(مؤثرات صوتية) - 00:00:00
السَّلام عليكم - 00:00:09
أيُّها الإخوة الكرام، في الحلقة الماضية وضَّحنا حُزمةَ المكوِّّنات الفطريَّة، - 00:00:10
والَّتي تُشكِّل مأزقًا للملحد يتهرَّب منه بإنكار وجود هذه المكوِّنات، - 00:00:14
أو بتفسيرها تفسيرًا ماديًّا - 00:00:20
سنرى اليوم هذا السُّلوك الإلحاديَّ مع أوَّل مُكوِّنٍ، ألا وهو: نزعة التَّدين - 00:00:22
ونقصد بالتَّدين: إدراك الإنسان أنَّ له ولهذا الكون خالقًا مدبِّرًا، - 00:00:28
والرَّغبة في عبادة هذا الخالق والتَّقرُّب منه، والشُّعور بالحاجة إليه، - 00:00:33
وكذلك الُّلجوء إليه عند الشَّدائد - 00:00:38
المنظور الإسلاميُّ يذكر وجود هذه النَّزعة كحقيقةٍ مسلَّمةٍ، وذلك في آياتٍ كثيرةٍ، - 00:00:41
كقول الله تعالى: - 00:00:46
﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّدَعَانَا﴾ [القرآن 10: 12] - 00:00:47
الإنسانُ عمومًا؛ لأنَّها فطرةٌ مزروعةٌ في كلِّ إنسانٍ، وقولنا بفطريَّة التَّديُّن - 00:00:50
يعني: أنَّه مُكوِّنٌ صميميٌّ راسخٌ في النَّفس البشريَّة، وجزءٌ أصيلٌ مِن تكوينها، - 00:00:57
توجَد جذوره منذ ولادة الإنسان، بغضِّ النَّظر عن المؤثِّرات الخارجيَّة - 00:01:02
في البداية، أنكر الملحد فطريَّة التَّديُّن، وقال: - 00:01:08
"بل إيمان النَّاس بِوجود خالقٍ أمرٌ مكتَسَبٌ بتأثير التَّربية، - 00:01:12
وتناقُل الأجيال لهذه الدَّعوة، - 00:01:16
ولو تُرِك الإنسان ونفسَه، فليس هناك ما يدعوه للإيمان بوجود خالقٍ" - 00:01:18
ويقول لك الملحد: "هناك معتقداتٌ كثيرةٌ يؤمن بها أصحابها مع أنَّها مجرَّد خرافاتٍ، - 00:01:23
كـ(بابا نويل) الَّذي يأتي على عربةٍ من السَّماء ليلة العيد -عيد الميلاد-، - 00:01:30
والتِّنِّين الَّذي ينفث النَّار..." - 00:01:35
فنقول: حتَّى لو تجاوزنا حقيقةَ أنَّ المعتقدات الخرافيَّة لا دليل عليها، - 00:01:37
بينما وجود الخالِق يدلُّ كلُّ شيءٍ عليه، كما سنبيِّن في هذه السِّلسلة -بإذن الله- - 00:01:42
فإنَّه فرقٌ -كلَّ الفرق- من النَّاحية الشُّعوريَّة، بين معتقداتٍ خرافيَّةٍ يغذَّى بها الأطفال، - 00:01:47
ويكتشفون عندما ينضُجون زيفها، - 00:01:53
وأنَّها لا تمتلك أيَّ أساسٍ ولا برهان، ويضحكون من أنفسهم أن آمنوا بها يومًا ما، - 00:01:55
-كالتِّنِّين وبابا نويل- - 00:02:01
أو خرافاتٍ يعتقدها قومٌ في بيئةٍ جغرافيَّةٍ محدَّدةٍ، - 00:02:03
توارثوها عبر الأجيال - 00:02:07
وفي المقابل: نزعة التَّديُّن؛ هذا الشُّعور العميق الَّذي يجده النَّاس من أنفسهم، - 00:02:09
حتَّى الَّذي ينكره يُغالبُ نفسه مغالبةً لإنكاره، - 00:02:15
ويبقى سؤاله يهجُم عليه ويفرض نفسه عليه - 00:02:20
مرَّةً بعد مرَّة، حتَّى يضَّطر إلى البحث عن تفسيراتٍ ماديَّةٍ لوجودِه، - 00:02:23
فأصالةُ التَّديُّن في النَّفس البشريَّة - 00:02:29
أمرٌ تؤكِّده دراسات الأنثروبولوجي (علم الإنسان)، - 00:02:31
والسُّوسيولوجي (علم الاجتماع)، - 00:02:34
وبات من المألوف في العديد من الدِّراسات التَّعبير عن فطريَّة التَّديُّن - 00:02:36
بأنَّ الدِّين أشبَهُ ما يكونَ بشيءٍ قد تمَّ تسليكه في الإنسان - 00:02:42
"religion is hardwired in humans" - 00:02:46
يعني: هو مُكوِّنٌ صميميٌّ في الإنسان، مختلِطٌ بلحمه ودمه كالشَّرايين والأعصاب، - 00:02:50
وهي حقيقةٌ ضاربةٌ في عمق التَّاريخ، - 00:02:56
حتَّى قالَ المؤرِّخ الإغريقيُّ بلوتارك "Plutarch": - 00:03:00
"إذا سافرتَ عبر العالم فمِن الممكن أن تجد مدنًا بلا أسوارٍ، بلا آداب، - 00:03:02
بلا ملوكٍ، بلا ثروةٍ، بلا مسارحَ، ولكنْ، لم يكن هناك يومًا - 00:03:07
-ولا يمكن أن يكون في يومٍ من الأيامِ- مدينةٌ بلا معبدٍ يمارس فيه الإنسانُ العبادةَ" - 00:03:12
والأمر -إخواني- لا يحتاج دراساتٍ ولا النَّظر في التّاريخِ؛ بل الإنسان يجده مِن نفسه؛ - 00:03:19
أنَّه إذا وقع في الشَّدائد تحرَّك في نفسه معنًى، لا يستطيع دفعه - 00:03:24
بأنَّه ثمَّة قوَّةٌ عُليا بمقدورها إنقاذه، ووجدَ مِن حالِه طلبًا، - 00:03:28
والتجاءً لربِّه أن يخلِّصه من هذا المأزقِ، لذلك فمن أمثلة الغرب: - 00:03:34
"There are no atheists in foxholes" - 00:03:39
أي: "لا يوجد ملحدون في الخنادق" - 00:03:41
يعني: خنادق الحرب، عندما يتعرَّضون لأخطارٍ تهدِّد حياتهم - 00:03:43
قد يُكابر الملحدُ، وقد تجد مجموعةً من الجنود الجبناء، - 00:03:49
الَّذين يتسلَّون بقتل المدنيِّين، واغتصاب أعراضهم، وليسوا في خطرٍ حقيقيٍّ، - 00:03:53
ومع ذلك يكتبون لوحةً عليها: - 00:03:59
"atheists in foxholes" أي: ملحدون في الخنادق - 00:04:01
وقد تجد الملحدين يُكثِرون مِن التبجُّح بأنَّهم ليسوا بحاجةٍ إلى الله، - 00:04:07
بل وكثيرًا ما يشتمون الله، مع أنَّ الأصل أنَّهم لا يؤمنون بوجوده - 00:04:12
فكيف يشتمون شيئًا غير موجودٍ؟! - 00:04:17
لكنَّ ترديدهم المَرَضيَّ لمثل هذه العبارات -بمناسبةٍ أو بدون مناسبةٍ- - 00:04:20
يدلُّ على نفسيَّاتٍ مُتصارِعةٍ، تُغالِب صوتًا عميقًا فيها وتحاول كَبْتَه، - 00:04:25
وإلَّا لَمَا احتاجوا إلى هذه الضَّوضاء، خاصَّةً وأنَّ الملحد لا ينتظر جزاءً أخرويًا - 00:04:32
على الاستعلانِ بمعتَقَدِه، ولا لديه دوافع أخلاقيَّةٌ مطلقةٌ تدفعُه إلى استنقاذ النَّاس - 00:04:37
مِن ضلال الإيمان بالله -حَسْبَ معتقده- - 00:04:42
ولفراغٍ يعصف بكثيرٍ من الملاحدة، بعد أن أنكروا هذا المكوِّن الِفطريَّ - 00:04:46
الَّذي يفرِض نفسه عليهم، - 00:04:51
بدأوا بتأسيس لونٍ من التَّجمُّعات الإلحاديَّة على نحوٍ طُقوسيٍّ مشابهٍ -إلى حدٍّ بعيد- - 00:04:53
التَّجمُّعاتِ الدِّينيَّة، مثل: ما يعرف بكنائسِ الملاحدة (كنائس الملحدين) - 00:05:00
"atheist churches" - 00:05:06
والَّتي بدأت بالانتشار في دولٍ متعدِّدةٍ، كأمريكا وكندا وبريطانيا - 00:05:08
في تعبير واعٍ أو غير واعٍ عن مكنُونٍ فطريٍّ، يبحث عن شكلٍ مِن أشكال التَّنفيس - 00:05:12
وصَدَق ابن القيِّم إذ قال: - 00:05:20
"إنَّ في القلب فاقةً -أي حاجةً- لا يسدُّها شيءٌ سوى الله تعالى أبدًا، - 00:05:21
وفيه شعثٌ -يعني تفرُّق- لا يلمُّه غير الإقبال عليه، - 00:05:27
وفيه مرضٌ لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده" - 00:05:31
فنحن لا نتكلَّم عن التِّنِّين، ولا عن بابا نويل، - 00:05:36
بل عن شعورٍ عميقٍ يجده عامة النَّاس من أنفسهم عبْر القرون، - 00:05:39
ويهجم سؤاله على مُنكرِه، ويفرض نفسه عليه مرةً بعد مرةٍ، ويبحث عن متنفَّسٍ له - 00:05:43
نتكلَّم عن معتقدٍ تتكامل الحزمة الفطريَّة لخدمته والتَّوجيه إليه، - 00:05:50
-كما وضَّحنا في الحلقة الماضية- - 00:05:56
وليس عن معتقداتٍ خرافيَّةٍ، لا علاقة لها بهذه الحزمة ولا تكاملها ولا توجيهها - 00:05:58
يقول لك الملحد: الإنسان قد يشعر بحُبِّ التَّسَلُّط، - 00:06:04
والذَّكر قد يشعر بالرَّغبة في الاعتداءِ الجنسيِّ على الأنثى، - 00:06:08
وأنتم مع ذلك -أيُّها المؤمنون بالله- تعتبرون هذه نزعاتٍ سيِّئةً - 00:06:11
فنقول لهم: ميل النَّفس لطباِئع الهوى والشَّهوات ليس مُعكِّرًا على ما نحن فيه، - 00:06:16
فمَعَ ما في بعض النَّاس من ميلٍ للرَّذائل إلَّا أنَّهم لا يصحِّحون هذا المَيل، - 00:06:22
ولا يرونه حسنًا ولا حقًّا، بل يعتقدون فساده؛ فالمكوِّن الفطريُّ هنا -وهو النَّزعة الأخلاقيَّة- - 00:06:28
متضمِّنٌ للاعتراف بفساد الميل للشَّهوات الرَّديئة، - 00:06:35
والإنسان يعلم أنَّ ميوله هذه باطلةٌ بتأثير الفطرة الَّتي نتكلَّم عنها - 00:06:39
فهذه حجَّةٌ لنا لا علينا. - 00:06:45
أقرَّ كثيرٌ من الملحدين بأنَّ نزعة التَّديُّن والتَّصديق بوجود الله، - 00:06:47
يتجاوز التَّأثير الخارجيَّ والبيئيَّ، وأنَّه مكوِّنٌ مركزيٌّ في الإنسان - 00:06:51
ماذا فعلوا؟ هل آمنوا؟ لا؛ فالإلحاد لا يبحث عن الحقيقة، - 00:06:57
بل إذا بانَ بُطلانُ ما كان يعتقده بَحَثَ عن أيَّ متعلَّقٍ آخر، غيرَ الإيمانِ بالله - 00:07:01
قالوا: نزعة الإيمان بالخالق ليست بالضَّرورة أن تكون مطابقةً للحقيقة، - 00:07:07
بل قد تكون مجرَّد توهُّم أنتجته العشوائيَّة، - 00:07:12
قد تكون صفةً انتخبتها الطَّبيعة لتساعد الإنسانَ على البقاء، - 00:07:15
وسنبحث عن سببٍ ماديٍّ لنزعة التَّديُّن، - 00:07:21
وبدأتْ بالفعل تتشكَّل مجالاتٌ معرفيَّةٌ خاصَّةٌ لدراسة هذه الظَّاهرة - 00:07:23
فقد تفرَّع عن علم الأعصاب الـ"Neuroscience"، - 00:07:28
ما بات يعرف بـ "neurotheology"، أي: علم اللَّاهوت العصبيّ؛ - 00:07:31
وهو مجالٌ بحثيٌّ يسعى للكشف عن طبيعة الصِّلة بين الجهاز العصبيّ وظاهرة التَّديُّن - 00:07:37
بل بلغ الأمر إلى التَّفتيش عن جينٍ مسؤولٍ عن نزعة التَّديُّن هذه - 00:07:43
فقد نشر عالم الجينات الأمريكي (دين هامر) "Dean Hamer" - 00:07:48
كتابًا سنة (2005) بعنوان: - 00:07:52
The God Gene: How Faith Is) (Hardwired into Our Genes - 00:07:55
يعني: (الجين الإلهي: كيف ضُمِّن الإيمانُ في جيناتنا)، - 00:07:59
وتجد مؤلَّفاتٍ في البحث عن الجزء من الدِّماغ المسؤول عن الإيمان بوجود خالقٍ، - 00:08:05
ككتاب Matthew Alper: (The God Part of the Brain) - 00:08:10
يعني: (الجزء المتعلِّق بوجود خالقٍ في الدِّماغ) - 00:08:15
بدايةً، لاحِظ أنَّ هؤلاء الملحدين - 00:08:18
لم يبحثوا عن تفسيراتٍ ماديَّةٍ لقناعة بعض النَّاس بوجود التِّنِّين، - 00:08:20
ولا لأمثلة الملحدين السَّخيفة الَّتي يضربونها ليقولوا أنتم تفترضون وجود إلهٍ، - 00:08:24
وأيُّ إنسانٍ قد يفترض شيئًا آخر، - 00:08:30
كـ(وحش الإسباغيتي الطَّائر)، أو (الإبريق الدَّائر في الفضاء) - 00:08:32
لأنّه فرقٌ -كلَّ الفرق- بين هذه المعتقدات والأمثلة السَّخيفة، - 00:08:36
وفي المقابل نزعة التَّديُّن الأصيلة شديدة العمق في الجنس البشريِّ - 00:08:40
لكن لحظة، أنتم أيُّها الملحدون ماذا تفعلون؟ - 00:08:46
"نبحث عن تفسيرٍ ماديٍّ للتَّديُّن" - 00:08:49
حسنًا... - 00:08:51
وعلى فرض أنَّكم وجدتُم تفسيرًا ماديًا لنزعة التَّديُّن، - 00:08:53
عليكم أن تجدوا تفسيراتٍ ماديَّةً للمكوِّنات الفطريَّة الأخرى، - 00:08:57
الَّتي تكلَّمنا عنها في الحلقة الماضية - 00:09:01
سنرى في حلقةِ (الشُّعور بالإرادة الحرَّة) - 00:09:05
بُطلان محاولة تقديم تفسيرٍ ماديٍّ جينيٍّ لكلِّ شيءٍ - 00:09:07
وتحوُّله إلى سخافةٍ مُبتَذَلةٍ - 00:09:12
ومع ذلك نقول: فلنفترِض جدلًا أنَّكم وجدتم جيناتٍ لنزعةِ التَّديُّن، - 00:09:15
وأخرى للضَّروراتِ العقليَّة، ومجموعةً ثالثةً للأخلاق، ورابعةً للغرائز، - 00:09:20
وخامسةً للشُّعور بالغائيَّة، ومجموعةً سادسةً من الجينات للإرادة الحرَّة، - 00:09:26
وهو ما يبدو متناقضًا طبعًا، كأنَّنا نقولُ: جيناتٌ تجبرك على أن تكونَ حرًا! - 00:09:31
لكن، فلنفترض.. فلنفترض أنَّكم وجدتُم هذا كلَّه، - 00:09:37
ما هذه الحُزمة المتناسَقة الموجَّهة الَّتي تجعل النَّاس مؤمنين بوجود خالقٍ، - 00:09:41
محبِّين لعبادته، مُلتجِئين إليه، مالكين لضروراتٍ عقليَّةٍ يفهمون بها مُرادَه، - 00:09:46
ونزعةٍ أخلاقيِّةٍ منسجمةٍ مع أوامِره، - 00:09:53
وشعورٍ بالغائيَّة يدفعهم للبحث عن مراده والالتزام به، - 00:09:56
وإرادةٍ حرَّةٍ يختارون بها طاعته أو معصيته، - 00:10:00
وغرائز تضمَن استمرار جنسهم في هذه الأرض خلال فترة اختبارهم...؟ - 00:10:03
حتَّى.. لكأنَّ عشوائيَّتكم تعبُّد ربَّنا! - 00:10:08
إن وجدتم هذه الحزمة، فما هو إلَّّا دليلٌ آخرٌ على عِظم هذا الخالق، - 00:10:12
الَّذي أودَعَها في البشر، وكامَلَ بينها وجعلها منسجمةً مع أوامره الشَّرعيَّة - 00:10:17
يُجيبك كِبْرُ الإلحاد فيقول: - 00:10:23
"بل كلُّ هذه النَّزعات لا تعني بالضَّرورةِ شيئًا، ووجودها لا يعني صحَّتها" - 00:10:25
وحقيقةً -إخواني- وإن كان فيما تقدَّم كفايةً لمن أراد الهداية، - 00:10:30
لكنَّنا سنستمرُّ في مناقشة الملحد، لما في هذه المناقشة من فوائد - 00:10:35
سنرى في الحلقات القادمة.. - 00:10:40
ما نتائج قول الملحد: أنَّ ما يجدُه الإنسانُ مِن نَفْسه ضرورةً مِن هذه المكونات - 00:10:42
لا يلزم أن يكون حقًّا في حقيقةِ الأمرِ؟ - 00:10:48
فمحطَّتنا التَّالية هي مع (الضَّرورات العقليَّة) - 00:10:51
وهي حلقةٌ مهمَّةٌ غزيرةُ النَّفعِ -بإذن الله- - 00:10:54
فتابعونا... - 00:10:57
والسلام عليكم ورحمة الله - 00:10:58
Transcription
(مؤثرات صوتية) - 00:00:00
السَّلام عليكم - 00:00:09
أيُّها الإخوة الكرام، في الحلقة الماضية وضَّحنا حُزمةَ المكوِّّنات الفطريَّة، - 00:00:10
والَّتي تُشكِّل مأزقًا للملحد يتهرَّب منه بإنكار وجود هذه المكوِّنات، - 00:00:14
أو بتفسيرها تفسيرًا ماديًّا - 00:00:20
سنرى اليوم هذا السُّلوك الإلحاديَّ مع أوَّل مُكوِّنٍ، ألا وهو: نزعة التَّدين - 00:00:22
ونقصد بالتَّدين: إدراك الإنسان أنَّ له ولهذا الكون خالقًا مدبِّرًا، - 00:00:28
والرَّغبة في عبادة هذا الخالق والتَّقرُّب منه، والشُّعور بالحاجة إليه، - 00:00:33
وكذلك الُّلجوء إليه عند الشَّدائد - 00:00:38
المنظور الإسلاميُّ يذكر وجود هذه النَّزعة كحقيقةٍ مسلَّمةٍ، وذلك في آياتٍ كثيرةٍ، - 00:00:41
كقول الله تعالى: - 00:00:46
﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّدَعَانَا﴾ [القرآن 10: 12] - 00:00:47
الإنسانُ عمومًا؛ لأنَّها فطرةٌ مزروعةٌ في كلِّ إنسانٍ، وقولنا بفطريَّة التَّديُّن - 00:00:50
يعني: أنَّه مُكوِّنٌ صميميٌّ راسخٌ في النَّفس البشريَّة، وجزءٌ أصيلٌ مِن تكوينها، - 00:00:57
توجَد جذوره منذ ولادة الإنسان، بغضِّ النَّظر عن المؤثِّرات الخارجيَّة - 00:01:02
في البداية، أنكر الملحد فطريَّة التَّديُّن، وقال: - 00:01:08
"بل إيمان النَّاس بِوجود خالقٍ أمرٌ مكتَسَبٌ بتأثير التَّربية، - 00:01:12
وتناقُل الأجيال لهذه الدَّعوة، - 00:01:16
ولو تُرِك الإنسان ونفسَه، فليس هناك ما يدعوه للإيمان بوجود خالقٍ" - 00:01:18
ويقول لك الملحد: "هناك معتقداتٌ كثيرةٌ يؤمن بها أصحابها مع أنَّها مجرَّد خرافاتٍ، - 00:01:23
كـ(بابا نويل) الَّذي يأتي على عربةٍ من السَّماء ليلة العيد -عيد الميلاد-، - 00:01:30
والتِّنِّين الَّذي ينفث النَّار..." - 00:01:35
فنقول: حتَّى لو تجاوزنا حقيقةَ أنَّ المعتقدات الخرافيَّة لا دليل عليها، - 00:01:37
بينما وجود الخالِق يدلُّ كلُّ شيءٍ عليه، كما سنبيِّن في هذه السِّلسلة -بإذن الله- - 00:01:42
فإنَّه فرقٌ -كلَّ الفرق- من النَّاحية الشُّعوريَّة، بين معتقداتٍ خرافيَّةٍ يغذَّى بها الأطفال، - 00:01:47
ويكتشفون عندما ينضُجون زيفها، - 00:01:53
وأنَّها لا تمتلك أيَّ أساسٍ ولا برهان، ويضحكون من أنفسهم أن آمنوا بها يومًا ما، - 00:01:55
-كالتِّنِّين وبابا نويل- - 00:02:01
أو خرافاتٍ يعتقدها قومٌ في بيئةٍ جغرافيَّةٍ محدَّدةٍ، - 00:02:03
توارثوها عبر الأجيال - 00:02:07
وفي المقابل: نزعة التَّديُّن؛ هذا الشُّعور العميق الَّذي يجده النَّاس من أنفسهم، - 00:02:09
حتَّى الَّذي ينكره يُغالبُ نفسه مغالبةً لإنكاره، - 00:02:15
ويبقى سؤاله يهجُم عليه ويفرض نفسه عليه - 00:02:20
مرَّةً بعد مرَّة، حتَّى يضَّطر إلى البحث عن تفسيراتٍ ماديَّةٍ لوجودِه، - 00:02:23
فأصالةُ التَّديُّن في النَّفس البشريَّة - 00:02:29
أمرٌ تؤكِّده دراسات الأنثروبولوجي (علم الإنسان)، - 00:02:31
والسُّوسيولوجي (علم الاجتماع)، - 00:02:34
وبات من المألوف في العديد من الدِّراسات التَّعبير عن فطريَّة التَّديُّن - 00:02:36
بأنَّ الدِّين أشبَهُ ما يكونَ بشيءٍ قد تمَّ تسليكه في الإنسان - 00:02:42
"religion is hardwired in humans" - 00:02:46
يعني: هو مُكوِّنٌ صميميٌّ في الإنسان، مختلِطٌ بلحمه ودمه كالشَّرايين والأعصاب، - 00:02:50
وهي حقيقةٌ ضاربةٌ في عمق التَّاريخ، - 00:02:56
حتَّى قالَ المؤرِّخ الإغريقيُّ بلوتارك "Plutarch": - 00:03:00
"إذا سافرتَ عبر العالم فمِن الممكن أن تجد مدنًا بلا أسوارٍ، بلا آداب، - 00:03:02
بلا ملوكٍ، بلا ثروةٍ، بلا مسارحَ، ولكنْ، لم يكن هناك يومًا - 00:03:07
-ولا يمكن أن يكون في يومٍ من الأيامِ- مدينةٌ بلا معبدٍ يمارس فيه الإنسانُ العبادةَ" - 00:03:12
والأمر -إخواني- لا يحتاج دراساتٍ ولا النَّظر في التّاريخِ؛ بل الإنسان يجده مِن نفسه؛ - 00:03:19
أنَّه إذا وقع في الشَّدائد تحرَّك في نفسه معنًى، لا يستطيع دفعه - 00:03:24
بأنَّه ثمَّة قوَّةٌ عُليا بمقدورها إنقاذه، ووجدَ مِن حالِه طلبًا، - 00:03:28
والتجاءً لربِّه أن يخلِّصه من هذا المأزقِ، لذلك فمن أمثلة الغرب: - 00:03:34
"There are no atheists in foxholes" - 00:03:39
أي: "لا يوجد ملحدون في الخنادق" - 00:03:41
يعني: خنادق الحرب، عندما يتعرَّضون لأخطارٍ تهدِّد حياتهم - 00:03:43
قد يُكابر الملحدُ، وقد تجد مجموعةً من الجنود الجبناء، - 00:03:49
الَّذين يتسلَّون بقتل المدنيِّين، واغتصاب أعراضهم، وليسوا في خطرٍ حقيقيٍّ، - 00:03:53
ومع ذلك يكتبون لوحةً عليها: - 00:03:59
"atheists in foxholes" أي: ملحدون في الخنادق - 00:04:01
وقد تجد الملحدين يُكثِرون مِن التبجُّح بأنَّهم ليسوا بحاجةٍ إلى الله، - 00:04:07
بل وكثيرًا ما يشتمون الله، مع أنَّ الأصل أنَّهم لا يؤمنون بوجوده - 00:04:12
فكيف يشتمون شيئًا غير موجودٍ؟! - 00:04:17
لكنَّ ترديدهم المَرَضيَّ لمثل هذه العبارات -بمناسبةٍ أو بدون مناسبةٍ- - 00:04:20
يدلُّ على نفسيَّاتٍ مُتصارِعةٍ، تُغالِب صوتًا عميقًا فيها وتحاول كَبْتَه، - 00:04:25
وإلَّا لَمَا احتاجوا إلى هذه الضَّوضاء، خاصَّةً وأنَّ الملحد لا ينتظر جزاءً أخرويًا - 00:04:32
على الاستعلانِ بمعتَقَدِه، ولا لديه دوافع أخلاقيَّةٌ مطلقةٌ تدفعُه إلى استنقاذ النَّاس - 00:04:37
مِن ضلال الإيمان بالله -حَسْبَ معتقده- - 00:04:42
ولفراغٍ يعصف بكثيرٍ من الملاحدة، بعد أن أنكروا هذا المكوِّن الِفطريَّ - 00:04:46
الَّذي يفرِض نفسه عليهم، - 00:04:51
بدأوا بتأسيس لونٍ من التَّجمُّعات الإلحاديَّة على نحوٍ طُقوسيٍّ مشابهٍ -إلى حدٍّ بعيد- - 00:04:53
التَّجمُّعاتِ الدِّينيَّة، مثل: ما يعرف بكنائسِ الملاحدة (كنائس الملحدين) - 00:05:00
"atheist churches" - 00:05:06
والَّتي بدأت بالانتشار في دولٍ متعدِّدةٍ، كأمريكا وكندا وبريطانيا - 00:05:08
في تعبير واعٍ أو غير واعٍ عن مكنُونٍ فطريٍّ، يبحث عن شكلٍ مِن أشكال التَّنفيس - 00:05:12
وصَدَق ابن القيِّم إذ قال: - 00:05:20
"إنَّ في القلب فاقةً -أي حاجةً- لا يسدُّها شيءٌ سوى الله تعالى أبدًا، - 00:05:21
وفيه شعثٌ -يعني تفرُّق- لا يلمُّه غير الإقبال عليه، - 00:05:27
وفيه مرضٌ لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده" - 00:05:31
فنحن لا نتكلَّم عن التِّنِّين، ولا عن بابا نويل، - 00:05:36
بل عن شعورٍ عميقٍ يجده عامة النَّاس من أنفسهم عبْر القرون، - 00:05:39
ويهجم سؤاله على مُنكرِه، ويفرض نفسه عليه مرةً بعد مرةٍ، ويبحث عن متنفَّسٍ له - 00:05:43
نتكلَّم عن معتقدٍ تتكامل الحزمة الفطريَّة لخدمته والتَّوجيه إليه، - 00:05:50
-كما وضَّحنا في الحلقة الماضية- - 00:05:56
وليس عن معتقداتٍ خرافيَّةٍ، لا علاقة لها بهذه الحزمة ولا تكاملها ولا توجيهها - 00:05:58
يقول لك الملحد: الإنسان قد يشعر بحُبِّ التَّسَلُّط، - 00:06:04
والذَّكر قد يشعر بالرَّغبة في الاعتداءِ الجنسيِّ على الأنثى، - 00:06:08
وأنتم مع ذلك -أيُّها المؤمنون بالله- تعتبرون هذه نزعاتٍ سيِّئةً - 00:06:11
فنقول لهم: ميل النَّفس لطباِئع الهوى والشَّهوات ليس مُعكِّرًا على ما نحن فيه، - 00:06:16
فمَعَ ما في بعض النَّاس من ميلٍ للرَّذائل إلَّا أنَّهم لا يصحِّحون هذا المَيل، - 00:06:22
ولا يرونه حسنًا ولا حقًّا، بل يعتقدون فساده؛ فالمكوِّن الفطريُّ هنا -وهو النَّزعة الأخلاقيَّة- - 00:06:28
متضمِّنٌ للاعتراف بفساد الميل للشَّهوات الرَّديئة، - 00:06:35
والإنسان يعلم أنَّ ميوله هذه باطلةٌ بتأثير الفطرة الَّتي نتكلَّم عنها - 00:06:39
فهذه حجَّةٌ لنا لا علينا. - 00:06:45
أقرَّ كثيرٌ من الملحدين بأنَّ نزعة التَّديُّن والتَّصديق بوجود الله، - 00:06:47
يتجاوز التَّأثير الخارجيَّ والبيئيَّ، وأنَّه مكوِّنٌ مركزيٌّ في الإنسان - 00:06:51
ماذا فعلوا؟ هل آمنوا؟ لا؛ فالإلحاد لا يبحث عن الحقيقة، - 00:06:57
بل إذا بانَ بُطلانُ ما كان يعتقده بَحَثَ عن أيَّ متعلَّقٍ آخر، غيرَ الإيمانِ بالله - 00:07:01
قالوا: نزعة الإيمان بالخالق ليست بالضَّرورة أن تكون مطابقةً للحقيقة، - 00:07:07
بل قد تكون مجرَّد توهُّم أنتجته العشوائيَّة، - 00:07:12
قد تكون صفةً انتخبتها الطَّبيعة لتساعد الإنسانَ على البقاء، - 00:07:15
وسنبحث عن سببٍ ماديٍّ لنزعة التَّديُّن، - 00:07:21
وبدأتْ بالفعل تتشكَّل مجالاتٌ معرفيَّةٌ خاصَّةٌ لدراسة هذه الظَّاهرة - 00:07:23
فقد تفرَّع عن علم الأعصاب الـ"Neuroscience"، - 00:07:28
ما بات يعرف بـ "neurotheology"، أي: علم اللَّاهوت العصبيّ؛ - 00:07:31
وهو مجالٌ بحثيٌّ يسعى للكشف عن طبيعة الصِّلة بين الجهاز العصبيّ وظاهرة التَّديُّن - 00:07:37
بل بلغ الأمر إلى التَّفتيش عن جينٍ مسؤولٍ عن نزعة التَّديُّن هذه - 00:07:43
فقد نشر عالم الجينات الأمريكي (دين هامر) "Dean Hamer" - 00:07:48
كتابًا سنة (2005) بعنوان: - 00:07:52
The God Gene: How Faith Is) (Hardwired into Our Genes - 00:07:55
يعني: (الجين الإلهي: كيف ضُمِّن الإيمانُ في جيناتنا)، - 00:07:59
وتجد مؤلَّفاتٍ في البحث عن الجزء من الدِّماغ المسؤول عن الإيمان بوجود خالقٍ، - 00:08:05
ككتاب Matthew Alper: (The God Part of the Brain) - 00:08:10
يعني: (الجزء المتعلِّق بوجود خالقٍ في الدِّماغ) - 00:08:15
بدايةً، لاحِظ أنَّ هؤلاء الملحدين - 00:08:18
لم يبحثوا عن تفسيراتٍ ماديَّةٍ لقناعة بعض النَّاس بوجود التِّنِّين، - 00:08:20
ولا لأمثلة الملحدين السَّخيفة الَّتي يضربونها ليقولوا أنتم تفترضون وجود إلهٍ، - 00:08:24
وأيُّ إنسانٍ قد يفترض شيئًا آخر، - 00:08:30
كـ(وحش الإسباغيتي الطَّائر)، أو (الإبريق الدَّائر في الفضاء) - 00:08:32
لأنّه فرقٌ -كلَّ الفرق- بين هذه المعتقدات والأمثلة السَّخيفة، - 00:08:36
وفي المقابل نزعة التَّديُّن الأصيلة شديدة العمق في الجنس البشريِّ - 00:08:40
لكن لحظة، أنتم أيُّها الملحدون ماذا تفعلون؟ - 00:08:46
"نبحث عن تفسيرٍ ماديٍّ للتَّديُّن" - 00:08:49
حسنًا... - 00:08:51
وعلى فرض أنَّكم وجدتُم تفسيرًا ماديًا لنزعة التَّديُّن، - 00:08:53
عليكم أن تجدوا تفسيراتٍ ماديَّةً للمكوِّنات الفطريَّة الأخرى، - 00:08:57
الَّتي تكلَّمنا عنها في الحلقة الماضية - 00:09:01
سنرى في حلقةِ (الشُّعور بالإرادة الحرَّة) - 00:09:05
بُطلان محاولة تقديم تفسيرٍ ماديٍّ جينيٍّ لكلِّ شيءٍ - 00:09:07
وتحوُّله إلى سخافةٍ مُبتَذَلةٍ - 00:09:12
ومع ذلك نقول: فلنفترِض جدلًا أنَّكم وجدتم جيناتٍ لنزعةِ التَّديُّن، - 00:09:15
وأخرى للضَّروراتِ العقليَّة، ومجموعةً ثالثةً للأخلاق، ورابعةً للغرائز، - 00:09:20
وخامسةً للشُّعور بالغائيَّة، ومجموعةً سادسةً من الجينات للإرادة الحرَّة، - 00:09:26
وهو ما يبدو متناقضًا طبعًا، كأنَّنا نقولُ: جيناتٌ تجبرك على أن تكونَ حرًا! - 00:09:31
لكن، فلنفترض.. فلنفترض أنَّكم وجدتُم هذا كلَّه، - 00:09:37
ما هذه الحُزمة المتناسَقة الموجَّهة الَّتي تجعل النَّاس مؤمنين بوجود خالقٍ، - 00:09:41
محبِّين لعبادته، مُلتجِئين إليه، مالكين لضروراتٍ عقليَّةٍ يفهمون بها مُرادَه، - 00:09:46
ونزعةٍ أخلاقيِّةٍ منسجمةٍ مع أوامِره، - 00:09:53
وشعورٍ بالغائيَّة يدفعهم للبحث عن مراده والالتزام به، - 00:09:56
وإرادةٍ حرَّةٍ يختارون بها طاعته أو معصيته، - 00:10:00
وغرائز تضمَن استمرار جنسهم في هذه الأرض خلال فترة اختبارهم...؟ - 00:10:03
حتَّى.. لكأنَّ عشوائيَّتكم تعبُّد ربَّنا! - 00:10:08
إن وجدتم هذه الحزمة، فما هو إلَّّا دليلٌ آخرٌ على عِظم هذا الخالق، - 00:10:12
الَّذي أودَعَها في البشر، وكامَلَ بينها وجعلها منسجمةً مع أوامره الشَّرعيَّة - 00:10:17
يُجيبك كِبْرُ الإلحاد فيقول: - 00:10:23
"بل كلُّ هذه النَّزعات لا تعني بالضَّرورةِ شيئًا، ووجودها لا يعني صحَّتها" - 00:10:25
وحقيقةً -إخواني- وإن كان فيما تقدَّم كفايةً لمن أراد الهداية، - 00:10:30
لكنَّنا سنستمرُّ في مناقشة الملحد، لما في هذه المناقشة من فوائد - 00:10:35
سنرى في الحلقات القادمة.. - 00:10:40
ما نتائج قول الملحد: أنَّ ما يجدُه الإنسانُ مِن نَفْسه ضرورةً مِن هذه المكونات - 00:10:42
لا يلزم أن يكون حقًّا في حقيقةِ الأمرِ؟ - 00:10:48
فمحطَّتنا التَّالية هي مع (الضَّرورات العقليَّة) - 00:10:51
وهي حلقةٌ مهمَّةٌ غزيرةُ النَّفعِ -بإذن الله- - 00:10:54
فتابعونا... - 00:10:57
والسلام عليكم ورحمة الله - 00:10:58