيَّة للمَحبَّة من قِبَلِ الوالدين) - 00:03:08
(تطوُّر الرّغبة الجنسيَّة التَّزاوجيَّة) - 00:03:12
وغيرها الكثير. - 00:03:14
الآن، فلْنتجاوزْ دعوى الدّارونييّن: - 00:03:16
أن هناك صفاتٍ ظهرت بطرقٍ لا نعرفها، - 00:03:19
لكنّها انتُخِبَت؛ لأنّ عبارة (لا نعرفها) ليست عِلمًا يُخْتَبَر. - 00:03:22
يبقى الرّبطُ باالمورِّثات، - 00:03:27
فنقول: بِناءً على ما تقدّم من الطّرق العلميّة لإثبات العلاقة الجينيّة بالصّفات، - 00:03:28
هل أيٌّ من ادِّعاءات - 00:03:34
هذه المؤَلَّفَاتِ عليها دليل علميٌّ؟ - 00:03:36
هل تّم تحديد أيَّ مورّث مسؤولٍ عن أيّة نزعةٍ فطريّة؟ والجواب الصَّادم: لا. - 00:03:39
إنَّما هي ادّعاءاتٌ لا أساسَ علميًّا لها أي إيمانٌ أعمىً داروينيٌّ. - 00:03:46
فهذه المؤلّفات تتجاوز سؤال (هل يوجد سببٌ ماديٌّ بالفعل للظّاهرة الفطريّة). - 00:03:52
وتَعتبر الإجابةَ عنه محسومةً، ووجودَه حقيقةً مسلّمةً. - 00:03:58
وتنتقل إلى مواضيع مثل مناقشة فائدة وجود الظّاهرة الفطريَّة تطوريًّا، - 00:04:02
في كلامٍ إنشائيٍ عقيم. - 00:04:08
هذه الدّرونة لكل شيءٍ بلا دليل انتقدَها حتّى بعض الدّارونيين الملحدين أنفسِهم، - 00:04:10
ومنهم بروفيسور البيئة والّتطوّر الملحد الداروينيُّ - 00:04:16
جيري كوين Jerry A. Coyne، - 00:04:19
حيث في كتابه المعنون" - 00:04:20
(لماذا التطور حقيقة؟) - 00:04:21
قال كوين: "هناك ميلٌ آخذٌ في التّزايد بشكلٍ مزعجٍ - 00:04:23
من قبل علماء نفس وعلماء أحياء وفلاسفة لدرونة كل جانبٍ - 00:04:27
من الجوانب السلوكية للإنسان، لتتحوّل تلك الدّراسات إلى لعبةٍ علميَّةٍ جماعيَّة. - 00:04:32
إنّ إعادة تشكيل الطُّرق الَّتي يُحتَمَل أنّ الأشياء تطوّرت من خلالها، - 00:04:38
اعتمادًا على الخيال الواسع، ليست عِلمًا، إنّها مجرد حكايات." - 00:04:43
حسنٌ، كاستثناءٍ، نرى دين هامر Dean Hamer - 00:04:48
-وبخلاف باقي المؤلّفين- قد تكلّم عن مورِّث معيٍَّن لتفسير نزعة التّديّن لدى الإنسان. - 00:04:50
لكنَّ هامر هذا -كما سنرى- بطل الادّعاءات التّي لا دليل عليها، - 00:04:56
بل يُكَذّبها بقية الباحثين. - 00:05:01
أقام كتابه (الجين الإلهي) على دراسةٍ واحدةٍ مدّعاة، لم يَنشرها ولم تَتكرر نتائجُها - 00:05:03
مع أيّ باحثٍ بعده حاول تكرارها، كما نصّ كارل زيمر Carl Zimmer. - 00:05:10
حتّى أن بعض الملحدين أنفسِهم سخروا من ادّعاءاته قائلين: لا يوجد إله ولا مورِّث إلهي. - 00:05:15
والحقيقة أنَّ الذّين يدّعون، أنّه يمكن العثور على مورِّث معيّن مرتبطٍ بنزعةٍ فطريَّةٍ معيَّنة - 00:05:22
هؤلاء إمَّا أّنهم جاهلون بعلم المورَّثات جهلًا مخزيًا، - 00:05:29
مهما حملوا من ألقاب الدَّكتوراه - 00:05:34
أو أنّهم يُخادِعون جمهورهم. - 00:05:36
فمعلوماتُنا من سنوات عن ارتباط المورَّثات بالصّفاتِ أنّه أعقد بكثيرٍ مما كنَّا نظنُّ، - 00:05:38
كما في هذه الورقة العلميَّة المنشورة في مجلة (نيتشر) Nature المعروفة، عام 2008، - 00:05:45
والتّي تُبيّن أنَّ فكَّ الشّيفرة الوراثيّة في - 00:05:49
مشروع هيومان جينوم (المادة الوراثية الإنسانية) Human Genome Project - 00:05:52
خيّب آمالنا. - 00:05:54
حيث وجدنا أنّه حتّى الصِّفات الجسميَّة، - 00:05:55
كطول القامة والأمراضِ العقليَّة (بالإنجليزية) كانفصام الشخصية - 00:05:58
-والتّي يظهر أنّ لها ارتباطًا بالوراثة- - 00:06:01
حتَّى هذه لا يمْكِن عَزْوها إلى مورِّث، ولا حتَّى إلى مجموعة مورّثات معيّنةٍ، - 00:06:04
وأنّ الأمر أعقدُ بكثيرٍ ممَّا كان يُدرَّس في المدارس والجامعات. - 00:06:10
وتنصّ دراساتٌ أخرى على أنَّ صفةً سلوكيّةً واحدةً - 00:06:15
قد تكون مرتبطةً بآلاف المورِّثات، التّي يسهم كلٌّ منها في هذه الصّفة إسهامًا طفيفًا. - 00:06:18
وتعترف الدّراسات -مع ذلك- بعدم القدرة على تحديد هذه المورَّثات المُفْتَرَضة. - 00:06:26
هذا إن سلّمنا لهم بأنّ هناك ارتباطًا أصلًا. - 00:06:31
فالموضوع من الواضح أنَّه شديد التّعقيد والغُموض. - 00:06:35
ومع ذلك، يأتي أمثال هامر ليقولوا لك: - 00:06:39
الجينُ الإلهيُّ... - 00:06:42
وترى في الإعلام الغربي، عناوين مثل: - 00:06:43
هذا المورّث المحدّد [قد] يقرر، - 00:06:45
إذا ما كنت ستصوّت لصالح الجمهورييّن أو الدِّيمقراطييّن. - 00:06:49
في تسطيحٍ للموضوع واستسخافٍ واستغفالٍ لعقول الناس. - 00:06:53
وإن كنًا لا نستغرب أن تمرَّ هذه الادّعاءات - 00:06:59
المضحكة على عقول بعض الشَّباب البعيد عن الأجواء العلميَّة، - 00:07:01
فمن العجيب حقًا أن يتداولها أشخاصٌ لديهم أدنى مبادئ البحث العلميِّ - 00:07:05
أو أطباءُ أو طلابٌ في المجال الطبّيِّ والحيويِّ. - 00:07:11
وقبل أن أتابع أودّ أن أقول: - 00:07:15
لا أرَى مانعًا من الناحيّة النظريّة من أن يخلُق الله -تعالى- - 00:07:17
في الإنسان مورِّثات تعين على تكوين النّزعات الفطريَّة. - 00:07:20
وقد بيّنا في الحلقة الرّابعة من السِّلسلة - 00:07:24
لماذا إنْ وُجد هذا يُعدُّ دليلًا آخر على وجود الخالق وعظمته؟. - 00:07:27
لكنّ المَعِيبَ بالتأكيد، المَعِيبُ جدًا - 00:07:34
أن يُقِيمَ المادّيون تفسيرَهم للظّواهر الفطريّة - 00:07:38
على أساس وجود هذه المورِّثات، أو على طرقٍ تطوريّةٍ لم تكتشف بعد كبديلٍ عن وجود الخالق، - 00:07:42
وهم لا يملكون دليلًا عليها، فينفون ما قامت الأدلّةُ كلُّها عليه، بحجّة ما لا دليل عليه. - 00:07:49
المَعِيبُ هو أن ينكر علينا الملحدون إيمانَنا الغيبيَّ بوجود الله وقد دلت الأدلة عليه، - 00:07:56
بينما لا يجدون حرجًا من الإيمان الغيبيِّ، - 00:08:03
بوجود هذه المورِّثات أو التّفسيرات التّي لم تُكْتَشف بعد، ولا دليل لهم عليها. - 00:08:06
المَعِيبُ هو أن يدَّعيَ الملحدون - 00:08:13
أنَّ إيماننا بوجود الخالق هو من قبيل سدِّ الفجوات المعرفيَّة، - 00:08:15
أي أنَّنا لا نعرف سبب بعض الظَّواهر؛ فنفترض وجودَ الله لتفسيرها. - 00:08:20
وهذا ليس صحيحًا في المنظومة العَقَديّةِ الإسلاميَّة. - 00:08:26
بينما الملحدون يمارسون هذا الإيمان الأعمى الداروينيِّ - 00:08:30
لتفسير ظواهر فشِلت ماديَّتُهم في تفسيرها. - 00:08:34
نفَوْا وجود الخالق، فكان لا بدَّ من بديل، البديلِ الماديُّ، - 00:08:38
الذّي ينفي الرّوح والفطرة فبَنَوْا على هذا البديل قصورًا ومزاعم وقصصًا. - 00:08:42
وألّفوا كتبًا وأقاموا محاضراتٍ، على لا شيء، - 00:08:48
على وهمٍ كبير. - 00:08:52
فهل هناك إيمانٌ أعمى أكثرُ من هذا! هل هناك تأجير عقلٍ أكثرُ من هذا! - 00:08:54
هل هناك تحيزٌ علميّ وأحكام مسبقةٌ، أكثرُ من هذا! - 00:09:00
هذه التُّهم التِّي يرمون بها المسلمين. - 00:09:05
هل هناك من هو أولى من هؤلاء الملحدين والدَّارونيّين بها! - 00:09:07
يدَّعون خصومةً بين الإسلام والواقع وخصومةً بين الإسلام والعِلم التَّجريبيِّ، - 00:09:12
مع أنَّ في قولهم مثلًا: "لا إرادةَ حرةَ لدى الإنسان، بل تحرِّكه المورِّثات" - 00:09:17
تتجلَّى قمّة المصادمة للواقع، الذّي يفرض أنّ الإنسان لديه إرادةٌ حرةٌ، مهما أنكروا. - 00:09:23
ويتجلّى عدم احترام العِلم التّجريبيِّ في دعاوى المورِّثات بلا دليلٍ. - 00:09:30
وهذا كلّه، ضريبة معاندة الأدّلة الفطريّة على وجود الله -تعالى-. - 00:09:36
اقتربنا بهذا من نهاية الحديث عن الأدّلة الفطريّة، - 00:09:41
ولا نريد أن نستطْرد كثيرًا ونبتعد عن الموضوع. - 00:09:45
لكن نَوَدُّ أن نذكر مثالًا للتّضليل الذّي يمارسه الملحدون والدّارونّيون، باسم العلم، - 00:09:48
وهو تبْرير الشّذوذ الجنسيِّ بادّعاء وجود أساس جينيٍّ له. - 00:09:54
لنرى مثالًا أخيرًا، من ضرائب التَّنكُّر لفطريَّة الغرائز البشريَّة. - 00:10:00
ومحاولةِ تفسيرِها تفسيرًا ماديًّا بحتًا. - 00:10:05
وهو ما سنناقشه في الحلقة القادمة بإذن الله. - 00:10:08
والسّلام عليكم ورحمة الله. - 00:10:11