سلسلة رحلة اليقين - القناة الرسمية د. إياد قنيبي

رحلة اليقين ٥٦: فانظروا كيف بدأ الخلق-هل أشار القرآن لتطور الإنسان؟

إياد قنيبي

السلام عليكم ورحمة الله. - 00:00:05ضَ

أيها الكرام، يستدل البعض بآيات من القرآن ليؤيد بها تطور الإنسان عن كائنات أدنى. - 00:00:06ضَ

فهل استدلالهم هذا صحيح؟ - 00:00:13ضَ

بداية، هل العلم الرصدي التجريبي -الـ(Science)- - 00:00:15ضَ

أثبت تطور الإنسان عن كائنات أدنى؟ - 00:00:18ضَ

أجبنا عن هذا السؤال بالتفصيل في حلقة (أصل الإنسان) - 00:00:21ضَ

حسنا، وهل البحث في نشأة الإنسان أصلاً هو من اختصاص الـ(Science)؟ - 00:00:24ضَ

بيّنَّا أنَّ أصلَ الإنسان أمرٌ غيبيّ ليس خاضعًا للرصد ولا للتجريب، - 00:00:28ضَ

وبالتالي فهو خارج اختصاص الـ(Science). - 00:00:34ضَ

إذن فكيف نعرف أصل الإنسان؟ - 00:00:37ضَ

بيَّنَّا أن الأمورَ الغيبيَّة من هذا النوع - 00:00:39ضَ

لا سبيل إلى معرفتها إلا بالدليل العلميّ الخبري. - 00:00:42ضَ

حلقة اليوم بناءٌ على هذه المفاهيم التي أثبتناها، - 00:00:46ضَ

فالذي عنده اعتراض على هذه المفاهيم عليه أن يرجع للحلقات المذكورة. - 00:00:50ضَ

وحلقة اليوم هي أيضاً للمؤمنين بأن القرآن من عند الله. - 00:00:55ضَ

فبدايةً -يا كرام- ضروري أن نتحرر من ضغط محاولة التوفيق بين الآيات - 00:00:59ضَ

وفكرةِ تطور الإنسان التي لا دليل عليها من الـ(Science)؛ - 00:01:04ضَ

لننظرَ في نصوص الوحي نظرةً متحرّرة، - 00:01:07ضَ

فنفهمَها فهمًا صحيحًا غيرَ متأثرٍ بأوهامٍ مسبَقة. - 00:01:11ضَ

فإن أصل انحراف كثيرٍ من المسلمين قديمًا وحديثًا في التّعامل مع القرآن - 00:01:15ضَ

هو أنهم استقرَّ في أذهانهم أوهامٌ باطلة، مقرراتٌ مسبَقة، - 00:01:20ضَ

ثم راحوا يطوّعون نصوص القرآن لهذه المقررات، فقادهم ذلك إلى تحريف معاني القرآن، - 00:01:26ضَ

وهو من تحريفِ الكَلِم عن مواضعه. والله تعالى حينَ أخبرنا بأخبار أهل الكتاب - 00:01:33ضَ

أنهم ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [القرآن 5: 13]، - 00:01:39ضَ

فقد أخبَرَنا بأخبارِهم لنَحذَرَ أن نفعلَ مثلَ فِعلهم. - 00:01:45ضَ

ومرَّة أُخرى نقول -يا كرام: هل الله قادرٌ على تَطويرِ الإنسان عن كائناتٍ أدنى؟ - 00:01:49ضَ

نعم... هذا ممكنٌ في قدرةِ الله -تعالى- الذي لا يُعجِزُه شيءٌ، - 00:01:55ضَ

لكنْ سؤالُنا الآن: ما الذي أخبرنا به الوحي؟ - 00:02:00ضَ

أي: ما هو الدليل العلميُّ الخبريُّ على أصلِ الإنسان؟ - 00:02:04ضَ

فهذه الخطوة الأولى في منهجيَّتِنا: التّحرُّر من مقرَّرات مسبقة لا دليل عليها. - 00:02:08ضَ

ثانيا: سنرى هل بيّن الله تعالى خلق الإنسان في آيات محكمات واضحة المعنى لا لبْس فيها؟ - 00:02:14ضَ

أم أنَّه -تعالى- ترك كيفيَّة خلقِ الإنسان مفتوحةً للاحتمالات؟ - 00:02:21ضَ

ثالثا: سنلتزم بما يأمرنا به إسلامنا من أن نستقي الأخبار الحقة من القرآن والسنة معا، - 00:02:26ضَ

فنستعينَ بأحاديثَ صحيحةٍ على تأكيدِ الجواب عن نشأة الإنسان. - 00:02:34ضَ

رابعًا: سنرى الآيات التي يستدِلُّ بها (مُؤسْلِمُو) التطوُّر - 00:02:38ضَ

على أن الإنسان تَطوَّر عن كائناتٍ أدنى، - 00:02:42ضَ

سنضعُ هذه الآيات في سياقها القرآنيِّ، ونفهمُها على ضوء الآيات الأخرى؛ - 00:02:45ضَ

فالقرآنُ يفسِّر بعضُه بعضًا. - 00:02:50ضَ

وسنرى في مقابل ذلك ملامح طريقَةِ (مُؤَسْلِمِي) التطوُّر: - 00:02:53ضَ

من التعامل مع القرآن بمقرَّراتٍ مسبقة موهومةٍ، - 00:02:57ضَ

ثمَّ تحريفَ دلالاتِ الآياتِ المحكمةِ، - 00:03:01ضَ

والإعراضَ بالكُلِّيَّة عن الأحاديث الصحيحة الواردة في الموضوع، - 00:03:04ضَ

وبَتْرَ الآيات -أو حتى أَجْزاءٍ منها- عن سياقِها، شعروا بذلك أم لم يشعروا. - 00:03:08ضَ

بدايةً: هناك من دَرَاوِنَة العرب من يأخذُ الخرافة كما هي، فيقولُ بتطوُّر الكائنات - 00:03:14ضَ

بالتغيُّرات العشوائيَّة والانتخابِ الأعمى ومَجْموعِ الصُدَف دون قصدٍ من خالقٍ، - 00:03:20ضَ

وتراهم يتخبَّطون، فَمَرَّةً يقولون بذلك، ومرةً يقولون: التطوُّر أداة الله في الخلق، - 00:03:25ضَ

وقد رددنا على هذا الاتجاه في حلقة (لماذا يُلحد بعض أتباع عدنان إبراهيم؟). - 00:03:31ضَ

قال بعض مُؤَسْلمي التَّطوُّر: لا... لا، نحن لا نقول بهذا، - 00:03:38ضَ

بل بالتطوُّر الموجَّهِ -أن الله طَوَّر الكائنات بعضَها إلى بعضٍ. - 00:03:42ضَ

حسنًا، تعالوا نستعرض الآيات التي يستدِلُّون بها. - 00:03:47ضَ

بدايةً: أكثر آيةٍ يستدلُّون بها على مبدأِ التطوُّر عمومًا هي قولُ الله -تعالى: - 00:03:51ضَ

﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ [القرآن 29: 20] - 00:03:57ضَ

يقولون: ماذا تريد أوضحَ من ذلك؟! الله يأمرنا أن ننظر كيف بدأ الخلق، - 00:04:01ضَ

أي كيف بدأت الحياة على هذا الكوكب، ونظريةُ التطوُّر هذا هو موضوعُها. - 00:04:07ضَ

- آها… لحظةً! هل هذه الآية دليلٌ على صحَّة نظريَّة التطوُّر موجّها أو غيرَ موجّه؟ - 00:04:12ضَ

= لا - حسنًا… إذن، لماذا تستدلُّون بها؟ - 00:04:20ضَ

= لأنَّها تدلُّ على أنَّه بالإمكانِ معرفةُ أصلِ الإنسان والمخلوقات - 00:04:24ضَ

بالسَّير في الأرض وباستخدام الـ(Science) - 00:04:28ضَ

- هل هذا معناها الذي يدلُّ عليه سياقُها؟ - 00:04:31ضَ

= إن لم يكن هذا معناها فما معناها إذن؟ - 00:04:35ضَ

- آها، تعالَوا نرى سياقَ الآية - 00:04:38ضَ

الآية هي من سورة العنكبوت، وسياقُها إقامةُ الحجَّةِ على مُنكري الإحياء بعدَ المَوت، - 00:04:41ضَ

أنَّ الله الذي يُبدئ الخلق بشكلٍ متجدِّدٍ مستمَرٍّ - 00:04:46ضَ

قادرٍ على أن يُنشِئَهم بعدَ مماتهم للحساب يوم القيامة، اسمع لسياق الآية: - 00:04:51ضَ

قال الله -تعالى: ﴿وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ۖ... - 00:04:57ضَ

وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ۝ - 00:05:02ضَ

أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۝ - 00:05:05ضَ

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ - 00:05:11ضَ

ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ - 00:05:14ضَ

يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ ۖ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ۝﴾ [القرآن 29: 18-21] - 00:05:21ضَ

﴿وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ﴾ - 00:05:27ضَ

إن تُكذِّبوا بالبعث والحساب فقد كَذَّبَت أممٌ أخرى بائدةٌ. - 00:05:31ضَ

﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ۝ - 00:05:35ضَ

أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ - 00:05:38ضَ

لاحظ! تركيبُ الكلام شبيهٌ بالآية بعدها - 00:05:41ضَ

﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقُ﴾، وهنا: ﴿يُبْدِئُ الله الْخَلْقَ﴾. - 00:05:45ضَ

هل المقصود بالآية: أولم يروا كيف ينشئ الله الكائنات من أصل مشترك بالتطوُّر الموجَّهِ؟ - 00:05:49ضَ

لا علاقةَ لهذا المعنى بالسياق، وإنما: أولم يَرَوا كيف يُنشئُ الله المخلوقاتِ من عدم - 00:05:55ضَ

-أي بعد أن كانت معدومةً- البشرَ والنباتَ والحيوانات... يوجدها بعد أن لم تكن موجودة؟ - 00:06:01ضَ

وهي بمعنى قوله -تعالى: - 00:06:08ضَ

﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [القرآن 30: 27] - 00:06:10ضَ

فإعادةُ المخلوقات أهون من خلقها أول مرَّة، - 00:06:14ضَ

لذلك قال هنا: ﴿إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾. - 00:06:19ضَ

لكنَّ الإنسانَ قلَّما يتَّعِظُ بالمخلوقات التي اعتاد عليها من حوله لأنَّه أَلِفَها، - 00:06:22ضَ

ولأنَّ حواسَّه كانت تعمل من الطفولة قبل أن ينضجَ لديه التَّفكُّر والتَّأمُّل، - 00:06:28ضَ

فاعتاد على هذه الـمَشاهِد، وكان بحاجةٍ إلى تجديدٍ - 00:06:33ضَ

يجدد لديه مَلكة التأمل والتفكر والاتِّعاظ. كيف يحصلُ هذا التَّجديد؟ - 00:06:37ضَ

﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾، - 00:06:42ضَ

بأن يسيرَ الإنسانُ في الأرض فيرى مخلوقاتٍ أُخرى - 00:06:47ضَ

-يَرى حيواناتٍ ونباتاتٍ وجبالًا وأنهارًا ومَشاهدَ لم يَعتَدْها- - 00:06:50ضَ

تَدلُّه على عظمةِ الخالق وقُدرَته على البعث، - 00:06:56ضَ

يَرى من آثار الأُمَم البائدة والأُممِ التي حلَّت مَحَلَّها؛ - 00:07:00ضَ

فيدركَ أنَّ اللهَ الذي أهلك أقوامًا وأحلَّ مَحَلَّهم أقوامًا - 00:07:04ضَ

قادرٌ على أن يبعَثهم جميعًا كما لم يُعجِزه إيجادُهم ولا إهلاكُهم، لذلك قال بعدها: - 00:07:08ضَ

﴿ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةِ﴾ -يومَ القيامة- - 00:07:15ضَ

﴿إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. - 00:07:20ضَ

حسنًا، لماذا في الآية الأولى ﴿كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ﴾ - 00:07:22ضَ

وفي الثانية: ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾؟ - 00:07:26ضَ

لأنَّك في بلَدِكَ وبينَ أهلك ترى المواليد يُولدون ويَكبُرون عَبرَ السِّنين، - 00:07:29ضَ

ترى النباتَ يَخرُج ويَنمُو شيئًا فشيئًا، بينما عندما تسير في الأرض - 00:07:35ضَ

لا تكونُ مستقِرًّا لتَشْهَدَ هذه المراحلَ، وإنَّما ترى مَخلوقاتٍ بدأها اللهُ من قَبل. - 00:07:40ضَ

تعالَوا الآنَ نقرأ الآية في سياقها لنرى اتِّساق المعنى مع ما ذكرْنا: - 00:07:46ضَ

آخر الآية 17 من سورة العنكبوت: ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾… بعدها: - 00:07:53ضَ

﴿وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ۖ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ۝ - 00:07:58ضَ

أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۝ - 00:08:04ضَ

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ - 00:08:09ضَ

إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ - 00:08:15ضَ

يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ ۖ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ۝﴾ [القرآن 29: 18-21] - 00:08:18ضَ

السؤال الآن: أليس هذا المعنى واضحًا لائِحًا مُتَّسقًا مُقنِعًا؟ - 00:08:23ضَ

أليْسَ معنًى فَهِمَه العرب عَبْرَ القرون فلَمْ يَسْتَشْكِلوا الآية؟ - 00:08:30ضَ

وللعلم، فهذه خلاصةُ أقوال المفسِّرين في تفسير هذه الآية، - 00:08:33ضَ

الطبريِّ والقُرطبيِّ وابنِ كثير والبغَوي، ومن آخرِهم السَّعديُّ وابنُ عاشور - 00:08:38ضَ

وغيرُهما ممن جاءوا بعد (داروين) ولم يتأثَّروا بأوهامه ولم يتَّخذوها مُقرَّراتٍ - 00:08:43ضَ

يُعيدون تفسيرَ القرآن بناءً عليها. - 00:08:49ضَ

هل فَهِم أحدٌ من علماءِ المسلمين الكِرامِ الأذكياء الأتقياء عبْرَ الأربعة عشرَ قرنًا - 00:08:52ضَ

أنَّ الآية تدلُّ على وجوب البحث عن النَّشأة الأولى للكائنات في الزمان الأوَّل - 00:08:58ضَ

المُغَيَّب عنَّا والخارجِ عن نطاق السَّير والنظر والتأمُّل، - 00:09:03ضَ

ثُمَّ بناءِ الفرضيَّات والتخرُّصاتِ -التي لا سبيلَ إلى بَرْهَنَتِها- - 00:09:07ضَ

عمَّا إذا كانت الكائناتُ من أصلٍ مُشتَرَك أم لا؟ - 00:09:12ضَ

هل هذا المعنى هو ما يناسب البرهنة على قضية يقينيَّة يريد الله أن يزرعها في النفوس: - 00:09:14ضَ

أنه -تعالى- قادر على البعث بعد الموت؟ - 00:09:22ضَ

أم أنه معنى غامضٌ مُلتَفٌّ جدليٌّ؟ يَجِلُّ عنه القرآن، وفي مثل هذا السِّياق بالذَّات. - 00:09:25ضَ

فهذه الآية هي في سياق الاحتجاج على الكُفَّار، بالاستناد إلى أمرٍ بدهيٍّ - 00:09:32ضَ

يدركه الإنسان بالسير والتأمل في الأرض، حتى وإن كان خاملا لم يتَّعظ بما رآه في بيئته، - 00:09:36ضَ

﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ - 00:09:43ضَ

أي بمُجرَّدِ أن تسيروا وتنظروا سيَتَحَصَّل لكُم هذا العِلم، - 00:09:46ضَ

قَطعِيَّاتٌ يقينيَّةٌ، لا (داروينِيَّاتٌ) مُؤَسْلَمَةٌ أو غيرُ مُؤَسلَمةٍ. - 00:09:50ضَ

ثم اسأل نفسك: الآيةُ تتضمَّن أمرا من الله: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا﴾، - 00:09:55ضَ

فهلِ استجابَ المسلمون لهذا الأمر وساروا في الأرض فنظروا كيف بدأَ اللهُ الخلقَ؟ - 00:10:00ضَ

الصحابةُ الَّذين أُنزلت الآية عليهم، والذين جعل اللهُ إيمانهم معيارًا فقال لهم: - 00:10:05ضَ

﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا﴾ [القرآن 2: 137]، - 00:10:11ضَ

ومَن بَعدَهم من قرونٌِ المسلمين عبْرَ ثلاثة عشر قرنًا قبل داروين… - 00:10:14ضَ

هل فَهِموا الآية واستجابوا فساروا في الأرض فنظروا كيف بدأَ اللهُ الخَلقَ؟ - 00:10:19ضَ

أم أن الأُمَّة كلُّها لم تستجب لهذا الأمر الإلهي؛ بل ولم تفهمه أصلًا حتى جاء داروين، - 00:10:25ضَ

فأَفهمَها كيف تسيرُ وتنظر، وأَفهمَها ما معنى كيف بدأ الله الخلق. - 00:10:33ضَ

فهذه الآيةُ ليست دليلًا على نظرِيَّة التطوُّر موجهًا ولا غيرَ موجَّهٍ، - 00:10:38ضَ

ولا على إمكانيَّةِ معرفةِ النشأة الأولى للكائناتِ بالرصد والتّجريب. - 00:10:44ضَ

نأتي الآن -يا كرامُ- لموضوعِ أصلِ الإنسان. سيقول البعض: لماذا كلُّ هذه الضَّجَّة؟! - 00:10:49ضَ

دعونا من الماضي! ركِّزوا لنا على الحاضر! وفيم يُهمُّني معرفةُ أصل الإنسان؟! - 00:10:54ضَ

الله -سبحانه وتعالى- لا يكرِّر قصَّة آدم في سبعةِ مواضعَ من القُرآن - 00:10:59ضَ

-فضلًا عن ذِكر اسمه خمسًا وعشرين مرة- إلا لأمرٍ جَلَلٍ. - 00:11:05ضَ

فخَلقُ آدمَ هو من الحقائق الكُبرى التي أراد الله -تعالى- أن يَرفَع الغُموض عنها - 00:11:10ضَ

بشكل قطعيّ يقينيّ في كتابه ابتداءً، وتأكيدا في سُنَّة نبيّه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم، - 00:11:14ضَ

فقصَّةُ آدم تُجيب عن سؤالٍ من الأسئلة الوجوديَّة الكُبرى: - 00:11:22ضَ

من أنا؟ وما أصل البشر الذين أنتمي إليهم؟ - 00:11:27ضَ

فلا يَدعُها الله -سبحانه وتعالى- لحالةٍ من عدم اليقين. - 00:11:30ضَ

قصَّة خَلقِ آدم تُخبرُنا عن أصل الإنسان، طبع الإنسان، وظيفة الإنسان، عدوِّ الإنسان، - 00:11:34ضَ

أمرٌ جلَلٌ عظيمٌ، قال الله فيه: - 00:11:41ضَ

﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ۝ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ۝ - 00:11:44ضَ

مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ۝﴾ [القرآن 38: 67-69]. - 00:11:47ضَ

قِصَّة خَلق آدمَ ترتبط بالغَيبيَّاتِ الكُبرى: الله، الملائكة، الجِن، - 00:11:51ضَ

الجَنة، النار، الروح، أصل الحياة، غاية الحياة… ترتَبط بها ارتِباطًا وثيقًا، - 00:11:57ضَ

وهي الغّيبيَّات التي يَنفيها الإِلْحاد مُتَّكِئًا على الداروينيَّة. - 00:12:03ضَ

تتساءل: وفيم يُهمَّنا أصلُ الإنسان، - 00:12:08ضَ

ونحن نُعاني سياسيًّا واقتصاديًّا ونتَجَرَّع الظلم من مُجرِمِي الأرض؟ - 00:12:10ضَ

فأقول لك: من مصلحة مُجرِمِي الأرض أن يعتقد النَّاس بأنَّهم ما هم إلا شكلٌ حَيَوانيٌّ - 00:12:14ضَ

ظَهَر بمجموع الصُدَف، فتَنظُر لنفسِكَ كحيوان جاء عبثًا، - 00:12:21ضَ

وما أسهلَ إذلالَ من ينظُر لنفسه بهذِه النَّظرة. - 00:12:25ضَ

بينما يخبرك الله -تعالى- بنشأة أبيك آدم؛ لِتعْلم أنَّك مُكرَّم، - 00:12:30ضَ

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [القرآن 17: 70]، - 00:12:35ضَ

أُنزِلْتَ لمَهمَّةٍ عَظِيمةٍ، - 00:12:37ضَ

﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [القرآن 2: 30]، - 00:12:39ضَ

فلا تخضَع لأحدٍ إلَّا له -سبحانه: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ... - 00:12:41ضَ

فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ... - 00:12:45ضَ

وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝﴾ [القرآن 2: 38] - 00:12:51ضَ

ثُمَّ إنَّ المسألةَ تَتَجاوزُ أصْلَ الإنسان إلى القرآن كُلِّه، - 00:12:52ضَ

فإذا كانتْ قضيَّةً محسومَةً مُحكَمَةً كخلق آدم - 00:12:56ضَ

قابلةً للتَّأَوُّل -بل لتحريفِ المعنى- بِناءً على نظرَيَّاتِ العلمِ الزَّائف، - 00:13:00ضَ

فما الَّذي يمنعُ أن يكونَ القرآنُ كلُّه رموزًا مائعَ الدَّلالةِ؟ - 00:13:05ضَ

تمييع دلالة آيات خلق آدم يفتح الباب لتمييع دلالة آيات الحقائق وآياتِ التَّشريع معًا، - 00:13:09ضَ

ولا يعودُ هناك معنًى لوصفِ القرآنِ بالكتابِ المبين ولا لقولِ الله -تعالى: - 00:13:16ضَ

﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ... - 00:13:21ضَ

وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ۝﴾ [القرآن 16: 89]. - 00:13:25ضَ

بل وصلَ الأمر ببعضِ محاولاتِ توفيقِ الداروينيَّة مع القرآنِ - 00:13:29ضَ

إلى ادِّعاء أنَّ آدمَ ليس أبَا البشرِ الحاليِّين كلِّهم بل عِرقٍ منهم، - 00:13:33ضَ

وبالتالي فَلَكَ أن تتصوَّر كيف تُصبح الآيات المَبدوءةُ بـ(يا بني آدم) - 00:13:38ضَ

كأنَّها خِطابٌ لجُزءٍ من البشر، لعِرْقٍ مُعيَّنٍ، بينما الآخرون غيرُ مخاطبين بها. - 00:13:43ضَ

مما تقدَّم تَفهَمُ لماذا كان العبثُ بدلالة آياتِ خَلق آدمَ بناءً على خُرافةِ التطوُّر - 00:13:49ضَ

قنطرةً لضياعِ قُدُسِيَّةِ الوحي في نفوس عددٍ من شباب المسلمين، - 00:13:57ضَ

بينما دراونة العرب يقولون مقالةَ مَنْ قَبْلَهم: - 00:14:02ضَ

﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ [القرآن 4: 62]. - 00:14:06ضَ

تعالَوا بدايةً -يا كرام- نرى ما المُحكَمُ في شأن خَلْقِ آدمَ -عليه السلام- - 00:14:09ضَ

ثمَّ نُناقش تفسيرَ مُؤَسْلِمِي التَّطوُّر للآياتِ الَّتي يستدِلُّون بها. - 00:14:15ضَ

هل الخلق الخاصُّ لآدم أمرٌ مُحكَمٌ قطعيٌّ؟ - 00:14:20ضَ

ونقصِد بالخلقِ الخاصِّ الخلقَ المُنفَصِلَ المُميَّز عن باقي المخلوقات. - 00:14:23ضَ

تعالَوا نَتْلُ بعضَ الآياتِ التي تَضَعُك في أجواءِ هذا الحَدَث العظيم - 00:14:28ضَ

ثُمَّ نَقِفُ عندها مُتَأمِّلينَ؛ لنرى: إن كُنتَ تُؤمِنُ بالقرآن، - 00:14:33ضَ

فهل هذا الخلقُ الخاصُّ هو أمرٌ يحتملُ الإبهامَ واللَّبسَ والغموضَ والترميزَ؟ - 00:14:38ضَ

أم أنَّه واضحٌ محكَمٌ قطعيٌّ؟ - 00:14:43ضَ

هل ظُهور آدمَ هو حدثٌ بيولوجي تمَّ بأسبابٍ مادِّيَّة؟ - 00:14:46ضَ

أم أنَّه حدثٌ استثنائي خارِجٌ عن معهودِ الأسبابِ - 00:14:50ضَ

مُحتَفٌّ بعالَمِ الغيب بما فيه من ملائكةٍ وجنٍّ وكلامِ الله لآدمَ واختبارِه له؟ - 00:14:53ضَ

قال الله تعالى: - 00:15:00ضَ

﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ۝... - 00:15:01ضَ

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا... - 00:15:09ضَ

وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ۝ - 00:15:14ضَ

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ... - 00:15:18ضَ

وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ۝﴾ [القرآن 2: 34-36] - 00:15:25ضَ

﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ ۝ - 00:15:28ضَ

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ۝﴾ [القرآن 38: 71-72] - 00:15:34ضَ

﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ۝ - 00:15:38ضَ

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ۝ - 00:15:46ضَ

فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ۝ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ۝﴾ [القرآن 15: 28-31] - 00:15:50ضَ

فأوَّلًا: فصَّل اللهُ تفصيلًا في المراحل الَّتي مرَّ بها خَلْقُ الإنسان: - 00:15:56ضَ

الترابِ والطينِ والصَلْصالِ من الحمأِ المسنونِ والصلصالِ كالفَخَّار، - 00:16:02ضَ

إلى أن تَكوَّنَ هذا الجسمُ الَّذي نُفخَتْ فيه الرَُوحُ. - 00:16:06ضَ

ماذا تفعلون بهذه الآياتِ يا مؤسلمي تَطوُّر الإنسان؟ - 00:16:10ضَ

كيف تُوفِّقُون بينها وبين أوهامِ داروين؟ - 00:16:14ضَ

ستَجدُ منهم من يقول: المقصودُ بهذه الآيات هو أنَّ الله خَلَقَ الكائنَ الأوَّل - 00:16:18ضَ

أو الخلِيَّة الأولى الَّتي تَطوَّرتْ عنها الكائنات، ثمَّ بعد ذلك اشتغَلَ التَّطوُّر، - 00:16:23ضَ

فأخرجَ لنا كُلَّ الكائناتِ الحَيَّةِ ومنها الإنسان عَبرَ مئاتِ الملايين من السنين. - 00:16:28ضَ

فبِناءً على قولِهم: كأنَّ الله فصَّلَ تفصيلًا في المراحلِ الأولى لخَلْقِ الكائنِ - 00:16:35ضَ

الَّذي سيكونُ منه الإنسانُ ولم يذكُرِ المراحلَ الكثيرةَ بعد ذلك، - 00:16:40ضَ

ولم يُشِرْ إليها في القرآن -ولو مرَّةً واحدةً. - 00:16:44ضَ

انظر إلى التَكلُّف حينَ تَفرضُ علينا سيناريوهاتُ مؤسلمي الخرافةَ أن نُقحِم في الآيات: - 00:16:48ضَ

﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ - 00:16:54ضَ

مرورًا بكائناتٍ انتقاليَّةٍ ومخلوقاتٍ شبهِ حيوانيَّةٍ عبرَ ملايين السنين. - 00:17:01ضَ

﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ - 00:17:07ضَ

عندما يقول الله -تعالى: "سوَّيته" أَيْ سوَّيتُ هذا البشرَ… - 00:17:10ضَ

"ونفختُ فيه"؛ أيْ في هذا البشرِ، لكنْ كأنَّ مؤسلمي الخُرافة يُضيفون إلى الآياتِ: - 00:17:14ضَ

سويتُ سلَفًا حيوانيًّا للبشر ونفخت فيه من روحي. - 00:17:20ضَ

ماذا تفعلون -يا مُؤَسلمي الخرافة- بالأحاديث الصَّريحة الصَّحيحةِ المُؤَكِّدةِ لمعنى الآيات، - 00:17:24ضَ

كالحديث في صحيح مسلم ومُسند أحمدَ وصحيحِ ابن حبَّان ومُسند الطيالسي وأبي يَعلى وغيرِهم - 00:17:31ضَ

عن أنس -رضي الله عنه- قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - 00:17:37ضَ

«لما صوَّر الله آدمَ في الجنَّة تركَهُ ما شاء الله أن يَترُكَه،... - 00:17:42ضَ

فَجعَلَ إبليسُ يطيفُ به ينظُر ما هُو، فلمَّا رآهُ أجوفَ عرَفَ أنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لا يَتَمالَك»، - 00:17:46ضَ

وليس في ذلك أسلافٌ حيوانيَّةٌ ولا مراحلُ انتقاليَّةٌ. - 00:17:53ضَ

فأوَّلًا: الآياتُ والأحاديث صريحةٌ في خَلق الإنسان مِن مَراحلَ مُحدَّدَةٍ - 00:17:56ضَ

لا مكانَ فيها لإقحام فكرةِ الأسلاف الحيوانيَّة. - 00:18:02ضَ

ثانيًا: لو كان القرآنُ يتكلَّم في هذه الآياتِ عن خَلقِ الكائنِ الأوَّل أو الخلِيَّة الأولى - 00:18:06ضَ

الَّتي منها انحدَر الإنسانُ وبقيَّةُ المخلوقاتِ - 00:18:12ضَ

لوَضَّح القرآنُ أنَّ هذه مراحلُ خلقِ الكائناتِ الحيَّةِ كلِّها لا آدمَ فحسب، - 00:18:15ضَ

ولكان مُقتَضَى التِبيانِ أن يقولَ القُرآن: - 00:18:22ضَ

(إني خالقٌ الخَلقَ كلَّه من طين)، وليس ﴿بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾.. - 00:18:25ضَ

ثالثًا: الآياتُ تُبيِّن شرَفًا خاصًّا في خَلْقِ آدم، قال الله -تعالى- في سورة (ص): - 00:18:30ضَ

﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ... - 00:18:36ضَ

أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِين﴾ [القرآن 38: 75] - 00:18:41ضَ

﴿لِـمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾... - 00:18:43ضَ

لو كان المعنى أنَّه خَلَقَ الكائنَ الأوَّل بيديه، - 00:18:45ضَ

ثُمَّ بعد ذلك اشتغل التطوُّرُ فأخرج لنا كلَّ الكائنات الحيَّةِ ومنها الإنسان، - 00:18:48ضَ

فمعنى ذلك أنَّ كُلَّ الكائنات الحيَّةِ على كوكب الأرض مخلوقةٌ بيدَيِ اللهِ، - 00:18:54ضَ

وبالتالي فيشترك في هذا التَّشريفِ النَّمْلُ والخنازيرُ والفئرانُ، - 00:18:59ضَ

ولمَا كان لخَلْقِ آدمَ بيدَيِ اللهِ مِيزةٌ، - 00:19:04ضَ

ولقالَ إبليسُ: يا ربّي، ما المِيزةُ في أن تخلُقَ آدمَ بيديكَ... - 00:19:07ضَ

وقدِ اشتركَ في ذلكَ مُحَقَّراتُ المخلوقات؟ - 00:19:11ضَ

بينما ذكر الله الخلق بِيَدَيْهِ في سياقِ إظهارِ شرفِ آدمَ وتميُّزِه عن غيرِه: - 00:19:14ضَ

﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾. - 00:19:20ضَ

وفي حديث الشَّفاعة الذي رواه البخاري ومسلم أنَّ الناس يأتون إلى آدم فيقولون له: - 00:19:24ضَ

«يا آدمُ أنتَ أبو البشر، خلقك اللهُ بيدِه» - 00:19:30ضَ

ولو لمْ يكُن لخلق آدم بيدَيِ اللهِ ميزةٌ لمَا كان لذِكْرِ الناس له يومَ القيامة أيُّ معنًى؛ - 00:19:34ضَ

فكلُّ الأنبياء خلقَهم الله، بل وكلُّ الناسِ وكلُّ المخلوقات. - 00:19:41ضَ

رابعًا: قولُ الله -تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ... - 00:19:45ضَ

خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [القرآن 3: 59] - 00:19:50ضَ

هذه الآيةُ جاءتْ في سياقِ الرَّدِّ على النَّصارى الَّذين ادَّعوا أنَّ مجيء عيسى من غير أبٍ - 00:19:55ضَ

دليلٌ على أنَّه ابْنُ الله، فَبَيَّن اللهُ لهم أنَّ آدمَ جاءَ من غير أبٍ ولا أُمٍّ، - 00:20:01ضَ

ومع ذلك فهم لا يقولون بِبُنوَّة آدمَ لله، - 00:20:07ضَ

فعيسى هو كآدَمَ مِن حيثُ الخلق المعجز لكلَيْهما. ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ - 00:20:11ضَ

وخَلْقُ آدمَ أظهَرُ في الإعجازِ وأبْعدُ عن معهودِ البشر؛ - 00:20:17ضَ

إذ أنَّ الله ﴿خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾. - 00:20:22ضَ

قال مؤسلمو التطوُّر: لا، لا، خَلَقَه من تُرابٍ تَعودُ على عيسى، - 00:20:27ضَ

والمعنى أنَّ عيسى كآدمَ في أنَّهُما من ترابٍ، وبما أنَّنَا نعلمُ أنَّ عيسى وُلِد من أُمٍّ، - 00:20:31ضَ

فمعنى الآيةِ أنَّ الأسلافَ الحيوانية لكِلَيْهما هي المخلوقةُ من تُراب. - 00:20:38ضَ

فنقولُ: بهذَا الفَهم الخاطئِ لا يكونُ في الآيةِ أيَّة حُجَّة على النصارى، - 00:20:42ضَ

لأنَّ معناها يُصبح: إن مَثَل عيسى عندَ الله كمثَلِ آدمَ الَّذي خَلقَه الله مِن أَبوَين شِبهِ بشريَّيْن، - 00:20:47ضَ

وهؤلاء كلُّهم أصلُهم من ترابٍ. - 00:20:54ضَ

وهذا الإخبارُ ليسَ فيه حُجَّةٌ عقليَّةٌ مُلزِمةٌ للمخالفين - 00:20:57ضَ

الَّذين أَلَّهُوا عيسى لعدمِ وجودِ أبٍ له، - 00:21:02ضَ

وهَذا مثالٌ على بَتْرِ مؤسلمي التطوُّر للآيات عن سياقِها، - 00:21:05ضَ

فالآياتُ الَّتي تُلزم النصارى بحُجَّةٍ عقليَّةٍ - 00:21:10ضَ

جعلوها وكأنَّها آياتٌ تَتَكلَّم عن أصلِ الجنس البشريِّ - 00:21:14ضَ

بما لا علاقةَ له بموضوع سورة آل عمران ولا هذا الموضعِ منها. - 00:21:17ضَ

خامسًا: قال الله -تعالى: - 00:21:23ضَ

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا - 00:21:25ضَ

وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [القرآن 4: 1] - 00:21:31ضَ

فليسَ آدمُ وحدَه هو الذي خُلِق خلقًا خاصًّا، بل وكذلك زوجُه حوَّاءُ، - 00:21:35ضَ

بينما مؤسلمو تطوُّرِ الإنسان يعتبِرون أنَّ آدمَ وحوَّاءَ - 00:21:42ضَ

تطوَّرَا عن مخلوقاتٍ سابقة وحَصَلَ بينَهما تزاوجٌ. - 00:21:45ضَ

﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾… كيف مِنْهَا؟ - 00:21:49ضَ

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: - 00:21:52ضَ

«اسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ، فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ» والضِّلَع أحدُ عِظامِ الصَّدر. - 00:21:56ضَ

يقولون: أنتَ تُؤمن بأنَّ حوَّاء خُلقِت من ضِلَع؟ هل هذا كلامٌ علميٌّ؟ - 00:22:03ضَ

نعَمْ، بيَّنَّا أنَّ الظُّهور الأوَّل للإنسانِ لا بُدَّ أن يكونَ خارِجًا عن مألوفِ الناسِ؛ - 00:22:07ضَ

فالتَّوالدُ بالطُّرق المُعتادَةِ لا يُمكنُ أن يتسلسل إلى ما لا بداية، - 00:22:13ضَ

وكُلُّ المُحاولاتِ لتفسيرِ ظهور الرَّجُلِ الأوَّل والمرأة الأولى - 00:22:18ضَ

بتفسيراتٍ مادِّيَّةٍ تستثني الخالقيَّةَ ستقودُنا لتَخاريفِ العلمِ الزائف، - 00:22:22ضَ

فَلا تَستَغرِبْ في قُدرَةِ الله أن يُخرِجَ زوجَ آدم من ضِلعِه أو ممَّا شاءِ فيه، - 00:22:28ضَ

فهذا ممَّا لا يُعلم إلا بالدَّليل العِلميِّ الخَبَريِّ. - 00:22:33ضَ

إذنْ، فمؤسلمو تطوُّرِ الإنسان لم يصطَدموا بالنُّصوص الدَّالة على خلقِ آدمَ فحسبُ - 00:22:37ضَ

خلقًا خاصًا بِلا سَوابقَ، بلْ وخلقِ زوجِه منه أيضًا. - 00:22:43ضَ

كلُّ ما سبقَ -يا كرامُ- يَدُلُّ دلالةً قطعيَّة على أنَّ الله خلق آدم –أبا البشر والإنسان– وزوجَه - 00:22:48ضَ

خَلقَهما خلقًا خاصًّا، وأنَّ الإنسانَ لم يأتِ نتيجةَ تطوُّرٍ من أنواعٍ حيوانيَّةٍ أُخرى سابقةٍ له. - 00:22:55ضَ

ستجِدُ من يقول: أي أنتم تتصوَّرون أنَّ الله شَكَّلَ آدمَ ونفخ فيه الرُّوحَ هكذا فصار بشرًا؟! - 00:23:03ضَ

ما المُستَنْكر في الأمر؟ قَد أعطانا الله -تعالى- مثالًا للإِيمان بذلكَ - 00:23:10ضَ

في مُعجِزَة من مُعجِزات عيسى -عليه السلام- إذ قال: - 00:23:15ضَ

﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [القرآن 3: 49]. - 00:23:19ضَ

فهل كان عيسَى يَنفُخ في الطِّين فيتحوَّلُ لكائناتٍ انتقاليَّةٍ عبرَ ملايين السِّنين - 00:23:25ضَ

قَبل أن يُصبِح طيرًا أمامَ قومِه؟ هذه هي القِصَّةُ المُحكَمَة لخَلْقِ الإنسان. - 00:23:32ضَ

تعالَوا الآنَ نناقشْ ما يَستدِلُّ به مؤسلمو تطوُّر الإنسان عن كائناتٍ أدنى! - 00:23:37ضَ

أوَّلًا: قالوا: حين أخبر الله -تعالى- الملائكةَ أنَّه جاعلٌ في الأرض خليفةً، - 00:23:43ضَ

﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [القرآن 2: 30]. - 00:23:48ضَ

قال مؤسلمو التطوُّر: كيف عرَفَتِ الملائكةُ أنَّ البشر الذين لم يُخلَقُوا بعدُ - 00:23:55ضَ

سيفسِدُون في الأرض ويسفِكُون الدماء؟ !ذنْ لا بُدَّ أنَّ الملائِكَةَ رَأَتِ الأسلاف - 00:24:00ضَ

الَّتي تطوَّر منها الإنسانُ تفعلُ ذلك في الأرض وعلى أساسِه قالتِ الملائكةُ ما قالت. - 00:24:05ضَ

لا مهلًا! دعنا نقسِّم الكلام لنصفَين: - 00:24:11ضَ

أنتُم افترضتُم أنَّه لا سبيلَ للملائكةِ إلى معرِفَة ذلك - 00:24:13ضَ

إلا برُؤيَة من أفسدوا في الأرض من قبلُ، - 00:24:18ضَ

ثم افترضتُم أنَّ الإنسانَ يجبُ أن يكونَ تولَّد من هؤلاء المُفسِدين السَّابقين، - 00:24:20ضَ

وكِلَا الافتراضَيْن لا دليلَ عليهما. - 00:24:26ضَ

بِغَضِّ النظر عن: كيف عرفتِ الملائكةُ… هَلْ جعلَ الله -تعالى- في نفوسِها - 00:24:30ضَ

عِلمًا بما سيكونُ من الإنسان دون سابِقِ مثالٍ، - 00:24:34ضَ

أمْ أنَّ الملائكةَ رَأَتْ أفعالَ الجِنِّ، أم أنَّه كانت هناك مخلوقاتٌ سابقَةٌ تُفسدُ في الأرض بالفعل... - 00:24:37ضَ

ما دليلُكم أنَّ هذه المخلوقاتِ التي أفسدَت وسفكَتِ الدماء - إنْ وُجدَت- هي أسلافٌ للإنسان؟ - 00:24:43ضَ

بل وما دليلُكم على أنَّها كانتْ -لا زالت- حيَّةً لم تُهلك حين أنبَأ اللهُ الملائكةَ - 00:24:51ضَ

بأنه جاعلٌ في الأرض خليفةً؟ - 00:24:57ضَ

وكيفَ تُعارضون بهذه الافتراضاتِ الَّتي لا دليلَ علَيْها تلك الآياتِ المُحكَمَات الواضحات - 00:25:00ضَ

في خَلق الإنسان خلْقًا مستَقِلًّا بلا سوابقَ ولا أسلافٍ؟ فلا دليل لكم في هذه الآية. - 00:25:06ضَ

ثانياً: قول الله -تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖوَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ۝ - 00:25:13ضَ

ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ۝ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ - 00:25:20ضَ

وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ۝﴾ [القرآن 32: 7-9] - 00:25:28ضَ

قال مؤسلمو تطوُّر الإنسان: هذهِ الآياتُ تعني أن بَدْءَ خَلْقِ الإنسان كان من طينٍ، - 00:25:32ضَ

ثُمَّ جاءت مراحلُ انتقاليَّةٌ من كائناتٍ شِبهِ بشريَّةٍ تناسلَت بالماءِ المهينِ، - 00:25:38ضَ

ثمَّ انتَقى اللهُ منها الكائنَ الَّذي سوَّاه ونَفَخَ فيه من روحِه، وبذلك خُلقَ آدمُ، - 00:25:43ضَ

والآياتُ تُرَتِّبُ المراحل كما ذكرنا. - 00:25:49ضَ

فنقول: مشكِلتُكم أنكم جعلتُم هذه الآيات كلَّها متكلِّمَةً عن الإنسان الأوَّل. - 00:25:51ضَ

بينما الآيات تتكلَّم عن جِنس الإنسان. ﴿بَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ﴾: - 00:25:58ضَ

فبدأ خلقَ جِنسِ الإنسانِ من آدمَ الَّذي خلقَه الله من طينٍ كما تُبيِّن الآياتُ المحكَمَاتُ. - 00:26:04ضَ

﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ﴾: تناسَل الإنسانُ بعدَ آدمَ من الماء المهين (النُّطَف). - 00:26:10ضَ

﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾: سوَّى كُلَّ إنسانٍ في رَحِمِ أُمِّه ونفخ فيه من روحه، - 00:26:19ضَ

كما قال في الآية الأُخرى: - 00:26:26ضَ

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ۝ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ۝﴾ [القرآن 82: 6-7]. - 00:26:28ضَ

أما على تفسيرِكم الغريبِ فيصبحُ هناك اضطرابٌ في الضَّمائر: - 00:26:33ضَ

﴿بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾… ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾: (نسلَه) هذه تَعودُ على مَن؟ - 00:26:37ضَ

حَسْب كلامِكم تعود على الحيوانات وأشباه البشر، - 00:26:43ضَ

وهُم غيرُ مذكورين في الآيات قبلَها ولا مفهومٌ وجودُهم من السياق. - 00:26:46ضَ

﴿ثم سواه﴾: أيضًا حسب كلامكم يعودُ الضَّميرُ على أشِباه بَشَرٍ كانوا قبل الإنسان. - 00:26:51ضَ

تكلُّفٌ وإقِحامٌ لمعانٍ غريبةٍ ومخالِفَةٍ لقواعد اللُّغة، - 00:26:57ضَ

كلُّ هذا للانتصارِ لفكرةٍ لا دليلَ عليها، بل وتخالف المُحكَم القطعيَّ من القرآن. - 00:27:01ضَ

فهذه الآياتُ أيضًا دالَّةٌ على الخَلق الخاصِّ للإنسان، لا على تطوُّره عن كائناتٍ أدنى: - 00:27:08ضَ

﴿بدأ خلق الإنسان من طين﴾. - 00:27:14ضَ

ثالثًا: قال الله -تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ... - 00:27:17ضَ

إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِين﴾ [القرآن 6: 133]. - 00:27:21ضَ

قال مؤسلمو تطوُّر الإنسانِ: هذه الآيةُ تُشير إلى أنَّنا نشأنَا نحن البشر - 00:27:30ضَ

من ذرِّيَّة قومٍ آخرينَ غير البشر. وهذا استدلالٌ عجيبٌ حقيقةً! - 00:27:34ضَ

الآيةُ تهديد للمشركين أنَّه -سبحانه- قادرٌ على أن يُفْنِيَهم ويأتيَ بقَومٍ - 00:27:39ضَ

لا يكونون مثلَهم في العناد والعصيان، فالدُّنيا لن تدومَ لهم - 00:27:45ضَ

كما أنَّها لم تَدُمْ لآبائهم، فقد أنشأهم الله من ذُرِّيَّة أجدادِهم ﴿قومٍ آخرين﴾، - 00:27:49ضَ

هذا سياقُ الآيات، وليس متعلِّقًا ببيانِ أصلِ الجنس البشريِّ كلِّه كما يدَّعون. - 00:27:56ضَ

وذَكر الإمام الطبريُّ معنىً آخر: أنّ (مِنْ) في الآيةِ بمعنى التَّعقيب، - 00:28:02ضَ

كما يُقال في الكلام: (أعطيتُك مِن دينارِك ثوبًا)، بمعنى: مكانَ الدينار ثوبًا، - 00:28:07ضَ

فيصبح معنى الآية: كما أنشأَكم -أيها المخاطَبونَ- - 00:28:12ضَ

مكانَ -أو بدل- آخرينَ هُم ذرِّيَّةٌ لقَوم هلَكوا قبلَكم، - 00:28:16ضَ

فإنَّه كانَ من سُنَّة الله -تعالى- أن يُهلِكَ الأمم المُكذِّبة إلا ذُرِّيَّةً مِمَّن آمن، - 00:28:21ضَ

حتَّى يَدِبَّ فيهم الفسادُ عبْرَ القرون فيُهلكَهم وتقومَ بدلًا منهم حضاراتٌ - 00:28:27ضَ

ويَظهَرَ أقوامٌ يَبقَونَ إلى ما شاء الله قَبلَ أن تَحِلَّ فيهم سُنَنُه، - 00:28:33ضَ

فما علاقة هذا كلِّه بتطوُّر الإنسان عن كائناتٍ أدنى؟! - 00:28:38ضَ

رابعًا، قالوا: قولُه -تعالى: - 00:28:42ضَ

﴿إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [القرآن 3: 33] - 00:28:45ضَ

قالوا: الاصطفاءُ هو الاختيار، واللهُ لا يختَارُ آدمَ إلَّا مِن بَينِ أقرانٍ له، - 00:28:51ضَ

وهم أَشباه البشر الذين كانوا قبلَه. - 00:28:56ضَ

فنقول: أوَّلًا: ليس في اللُّغةِ ما يُلزِم بأنْ يكون الاصطفاء من نفْسِ الجِنس؛ - 00:28:59ضَ

فالله اصطفى آدم على الملائكةِ والجِنِّ بخَلقِه بيدَيْه - 00:29:04ضَ

وبتعليمه الأسماء كلَّها وبإسجادِ الملائكةِ له. - 00:29:08ضَ

وحتَّى من بين البشر؛ فإنَّ آدمَ قد اصطُفِيَ بالفِعلِ بالنُّبوَّة على أبنائِه الذين كانوا في حياتِه، - 00:29:12ضَ

وعلى من جاء بعدَه من البشر، كما اصطفى مَن ذُكروا بَعدَه في الآية، - 00:29:19ضَ

فالله اصطَفى نوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، - 00:29:23ضَ

ممَّن كان قبلَهم وفي زمانِهم وبعدَهم. - 00:29:28ضَ

خامسًا: قول الله -تعالى: ﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ۝ - 00:29:30ضَ

وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾. [القرآن 71: 13-14] - 00:29:36ضَ

قال بعضُهم: هذه الأَطوار هي المراحِل الانتقاليَّةُ في التطوُّر، - 00:29:38ضَ

وهذا الاستدلال هو أشبه بالكوميديا، لكنَّها غيرُ مُضحِكَة بل مسيئَةٌ؛ - 00:29:42ضَ

لاجترائِها على كتاب الله -عَزَّ وجَلَّ. - 00:29:47ضَ

فمِن الجَهْلِ المُدقِعِ أن تأتيَ لتُفسِّر لفظًا قرآنيًّا - 00:29:49ضَ

بلفظٍ مُستَحدَثٍ لم يكن موجودًا وقتَ نزولِ القرآن. - 00:29:53ضَ

تصوَّر لو أنَّ مُغفَّلًا قال: القرآنُ ذَكَرَ الأطباقَ الفضائيَّة. - 00:29:57ضَ

- كيف ذلك؟! = ألم ترَ إلى قول الله -تعالى: - 00:30:01ضَ

﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [القرآن 84: 19] - 00:30:04ضَ

الأطوارُ هي -كما فهِمَها العربُ عبْرَ القرون- مراحلُ تَخَلُّقِ الإنسانِ: - 00:30:06ضَ

نُطفَةٌ، عَلَقَةٌ، مُضغَةٌ، وهكذا... لا أنَّ القرآنَ يُخاطِب النَّاسَ بألفاظٍ - 00:30:11ضَ

تضِلُّ الأُمَّة في فَهمِها ثَلاثةَ عَشَرَ قرنًا حتَّى يُفْهِمَهم إيَّاها داروين. - 00:30:16ضَ

هذه الآياتُ هي أكثر ما يستدلُّ به مؤسلمو الخرافة، - 00:30:22ضَ

ولاحظْ أنَّهم يُضطرُّون لمُخالَفَةِ كُلِّ القواعد، - 00:30:25ضَ

فيقطَعون الآيةَ عن سياقِها، ولا يُفسِّرونَها بالآيات الأُخرى في المَوضوع، - 00:30:28ضَ

ولا يُجيبون عن الآيات الَّتي تدحَض دعواهم، وطبعًا لا يَلْتَفِتُون للسُّنَّة الثابتةِ. - 00:30:33ضَ

كلُّ هذا من أجلِ ماذا؟ من أجلِ علمٍ زائفٍ أثبَتْنا بُطلانَه، - 00:30:39ضَ

من أجل موافقةِ "المجتمع العلميِّ" الغربيِّ أو -بالأَصحِّ- الصوتِ الطاغي فيه، - 00:30:44ضَ

الَّذي يُحاول تفسيرَ الكون والحياةِ تفسيرًا مادِّيًّا معَ إقحام غيبيَّات غَبيَّةٍ - 00:30:49ضَ

من أجلِ تَجنُّب الإقرار بالغَيب الصحيح. - 00:30:55ضَ

أنتم بذلك يا مؤسلمي التطوُّر تُرَحِّلون المشكلة؛ - 00:30:57ضَ

فإنَّكم ستصطَدِمون مع هذا المُجتَمَع "العلمي" في مرحلةٍ ما؛ - 00:31:01ضَ

فحتى لو قُمتُم بأسلمة فكرةَ تطوُّر الإنسان وقلتم أن الإنسان تطوَّر عن الكائن الأوَّل - 00:31:06ضَ

أو الخليَّة الأولى بإرادة الخالقِ فإن المجتمع العلميَّ الغربيَّ يُفسِّر هذه الخليَّة الأولَى - 00:31:12ضَ

بنظريَّاتِ العلم الزائف، كقولِهم أنَّ أشِعَّةً كونيَّةً ضربَتْ موادَّ عضويَّةً في المُحيط، - 00:31:18ضَ

وأخرجَتْ منها شريطَ الحمضِ النوويِّ RNA، ثمَّ بمجموع الصُّدفِ - 00:31:24ضَ

خرجَت خليَّةٌ بكُلِّ ما فيها من إبداعٍ وتناسُقٍ وتكامُلٍ وتعقيدٍ - 00:31:28ضَ

-ويُسمُّون هذه المكابراتِ الإلحاديَّةِ والغيبيَّات الغبيَّة، يسمونها تفسيرًا عِلمِيًّا- - 00:31:33ضَ

فهل ستُتابعونَهم في هذا أيضًا؟ أم أنَّكم ستقولون أنَّ هذه الخليَّة الأولى خُلِقَت، - 00:31:38ضَ

وبذلك تُخالفون المجتمع "العلميَّ المادِّيّ" في نهايةِ المطافِ، - 00:31:44ضَ

وتقعون فيما حاولتهم التَّهرُّب مِنه؟ - 00:31:49ضَ

لا يلزَمُنا تقليدُهم ولا موافقَتُهم، فهم عندهم خَلَلٌ جوهرِيٌّ قادَهم إلى هذه التفسيرات، - 00:31:52ضَ

ألَا وهو حَصْرُ العلم في الـ(Science) وتعطيلُ دلالة الـ(Science) عقلًا على وجودِ الخالقِ، - 00:31:58ضَ

ممَّا اضطَّرَّهم إلى غيبيَّاتٍ غبيَّةٍ نسبوها إلى العلم وهو منها براء؛ - 00:32:03ضَ

فغيبيَّاتُهم هذه لا هي رصدِيَّةٌ ولا تجريبِيَّةٌ ولا علمٌ عقليٌّ ولا فطريٌّ، - 00:32:08ضَ

بل حقيقةُ المادِّيَّةِ (Materialism) أنَّها ستارٌ لعقيدةٍ إلحاديَّةٍ متَعصِّبةٍ عمياءَ، - 00:32:14ضَ

كما بيَّنَّا في حلقةِ (المخطوف). - 00:32:22ضَ

كُلُّ هذا النقاشِ -إخواني- في حلقة اليوم كان يُغني عنه الحلقاتُ الماضيةُ - 00:32:24ضَ

الَّتي بيَّنَّا فيها أنَّ نظريَّة التَّطوُّر خرافةٌ؛ فبَعد إثباتِ بُطلانِ خرافةِ التَّطوُّر - 00:32:28ضَ

يُصبح سؤال: (لماذا لا نُحاول التَّوفيقَ بينها وبين ديننا؟) - 00:32:34ضَ

مساوِيًا لسؤالِ: (لماذا لا نُحاوِل أسلمة الخرافة؟)، - 00:32:39ضَ

(لماذا لا نُحاوِلُ التَّوفيقَ بين كلامِ الله -تعالى- وخُرافاتِ العِلم الزائف؟) - 00:32:42ضَ

سؤالٌ يُجيبُ عن نفسِه بنفسِه، وما طَرَحْنَا نِقاشَ اليوم إلَّا زيادةً في الحُجَّة وبيانًا للمَحَجَّة. - 00:32:47ضَ

إذا فهمتَ ما تقدَّم علمت كمِّيَّة المغالطاتِ في قول بعضِهم: - 00:32:54ضَ

"إذا ثبَتَت نظريَّةُ التَّطوُّر في المستقبل فيمكِنُ حينئذٍ إعادةُ تفسيرِ آياتِ القرآن لتناسِبها". - 00:32:59ضَ

كلامٌ خاطئٌ في شِقَّيْهِ، - 00:33:06ضَ

فأوَّلًا: عبارةُ (إذا ثبتت نظريَّة التَّطوُّر في المستقبل): - 00:33:08ضَ

أمَّا إن كان الحديثُ عن ظهورِ الكائناتِ بالتغيُّرات العشوائيَّة والانتخابِ الأعمَى - 00:33:12ضَ

بلا قصدٍ ولا إرادةٍ من فاعلٍ عليمٍ قديرٍ -كما هو الوصفُ لخرافةِ التَّطوُّر عند أصحابِها- - 00:33:17ضَ

فقولكم "إذا ثبت هذا في المستقبل" مساوٍ لقَولِ: - 00:33:22ضَ

إذا ثبتَ في المستقبل أنَّ اللَّامُمْكِنَ ممكن، وأنَّ ما يَحكُم العقلُ السَّليمُ باستحالتِه يحصُل... - 00:33:26ضَ

وحينئذٍ فلا عقلَ ولا علمَ ولا برهانَ. - 00:33:32ضَ

وأمَّا إن كنتم تقصدون بالتَّطوُّر مُجرَّد فكرةِ النشوء الأوَّل للكائنات من أصلٍ مشتَرَك، - 00:33:36ضَ

فقولُكم: "إذا ثبتت نظريَّة التَّطوُّر في المستقبل" - 00:33:41ضَ

يُخالف طبيعةَ العلم الرصديِّ التجريبيِّ، ويخالفُ بدهيَّةً من بَدهِيَّات فلسفة العلم؛ - 00:33:45ضَ

فإنَّ ما كان قبلَ التاريخ الإنسانيِّ لا يقعُ تَحت الحسِّ ولا التجريبِ، - 00:33:50ضَ

فلا دليلَ عليْه إلَّا من خَبَرِ المصادِرِ الَّتي دلَّت الأَدلَّةُ على صدقِها، - 00:33:55ضَ

أمَّا العلمُ الرصديُّ التجريبيُّ فإنَّه لن يُثبِتَ لك في الحاضِر ولا المستقبل - 00:33:59ضَ

شيئًا خارِجًا عن نطاقِ بحثِه، وتُكونُ تَستَخدِمُ أداةَ الاستدلال الخطأ. - 00:34:05ضَ

وأمَّا قولُهم: (فيمكن حينئذٍ إعادةُ تفسير آيات القرآن لتناسبها)، - 00:34:10ضَ

فهو يُشعر بأنَّ الآياتِ المُتَعلِّقة بأصل الإنسان مُبهَمَة المَعنى قابلةٌ للقَوْلَبة، - 00:34:15ضَ

وقد رأيْنا أنَّ من حِكمَة الله -تعالى- أنْ جعلَها مُحكَمَاتٍ واضِحاتٍ بَيِّناتٍ مُفصَّلات، - 00:34:21ضَ

بما يمنعُ الحيرةَ والتَّردُّد. فلا تُحرَّف دلالاتها لخرافاتِ العلم الزائفِ. - 00:34:28ضَ

نسأل الله أن يهدينا لما يحب ويرضى. والسلام عليكم ورحمة الله. - 00:34:33ضَ

وقد رأينا أن من حكمة الله -تعالى- أن جعلها محكمات واضحات بينات مفصلات، - 99:59:59ضَ