السلام عليكم ورحمة الله... - 00:00:00
أيُّها الكرام، ما زلْنا نسيرُ في سلسلةِ المرأة - 00:00:01
وقد وصلنا محطَّة (المرأة والتَّعليم). - 00:00:04
دعونا نعُدْ لتاريخ التعليم المدرسي الحديث، والذي هوَ مقدِّمةٌ للتَّعليمِ الجامعيِّ. - 00:00:07
لكنْ لماذا الانتقالُ إلى موضوعٍ آخرَ غيرِ المرأة؟ - 00:00:12
ليسَ انتقالًا بقدرِ ما هوَ تأسيسٌ، - 00:00:16
لنرى: هل التعليم المعاصر يَفي بحاجات الفتاة الَّتي ستكونُ امرأةَ المستقبلِ؟ - 00:00:19
هلْ يعينُها على أداءِ أدوارِها وما خُلقَتْ منْ أجلِه؟ - 00:00:24
هلْ هوَ نافعٌ لها، يحقِّقُ لها الطُّمأنينةَ والسَّعادةَ وخيرَ الدُّنيا والآخرةِ؟ - 00:00:28
الكلامُ اليومَ عامٌّ في تعليمِ الولدِ والبنتِ والشّابِّ والفتاة. - 00:00:33
سنستعرضُ مِيزاتِ التَّعلُّمِ والتَّعليمِ في الإسلامِ - 00:00:38
بَدءًا منْ نزولِ الوحيِ لنُبقيَها في أذهانِنا، - 00:00:40
ثمَّ نستعرضُ على ضوئِها نشأةَ التَّعليمِ المدرسيِّ المعاصرِ المنتشرِ في العالمِ، - 00:00:44
ومنْه عالمُنا الإسلاميُّ، - 00:00:49
فإنَّ منْ حقِّنا أنْ نعرفَ: - 00:00:51
ما الذي جاءَ بنا إلى هذه الغرفِ الصَّفيَّة - 00:00:53
الَّتي نُمضي فيها (12-14) سنةً منْ عمرِنا؟ - 00:00:55
المرحلةَ الأهمِّ الَّتي تُصاغ فيها شخصيّاتُنا. - 00:01:00
ومنْ حقِّنا أنْ نتساءلَ: - 00:01:04
ماذا كانَ إسهامُ المدارسِ في وجودِ الطَّبيبِ الفاسد،ِ - 00:01:06
والمهندسِ الغاشِّ، والبائعِ السّارقِ، والمسؤولِ المختلسِ، - 00:01:09
والفيزيائيِّ المتشكِّك، والبيولوجي الملحد، والدُّكتورةِ النِّسويَّةِ وغيرِهم. - 00:01:12
أوَّلُ آيةٍ أنزلَها اللهُ تعالى على عبدِه محمَّدٍ -صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ- - 00:01:17
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [القرآن 96: 1]، - 00:01:23
أيُّها الإنسانُ: اقرأْ وتعلَّمْ عنِ الكونِ والحياة، - 00:01:25
وافهمْهما باسمِ ربِّك، - 00:01:29
منطلِقًا منَ الإيمانِ بهِ ربًّا يربّيكَ، - 00:01:31
خلقَكَ منْ علقٍ، - 00:01:33
وهداكَ إلى تناقلِ العلومِ، وبناءِ المعرفةِ بالقلمِ، - 00:01:35
وبما أعطاكَ منْ فطرةٍ وعقلٍ قادرٍ على التعرُّفِ على الحقائقِ، لأنّهُ منْ صنعِ إلهٍ مطلقِ الكمالِ، - 00:01:39
ليسَ عقلًا جاءَ صدفةً خبطَ عشواءَ، - 00:01:46
بلْ عقلٌ مُهيَّأٌ من الخالقِ الأكرم الذي يريدُ للإنسان أن يتعلَّمَ ما لم يعلم، - 00:01:49
اقرأْ لتنتفعَ بعلمِك وتنفعَ النّاسَ، - 00:01:55
ولتستدلَّ بعلمِك على عظمةِ اللهِ فتشكرَه، - 00:01:58
وتحقِّقَ ما خُلقْتَ منْ أجلِه منَ العبوديَّةِ له بمفهومِها الشّاملِ - 00:02:01
فتسعدَ في الدُّنيا والآخرةِ. - 00:02:06
رؤيةٌ كونيَّةٌ تجعلُ الإنسانَ منسجمًا روحًا ونفسًا، عاطفةً وعقلًا، - 00:02:08
فتنخرطُ قواهُ كلُّها في تحقيقِ الهدفِ الأسمى. - 00:02:15
رؤيةٌ تنطلقُ منْ توحيدِ اللهِ، - 00:02:19
فتُخرجُ لنا نفسًا موحِّدةً لخالقِها موحَّدةً في نظرتِها، - 00:02:21
لا نفسًا مشتَّتةً مفكَّكةً. - 00:02:26
انطلقَ المسلمونَ بهذهِ الرُّؤيةِ وأنتجوا في العلومِ بأشكالِها نتاجًا ضخمًا، - 00:02:28
وقد ذكرنا في (رحلةِ اليقينِ) بعضَ المصادرِ الدّالَّةِ على الأصولِ الإسلاميَّةِ - 00:02:33
لكثيرٍ منَ العلومِ والاختراعاتِ، - 00:02:37
بل والمنهجِ التَّجريبيِّ برمَّتِه، - 00:02:39
وهو ما يعترفُ بهِ منصِفو الغربيّينَ. - 00:02:42
النظامُ التَّعليميُّ في الإسلام فيهِ عوامل حصانةٍ ومناعةٍ ضدَّ الإصابةِ بالفسادِ: - 00:02:45
أولا: أنَّ التَّعليمَ تعبُّديُّ، - 00:02:50
سواءً أكانَ في علومَ الشَّريعةِ أو علومِ الطَّبيعةِ، - 00:02:53
ومنْ ثمَّ فثقافةُ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [القرآن 96: 1] - 00:02:56
كانَتْ مبثوثةً في المجتمعِ - 00:02:59
على مستوى الأسرةِ، منَ المؤدِّبينِ، - 00:03:01
في الكتاتيب، في المساجد، في حِلَقِ العلم، - 00:03:03
في المدارسِ الَّتي نشأَتْ في العصورِ الإسلاميَّةِ. - 00:03:05
وهذا يقودُنا إلى العاملِ الثّاني للحصانةِ، - 00:03:08
ألا وهوَ: المسؤوليَّةُ المشتركةُ - 00:03:11
الكل يشاركُ في تحمُّلِ مسؤوليَّة التَّعليم - 00:03:14
ولا يُلقون بها على كاهلِ الدَّولةِ، - 00:03:16
كذلكَ فتحمُّلُ المسؤوليَّةِ يُعطي مناعةً من انتشارِ الفساد - 00:03:19
حتّى لو أُصيبَت مؤسَّسةُ الحكمِ بالفسادِ؛ - 00:03:23
لأنَّ مكوِّناتِ المجتمعِ توطَّدَت على: - 00:03:27
«كُلُّكم راعٍ، وكلُّكُمْ مسئول عن رعيَّته» [متفق عليه]، - 00:03:30
فسيسعى كلُّ راعٍ تقيٍّ إلى تخفيفِ الأضرارِ على منْ يرعاهُم - 00:03:33
إذا فسدَ رأسُ الهرمِ، - 00:03:38
وسيبقى الأبوانِ والمربّونَ يمارسونَ التَّعليمَ عبوديَّةً للهِ، - 00:03:39
وهذا يحافظُ على سلامةِ جذور المجتمع المسلم - 00:03:44
حتَّى وإنْ أصابَ الفسادُ الفروعَ، - 00:03:48
فتُنبتُ الجذورُ فروعًا سليمةً منْ جديدٍ. - 00:03:50
ثالثا: صحَّة المرجعيِّة وثباتُها، - 00:03:53
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [القرآن 96: 1]، - 00:03:56
الوحي هو المرجعيِّة، - 00:03:58
فالقِيم والمعايير الضابطة للعلم ثابتةٌ لا تتغير. - 00:04:00
انطلاقًا من الوحي توفِّر الدولةُ البيئةَ اللازمةَ لِبَثِّ العلم الصّحيح: - 00:04:04
تُصدِّر المؤهَّلين، - 00:04:09
تَحمي الناسَ من المتلاعبين والعابثين النّاشرين للجهل والضّلال؛ - 00:04:10
لأنَّ حِفظَ العقل من ضرورات الشريعة الخمس؛ - 00:04:14
الدولة تَضَعُ الأُطُر، ثم بعد ذلك هناك مرونة منضبطةٌ بالوحي. - 00:04:17
في المقابل، الناس يُحاسِبون الحاكمَ بناءً على الوحي أيضًا: - 00:04:22
هناك مرجعيَّةٌ، مرجعيُّةُ الوحي لا يستطيع الحاكمُ المِساس بها ولا تغييرَها، - 00:04:26
بل هو مُكلَّفٌ بالقيام على مصالح الناس بحسب هذه المرجعيّة، - 00:04:32
وإذا خالَفَها وأَمَرَ بتعليم ما يُخالف مصلحة الناس - 00:04:37
فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق، - 00:04:41
بل يُؤْخذ على يده ويُحمَل على الالتزام بالوحي؛ - 00:04:44
فسُلطتُه ليست مُطلَقَة بل - 00:04:48
﴿فَإِن تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [القرآن 4: 59]. - 00:04:51
رابعا: مراكز الثقل المالي في الوضع الإسلامي الصحيح موجودةٌ في المجتمع؛ - 00:04:55
ليست منهوبةً ولا متحكَّمًا بها من زُمرَة حاكمة، - 00:05:00
ولا من طبقة رأسمالية؛ - 00:05:04
فالإسلام يحارب تركُّز المال في يدِ فئةٍ - 00:05:06
﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾ [القرآن 59: 7] - 00:05:09
كَوْنُ مراكزِ الثّقلِ المالي في الناس؛ - 00:05:13
هذا الاستقلال المالي يعني أنَّ طلَّابَ العلمِ وأهلَ العلم بأشكاله - 00:05:15
أحرارٌ في ما يقولون، - 00:05:19
مكْفِيُّون، لا يُهدَّدون بأرزاقهم، - 00:05:21
ولا ينتظرون راتبًا يُعطَى من فئة متحكِّمة - 00:05:23
ستمنع عنهم المال إذا امتنعوا عن الانصياع لأهوائها. - 00:05:27
في هذه الأجواء الحُرَّة كان للأوقاف الإسلاميِّة أثَرٌ كبيرٌ عظيمٌ في التعلُّم: - 00:05:31
يخصِّص مسلمٌ يمتلك المال جزءًا من ماله، - 00:05:36
ويُبقيه أوقافًا جاريةً بعد وفاته - 00:05:39
على تفريغ أشخاصٍ لطلب العلم، - 00:05:42
وهذا كان من عوامل محافظة المحاضن الشعبيَّة على قوَّتها - 00:05:44
ودورِها في تخريج العلماء في شتَّى المجالات، - 00:05:49
حتى في فَتَرات انحدار مؤسسة الحكم. - 00:05:53
الأزهر -مثلًا، قبل أن يُفسدَه الاستعمارُ البريطاني- - 00:05:55
كان يُنفَق عليه من الأوقاف، - 00:05:59
تَوَزُّعُ المالِ في الناس يمنع من أن يُسَخَّر التعلمُ - 00:06:01
لمصلحة طَغامَةٍ من أصحاب رأس المال، - 00:06:04
بل يكون المعنى التعبُّدي في التعلُّم هو الحاضرَ وبقوة، - 00:06:07
هدفُه أن تُحقِّق الأمَّةُ العبوديَّةَ لله بمعناها الشامل كما بيَّنّا. - 00:06:12
وهذا يأخذنا إلى الميزة الخامسة في منظومة التعلُّم الإسلاميِّة: - 00:06:16
أنَّ مُخرَجاتِ التعليم - 00:06:21
لا تُقاس بتأهيل أفرادٍ لخدمةِ أصحاب رأس المال والشركات العالمية في عبوديّةٍ مقنَّعة، - 00:06:23
بل تقاس بتحقيق أهداف الوحي: - 00:06:30
صلاحِ دنيا الناس وآخرتهم، وصلاحِ نفوسهم وأرواحهم وأخلاقهم، - 00:06:32
فيكون للفقيه قيمتُه وللأمِّ المربِّية قيمتُها، - 00:06:37
مع أنَّ هؤلاء لا قيمة لهم في المنظومة الرأسماليِّة؛ - 00:06:41
لأنهم لا يخدمون المنظومة الماديّة. - 00:06:44
كلُّ هذا يُهيِّئ الأجواء لكَونِ السُّلطان بأيدي المسلمين، - 00:06:47
ووجودِ أهل الحَلِّ والعَقْد من المسلمين، - 00:06:51
ولظهورِ أجيالٍ من الأحرار الذين تلقَّوا تعليمهم من مراكز الثقل المجتمعية التربوية، - 00:06:53
وأمانُهم الاقتصادي مرتبِطٌ بمراكز الثقل المجتمعيّة الاقتصاديّة، - 00:07:00
فمِقياسهم في قَبول أو رفض ما يُطلب منهم: - 00:07:05
هل هو حقٌ أم باطل فحسب؛ - 00:07:08
إذ لم يُعلَّموا العبوديّة لغير الله، ولا يُهدَّدُون في أرزاقهم. - 00:07:10
إذن تعليمٌ باسم الله، - 00:07:15
وهو تعبُّد يمارسه الجميع ويتحملون مسئوليّته، - 00:07:17
الوحيُ فيه مصدرُ الحقائقِ الكبرى والمحرِّكُ لاستكشاف العلوم، - 00:07:21
ومرجعيِّةٌ ثابتة لا تتغير، - 00:07:25
تعليمٌ تنسجمُ فيه مكوِّنات الإنسان، - 00:07:28
والهدف منه تحقيقُ الاستخلاف والعبودية لله بمعناها الشامل، - 00:07:31
مرتبطٌ باقتصادٍ عادلٍ لا تحتَكِره فئةٌ، - 00:07:36
وفيه عواملُ مناعةٍ من أن يَنحرف، - 00:07:40
ومن أن يُملَى فيه على الأجيال أهواءُ طَغامٍ من البشر. - 00:07:44
حسنًا، ما الذي كان يحدثُ في أوروبا في تلك الفترة؟ - 00:07:48
يُهِمُّنا أن نعرف؛ لأنَّ شَكلًا آخر تمامًا من التعليم كان يتَشَكَّل هناك في تلك الفترة، - 00:07:51
ثم لمَّا ضَعُف تمسُّكنا بالوحي، واحتلَّ الأوروبيون بلادَنا، - 00:07:56
استطاعوا أن يُفكِّكوا منظومة التعليم التي شرحناها، - 00:08:00
ليقضوا على عوامل قوَّتها وحَصانَتِها ويُحلِّوا محَلَّها منظومتَهم، - 00:08:04
لكن مع تشويهٍ ممنهجٍ يَضمَنُ تَبعِيَّتَنا لهم وتَخَلُّفَنا عن رَكْبِهم. - 00:08:09
كانت أوروبا تعيش بدايةً النظام الإقطاعيّ الطبقيّ: - 00:08:15
أسيادٌ وعمَّال، - 00:08:18
والتعليمُ حِكْرٌ على الطبقة الأرستقراطية، - 00:08:20
وإذا عُلِّم العمَّال شيئًا فإنما يُعلَّمون بالقدر اللازم لزيادة الإنتاجيّة للأسياد، - 00:08:23
ثم جاء عصر النهضة والذي بدأ في إيطاليا - 00:08:29
ما بين (1400) و(1600) من الميلاد، - 00:08:32
حصلتْ فيه ثورةٌ على السُّلطات القديمة - 00:08:35
وتَشكَّلت دُوَلٌ فيها مواطنون، لا أسياد وعمَّال، - 00:08:37
تَنَفَّسَ الناس الصعداء قليلًا قبل أن تظهر شيئًا فشيئًا طبقيَّةٌ ثانيةٌ - 00:08:41
هي طبقيَّةُ الرأسماليّة. - 00:08:46
بعد اقتصار التّعليم على طبقةٍ خاصةٍ، - 00:08:48
ظهرَ أن الحل الأمثلَ الممكنَ اقتصاديًّا لتعليم الشعوب الأوروبيّة مجانيًّا - 00:08:51
هو إنشاءُ المدارس النظاميَّة، - 00:08:56
والهدفُ منها ترسيخ عقيدة الدولةِ في الأجيال Indoctrination، - 00:08:58
وزيادةُ القدرة الإنتاجية للقوى العاملة؛ - 00:09:03
ليُقَوُّوا الدولة، ويُشغِّلوا المصانع، - 00:09:06
ويسيطروا على الدول التي يحتَلُّونها وينهبون خيراتِها، - 00:09:08
وفي سبيل ذلك أُنشئ ما يسمى بالمدارس المصنعيِّة - Factory model of school، - 00:09:12
التي تُنتج إنسانًا مُنصاعًا مُقَوْلَبًا fashioned، - 00:09:17
ليعمل في المصنع. - 00:09:20
ظهرتْ أولى هذه المدارس في مملكة (بروسيا) في ألمانيا عام 1717، - 00:09:21
وبإمكانك القراءة عن هذا النموذج من المدارس تحت عنوان: - 00:09:26
Prussian Education Model، - 00:09:30
ثمَّ في النصف الثاني من القرنِ الثامنَ عشر ظهرتْ الثورةُ الصناعيَّةُ الأولى، - 00:09:31
أُخْرِجت المرأة من بيتها، ووُّزِع على النساء حبوب منع الحمل؛ - 00:09:35
لتفريغهنَّ لوقت أطول للعمل في المصانع، - 00:09:40
وفي عام 1807 صَدَرَ القرارُ بإلزام المدارس في بروسيا بالخضوع لوزارة الداخلية؛ - 00:09:43
ليُدرَّس فيها ما يريده النظام. - 00:09:49
يقول الفيلسوف الألماني Johann Gottlieb Fichte في كتاب (الطابَعُ العام للتعليم الحديث): - 00:09:52
"على المدارس أن تُقَوْلِبَ الشخص - must fashion the person، - 00:09:58
تُقَوْلبَهُ بحيث لا يرى سوى ما تريده أنت". - 00:10:02
وذلك لأنَّ ألمانيا كانت في صراعات مع فرنسا خسرت فيها الكثير. - 00:10:05
(فشتة) اعتبر أن الخطأ الأكبر المتسبب في ضعف التّنشئة للألمانيين - 00:10:09
هو الإرادة الحرَّة للتَّلاميذ؛ - 00:10:14
لأنَّ الشخصَ يبقى فيها متردِّدًا بين الخير والشر، - 00:10:16
فعلى العكس، يجب أن تكونَ التنشئةُ الجيِّدة على أساس إعدام الإرادة الحرة، - 00:10:19
فالهدفُ الذي يَجبُ أن يُقَوْلَبَ من أجله الطلاب هو تَقْويَةُ الدولة، - 00:10:25
ولذا كان على الطلاب أن يقفوا في الطوابير الصباحيَّة - 00:10:30
في صفوفٍ كصفوفِ الجيش، مع طقوسٍ إلزاميَّةٍ لتقديس الدولة. - 00:10:33
بعد ذلك بقرابة ربعِ قرن جاءَ الألماني Friedrich Fröbel - 00:10:38
وأنشأ أول حضانة: Kindergarten عام 1830، - 00:10:42
وسبب إنشائها أنَّ أُمَّه ماتت، - 00:10:47
تزوَّجَ أبوه فعاش مُهمَلًا من كليهما؛ من أبيه وزوجة أبيه في طفولة بائسة. - 00:10:49
في هذه الفترة في عام 1835 - 00:10:55
-وبينما كانت بريطانيا تحتل الهند التي كانت قبلها تحت حكم المسلمين- - 00:10:58
وَجَّهَ المؤرِّخُ والسّياسي البريطاني: Thomas Macaulay - 00:11:02
تقريرًا للحاكم البريطاني في الهند بعنوان: - 00:11:05
(تقريرٌ عن التعليم في الهند)، - 00:11:08
وكان مما جاء فيه: - 00:11:10
"يجب علينا -في الوقت الحاضر- أن نبذل قُصارى جهدنا - 00:11:12
لإيجادِ فئةٍ تُشكِّل جِسرًا بيننا وبين ملايين الناس الذين تحت حكمنا، - 00:11:15
فئةٍ من الهنود الذين ما زالوا هنودًا بلونهم ودمائهم، - 00:11:22
لكنهم (إنجليز) في أخلاقِهم وآرائِهم ومَلَكَاتِهم الفكريَّة وأذواقِهم، - 00:11:26
وقد نترك لهذه الفئة مهمةَ تنقيحِ اللَّهَجاتِ العامِيَّة للبلاد، - 00:11:32
بحيث يتم إثراء هذه اللَّهَجَات بمصطلحاتٍ علميةٍ مُستعارَةٍ من التَّسميات الغربية، - 00:11:37
فتصبحُ هذه الفِئة -بدرجاتها المختلفة- - 00:11:44
ناقلاتٍ مناسبة تقوم بنَشْرِ المعارف بين الكتلة الأكبر من السكان". - 00:11:47
إذن فهذا هدف إنشاء المدارس في المستعمرات: - 00:11:52
الإبقاءُ على احتلال البلاد ثقافيًّا حتى بعد انجلاء المحتَلِّ عسكريًّا. - 00:11:55
أَبْقِ هذا الوصف الدقيق الذي نطق به توماس مكولي؛ - 00:12:02
لتستحضره عند حديثنا عن المدارس الدولية حاليًّا في بلاد المسلمين. - 00:12:04
أثناءَ هذه التَّطَوُّرات كلها نُقِلتْ كثيرٌ من العلوم من المسلمين إلى أوروبا، - 00:12:10
لكنْ مبتورةً عن أصولها العقَديَّة، - 00:12:15
مقطوعةً عن جذور: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [القرآن 96: 1]، - 00:12:18
وأصبح الشعار: اقرأ باسم الدولة وقوتها، - 00:12:21
والذي أصبح -في واقع الأمر- قراءةً باسم الإنسان وشهواتِه وطغيانه. - 00:12:25
عام (1843) انتقلت فكرة المدرسة المصنعيَّة من بروسيا إلى أمريكا وأوروبا، - 00:12:30
ثم ما بين عامي 1852 و1917 - 00:12:36
أُقِرَّ التعليم الإلزامي والمدرسة الحكومية في الولايات الأمريكية، - 00:12:40
أولها (massachusett) وآخرها (mississippi)، - 00:12:44
عام 1892 في أمريكا أقرَّ (10) أشخاص - 00:12:47
-فيما يعرف بالـ(committee of ten)- - 00:12:51
بِجَعْلِ التَّعليمِ المدرسي بشَكْلِه المعروف حتى الآن: - 00:12:52
12 سنة مُتضمِّنَةً لمنهجِ اليونان، - 00:12:56
مُعَدَّلة مع اللغة الإنجليزية الحديثة والعلومِ والتّاريخِ، - 00:13:00
وبَقِيَ نِظام الاثني عشرَ عامًا إلى يومنا هذا في عامَّة دول العالم. - 00:13:04
ولنا أن نسأل: - 00:13:09
عندما استُنْسخ هذا النظامُ الذي وضعه هؤلاء العشرةُ إلى دول العالم الإسلامي اليومَ، - 00:13:10
هل طُرِحَ التساؤل: - 00:13:15
مَن هؤلاء؟ وما مرجعياتهم؟ ولماذا نعتمد نحن ما اعتمدوه هم؟ - 00:13:17
ما الأهداف التي كانوا يسعون لتحقيقها حين أقرُّوا هذا النظام التعليمي؟ - 00:13:22
في الإجابة عن هذه التساؤلات عدنا إلى سيرة أحد أهم هؤلاء العشرة، - 00:13:27
وهو William Torrey Harris - 00:13:31
مفوَّضُ الولايات المتحدة الأمريكية للتعليم، - 00:13:33
والذي قدَّمَ لِرسالَةٍ بعُنوان: (Indian Education) تعليم الهنود، - 00:13:36
-يعني الهنود الحمر الذين كانوا يعيشون في أمريكا- - 00:13:41
وقرأنا الوثيقة الأصلية للرسالة. - 00:13:44
كخلفيةٍ تاريخيَّةٍ: - 00:13:46
الأراضي الأمريكية كان سُكَّانُها الأصليون من الهنود الحمر، - 00:13:48
غزاها الأوروبيون، وقاموا بحَمَلات إبادةٍ ضدَّ السكانِ الأصليين، - 00:13:51
قُتل فيها الملايين من الهنود الحمر - 00:13:56
في تاريخٍ أليمٍ تكلَّمنا عنه في كلمةِ: (نماذجُ السعادة البشرية)، - 00:13:58
بعدما استتبَّ الأمرُ نِسبِيًّا للأوروبيين - 00:14:03
بَقِيَتْ تَقَعُ مُناوَشَات بينهم وبين مَنْ تَبَقَّى من قبائل السُّكان الأصليين من الهنود الحُمر. - 00:14:06
في هذه الرسالة كان مفوَّض التعليم (Harris) ورجل الحرب الجنرال (Thomas Morgan) - 00:14:11
يُقدِّمان حلًّا لِتذويب أبناء الهنود الحمر حضارِيًّا في الحضارة الأمريكيّة الجديدة، - 00:14:17
بحيث لا يعودون يُشَكِّلون خطرًا على الغزاة - 00:14:23
الذين هم الآن السُكان "الشرعيّون" لأمريكا. - 00:14:26
الحلُّ الأمثَلُ الذي اقترحَه الكاتبانِ هو فَرضُ نظامٍ جَذْرِيٍّ للتعليم - 00:14:29
radical system of education، - 00:14:34
وذلك بعَزْلِ أطفالِ الهنود الحمر -منذ سنٍّ مُبَكِّرَةٍ قَدرَ الإمكان- عن محيطهم القَبَلِيِّ - 00:14:36
وإخضاعِهم جماعِيًّا للتعليم الإجباريِّ، - 00:14:42
ويقول هاريس إنَّ سنة أو سنتين أو ثلاثًا لا تُوَفِّر على الأمريكيين -بالقدر الكافي- - 00:14:45
مصاريفَ الصراع مع الهنود مثل خمس أو عشر سنوات من التعليم المدرسي؛ - 00:14:50
لأنَّ مُدَّة التعليم القصيرة لا تؤثِّر كثيرًا على الحياة القبلية للهنود - 00:14:56
ولا تُحَوِّلهم إلى مجتمعٍ منتجٍ صناعيًّا، - 00:15:00
وهو ما يَضْطَرُّ الدّولةَ لحماية نفسها من خطرِ الهنود - 00:15:03
بإنفاقِ مصاريفَ باهظةٍ باستمرارٍ - 00:15:06
لِدَعْمِ القوَّة العسكريَّة اللازمةِ لمُواجهتِهم، - 00:15:09
أو أن تُضْطَرَّ الدولةُ لخيارِ سياسة الإبادة القاسي؛ - 00:15:12
فيقترحُ (Harris) التعاملَ مع الهنود بروحٍ تَبْشِيرِيَّةٍ تَنْصِيرِيَّةٍ - 00:15:16
وفَرضَ تعليمٍ إجبارِيٍّ عليهم، وإبعادَهم عن أهلهم - 00:15:20
لمُدَّةٍ تَصلُ إلى عشرِ سنواتٍ - 00:15:24
كشكلٍ من الانخراط الحضاري. - 00:15:27
هذا هو (William Harris)، - 00:15:29
أحد أهم العشرة الذين وضعوا النظامَ التّعليمي المعمول به عالميًّا حتى الآن: - 00:15:30
إدخالُ الأطفال في المدارس مُبَكِّرًا وإبقاؤهم فيها لُمَدَدٍ مُطَوَّلَةٍ، - 00:15:35
ومن أهمِّ أهدافه: إضعافُ القوى القَبَلِيَّة، - 00:15:40
وإضعافُ تأثير آبائهم عليهم، - 00:15:43
وإملاءُ سياسة الدولة عليهم. - 00:15:45
إذا تحقَّقَتْ هذه الأهداف في المجتمعات بهدوء فبها ونِعْمَتْ، - 00:15:48
وإلا تكرَّرَ مثلُ هذا النموذج بشكل سافر - 00:15:51
كما يَحصُل الآن في الصين من انتزاع أبناء المسلمين الإيغور منهم، - 00:15:56
وتَنشِئتِهم من قِبَل الدولة الشيوعية، وإخراجِهم من دينهم وتاريخِهم؛ - 00:16:00
ليتحوَّلوا -كبقية الصّينيين- إلى آلاتٍ بشريَّةٍ مُنصَاعةٍ. - 00:16:04
أقرَّ (Harris) بوجود قولبة للناس عبر نظام التعليم المدرسي، - 00:16:10
حيث قال في كتابه (فلسفة التعليم): - 00:16:14
"إن تسعةً وتسعين بالمائة من الناس في كلِّ أمةٍ متحضرةٍ هم كائناتٌ آلية automata، - 00:16:17
حريصون على السّير في المسارات المحددة، - 00:16:23
وحريصون على اتباعِ العادات المُملاة عليهم، - 00:16:26
وهذا ليس صدفةً بل نتيجةٌ للنظام التعليمي المُكثَّف، - 00:16:28
والذي إن أردنا تعريفه بشكل علمي: - 00:16:33
هو عبارة عن تَقييد الفرد وتَذوِيبِه ونَزعِ فَرْدَانِيَّتِه" - 00:16:36
ثمَّ ذَكَرَ مقترحات لعلاج هذه القولبة. - 00:16:41
قد يقول قائل: يا أخي! وما شأننا وهارس وفشته؟ هذا الكلام قديم، - 00:16:44
الآن الغرب يُعلِي من قيمةِ حريَّة التفكير، - 00:16:48
هذه القولبة ونزع حرية الإرادة كانت قديمًا. - 00:16:51
كانت قديمًا؟! - 00:16:54
ما قولُك إذن في القولبة وغسلَ الأدمغةِ الذي يتعرَّض له الطُلَّاب في العالم اليوم؟ - 00:16:55
فيما يتعلَّق بملفِّ الشذوذ الجنسيِّ مثلًا، - 00:17:01
بعدما تمَّ نزع الإرادة وغسل الأدمغة من قبلُ بتحويل الزّنا إلى حريّة شخصية؟ - 00:17:03
إِذَا أصبح مُبَرَّرًا أن تُنتَزَع إرادةُ الطُلَّابِ -كما يريده فشته- - 00:17:09
ويتِمَّ إدماجهم حضاريًّا وإملاءُ القِيَمِ عليهم -كما يريده هاريس، - 00:17:13
وكلُّ هذا تحت عنوان (تقوية الدولة)، - 00:17:18
ولم تكن هناك مرجعيَّةٌ ثابتةٌ صحيحةٌ من الوحي تَحكُم القِيَمَ، - 00:17:20
فإنَّ القِيَمَ ستتغيَّر من زمنٍ لآخرَ، - 00:17:25
فتقبل الشذوذ -مثلا- هو الآن قيمةٌ حضاريّة، - 00:17:28
يجبُ قولبة الطلابِ وغَسلُ أدمغتهم لأجلها، - 00:17:31
بعدما كان الشذوذ مرفوضًا رفضًا قاطِعًا. - 00:17:35
قارنْ هذا بالوَضع الإسلامي الصحيح، - 00:17:37
الذي يكون فيه الوحيُ هو المَرجِعَ والمسطرة - 00:17:40
التي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل مع مرور الزمن، - 00:17:43
والذي يكون فيه ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ شعارَ الجميعِ - 00:17:47
في مُجتمعٍ مُحصَّنٍ من أن يُملى على أطفاله أهواءُ أو آراءُ طَغامٍ من البشر. - 00:17:51
حتى عام 1954 لم يكن مسموحًا للأطفال السّودِ في أمريكا - 00:17:57
أن يدرسوا في نفس الفصول مع الأطفال البيض، - 00:18:02
ثم قرَّرت المحكمة العليا دمجهم مع البيض، - 00:18:05
فثارت ثائرة الكثيرين، وخرجوا في مظاهرات رافعين لافتات: - 00:18:08
(أوقفوا دمج الأجناس!)... (دمج الأجناس شيوعية)... - 00:18:12
الطفلة Ruby Bridges كانت إذا دخلت الصف - 00:18:16
يعترضُ الآباء ويخرجون أبناءهم البيضَ منه لتبقى وحدها، - 00:18:18
وروبي ما زالت على قيد الحياة، - 00:18:23
فتصوروا أننا نُقَلِّد هذه المنظومةَ ونَأخذ منها النّظام الّتعليمي دون كثيرِ غَربَلَةٍ، - 00:18:25
وهي التي بقيت لعهدٍ قريبٍ تَتَخَبَّطُ بشكل صارخ في التمييز على أساس لون البشرة، - 00:18:31
مع أننا أمةُ: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [القرآن 49: 13]، - 00:18:37
التي يقول فيها أمير المؤمنين القُرَشِيُّ عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه: - 00:18:41
"أبو بكر سيدُنا، وأعتقَ سيدَنا" - 00:18:45
يعني بلالا الحبشيّ الأسود كما روى البخاري. - 00:18:48
قد يقول قائل: - 00:18:52
أنت تَذْكر سلبيَّات هذا النظام التعليمي، ولا تَذْكر إيجابيَّاته، وهذا انحياز. - 00:18:52
فنقول: هدفُنا هنا -يا كرام- - 00:18:57
ليس العرضَ التاريخيَّ الأكاديميَّ الذي يذكر كافَّة تفاصيلِ الموضوع، - 00:18:59
بل هدفُنا التركيز على النقاطِ التي يفترق فيها هذا النظامُ التعليميُّ بشكل كبير - 00:19:03
عن مفهوم التعليم والتعلُّم في الإسلام، - 00:19:10
والثمارِ المشؤومةِ التي يُعانِيها العالم من ذلك. - 00:19:12
لسنا وحدنا من ينقدُ هذه المنظومة ونتاجَها، - 00:19:15
بل تتعالى أصوات منهم هم أنفسِهم بذلك، - 00:19:18
ففي عام 1983 وجَّهت اللجنةُ الوطنيَّةُ للتميُّزِ التعليميِّ في أمريكا - 00:19:21
تقريرًا للأمَّة الأمريكية ولوزارة التعليم بعنوان: - 00:19:27
(أمة في خطر - A Nation at Risk: حَتْمِيَّةُ إصلاح التعليم) - 00:19:31
وكان مما قاله James Harvey كاتبُ التقرير: - 00:19:35
"إنَّ الأُسَسَ التربوية لمجتمعنا تتآكل في الوقت الحاضر... - 00:19:38
بسبب المدِّ المُتصاعد للرداءة التي تهدِّد مستقبلنا كدولة وشعب،... - 00:19:42
فلو حاولت قوَّةٌ أجنبيَّةٌ وعَدُوَّةٌ فرضَ هذا الأداء التعليميِّ الرديءِ والفاشلِ... - 00:19:47
الذي نراهُ اليوم على أمريكا... - 00:19:52
لكُنَّا اعتَبَرْنا هذا التَصرُّفَ بمثابة عدوانٍ حربيٍّ علينا". - 00:19:54
حسنًا، هل تم بالفعل إصلاح النظام التعليمي بعدها؟ - 00:19:59
لعلَّ الجوابَ في كتاب John Gatto الذي نَشَره بعد 8 سنوات عام 1991، - 00:20:03
(جون جاتو) كان قد عمل طويلًا في التدريس - 00:20:09
ونشر كتابه: (Dumbing Us Down - يعني تخويفنا أو إخراسنا: - 00:20:11
المنهج المخفي للتعليم الإجباري)، - 00:20:16
ينتقدُ فيه المنهاج الأكاديمي في المدارس الأمريكية، - 00:20:18
وانتشرَ الكتاب بشكلٍ كبير، - 00:20:22
وأُصدِرَت منه نسخةٌ ثانيةٌ عام 2002، - 00:20:24
وأَوَدُّ أن أُترجم لكم مقتطفاتٍ مما جاء في هذا الكتاب؛ لتدركوا حجم الأزمة، - 00:20:27
يقول (جاتو): "إن المدارس والتعليم المدرسي هي -بشكل متزايد- - 00:20:33
غيرُ خادمةٍ للمشاريع العظيمة على هذا الكوكب -يعني الأرض،... - 00:20:37
لم يعدْ أحدٌ يُصدق أن علماء الطبيعة يحصلون على التأهيل اللازم في حِصَّةِ العلوم،... - 00:20:41
ولا السياسيين في حصة التربية الوطنية،... - 00:20:47
ولا الشعراء في حِصَّة اللغة الإنجليزية" - 00:20:50
يعني أن الناس الناجحين في تلك الدولِ - 00:20:52
لم تَكُنِ المدارس هي سببَ نجاحِهم، - 00:20:54
يقول جون جاتو: - 00:20:57
"إن الحقيقة هي أن المدارس لا تُدَرِّس أي شيء إلا كيف تطيع الأوامر"، - 00:20:59
يعني الـ(shaping) القولبة التي تكلمنا عنها، - 00:21:04
يتابع: "إن المؤسسة المدرسية سيكوباتية psychopathic معتلة نفسيا- - 00:21:07
ليسَ لديها وعيٌ أو إدراكٌ، - 00:21:12
يَرِنُّ الجَرسُ فيكون على الولد أن يقطع كتابة قصيدة شِعريَّة ويغلقَ دفتَره - 00:21:14
لينتقلَ إلى خليَّةٍ أخرى، - 00:21:20
حيث عليه أن يحفظَ أنَّ الإنسان والقردةَ ينحدرانِ من سَلفٍ مُشترَك". - 00:21:22
أي أن الطالب يتعلَّم معلوماتٍ متناقضةً، - 00:21:27
ويرى بنفسه في حصَّة الآداب أو اللغة قدراته البشريَّةِ التي تُمِيِّزُه عن الحيوانات، - 00:21:29
ثم في حِصَّةِ العلوم عليه أن يحفَظُ أنَّه أخٌ لهذه الحيوانات لأب مشترك، - 00:21:35
طبعًا لأنه ليس هناك رؤيةٌ موحَّدةٌ مُنْطلِقَةٌ من الوحي الصّادق، - 00:21:40
بل تفكيكٌ لمكوّنات الإنسان ووعيِه. - 00:21:45
هذا الفصامُ بين المواد هو الطابَعُ الموجود الآن في عامة المناهج المدرسية عبر العالم، - 00:21:48
خاصةً المناهجَ التي تُدَغْدِغُ عاطفةَ الناس بموادَّ دينيَّةٍ، - 00:21:54
وفي الوقت ذاتِه تُمْلِي على الطلَّابِ مَا تريده الدولةُ - 00:21:58
أو ما يمليه العلم الزائف عن الكون والحياة. - 00:22:01
يقول (جون جاتو) أيضًا في كتابه: - 00:22:04
"لن يَحْصُل إصلاحٌ على مستوى واسعٍ لطلابنا المُدَمَّرين ولا لمجتمعنا المدمَّر - 00:22:06
إلا بتوسيعِنا لمفهومِ المدرسةِ ليشملَ الأسرةَ كمحرِّكٍ أساسٍ للتعليم" - 00:22:12
وهو ما تَحدَّثنا عنه من تولِّي كلِّ راعٍ مسؤوليّته في التَّعليم، - 00:22:18
ويقول عن التعليم بشكلٍ عام: "يجب أن يجعلك غنيًّا روحيًّا، - 00:22:21
يجبُ أنْ يُعلِّمَكَ أَمْرَينِ مُهِمَّيٍن: كيفَ تَعيش، وكيفَ تَموت" - 00:22:26
وهو ما لا تُعَلِّمه المنظومةُ التعليميةُ التي تُعْنَى بالمادة أكثرَ من الإنسانِ. - 00:22:30
حتى من ناحيةٍ ماديَّةٍ إنتاجيَّةٍ، هل يعتبر هذا النظامُ التعليمي ناجحًا؟ - 00:22:35
بل ما زالتِ الأصواتُ تتعالى بقصورِه حتى من هذه النّاحية، - 00:22:40
عام 2006 المستشار الدولي Sir Ken Robinson - 00:22:44
-والذي مُنح لقب (فارس) لخدماته في التعليم- - 00:22:48
ألقى مُحاضرةً على TED هي الأكثر مشاهدة في تاريخ البرنامج - 00:22:51
-حوالي 66 مليون مشاهدة حتى الآن- - 00:22:55
بعنوان (هل المدارس تقتل الإبداع؟)، - 00:22:58
انتَقَدَ فيها النظام التعليميَّ للمدارس من حيث إنه يُوجِدُ رهبةً من الخطأِ، - 00:23:01
وهو ما يَقتُل في الطلاب الإقدامَ والقُدرةَ على الإبداعِ، - 00:23:06
وأنه لا يُراعي حاجة الأطفال للحركة واللعب، - 00:23:09
ومن حيثُ الجمود في التسلسل الهرميّ للمواد؛ - 00:23:13
فلا يستكشفُ المواهبَ، بل يَدفنُها. - 00:23:16
ويقول روبينسون: - 00:23:19
"إن التعليمَ مثلُ أداة التنقيب التي تبحث وتُنقّبُ عن أشياء محددة فقط من منجم العقل، - 00:23:20
وما دون ذلك، فقد يُوصمُ الطالبُ بأنه مريضٌ - 00:23:26
بدلًا من كونه مُتميِّزًا في جوانبَ أخرى غيرِ المُنَقَّبِ عنها"، - 00:23:30
ثم جاء الدكتور George Land ليتحدَّث في فيديو بعنوان (فشل النجاح) - 00:23:35
أن وكالة الفضاء الأمريكية NASA - 00:23:39
كانت طلَبَتْ منه ومن زميله beth jarman - 00:23:41
اختبارًا لفحص الإبداعية لدى موظفيها، - 00:23:43
طوَّر هو وزميله هذا الاختبار، ثم قالا: فلنجربه على الأطفال. - 00:23:46
فوجَدَا أنّه كلَّما تعلَّم الأطفال في المدارس قُتِلَت القدراتُ الإبداعيَّة - 00:23:50
التي كانت لديهم في البداية، - 00:23:55
ثم عاد روبينسون عام 2013 ليظهر على TED في محاضرة بعنوان: - 00:23:58
(كيف نجتازُ وادي الموت التَّعليمي). - 00:24:03
سيقول قائل: كيف يَصِف هؤلاء النظام التدريسيَّ بقتل المواهب، - 00:24:06
ونحن نشهد هذا التقدُّمَ الهائلَ في المُخترَعَات والاكتشافات؟ - 00:24:10
فنقول لكم: القدرات التي منحها الله للإنسان هائلةٌ، - 00:24:13
ومكتشفاتُ اليوم هي نتيجةُ تراكمٍ معرفيٍّ لقرونٍ كثيرةٍ، - 00:24:17
كان للمسلمين فيها بَاعٌ كبيرٌ -كما ذكرنا، - 00:24:21
فالتقدُّمُ في الاكتشافاتِ لا يعني أنَّ النظام التعليميَّ في المدارس ناجحٌ، - 00:24:25
بل في كتاب (دعائم التَمَيُّزِ) والمنشور عام 1962 - 00:24:30
تم استعراض طفولة أكثرَ من 400 شخصيةٍ مؤثرةٍ في القرن العشرين، - 00:24:34
ووُجِد أن 3 من كل 5 منهم -أي 60%- - 00:24:39
كانوا غيرَ راضين عن المدارس ولا عن المعلمين المدرَسِيِّين. - 00:24:44
وللعلم، Thomas Addison كان مُدَرِّسُوه قد وصَفوه بأنه غَير كُفْءٍ للتعليم المدرسيِّ misfit، - 00:24:48
لم يُكملْ تعليمه المدرسيَّ، وتوقَّف عند المرحلة الابتدائية، - 00:24:55
ثم أصبح هذا الـ(misfit) أحدَ أكبر المكتشفين في العصر الحديثِ، - 00:24:59
ولديه 1093 براءة اختراع أمريكية تحمل اسمه. - 00:25:03
Albert Einstein كان أستاذُ اللغة الإغريقية قد أخبره أنه لن يُفلحَ في شيء - 00:25:08
وأنَّه يُضيعُ وقتَ الجميع، وعليه أن يغادِرَ المدرسة مباشَرَةً، - 00:25:13
والله أعلم كم من الأذكياء والموهوبين -شرقًا وغربًا- دُفِنَت مواهبُهم - 00:25:17
لعدم قُدرةِ النظام التعليميِّ على اكتشافهم وتنميةِ مواهِبِهم. - 00:25:22
هناك محاولاتٌ للخروج عن هذا النَمَطِ المدرسيِّ المعروفِ، - 00:25:27
مثل مدارس Wladorf التي تتَجَنَّب استخدامَ التكنولوجيا، - 00:25:30
وترفعُ شِعارَ التركيز على تنميةِ المواهب، - 00:25:34
وعددٌ من موظفي ما يعرف بـSilicon Valley في أمريكا يَضعون أبناءَهم فيها، - 00:25:37
مؤسسُ فكرة هذه المدارس هو Rudolf Steiner المتأثِّر بالفلسفة الشرقية، - 00:25:42
لذلك لا تستغربْ عندما ترى أن البرنامج - 00:25:47
الذي يُوزَّع على أولياء أمور الأطفال في الحضانات - 00:25:50
يتَضَمَّنُ في الـSnack time أغنيةً يشكرُ الطُّلَّابُ فيها الشمسَ - 00:25:53
والأرض والماء على الطعام الذي منحونا إياه، - 00:25:57
وهذا هنا في بلاد المسلمين. - 00:26:01
ورحمة الله على ابن تيمية إذ قال في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) - 00:26:03
في تبيين الحكمة من أمرنا بمخالفة المشركين، - 00:26:08
قال: "يكفيكَ أن فسادَ الأصلِ لا بُدَّ أن يؤثِّر في الفرع، - 00:26:11
ومن انتبهَ لهذا قد يعلمُ بعضَ الحكمة التي أنزلها الله، - 00:26:16
فإنَّ مَن في قلبِه مرضٌ قد يرتابُ في الأمر بنفسِ المخالفة لعدمِ استِبانته لفائدته..." - 00:26:20
"وحقيقة الأمر أن جميع أعمالِ الكافر وأموره - 00:26:26
لا بد فيها من خللٍ يمنعها أن تتم له منفعةٌ بها، - 00:26:30
ولو فُرِض صلاحُ شيء من أمورِه على التمامِ - 00:26:35
لاستحقَّ بذلك ثوابَ الآخرةِ، ولكنَّ كلَّ أموره إما فاسدةٌ وإما ناقصةٌ". - 00:26:38
يعني قد يستغربُ المسلم: - 00:26:45
لماذا يأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين وعدم تقليدهم، - 00:26:46
تقليدِهم في المناهج الثقافية مثلًا، - 00:26:52
لا نتكلَّم عن الاستفادة من المكتشفات، - 00:26:55
لكنْ تقليدِهم في المناهجِ التي لها علاقة بالتصوُّر عن الكونِ والحياةِ، - 00:26:57
تقليدُهم في هذا متضمِّنٌ لفسادٍ قد تلاحظه وقد لا تلاحظه؛ - 00:27:02
فإنَّ أعمالَهم إما فاسدةٌ وإما ناقصةٌ، - 00:27:07
والجديرُ بالمسلمين أن يَصوغوا هم طريقتهم في التعليم انطلاقًا من مَرجِعيّة الوحيِ. - 00:27:10
من المحاولات للخروج عن النمط التدريسيِّ الشائع: - 00:27:16
محاولاتُ الأمريكي بنغالي الأصل Salman Khan - 00:27:20
الحاصلِ على شهاداتٍ متنوعةٍ - 00:27:23
وصاحبِ أسلوبٍ مُبَسَّطٍ في الشرح - 00:27:25
والذي انتَقدَ النظامَ التعليميَّ في كلِمةٍ له على TED، - 00:27:27
وكذلك في مقابلة له بعنوان: (تاريخ التعليم) - 00:27:31
وبعض معلومات حلقتنا مذكورة في مقابلته هذه، - 00:27:34
أسَّسَ سلمان خان منصةً تعليميَّةً مجانيَّةً عالمية تُدرِّس الكثير من العلوم، - 00:27:38
بما يفيدُه ذلك من مراعاةٍ للفُروقات الفرديَّةِ في الاستيعابِ؛ - 00:27:44
فتتيح للطالب أن يشاهدَ الموضوع الذي يريد دراسته، - 00:27:48
ويُعيدَ الموضعَ الذي لم يفهمْه بأسلوبِ شرحٍ مبسط، - 00:27:51
لكنْ ما إن اشتهرت هذه المِنَصَّة حتى احتواها حيتانُ الرأسماليَّة - 00:27:54
مثل Google وBill Gates بمنحٍ بملايين الدولارات، - 00:27:59
ومع المنحِ الماليَّةِ تأتي الأجندات الفكرية والأخلاقية كالعادة. - 00:28:03
العامَ الماضيَ في العيد الخمسينَ للشواذِّ، والذي احتفلت به Google وMicrosoft - 00:28:07
عَزَفَت (Khan Academy) على أنغامِهم بتغريداتٍ على Instagram - 00:28:12
تُرَمِّزُ شَخصياتٍ شاذَّةً جِنسِيًّا، - 00:28:16
ورصدت CBN NEWS كيف تقوم المِنصَّةُ بالزجِّ بِهذه الأجندةِ في دُروسِ الأطفالِ - 00:28:18
بتَركِ فراغٍ مثلًا في دُروس اللغة الإنجليزيةِ في الحديث عن امرأتين، - 00:28:23
وعلى الطَّالب أن يختار الإجابة الصحيحة لُغَويًّا، - 00:28:28
ما هي هذه الإجابة؟ - زوجَتَيهِما، - 00:28:31
أي كلُّ امرأةٍ كانت تخرجُ مع زوجتِها إلى الغداء، - 00:28:33
شَكْلٌ مِنْ أشكالِ الـindoctrination؛ - 00:28:37
غسلِ أدمغةِ الأطفال وإملاءِ ما يريده حيتان الرأسمالية. - 00:28:40
وعادت الأكاديميةُ فاحتفلتْ هذه السنةَ أيضًا بيومِ الشواذِّ - 00:28:45
بتغيير شعارِها على تويتر إلى ألوان علمِ الشواذِّ أثناءَ يومِهم. - 00:28:49
فما دام التغيير إنما هو في الأسلوب والشَكل - 00:28:53
وليس في الدَّوافع والغاياتِ والمرجعيةِ فلن يَحصُل الإصلاح المنشودُ، - 00:28:56
وما دام كثيرٌ من الدول ليسَ همُّها الأكبرُ تعليمَ الطلاب ما ينفعُهم في دينهم و دنياهم - 00:29:01
وإنما الـindoctrination القولبةُ - 00:29:07
وتكريسُ ما يُراد للأطفال أن يَقتنِعوا به - 00:29:10
وتعليم الانصياعِ -كما بيَّن أيمن عبد الرحيم- في محاضرتِه: (مجتمع بلا مدارس) - 00:29:13
فلن يَحصُل التغييرُ المنشودُ. - 00:29:18
ظهرتْ أيضًا البرامجُ الدولية مثل IG وSAT وIB - 00:29:20
لكن تَبقى هناك عناصرُ مشتركةً بين هذه الأشكال جميعًا - 00:29:25
-كلِّ أشكالِ التعليم التي ذكرناها اليوم: - 00:29:29
انقطاعُ العلم عن مرجعيةِ الوحي، - 00:29:31
قطعُ دلالةِ العلمِ على الخالق والإيمان به، - 00:29:33
غيابُ المعنى التعبُّدي في طلب العلم، - 00:29:36
القولبةُ، وترسيخُ الاعتقاداتِ المُراد للطلَّاب أن يعتَقِدوها - 00:29:39
بمرجعياتٍ متغيَّرةِ يُمْليها أصحابُ القُوَّةِ أو رأسِ المالِ، - 00:29:43
القابليةُ لتغيير القِيَم بشكل مستمر، - 00:29:48
قياسُ مُخرَجاتِ التعليمِ بالعلامةِ والتأهُّل لسوقِ العمل - 00:29:51
وليسَ ببناءِ الإنسان المُتكاملِ المُؤَهَّل لتحقيق العبوديةِ لله بمفهومها الشامل، - 00:29:55
وفي كثير من المناهج انفصالُ الموادِ بعضُها عن بعضٍ وتعارضُها فيما بينها، - 00:30:01
بحيث يُدَرَّس الطلاب في حصَّة الأحياء - 00:30:07
ما يُصادم الذي يتعلَّمونه في حِصَّةِ الدين - 00:30:10
عن نشأةِ الكونِ والحياةِ مثلًا. - 00:30:13
حسنًا، ما البديل؟ ما التعليم الذي نريد؟ - 00:30:15
ما أركانه؟ وما هو مكانُ المرأة مِن هذا كله متأثرةً أو مؤثرةً؟ - 00:30:18
هذا ما سنجيبُ عنه في الحلقة القادمة -بإذن الله-. - 00:30:22
يَجدُر الذِكْرُ بأنَّني حصلت على كثيرٍ من معلوماتِ هذه الحلقةِ من مادةٍ قام بتجميعها - 00:30:26
أخي: الدكتور عبد الرحمن ذاكر، - 00:30:31
الطبيبُ المعالج النفسي والتربوي المُهتَمُّ بملف النفس والتعليم، - 00:30:33
وكذلك استفدتُ في إعدادها من مناقشةٍ مع أخي الأستاذ: أنس شيخ كريِّم، - 00:30:37
المختصِّ في الشريعة وعلم النفس التربوي، - 00:30:41
ومن جهود بعض الإخوة والأخوات - 00:30:44
الذين ساعدوني في التحري واستخراج المعلومات لحلقة اليوم - 00:30:46
فجزاهم الله خيرا جميعًا. - 00:30:51
والسلام عليكم ورحمة الله. - 00:30:53
Transcription
السلام عليكم ورحمة الله... - 00:00:00
أيُّها الكرام، ما زلْنا نسيرُ في سلسلةِ المرأة - 00:00:01
وقد وصلنا محطَّة (المرأة والتَّعليم). - 00:00:04
دعونا نعُدْ لتاريخ التعليم المدرسي الحديث، والذي هوَ مقدِّمةٌ للتَّعليمِ الجامعيِّ. - 00:00:07
لكنْ لماذا الانتقالُ إلى موضوعٍ آخرَ غيرِ المرأة؟ - 00:00:12
ليسَ انتقالًا بقدرِ ما هوَ تأسيسٌ، - 00:00:16
لنرى: هل التعليم المعاصر يَفي بحاجات الفتاة الَّتي ستكونُ امرأةَ المستقبلِ؟ - 00:00:19
هلْ يعينُها على أداءِ أدوارِها وما خُلقَتْ منْ أجلِه؟ - 00:00:24
هلْ هوَ نافعٌ لها، يحقِّقُ لها الطُّمأنينةَ والسَّعادةَ وخيرَ الدُّنيا والآخرةِ؟ - 00:00:28
الكلامُ اليومَ عامٌّ في تعليمِ الولدِ والبنتِ والشّابِّ والفتاة. - 00:00:33
سنستعرضُ مِيزاتِ التَّعلُّمِ والتَّعليمِ في الإسلامِ - 00:00:38
بَدءًا منْ نزولِ الوحيِ لنُبقيَها في أذهانِنا، - 00:00:40
ثمَّ نستعرضُ على ضوئِها نشأةَ التَّعليمِ المدرسيِّ المعاصرِ المنتشرِ في العالمِ، - 00:00:44
ومنْه عالمُنا الإسلاميُّ، - 00:00:49
فإنَّ منْ حقِّنا أنْ نعرفَ: - 00:00:51
ما الذي جاءَ بنا إلى هذه الغرفِ الصَّفيَّة - 00:00:53
الَّتي نُمضي فيها (12-14) سنةً منْ عمرِنا؟ - 00:00:55
المرحلةَ الأهمِّ الَّتي تُصاغ فيها شخصيّاتُنا. - 00:01:00
ومنْ حقِّنا أنْ نتساءلَ: - 00:01:04
ماذا كانَ إسهامُ المدارسِ في وجودِ الطَّبيبِ الفاسد،ِ - 00:01:06
والمهندسِ الغاشِّ، والبائعِ السّارقِ، والمسؤولِ المختلسِ، - 00:01:09
والفيزيائيِّ المتشكِّك، والبيولوجي الملحد، والدُّكتورةِ النِّسويَّةِ وغيرِهم. - 00:01:12
أوَّلُ آيةٍ أنزلَها اللهُ تعالى على عبدِه محمَّدٍ -صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ- - 00:01:17
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [القرآن 96: 1]، - 00:01:23
أيُّها الإنسانُ: اقرأْ وتعلَّمْ عنِ الكونِ والحياة، - 00:01:25
وافهمْهما باسمِ ربِّك، - 00:01:29
منطلِقًا منَ الإيمانِ بهِ ربًّا يربّيكَ، - 00:01:31
خلقَكَ منْ علقٍ، - 00:01:33
وهداكَ إلى تناقلِ العلومِ، وبناءِ المعرفةِ بالقلمِ، - 00:01:35
وبما أعطاكَ منْ فطرةٍ وعقلٍ قادرٍ على التعرُّفِ على الحقائقِ، لأنّهُ منْ صنعِ إلهٍ مطلقِ الكمالِ، - 00:01:39
ليسَ عقلًا جاءَ صدفةً خبطَ عشواءَ، - 00:01:46
بلْ عقلٌ مُهيَّأٌ من الخالقِ الأكرم الذي يريدُ للإنسان أن يتعلَّمَ ما لم يعلم، - 00:01:49
اقرأْ لتنتفعَ بعلمِك وتنفعَ النّاسَ، - 00:01:55
ولتستدلَّ بعلمِك على عظمةِ اللهِ فتشكرَه، - 00:01:58
وتحقِّقَ ما خُلقْتَ منْ أجلِه منَ العبوديَّةِ له بمفهومِها الشّاملِ - 00:02:01
فتسعدَ في الدُّنيا والآخرةِ. - 00:02:06
رؤيةٌ كونيَّةٌ تجعلُ الإنسانَ منسجمًا روحًا ونفسًا، عاطفةً وعقلًا، - 00:02:08
فتنخرطُ قواهُ كلُّها في تحقيقِ الهدفِ الأسمى. - 00:02:15
رؤيةٌ تنطلقُ منْ توحيدِ اللهِ، - 00:02:19
فتُخرجُ لنا نفسًا موحِّدةً لخالقِها موحَّدةً في نظرتِها، - 00:02:21
لا نفسًا مشتَّتةً مفكَّكةً. - 00:02:26
انطلقَ المسلمونَ بهذهِ الرُّؤيةِ وأنتجوا في العلومِ بأشكالِها نتاجًا ضخمًا، - 00:02:28
وقد ذكرنا في (رحلةِ اليقينِ) بعضَ المصادرِ الدّالَّةِ على الأصولِ الإسلاميَّةِ - 00:02:33
لكثيرٍ منَ العلومِ والاختراعاتِ، - 00:02:37
بل والمنهجِ التَّجريبيِّ برمَّتِه، - 00:02:39
وهو ما يعترفُ بهِ منصِفو الغربيّينَ. - 00:02:42
النظامُ التَّعليميُّ في الإسلام فيهِ عوامل حصانةٍ ومناعةٍ ضدَّ الإصابةِ بالفسادِ: - 00:02:45
أولا: أنَّ التَّعليمَ تعبُّديُّ، - 00:02:50
سواءً أكانَ في علومَ الشَّريعةِ أو علومِ الطَّبيعةِ، - 00:02:53
ومنْ ثمَّ فثقافةُ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [القرآن 96: 1] - 00:02:56
كانَتْ مبثوثةً في المجتمعِ - 00:02:59
على مستوى الأسرةِ، منَ المؤدِّبينِ، - 00:03:01
في الكتاتيب، في المساجد، في حِلَقِ العلم، - 00:03:03
في المدارسِ الَّتي نشأَتْ في العصورِ الإسلاميَّةِ. - 00:03:05
وهذا يقودُنا إلى العاملِ الثّاني للحصانةِ، - 00:03:08
ألا وهوَ: المسؤوليَّةُ المشتركةُ - 00:03:11
الكل يشاركُ في تحمُّلِ مسؤوليَّة التَّعليم - 00:03:14
ولا يُلقون بها على كاهلِ الدَّولةِ، - 00:03:16
كذلكَ فتحمُّلُ المسؤوليَّةِ يُعطي مناعةً من انتشارِ الفساد - 00:03:19
حتّى لو أُصيبَت مؤسَّسةُ الحكمِ بالفسادِ؛ - 00:03:23
لأنَّ مكوِّناتِ المجتمعِ توطَّدَت على: - 00:03:27
«كُلُّكم راعٍ، وكلُّكُمْ مسئول عن رعيَّته» [متفق عليه]، - 00:03:30
فسيسعى كلُّ راعٍ تقيٍّ إلى تخفيفِ الأضرارِ على منْ يرعاهُم - 00:03:33
إذا فسدَ رأسُ الهرمِ، - 00:03:38
وسيبقى الأبوانِ والمربّونَ يمارسونَ التَّعليمَ عبوديَّةً للهِ، - 00:03:39
وهذا يحافظُ على سلامةِ جذور المجتمع المسلم - 00:03:44
حتَّى وإنْ أصابَ الفسادُ الفروعَ، - 00:03:48
فتُنبتُ الجذورُ فروعًا سليمةً منْ جديدٍ. - 00:03:50
ثالثا: صحَّة المرجعيِّة وثباتُها، - 00:03:53
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [القرآن 96: 1]، - 00:03:56
الوحي هو المرجعيِّة، - 00:03:58
فالقِيم والمعايير الضابطة للعلم ثابتةٌ لا تتغير. - 00:04:00
انطلاقًا من الوحي توفِّر الدولةُ البيئةَ اللازمةَ لِبَثِّ العلم الصّحيح: - 00:04:04
تُصدِّر المؤهَّلين، - 00:04:09
تَحمي الناسَ من المتلاعبين والعابثين النّاشرين للجهل والضّلال؛ - 00:04:10
لأنَّ حِفظَ العقل من ضرورات الشريعة الخمس؛ - 00:04:14
الدولة تَضَعُ الأُطُر، ثم بعد ذلك هناك مرونة منضبطةٌ بالوحي. - 00:04:17
في المقابل، الناس يُحاسِبون الحاكمَ بناءً على الوحي أيضًا: - 00:04:22
هناك مرجعيَّةٌ، مرجعيُّةُ الوحي لا يستطيع الحاكمُ المِساس بها ولا تغييرَها، - 00:04:26
بل هو مُكلَّفٌ بالقيام على مصالح الناس بحسب هذه المرجعيّة، - 00:04:32
وإذا خالَفَها وأَمَرَ بتعليم ما يُخالف مصلحة الناس - 00:04:37
فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق، - 00:04:41
بل يُؤْخذ على يده ويُحمَل على الالتزام بالوحي؛ - 00:04:44
فسُلطتُه ليست مُطلَقَة بل - 00:04:48
﴿فَإِن تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [القرآن 4: 59]. - 00:04:51
رابعا: مراكز الثقل المالي في الوضع الإسلامي الصحيح موجودةٌ في المجتمع؛ - 00:04:55
ليست منهوبةً ولا متحكَّمًا بها من زُمرَة حاكمة، - 00:05:00
ولا من طبقة رأسمالية؛ - 00:05:04
فالإسلام يحارب تركُّز المال في يدِ فئةٍ - 00:05:06
﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾ [القرآن 59: 7] - 00:05:09
كَوْنُ مراكزِ الثّقلِ المالي في الناس؛ - 00:05:13
هذا الاستقلال المالي يعني أنَّ طلَّابَ العلمِ وأهلَ العلم بأشكاله - 00:05:15
أحرارٌ في ما يقولون، - 00:05:19
مكْفِيُّون، لا يُهدَّدون بأرزاقهم، - 00:05:21
ولا ينتظرون راتبًا يُعطَى من فئة متحكِّمة - 00:05:23
ستمنع عنهم المال إذا امتنعوا عن الانصياع لأهوائها. - 00:05:27
في هذه الأجواء الحُرَّة كان للأوقاف الإسلاميِّة أثَرٌ كبيرٌ عظيمٌ في التعلُّم: - 00:05:31
يخصِّص مسلمٌ يمتلك المال جزءًا من ماله، - 00:05:36
ويُبقيه أوقافًا جاريةً بعد وفاته - 00:05:39
على تفريغ أشخاصٍ لطلب العلم، - 00:05:42
وهذا كان من عوامل محافظة المحاضن الشعبيَّة على قوَّتها - 00:05:44
ودورِها في تخريج العلماء في شتَّى المجالات، - 00:05:49
حتى في فَتَرات انحدار مؤسسة الحكم. - 00:05:53
الأزهر -مثلًا، قبل أن يُفسدَه الاستعمارُ البريطاني- - 00:05:55
كان يُنفَق عليه من الأوقاف، - 00:05:59
تَوَزُّعُ المالِ في الناس يمنع من أن يُسَخَّر التعلمُ - 00:06:01
لمصلحة طَغامَةٍ من أصحاب رأس المال، - 00:06:04
بل يكون المعنى التعبُّدي في التعلُّم هو الحاضرَ وبقوة، - 00:06:07
هدفُه أن تُحقِّق الأمَّةُ العبوديَّةَ لله بمعناها الشامل كما بيَّنّا. - 00:06:12
وهذا يأخذنا إلى الميزة الخامسة في منظومة التعلُّم الإسلاميِّة: - 00:06:16
أنَّ مُخرَجاتِ التعليم - 00:06:21
لا تُقاس بتأهيل أفرادٍ لخدمةِ أصحاب رأس المال والشركات العالمية في عبوديّةٍ مقنَّعة، - 00:06:23
بل تقاس بتحقيق أهداف الوحي: - 00:06:30
صلاحِ دنيا الناس وآخرتهم، وصلاحِ نفوسهم وأرواحهم وأخلاقهم، - 00:06:32
فيكون للفقيه قيمتُه وللأمِّ المربِّية قيمتُها، - 00:06:37
مع أنَّ هؤلاء لا قيمة لهم في المنظومة الرأسماليِّة؛ - 00:06:41
لأنهم لا يخدمون المنظومة الماديّة. - 00:06:44
كلُّ هذا يُهيِّئ الأجواء لكَونِ السُّلطان بأيدي المسلمين، - 00:06:47
ووجودِ أهل الحَلِّ والعَقْد من المسلمين، - 00:06:51
ولظهورِ أجيالٍ من الأحرار الذين تلقَّوا تعليمهم من مراكز الثقل المجتمعية التربوية، - 00:06:53
وأمانُهم الاقتصادي مرتبِطٌ بمراكز الثقل المجتمعيّة الاقتصاديّة، - 00:07:00
فمِقياسهم في قَبول أو رفض ما يُطلب منهم: - 00:07:05
هل هو حقٌ أم باطل فحسب؛ - 00:07:08
إذ لم يُعلَّموا العبوديّة لغير الله، ولا يُهدَّدُون في أرزاقهم. - 00:07:10
إذن تعليمٌ باسم الله، - 00:07:15
وهو تعبُّد يمارسه الجميع ويتحملون مسئوليّته، - 00:07:17
الوحيُ فيه مصدرُ الحقائقِ الكبرى والمحرِّكُ لاستكشاف العلوم، - 00:07:21
ومرجعيِّةٌ ثابتة لا تتغير، - 00:07:25
تعليمٌ تنسجمُ فيه مكوِّنات الإنسان، - 00:07:28
والهدف منه تحقيقُ الاستخلاف والعبودية لله بمعناها الشامل، - 00:07:31
مرتبطٌ باقتصادٍ عادلٍ لا تحتَكِره فئةٌ، - 00:07:36
وفيه عواملُ مناعةٍ من أن يَنحرف، - 00:07:40
ومن أن يُملَى فيه على الأجيال أهواءُ طَغامٍ من البشر. - 00:07:44
حسنًا، ما الذي كان يحدثُ في أوروبا في تلك الفترة؟ - 00:07:48
يُهِمُّنا أن نعرف؛ لأنَّ شَكلًا آخر تمامًا من التعليم كان يتَشَكَّل هناك في تلك الفترة، - 00:07:51
ثم لمَّا ضَعُف تمسُّكنا بالوحي، واحتلَّ الأوروبيون بلادَنا، - 00:07:56
استطاعوا أن يُفكِّكوا منظومة التعليم التي شرحناها، - 00:08:00
ليقضوا على عوامل قوَّتها وحَصانَتِها ويُحلِّوا محَلَّها منظومتَهم، - 00:08:04
لكن مع تشويهٍ ممنهجٍ يَضمَنُ تَبعِيَّتَنا لهم وتَخَلُّفَنا عن رَكْبِهم. - 00:08:09
كانت أوروبا تعيش بدايةً النظام الإقطاعيّ الطبقيّ: - 00:08:15
أسيادٌ وعمَّال، - 00:08:18
والتعليمُ حِكْرٌ على الطبقة الأرستقراطية، - 00:08:20
وإذا عُلِّم العمَّال شيئًا فإنما يُعلَّمون بالقدر اللازم لزيادة الإنتاجيّة للأسياد، - 00:08:23
ثم جاء عصر النهضة والذي بدأ في إيطاليا - 00:08:29
ما بين (1400) و(1600) من الميلاد، - 00:08:32
حصلتْ فيه ثورةٌ على السُّلطات القديمة - 00:08:35
وتَشكَّلت دُوَلٌ فيها مواطنون، لا أسياد وعمَّال، - 00:08:37
تَنَفَّسَ الناس الصعداء قليلًا قبل أن تظهر شيئًا فشيئًا طبقيَّةٌ ثانيةٌ - 00:08:41
هي طبقيَّةُ الرأسماليّة. - 00:08:46
بعد اقتصار التّعليم على طبقةٍ خاصةٍ، - 00:08:48
ظهرَ أن الحل الأمثلَ الممكنَ اقتصاديًّا لتعليم الشعوب الأوروبيّة مجانيًّا - 00:08:51
هو إنشاءُ المدارس النظاميَّة، - 00:08:56
والهدفُ منها ترسيخ عقيدة الدولةِ في الأجيال Indoctrination، - 00:08:58
وزيادةُ القدرة الإنتاجية للقوى العاملة؛ - 00:09:03
ليُقَوُّوا الدولة، ويُشغِّلوا المصانع، - 00:09:06
ويسيطروا على الدول التي يحتَلُّونها وينهبون خيراتِها، - 00:09:08
وفي سبيل ذلك أُنشئ ما يسمى بالمدارس المصنعيِّة - Factory model of school، - 00:09:12
التي تُنتج إنسانًا مُنصاعًا مُقَوْلَبًا fashioned، - 00:09:17
ليعمل في المصنع. - 00:09:20
ظهرتْ أولى هذه المدارس في مملكة (بروسيا) في ألمانيا عام 1717، - 00:09:21
وبإمكانك القراءة عن هذا النموذج من المدارس تحت عنوان: - 00:09:26
Prussian Education Model، - 00:09:30
ثمَّ في النصف الثاني من القرنِ الثامنَ عشر ظهرتْ الثورةُ الصناعيَّةُ الأولى، - 00:09:31
أُخْرِجت المرأة من بيتها، ووُّزِع على النساء حبوب منع الحمل؛ - 00:09:35
لتفريغهنَّ لوقت أطول للعمل في المصانع، - 00:09:40
وفي عام 1807 صَدَرَ القرارُ بإلزام المدارس في بروسيا بالخضوع لوزارة الداخلية؛ - 00:09:43
ليُدرَّس فيها ما يريده النظام. - 00:09:49
يقول الفيلسوف الألماني Johann Gottlieb Fichte في كتاب (الطابَعُ العام للتعليم الحديث): - 00:09:52
"على المدارس أن تُقَوْلِبَ الشخص - must fashion the person، - 00:09:58
تُقَوْلبَهُ بحيث لا يرى سوى ما تريده أنت". - 00:10:02
وذلك لأنَّ ألمانيا كانت في صراعات مع فرنسا خسرت فيها الكثير. - 00:10:05
(فشتة) اعتبر أن الخطأ الأكبر المتسبب في ضعف التّنشئة للألمانيين - 00:10:09
هو الإرادة الحرَّة للتَّلاميذ؛ - 00:10:14
لأنَّ الشخصَ يبقى فيها متردِّدًا بين الخير والشر، - 00:10:16
فعلى العكس، يجب أن تكونَ التنشئةُ الجيِّدة على أساس إعدام الإرادة الحرة، - 00:10:19
فالهدفُ الذي يَجبُ أن يُقَوْلَبَ من أجله الطلاب هو تَقْويَةُ الدولة، - 00:10:25
ولذا كان على الطلاب أن يقفوا في الطوابير الصباحيَّة - 00:10:30
في صفوفٍ كصفوفِ الجيش، مع طقوسٍ إلزاميَّةٍ لتقديس الدولة. - 00:10:33
بعد ذلك بقرابة ربعِ قرن جاءَ الألماني Friedrich Fröbel - 00:10:38
وأنشأ أول حضانة: Kindergarten عام 1830، - 00:10:42
وسبب إنشائها أنَّ أُمَّه ماتت، - 00:10:47
تزوَّجَ أبوه فعاش مُهمَلًا من كليهما؛ من أبيه وزوجة أبيه في طفولة بائسة. - 00:10:49
في هذه الفترة في عام 1835 - 00:10:55
-وبينما كانت بريطانيا تحتل الهند التي كانت قبلها تحت حكم المسلمين- - 00:10:58
وَجَّهَ المؤرِّخُ والسّياسي البريطاني: Thomas Macaulay - 00:11:02
تقريرًا للحاكم البريطاني في الهند بعنوان: - 00:11:05
(تقريرٌ عن التعليم في الهند)، - 00:11:08
وكان مما جاء فيه: - 00:11:10
"يجب علينا -في الوقت الحاضر- أن نبذل قُصارى جهدنا - 00:11:12
لإيجادِ فئةٍ تُشكِّل جِسرًا بيننا وبين ملايين الناس الذين تحت حكمنا، - 00:11:15
فئةٍ من الهنود الذين ما زالوا هنودًا بلونهم ودمائهم، - 00:11:22
لكنهم (إنجليز) في أخلاقِهم وآرائِهم ومَلَكَاتِهم الفكريَّة وأذواقِهم، - 00:11:26
وقد نترك لهذه الفئة مهمةَ تنقيحِ اللَّهَجاتِ العامِيَّة للبلاد، - 00:11:32
بحيث يتم إثراء هذه اللَّهَجَات بمصطلحاتٍ علميةٍ مُستعارَةٍ من التَّسميات الغربية، - 00:11:37
فتصبحُ هذه الفِئة -بدرجاتها المختلفة- - 00:11:44
ناقلاتٍ مناسبة تقوم بنَشْرِ المعارف بين الكتلة الأكبر من السكان". - 00:11:47
إذن فهذا هدف إنشاء المدارس في المستعمرات: - 00:11:52
الإبقاءُ على احتلال البلاد ثقافيًّا حتى بعد انجلاء المحتَلِّ عسكريًّا. - 00:11:55
أَبْقِ هذا الوصف الدقيق الذي نطق به توماس مكولي؛ - 00:12:02
لتستحضره عند حديثنا عن المدارس الدولية حاليًّا في بلاد المسلمين. - 00:12:04
أثناءَ هذه التَّطَوُّرات كلها نُقِلتْ كثيرٌ من العلوم من المسلمين إلى أوروبا، - 00:12:10
لكنْ مبتورةً عن أصولها العقَديَّة، - 00:12:15
مقطوعةً عن جذور: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [القرآن 96: 1]، - 00:12:18
وأصبح الشعار: اقرأ باسم الدولة وقوتها، - 00:12:21
والذي أصبح -في واقع الأمر- قراءةً باسم الإنسان وشهواتِه وطغيانه. - 00:12:25
عام (1843) انتقلت فكرة المدرسة المصنعيَّة من بروسيا إلى أمريكا وأوروبا، - 00:12:30
ثم ما بين عامي 1852 و1917 - 00:12:36
أُقِرَّ التعليم الإلزامي والمدرسة الحكومية في الولايات الأمريكية، - 00:12:40
أولها (massachusett) وآخرها (mississippi)، - 00:12:44
عام 1892 في أمريكا أقرَّ (10) أشخاص - 00:12:47
-فيما يعرف بالـ(committee of ten)- - 00:12:51
بِجَعْلِ التَّعليمِ المدرسي بشَكْلِه المعروف حتى الآن: - 00:12:52
12 سنة مُتضمِّنَةً لمنهجِ اليونان، - 00:12:56
مُعَدَّلة مع اللغة الإنجليزية الحديثة والعلومِ والتّاريخِ، - 00:13:00
وبَقِيَ نِظام الاثني عشرَ عامًا إلى يومنا هذا في عامَّة دول العالم. - 00:13:04
ولنا أن نسأل: - 00:13:09
عندما استُنْسخ هذا النظامُ الذي وضعه هؤلاء العشرةُ إلى دول العالم الإسلامي اليومَ، - 00:13:10
هل طُرِحَ التساؤل: - 00:13:15
مَن هؤلاء؟ وما مرجعياتهم؟ ولماذا نعتمد نحن ما اعتمدوه هم؟ - 00:13:17
ما الأهداف التي كانوا يسعون لتحقيقها حين أقرُّوا هذا النظام التعليمي؟ - 00:13:22
في الإجابة عن هذه التساؤلات عدنا إلى سيرة أحد أهم هؤلاء العشرة، - 00:13:27
وهو William Torrey Harris - 00:13:31
مفوَّضُ الولايات المتحدة الأمريكية للتعليم، - 00:13:33
والذي قدَّمَ لِرسالَةٍ بعُنوان: (Indian Education) تعليم الهنود، - 00:13:36
-يعني الهنود الحمر الذين كانوا يعيشون في أمريكا- - 00:13:41
وقرأنا الوثيقة الأصلية للرسالة. - 00:13:44
كخلفيةٍ تاريخيَّةٍ: - 00:13:46
الأراضي الأمريكية كان سُكَّانُها الأصليون من الهنود الحمر، - 00:13:48
غزاها الأوروبيون، وقاموا بحَمَلات إبادةٍ ضدَّ السكانِ الأصليين، - 00:13:51
قُتل فيها الملايين من الهنود الحمر - 00:13:56
في تاريخٍ أليمٍ تكلَّمنا عنه في كلمةِ: (نماذجُ السعادة البشرية)، - 00:13:58
بعدما استتبَّ الأمرُ نِسبِيًّا للأوروبيين - 00:14:03
بَقِيَتْ تَقَعُ مُناوَشَات بينهم وبين مَنْ تَبَقَّى من قبائل السُّكان الأصليين من الهنود الحُمر. - 00:14:06
في هذه الرسالة كان مفوَّض التعليم (Harris) ورجل الحرب الجنرال (Thomas Morgan) - 00:14:11
يُقدِّمان حلًّا لِتذويب أبناء الهنود الحمر حضارِيًّا في الحضارة الأمريكيّة الجديدة، - 00:14:17
بحيث لا يعودون يُشَكِّلون خطرًا على الغزاة - 00:14:23
الذين هم الآن السُكان "الشرعيّون" لأمريكا. - 00:14:26
الحلُّ الأمثَلُ الذي اقترحَه الكاتبانِ هو فَرضُ نظامٍ جَذْرِيٍّ للتعليم - 00:14:29
radical system of education، - 00:14:34
وذلك بعَزْلِ أطفالِ الهنود الحمر -منذ سنٍّ مُبَكِّرَةٍ قَدرَ الإمكان- عن محيطهم القَبَلِيِّ - 00:14:36
وإخضاعِهم جماعِيًّا للتعليم الإجباريِّ، - 00:14:42
ويقول هاريس إنَّ سنة أو سنتين أو ثلاثًا لا تُوَفِّر على الأمريكيين -بالقدر الكافي- - 00:14:45
مصاريفَ الصراع مع الهنود مثل خمس أو عشر سنوات من التعليم المدرسي؛ - 00:14:50
لأنَّ مُدَّة التعليم القصيرة لا تؤثِّر كثيرًا على الحياة القبلية للهنود - 00:14:56
ولا تُحَوِّلهم إلى مجتمعٍ منتجٍ صناعيًّا، - 00:15:00
وهو ما يَضْطَرُّ الدّولةَ لحماية نفسها من خطرِ الهنود - 00:15:03
بإنفاقِ مصاريفَ باهظةٍ باستمرارٍ - 00:15:06
لِدَعْمِ القوَّة العسكريَّة اللازمةِ لمُواجهتِهم، - 00:15:09
أو أن تُضْطَرَّ الدولةُ لخيارِ سياسة الإبادة القاسي؛ - 00:15:12
فيقترحُ (Harris) التعاملَ مع الهنود بروحٍ تَبْشِيرِيَّةٍ تَنْصِيرِيَّةٍ - 00:15:16
وفَرضَ تعليمٍ إجبارِيٍّ عليهم، وإبعادَهم عن أهلهم - 00:15:20
لمُدَّةٍ تَصلُ إلى عشرِ سنواتٍ - 00:15:24
كشكلٍ من الانخراط الحضاري. - 00:15:27
هذا هو (William Harris)، - 00:15:29
أحد أهم العشرة الذين وضعوا النظامَ التّعليمي المعمول به عالميًّا حتى الآن: - 00:15:30
إدخالُ الأطفال في المدارس مُبَكِّرًا وإبقاؤهم فيها لُمَدَدٍ مُطَوَّلَةٍ، - 00:15:35
ومن أهمِّ أهدافه: إضعافُ القوى القَبَلِيَّة، - 00:15:40
وإضعافُ تأثير آبائهم عليهم، - 00:15:43
وإملاءُ سياسة الدولة عليهم. - 00:15:45
إذا تحقَّقَتْ هذه الأهداف في المجتمعات بهدوء فبها ونِعْمَتْ، - 00:15:48
وإلا تكرَّرَ مثلُ هذا النموذج بشكل سافر - 00:15:51
كما يَحصُل الآن في الصين من انتزاع أبناء المسلمين الإيغور منهم، - 00:15:56
وتَنشِئتِهم من قِبَل الدولة الشيوعية، وإخراجِهم من دينهم وتاريخِهم؛ - 00:16:00
ليتحوَّلوا -كبقية الصّينيين- إلى آلاتٍ بشريَّةٍ مُنصَاعةٍ. - 00:16:04
أقرَّ (Harris) بوجود قولبة للناس عبر نظام التعليم المدرسي، - 00:16:10
حيث قال في كتابه (فلسفة التعليم): - 00:16:14
"إن تسعةً وتسعين بالمائة من الناس في كلِّ أمةٍ متحضرةٍ هم كائناتٌ آلية automata، - 00:16:17
حريصون على السّير في المسارات المحددة، - 00:16:23
وحريصون على اتباعِ العادات المُملاة عليهم، - 00:16:26
وهذا ليس صدفةً بل نتيجةٌ للنظام التعليمي المُكثَّف، - 00:16:28
والذي إن أردنا تعريفه بشكل علمي: - 00:16:33
هو عبارة عن تَقييد الفرد وتَذوِيبِه ونَزعِ فَرْدَانِيَّتِه" - 00:16:36
ثمَّ ذَكَرَ مقترحات لعلاج هذه القولبة. - 00:16:41
قد يقول قائل: يا أخي! وما شأننا وهارس وفشته؟ هذا الكلام قديم، - 00:16:44
الآن الغرب يُعلِي من قيمةِ حريَّة التفكير، - 00:16:48
هذه القولبة ونزع حرية الإرادة كانت قديمًا. - 00:16:51
كانت قديمًا؟! - 00:16:54
ما قولُك إذن في القولبة وغسلَ الأدمغةِ الذي يتعرَّض له الطُلَّاب في العالم اليوم؟ - 00:16:55
فيما يتعلَّق بملفِّ الشذوذ الجنسيِّ مثلًا، - 00:17:01
بعدما تمَّ نزع الإرادة وغسل الأدمغة من قبلُ بتحويل الزّنا إلى حريّة شخصية؟ - 00:17:03
إِذَا أصبح مُبَرَّرًا أن تُنتَزَع إرادةُ الطُلَّابِ -كما يريده فشته- - 00:17:09
ويتِمَّ إدماجهم حضاريًّا وإملاءُ القِيَمِ عليهم -كما يريده هاريس، - 00:17:13
وكلُّ هذا تحت عنوان (تقوية الدولة)، - 00:17:18
ولم تكن هناك مرجعيَّةٌ ثابتةٌ صحيحةٌ من الوحي تَحكُم القِيَمَ، - 00:17:20
فإنَّ القِيَمَ ستتغيَّر من زمنٍ لآخرَ، - 00:17:25
فتقبل الشذوذ -مثلا- هو الآن قيمةٌ حضاريّة، - 00:17:28
يجبُ قولبة الطلابِ وغَسلُ أدمغتهم لأجلها، - 00:17:31
بعدما كان الشذوذ مرفوضًا رفضًا قاطِعًا. - 00:17:35
قارنْ هذا بالوَضع الإسلامي الصحيح، - 00:17:37
الذي يكون فيه الوحيُ هو المَرجِعَ والمسطرة - 00:17:40
التي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل مع مرور الزمن، - 00:17:43
والذي يكون فيه ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ شعارَ الجميعِ - 00:17:47
في مُجتمعٍ مُحصَّنٍ من أن يُملى على أطفاله أهواءُ أو آراءُ طَغامٍ من البشر. - 00:17:51
حتى عام 1954 لم يكن مسموحًا للأطفال السّودِ في أمريكا - 00:17:57
أن يدرسوا في نفس الفصول مع الأطفال البيض، - 00:18:02
ثم قرَّرت المحكمة العليا دمجهم مع البيض، - 00:18:05
فثارت ثائرة الكثيرين، وخرجوا في مظاهرات رافعين لافتات: - 00:18:08
(أوقفوا دمج الأجناس!)... (دمج الأجناس شيوعية)... - 00:18:12
الطفلة Ruby Bridges كانت إذا دخلت الصف - 00:18:16
يعترضُ الآباء ويخرجون أبناءهم البيضَ منه لتبقى وحدها، - 00:18:18
وروبي ما زالت على قيد الحياة، - 00:18:23
فتصوروا أننا نُقَلِّد هذه المنظومةَ ونَأخذ منها النّظام الّتعليمي دون كثيرِ غَربَلَةٍ، - 00:18:25
وهي التي بقيت لعهدٍ قريبٍ تَتَخَبَّطُ بشكل صارخ في التمييز على أساس لون البشرة، - 00:18:31
مع أننا أمةُ: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [القرآن 49: 13]، - 00:18:37
التي يقول فيها أمير المؤمنين القُرَشِيُّ عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه: - 00:18:41
"أبو بكر سيدُنا، وأعتقَ سيدَنا" - 00:18:45
يعني بلالا الحبشيّ الأسود كما روى البخاري. - 00:18:48
قد يقول قائل: - 00:18:52
أنت تَذْكر سلبيَّات هذا النظام التعليمي، ولا تَذْكر إيجابيَّاته، وهذا انحياز. - 00:18:52
فنقول: هدفُنا هنا -يا كرام- - 00:18:57
ليس العرضَ التاريخيَّ الأكاديميَّ الذي يذكر كافَّة تفاصيلِ الموضوع، - 00:18:59
بل هدفُنا التركيز على النقاطِ التي يفترق فيها هذا النظامُ التعليميُّ بشكل كبير - 00:19:03
عن مفهوم التعليم والتعلُّم في الإسلام، - 00:19:10
والثمارِ المشؤومةِ التي يُعانِيها العالم من ذلك. - 00:19:12
لسنا وحدنا من ينقدُ هذه المنظومة ونتاجَها، - 00:19:15
بل تتعالى أصوات منهم هم أنفسِهم بذلك، - 00:19:18
ففي عام 1983 وجَّهت اللجنةُ الوطنيَّةُ للتميُّزِ التعليميِّ في أمريكا - 00:19:21
تقريرًا للأمَّة الأمريكية ولوزارة التعليم بعنوان: - 00:19:27
(أمة في خطر - A Nation at Risk: حَتْمِيَّةُ إصلاح التعليم) - 00:19:31
وكان مما قاله James Harvey كاتبُ التقرير: - 00:19:35
"إنَّ الأُسَسَ التربوية لمجتمعنا تتآكل في الوقت الحاضر... - 00:19:38
بسبب المدِّ المُتصاعد للرداءة التي تهدِّد مستقبلنا كدولة وشعب،... - 00:19:42
فلو حاولت قوَّةٌ أجنبيَّةٌ وعَدُوَّةٌ فرضَ هذا الأداء التعليميِّ الرديءِ والفاشلِ... - 00:19:47
الذي نراهُ اليوم على أمريكا... - 00:19:52
لكُنَّا اعتَبَرْنا هذا التَصرُّفَ بمثابة عدوانٍ حربيٍّ علينا". - 00:19:54
حسنًا، هل تم بالفعل إصلاح النظام التعليمي بعدها؟ - 00:19:59
لعلَّ الجوابَ في كتاب John Gatto الذي نَشَره بعد 8 سنوات عام 1991، - 00:20:03
(جون جاتو) كان قد عمل طويلًا في التدريس - 00:20:09
ونشر كتابه: (Dumbing Us Down - يعني تخويفنا أو إخراسنا: - 00:20:11
المنهج المخفي للتعليم الإجباري)، - 00:20:16
ينتقدُ فيه المنهاج الأكاديمي في المدارس الأمريكية، - 00:20:18
وانتشرَ الكتاب بشكلٍ كبير، - 00:20:22
وأُصدِرَت منه نسخةٌ ثانيةٌ عام 2002، - 00:20:24
وأَوَدُّ أن أُترجم لكم مقتطفاتٍ مما جاء في هذا الكتاب؛ لتدركوا حجم الأزمة، - 00:20:27
يقول (جاتو): "إن المدارس والتعليم المدرسي هي -بشكل متزايد- - 00:20:33
غيرُ خادمةٍ للمشاريع العظيمة على هذا الكوكب -يعني الأرض،... - 00:20:37
لم يعدْ أحدٌ يُصدق أن علماء الطبيعة يحصلون على التأهيل اللازم في حِصَّةِ العلوم،... - 00:20:41
ولا السياسيين في حصة التربية الوطنية،... - 00:20:47
ولا الشعراء في حِصَّة اللغة الإنجليزية" - 00:20:50
يعني أن الناس الناجحين في تلك الدولِ - 00:20:52
لم تَكُنِ المدارس هي سببَ نجاحِهم، - 00:20:54
يقول جون جاتو: - 00:20:57
"إن الحقيقة هي أن المدارس لا تُدَرِّس أي شيء إلا كيف تطيع الأوامر"، - 00:20:59
يعني الـ(shaping) القولبة التي تكلمنا عنها، - 00:21:04
يتابع: "إن المؤسسة المدرسية سيكوباتية psychopathic معتلة نفسيا- - 00:21:07
ليسَ لديها وعيٌ أو إدراكٌ، - 00:21:12
يَرِنُّ الجَرسُ فيكون على الولد أن يقطع كتابة قصيدة شِعريَّة ويغلقَ دفتَره - 00:21:14
لينتقلَ إلى خليَّةٍ أخرى، - 00:21:20
حيث عليه أن يحفظَ أنَّ الإنسان والقردةَ ينحدرانِ من سَلفٍ مُشترَك". - 00:21:22
أي أن الطالب يتعلَّم معلوماتٍ متناقضةً، - 00:21:27
ويرى بنفسه في حصَّة الآداب أو اللغة قدراته البشريَّةِ التي تُمِيِّزُه عن الحيوانات، - 00:21:29
ثم في حِصَّةِ العلوم عليه أن يحفَظُ أنَّه أخٌ لهذه الحيوانات لأب مشترك، - 00:21:35
طبعًا لأنه ليس هناك رؤيةٌ موحَّدةٌ مُنْطلِقَةٌ من الوحي الصّادق، - 00:21:40
بل تفكيكٌ لمكوّنات الإنسان ووعيِه. - 00:21:45
هذا الفصامُ بين المواد هو الطابَعُ الموجود الآن في عامة المناهج المدرسية عبر العالم، - 00:21:48
خاصةً المناهجَ التي تُدَغْدِغُ عاطفةَ الناس بموادَّ دينيَّةٍ، - 00:21:54
وفي الوقت ذاتِه تُمْلِي على الطلَّابِ مَا تريده الدولةُ - 00:21:58
أو ما يمليه العلم الزائف عن الكون والحياة. - 00:22:01
يقول (جون جاتو) أيضًا في كتابه: - 00:22:04
"لن يَحْصُل إصلاحٌ على مستوى واسعٍ لطلابنا المُدَمَّرين ولا لمجتمعنا المدمَّر - 00:22:06
إلا بتوسيعِنا لمفهومِ المدرسةِ ليشملَ الأسرةَ كمحرِّكٍ أساسٍ للتعليم" - 00:22:12
وهو ما تَحدَّثنا عنه من تولِّي كلِّ راعٍ مسؤوليّته في التَّعليم، - 00:22:18
ويقول عن التعليم بشكلٍ عام: "يجب أن يجعلك غنيًّا روحيًّا، - 00:22:21
يجبُ أنْ يُعلِّمَكَ أَمْرَينِ مُهِمَّيٍن: كيفَ تَعيش، وكيفَ تَموت" - 00:22:26
وهو ما لا تُعَلِّمه المنظومةُ التعليميةُ التي تُعْنَى بالمادة أكثرَ من الإنسانِ. - 00:22:30
حتى من ناحيةٍ ماديَّةٍ إنتاجيَّةٍ، هل يعتبر هذا النظامُ التعليمي ناجحًا؟ - 00:22:35
بل ما زالتِ الأصواتُ تتعالى بقصورِه حتى من هذه النّاحية، - 00:22:40
عام 2006 المستشار الدولي Sir Ken Robinson - 00:22:44
-والذي مُنح لقب (فارس) لخدماته في التعليم- - 00:22:48
ألقى مُحاضرةً على TED هي الأكثر مشاهدة في تاريخ البرنامج - 00:22:51
-حوالي 66 مليون مشاهدة حتى الآن- - 00:22:55
بعنوان (هل المدارس تقتل الإبداع؟)، - 00:22:58
انتَقَدَ فيها النظام التعليميَّ للمدارس من حيث إنه يُوجِدُ رهبةً من الخطأِ، - 00:23:01
وهو ما يَقتُل في الطلاب الإقدامَ والقُدرةَ على الإبداعِ، - 00:23:06
وأنه لا يُراعي حاجة الأطفال للحركة واللعب، - 00:23:09
ومن حيثُ الجمود في التسلسل الهرميّ للمواد؛ - 00:23:13
فلا يستكشفُ المواهبَ، بل يَدفنُها. - 00:23:16
ويقول روبينسون: - 00:23:19
"إن التعليمَ مثلُ أداة التنقيب التي تبحث وتُنقّبُ عن أشياء محددة فقط من منجم العقل، - 00:23:20
وما دون ذلك، فقد يُوصمُ الطالبُ بأنه مريضٌ - 00:23:26
بدلًا من كونه مُتميِّزًا في جوانبَ أخرى غيرِ المُنَقَّبِ عنها"، - 00:23:30
ثم جاء الدكتور George Land ليتحدَّث في فيديو بعنوان (فشل النجاح) - 00:23:35
أن وكالة الفضاء الأمريكية NASA - 00:23:39
كانت طلَبَتْ منه ومن زميله beth jarman - 00:23:41
اختبارًا لفحص الإبداعية لدى موظفيها، - 00:23:43
طوَّر هو وزميله هذا الاختبار، ثم قالا: فلنجربه على الأطفال. - 00:23:46
فوجَدَا أنّه كلَّما تعلَّم الأطفال في المدارس قُتِلَت القدراتُ الإبداعيَّة - 00:23:50
التي كانت لديهم في البداية، - 00:23:55
ثم عاد روبينسون عام 2013 ليظهر على TED في محاضرة بعنوان: - 00:23:58
(كيف نجتازُ وادي الموت التَّعليمي). - 00:24:03
سيقول قائل: كيف يَصِف هؤلاء النظام التدريسيَّ بقتل المواهب، - 00:24:06
ونحن نشهد هذا التقدُّمَ الهائلَ في المُخترَعَات والاكتشافات؟ - 00:24:10
فنقول لكم: القدرات التي منحها الله للإنسان هائلةٌ، - 00:24:13
ومكتشفاتُ اليوم هي نتيجةُ تراكمٍ معرفيٍّ لقرونٍ كثيرةٍ، - 00:24:17
كان للمسلمين فيها بَاعٌ كبيرٌ -كما ذكرنا، - 00:24:21
فالتقدُّمُ في الاكتشافاتِ لا يعني أنَّ النظام التعليميَّ في المدارس ناجحٌ، - 00:24:25
بل في كتاب (دعائم التَمَيُّزِ) والمنشور عام 1962 - 00:24:30
تم استعراض طفولة أكثرَ من 400 شخصيةٍ مؤثرةٍ في القرن العشرين، - 00:24:34
ووُجِد أن 3 من كل 5 منهم -أي 60%- - 00:24:39
كانوا غيرَ راضين عن المدارس ولا عن المعلمين المدرَسِيِّين. - 00:24:44
وللعلم، Thomas Addison كان مُدَرِّسُوه قد وصَفوه بأنه غَير كُفْءٍ للتعليم المدرسيِّ misfit، - 00:24:48
لم يُكملْ تعليمه المدرسيَّ، وتوقَّف عند المرحلة الابتدائية، - 00:24:55
ثم أصبح هذا الـ(misfit) أحدَ أكبر المكتشفين في العصر الحديثِ، - 00:24:59
ولديه 1093 براءة اختراع أمريكية تحمل اسمه. - 00:25:03
Albert Einstein كان أستاذُ اللغة الإغريقية قد أخبره أنه لن يُفلحَ في شيء - 00:25:08
وأنَّه يُضيعُ وقتَ الجميع، وعليه أن يغادِرَ المدرسة مباشَرَةً، - 00:25:13
والله أعلم كم من الأذكياء والموهوبين -شرقًا وغربًا- دُفِنَت مواهبُهم - 00:25:17
لعدم قُدرةِ النظام التعليميِّ على اكتشافهم وتنميةِ مواهِبِهم. - 00:25:22
هناك محاولاتٌ للخروج عن هذا النَمَطِ المدرسيِّ المعروفِ، - 00:25:27
مثل مدارس Wladorf التي تتَجَنَّب استخدامَ التكنولوجيا، - 00:25:30
وترفعُ شِعارَ التركيز على تنميةِ المواهب، - 00:25:34
وعددٌ من موظفي ما يعرف بـSilicon Valley في أمريكا يَضعون أبناءَهم فيها، - 00:25:37
مؤسسُ فكرة هذه المدارس هو Rudolf Steiner المتأثِّر بالفلسفة الشرقية، - 00:25:42
لذلك لا تستغربْ عندما ترى أن البرنامج - 00:25:47
الذي يُوزَّع على أولياء أمور الأطفال في الحضانات - 00:25:50
يتَضَمَّنُ في الـSnack time أغنيةً يشكرُ الطُّلَّابُ فيها الشمسَ - 00:25:53
والأرض والماء على الطعام الذي منحونا إياه، - 00:25:57
وهذا هنا في بلاد المسلمين. - 00:26:01
ورحمة الله على ابن تيمية إذ قال في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) - 00:26:03
في تبيين الحكمة من أمرنا بمخالفة المشركين، - 00:26:08
قال: "يكفيكَ أن فسادَ الأصلِ لا بُدَّ أن يؤثِّر في الفرع، - 00:26:11
ومن انتبهَ لهذا قد يعلمُ بعضَ الحكمة التي أنزلها الله، - 00:26:16
فإنَّ مَن في قلبِه مرضٌ قد يرتابُ في الأمر بنفسِ المخالفة لعدمِ استِبانته لفائدته..." - 00:26:20
"وحقيقة الأمر أن جميع أعمالِ الكافر وأموره - 00:26:26
لا بد فيها من خللٍ يمنعها أن تتم له منفعةٌ بها، - 00:26:30
ولو فُرِض صلاحُ شيء من أمورِه على التمامِ - 00:26:35
لاستحقَّ بذلك ثوابَ الآخرةِ، ولكنَّ كلَّ أموره إما فاسدةٌ وإما ناقصةٌ". - 00:26:38
يعني قد يستغربُ المسلم: - 00:26:45
لماذا يأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين وعدم تقليدهم، - 00:26:46
تقليدِهم في المناهج الثقافية مثلًا، - 00:26:52
لا نتكلَّم عن الاستفادة من المكتشفات، - 00:26:55
لكنْ تقليدِهم في المناهجِ التي لها علاقة بالتصوُّر عن الكونِ والحياةِ، - 00:26:57
تقليدُهم في هذا متضمِّنٌ لفسادٍ قد تلاحظه وقد لا تلاحظه؛ - 00:27:02
فإنَّ أعمالَهم إما فاسدةٌ وإما ناقصةٌ، - 00:27:07
والجديرُ بالمسلمين أن يَصوغوا هم طريقتهم في التعليم انطلاقًا من مَرجِعيّة الوحيِ. - 00:27:10
من المحاولات للخروج عن النمط التدريسيِّ الشائع: - 00:27:16
محاولاتُ الأمريكي بنغالي الأصل Salman Khan - 00:27:20
الحاصلِ على شهاداتٍ متنوعةٍ - 00:27:23
وصاحبِ أسلوبٍ مُبَسَّطٍ في الشرح - 00:27:25
والذي انتَقدَ النظامَ التعليميَّ في كلِمةٍ له على TED، - 00:27:27
وكذلك في مقابلة له بعنوان: (تاريخ التعليم) - 00:27:31
وبعض معلومات حلقتنا مذكورة في مقابلته هذه، - 00:27:34
أسَّسَ سلمان خان منصةً تعليميَّةً مجانيَّةً عالمية تُدرِّس الكثير من العلوم، - 00:27:38
بما يفيدُه ذلك من مراعاةٍ للفُروقات الفرديَّةِ في الاستيعابِ؛ - 00:27:44
فتتيح للطالب أن يشاهدَ الموضوع الذي يريد دراسته، - 00:27:48
ويُعيدَ الموضعَ الذي لم يفهمْه بأسلوبِ شرحٍ مبسط، - 00:27:51
لكنْ ما إن اشتهرت هذه المِنَصَّة حتى احتواها حيتانُ الرأسماليَّة - 00:27:54
مثل Google وBill Gates بمنحٍ بملايين الدولارات، - 00:27:59
ومع المنحِ الماليَّةِ تأتي الأجندات الفكرية والأخلاقية كالعادة. - 00:28:03
العامَ الماضيَ في العيد الخمسينَ للشواذِّ، والذي احتفلت به Google وMicrosoft - 00:28:07
عَزَفَت (Khan Academy) على أنغامِهم بتغريداتٍ على Instagram - 00:28:12
تُرَمِّزُ شَخصياتٍ شاذَّةً جِنسِيًّا، - 00:28:16
ورصدت CBN NEWS كيف تقوم المِنصَّةُ بالزجِّ بِهذه الأجندةِ في دُروسِ الأطفالِ - 00:28:18
بتَركِ فراغٍ مثلًا في دُروس اللغة الإنجليزيةِ في الحديث عن امرأتين، - 00:28:23
وعلى الطَّالب أن يختار الإجابة الصحيحة لُغَويًّا، - 00:28:28
ما هي هذه الإجابة؟ - زوجَتَيهِما، - 00:28:31
أي كلُّ امرأةٍ كانت تخرجُ مع زوجتِها إلى الغداء، - 00:28:33
شَكْلٌ مِنْ أشكالِ الـindoctrination؛ - 00:28:37
غسلِ أدمغةِ الأطفال وإملاءِ ما يريده حيتان الرأسمالية. - 00:28:40
وعادت الأكاديميةُ فاحتفلتْ هذه السنةَ أيضًا بيومِ الشواذِّ - 00:28:45
بتغيير شعارِها على تويتر إلى ألوان علمِ الشواذِّ أثناءَ يومِهم. - 00:28:49
فما دام التغيير إنما هو في الأسلوب والشَكل - 00:28:53
وليس في الدَّوافع والغاياتِ والمرجعيةِ فلن يَحصُل الإصلاح المنشودُ، - 00:28:56
وما دام كثيرٌ من الدول ليسَ همُّها الأكبرُ تعليمَ الطلاب ما ينفعُهم في دينهم و دنياهم - 00:29:01
وإنما الـindoctrination القولبةُ - 00:29:07
وتكريسُ ما يُراد للأطفال أن يَقتنِعوا به - 00:29:10
وتعليم الانصياعِ -كما بيَّن أيمن عبد الرحيم- في محاضرتِه: (مجتمع بلا مدارس) - 00:29:13
فلن يَحصُل التغييرُ المنشودُ. - 00:29:18
ظهرتْ أيضًا البرامجُ الدولية مثل IG وSAT وIB - 00:29:20
لكن تَبقى هناك عناصرُ مشتركةً بين هذه الأشكال جميعًا - 00:29:25
-كلِّ أشكالِ التعليم التي ذكرناها اليوم: - 00:29:29
انقطاعُ العلم عن مرجعيةِ الوحي، - 00:29:31
قطعُ دلالةِ العلمِ على الخالق والإيمان به، - 00:29:33
غيابُ المعنى التعبُّدي في طلب العلم، - 00:29:36
القولبةُ، وترسيخُ الاعتقاداتِ المُراد للطلَّاب أن يعتَقِدوها - 00:29:39
بمرجعياتٍ متغيَّرةِ يُمْليها أصحابُ القُوَّةِ أو رأسِ المالِ، - 00:29:43
القابليةُ لتغيير القِيَم بشكل مستمر، - 00:29:48
قياسُ مُخرَجاتِ التعليمِ بالعلامةِ والتأهُّل لسوقِ العمل - 00:29:51
وليسَ ببناءِ الإنسان المُتكاملِ المُؤَهَّل لتحقيق العبوديةِ لله بمفهومها الشامل، - 00:29:55
وفي كثير من المناهج انفصالُ الموادِ بعضُها عن بعضٍ وتعارضُها فيما بينها، - 00:30:01
بحيث يُدَرَّس الطلاب في حصَّة الأحياء - 00:30:07
ما يُصادم الذي يتعلَّمونه في حِصَّةِ الدين - 00:30:10
عن نشأةِ الكونِ والحياةِ مثلًا. - 00:30:13
حسنًا، ما البديل؟ ما التعليم الذي نريد؟ - 00:30:15
ما أركانه؟ وما هو مكانُ المرأة مِن هذا كله متأثرةً أو مؤثرةً؟ - 00:30:18
هذا ما سنجيبُ عنه في الحلقة القادمة -بإذن الله-. - 00:30:22
يَجدُر الذِكْرُ بأنَّني حصلت على كثيرٍ من معلوماتِ هذه الحلقةِ من مادةٍ قام بتجميعها - 00:30:26
أخي: الدكتور عبد الرحمن ذاكر، - 00:30:31
الطبيبُ المعالج النفسي والتربوي المُهتَمُّ بملف النفس والتعليم، - 00:30:33
وكذلك استفدتُ في إعدادها من مناقشةٍ مع أخي الأستاذ: أنس شيخ كريِّم، - 00:30:37
المختصِّ في الشريعة وعلم النفس التربوي، - 00:30:41
ومن جهود بعض الإخوة والأخوات - 00:30:44
الذين ساعدوني في التحري واستخراج المعلومات لحلقة اليوم - 00:30:46
فجزاهم الله خيرا جميعًا. - 00:30:51
والسلام عليكم ورحمة الله. - 00:30:53